خرج يوسف الحسيني مذيع «أون تي في»، إلى أهله يتمطى، في آخر حلقة له من برنامج «السادة المحترمون»، فقد كان ضيفه هو وزير التعليم في أول تشكيل حكومي بعد الإنقلاب العسكري الدكتور حسام عيسى، وبدا «الحسيني» وصاحبه، على يسار النظام في قضية الجزر!
الوزير والمذيع ظهرا في محاولة «غسيل سمعة»، وقد ارتبطا بالنظام الإنقلابي، وهناك حديث عن ثورة في الطريق، إن لم يتقربوا منها انتهوا تماماً، والمذيع كان يقدم نفسه على أنه ينتمي لثورة يناير، والثاني ظل حياته كلها يعامله الناس على أنه ناصري ينتمي للمعارضة في عهدي السادات ومبارك، قبل أن يكتشف الرأي العام أنه كان ينتظر الفرصة، وقد جاءته في أرذل العمر، فعض عليها بالنواجذ، وتجاوز حدود دوره كوزير للتعليم العالي، وقرر أن يقوم بصبي للمعلم المنقلب على رئيسه، تقرباً إليه بالنوافل، لدرجة أن عيسى نيابة عن الحكومة من أعلن القرار الذي تخلق في رحم البطلان من أن الإخوان المسلمين جماعة إرهابية!
لم يعلم حسام عيسى، أن السيسي كان يريده «لمسافة السكة»، ولإعطاء شكل مدني لانقلابه العسكري، فكان استدعاء حازم الببلاوي رئيساً للحكومة ومعه نائبه زياد بهاء الدين من الحزب المصري الإجتماعي، كما تم استدعاء نائب رئيس الحزب الناصري سابقاً ونائب رئيس حزب الدستور حسام عيسى لوزارة التعليم العالي، وجرى استدعاء المناضل العمالي «كمال أبو عيطة» لوزارة القوى العاملة. ولأنهم ظنوا أنهم شركاء في انقلاب «30 يونيو»، فقد دافعوا عنه بشدة، إلى أن استيقظوا ذات صباح ليجدوا أن السيسي قد أطاح بهم، وقرر اللعب على المكشوف بتعيين عضو لجنة السياسات في الحزب الوطني الحاكم في عهد مبارك إبراهيم محلب رئيسا للحكومة الجديدة!
كانت صفعة مدوية على وجوه القوم، لكن لأنهم هانوا على أنفسهم، ومن يهن يسهل الهوان عليه، وانبطحوا أكثر مما ينبغي، فقد كانوا كمن رقصت على السلالم، فلا هم استمروