هل نحن بصدد دورة علاقات قوية جديدة للقاهرة مع واشنطن؟ تبدو البوادر مغرية بالتصديق، فقد كان الاتصال الهاتفي لدونالد ترامب مع الرئيس السيسي هو الثاني في المنطقة.
وكان الاتصال الأول للرئيس الأمريكي الجديد بعد تنصيبه مع رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ودعاه إلى زيارة رسمية لواشنطن، تماما كما دعا الرئيس السيسي من بعده، وهو ما يعكس أولويات ترامب، وما يتصوره من دور لمصر في التعاون مع السياسة الأمريكية، خاصة أن الرئيس السيسي كان من الذين راهنوا على فوز ترامب، والتقاه في نيويورك قبل شهور، وقت أن كان مرشحا للرئاسة الأمريكية، واستمر اللقاء الدافئ لوقت طويل، قياسا إلى لقاء بارد مع المرشحة المنافسة هيلاري كلينتون، وبدا أن «كيمياء توافق» ما تجمع السيسي إلى ترامب، وكلاهما عموما من أشد المعجبين بزعامة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ولأول وهلة، يبدو التفاهم الشخصي مؤثرا، والموقف من جماعة الإخوان في الأولويات، فالقاهرة الرسمية تدرج الإخوان في خانة الجماعات الإرهابية، وبوتين فعلها في روسيا من زمن طويل، وإدارة ترامب تبدي استعدادا، وأرسلت إشارات في شهادة ريكس تيلرسون ـ وزير خارجية ترامب ـ أمام الكونغرس، التى أدرجت الإخوان مع «القاعدة» و»داعش» و»الحرس الثوري الإيراني» في سياق متقارب، وثمة تحركات نشيطة في الكونغرس لإحياء مشروع قانون للسيناتور تيد كروز، يدرج «الإخوان» في القائمة الأمريكية لجماعات الإرهاب.
كل ذلك لا يعني أن الطريق بات سالكا بالضرورة، فليس كل ما يريده ترامب يستطيع عمله، فصحيح أن الرجل رئيس جمهوري، وصحيح أن أغلبية مجلسي النواب والشيوخ من الجمهوريين، لكن ترامب لا يمثل سوى جناح يخصه من الحزب الجمهوري، وقادة كثيرون في الحزب يعارضون ترامب، ويفزعون من فظاظته، وقد لا يتحمسون لإقرار قانون «إرهابية» الإخوان، مع توقع معارضة محسوسة بالطبع من نواب الحزب الديمقراطي الذى خسرت مرشحته هيلاري، ويقود المعارضة لترامب في الكونغرس والشارع، ويتصدى مع آخرين لعنصرية ترامب، وربطه الآلي الجهول بين الإسلام والإرهاب، وعداوته الظاهرة للأقلية المسلمة في أمريكا، كما حربه المعلنة ضد اللاتينيين والزنوج، وكلها ثغرات قد تفيد جماعة الإخوان سياسيا، وتغل يد ترامب إلى حد ملحوظ.
وقد لا تكون «حكاية الإخوان» هي الأكثر أهمية في علاقات القاهرة الجديدة مع واشنطن، فثمة عنوان أخطر هو المعونة وتوابعها، وقد تعرضت المعونة العسكرية لمصر إلى التقليص في سنوات أوباما الأخيرة، وبالذات بعد 30 يونيو 2013، وإزاحة الرئيس الإخواني محمد مرسي، ولم يدم توقف المعونة كليا سوى 14 شهرا، عادت بعدها للتدفق جزئيا، مع لقاء أوباما والسيسي على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، وهو ما مثل وقتها اعترافا وتسليما من واشنطن بالوضع الجديد في مصر، ولكن دون توافق تام، فقد تباطأ توريد شحنات الأسلحة الأمريكية إلى مصر، وتأخرت إعادة طائرات «الأباتشي» التي احتجزتها أمريكا بدعوى الصيانة، ولم تفوت القاهرة الفرصة، واتخذت قرارها التاريخي بتنويع مصادر السلاح، والبدء في صناعات عسكرية مشتركة مع آخرين، ودون إيقاف لاتفاقات مشتركة أقدم مع واشنطن، وربما تتطلع القاهرة لاستفادة مؤثرة من علاقات التفاهم الأفضل مع ترامب، وإبداء الرئيس الجديد رغبته في دعم القاهرة بحربها ضد الإرهاب، وربما تزويدها بتكنولوجيا سلاح أكثر تقدما، وبما يعين مصر على تسريع وتيرة الفوز الكامل في الحرب الجارية بمنطقة محصورة أقصى شمال شرق سيناء، كذا الحصول على تفاهم سياسي، يتيح إتمام النجاح الذي حققته القاهرة في إعادة ترتيب الوضع الليبي المجاور، خاصة أن مصر جمعت في يدها أوراقا مؤثرة، وبما يمكنها من لعب الدور المحوري في صياغة مستقبل ليبيا، ومع فرص متاحة للعب دور أكبر في حل الأزمة السورية، وهو ما يزيد من مكانة مصر، ودورها المؤثر في تفاعلات المنطقة، ويدفع واشنطن إلى توطيد علاقاتها مع القاهرة، وتشجيع الشركات الأمريكية الكبرى على زيادة استثماراتها في مصر.
إذن، فثمة فرص تلوح، واحتمالات قوية لتطوير علاقات القاهرة مع واشنطن، خاصة بعد تآكل علاقات التبعية القديمة، وميل القاهرة الرسمية إلى انتهاج سلوك براغماتي، والسير على خطوط متوازية، لم تعد تتأثر كثيرا بتباطؤ أو انتعاش المعونة العسكرية الأمريكية، ودون غلق الباب على استفادة من تكنولوجيا سلاح تملكها أمريكا دون غيرها، وقد يكون ذلك مما يخدم المصريين، ويجعل العلاقات أكثر سلاسة، وربما تكون شخصية ترامب العملية جدا، وضعف حساسيته إزاء تطور علاقات مصر مع روسيا، ربما يكون ذلك مفيدا في خلق مساحة استقلال مطلوبة لعلاقات القاهرة مع واشنطن، دون ربطها ميكانيكيا مع علاقات القاهرة بتل أبيب، وهذه هي المشكلة الكبرى المعيقة، فصحيح أن القاهرة تلتزم رسميا بما يسمى معاهدة السلام مع «إسرائيل»، لكنها ـ أي القاهرة ـ تريد تعديلا جوهريا في المعاهدة، وفي ملاحقها الأمنية بالذات، يعترف رسميا بالأمر الواقع الجديد في سيناء، وهو أن مناطق نزع السلاح اختفت عمليا، وعاد الجيش المصري بكامل هيئته حتى حافة الحدود التاريخية لمصر مع فلسطين المحتلة، وهو إنجاز يتم لأول مرة منذ ما قبل هزيمة 1967، ويتجاوز القيود الأمنية المذلة التى فرضتها المعاهدة المشؤومة، وفيما أبدت تل أبيب قدرا من التعاون الأمني، سهل مهمة القاهرة في فرض وقائع السلاح الجديدة، وبما خلق واقعا لن تعود القاهرة عنه أبدا، بينما تريد إسرائيل تصوير الأمر كحالة طارئة، ولا تريد التسليم رسميا بالتغير الذي جرى، وطالب الرئيس السيسي على أساسه بتعديل «معاهدة السلام» في خطاب تنصيبه، وهذه قضية جوهرية متصلة بدور واشنطن، فأمريكا هي الضامن للمعاهدة، ومتحالفة مع إسرائيل في إلزام مصر بقيودها، وترامب كأي رئيس أمريكي، يعطى أولوية مطلقة لعلاقات واشنطن مع تل أبيب، ويزيد ترامب عن سابقيه في إبداء الولاء لإسرائيل، وفي تأكيد التطابق الاستراتيجي بين أمريكا وكيان الاغتصاب الإسرائيلي.
ودعا نتنياهو للقاء قمة قبل لقاء السيسي، ويعتزم نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، وعين صهره اليهودي كوشنر مبعوثا لما يسميه «السلام» في الشرق الأوسط، وهذه كلها مصائب، لن تكون مريحة تماما للقاهرة الرسمية، وربما تزيد من حرج العلاقات الناشئة مع ترامب، فنقل سفارة واشنطن إلى القدس، وتأكيد الاعتراف الأمريكي بدعوى كون القدس «عاصمة أبدية موحدة» لإسرائيل، وأيا ما كان موضع السفارة المنقولة، في القدس الغربية أو في القدس الشرقية، وأيا ما كان التحايل في تفرقة مزمعة بين محل إقامة السفير في أي مكان بالقدس، مع الإبقاء على السفارة نفسها في «تل أبيب»، أيا ما كانت صورة القرار المتوقع لترامب، فسوف تثير عاصفة غضب كبرى في العالمين العربي والإسلامي، وسوف تنسف أي دعاوى عبثية لتنشيط ما يسمى مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتدفع ربما إلى انتفاضة فلسطينية جديدة، وهذه كلها تطورات واردة، لا تستطيع مصر الرسمية أن تعزل نفسها عنها، فمصر هي قلب العالمين العربي والإسلامي، والشعب المصري أكثر شعوب الدنيا كراهية للصهيونية والسياسة الأمريكية المنحازة إليها، وفلسطين قضية وطنية مصرية بامتياز، والمصريون هم الأكثر تضحية في كل جولات الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وعقيدة الجيش المصري راسخة، لم تتغير، رغم عقد المعاهدات إياها، ووجود إسرائيل في ذاته خطر على الوجود المصري في ذاته، وكلها عناصر كامنة مؤثرة، لا يستطيع أي حاكم مصري الخروج بالكامل عن مقتضياتها، فلا يستطيع الرئيس السيسي، بعد نقل السفارة الأمريكية المتوقع إلى القدس، أن يواصل كلاما عن مبادرة سلام جديدة، ولا أن يجد مؤازرة من طرف فلسطيني يعتد به، وربما لا يملك وقتها فرصا مريحة، ولا سياقا آمنا لتطوير علاقات القاهرة مع واشنطن، وهذا هو المأزق المتوقع، فقد لا يمكن وقتها الجمع بين نقيضين، أي التنديد بقرار ترامب، مع توثيق العلاقات معه في نفس واحد، وإذا حدث العكس لا قدر الله، وقررت القاهرة الرسمية تجاهل قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، فلن تكون المشكلة وقتها فقط في مصاعب تطوير العلاقة مع واشنطن، بل ربما يتطور الوضع إلى مشكلة إضافية للرئيس في علاقته بالشعب المصري، وربما لا يحتمل الوضع الحرج مزيدا من الأزمات.
يبقى، أنه لا أحد يكسب أبدا بالرهان على غيره، والأفضل هو الرهان على الذات، فلن يقلع لنا أشواكنا غيرنا، وقد يكون من العقل أن نفيد من تطورات العالم الجديدة، ومن التغير المحسوس في أدوار القوى العظمى، وبينها أمريكا بالضرورة، وفي لحظة حاسمة، يعاد فيها تشكيل العالم، وإعادة صياغة المنطقة العربية، ورسم خرائط الأدوار المؤثرة فيها، والتطلع لاستعادة الدور القيادي لمصر، وكل هذا مفهوم ومشروع ومقدر، ولكن بشرط عدم الانزلاق إلى رهان في غير موضعه، أو لا يكون محسوبا على نحو دقيق، يعطي المصلحة الوطنية المصرية أولويتها المطلقة، ويعطي الدور القيادي لمصر عربيا أفضليته الحاسمة، فاقتران الوطنية المصرية بالقومية العربية اختيار بلا بديل، أكدت عليه دروس سنوات الضياع وانحطاط مصر وتدهور مكانتها، ولأسباب بينها وضع السادات 99% من أوراق اللعبة بيد أمريكا، ومنح المخلوع مبارك لواشنطن مئة بالمئة من أوراق مصر، بما انتهى بنا إلى خراب وبوار، لن يجعله الرهان المجاني على ترامب عسلا ولبنا و»تفاح أمريكاني».
كاتب مصري
عبد الحليم قنديل
هل قرأ الكاتب المحترم تشبيه نيويورك تايمز لترامب بسيسي امريكا..؟؟!! نعم فقد اشارت هذه الصحيفه العريقه الى ان ترامب ليس الا النسخه الامريكيه للسيسي وفي ظني ان هذا التشبيه يستند الى ان كلاهما يتحدث بنفس الطريقه السوقيه وما يوقولونه يرقى الى مرتبه الهذيان, اضف الى ذلك شعور كل منهما بأنه جاء الى السلطه عن طريق البلطجه والتدليس. اما الحميميه المشتركه بينهما اتجاه اسرائيل فأسبابها تحتلف لدى الطرفين,حيث ان غرام ترامب بأسرائيل يأتي جريا” على العاده لدى رؤوساء امريكا السابقون اضافه الى ان اسرائيل هي الكيان الوحيد من بين دول العالم التي تستمتع بالانصات اليه عن قناعه ورضى اصيلين, اما غرام السيسي بأسرائيل فهو لقناعته ان الوصول الى قلب اسرائيل والحصول على رضاها هو السبيل الوحيد للتمتع بحنان امريكا ودفء حضنها الواسع جريا” ايضا” على عاده الحكام العرب.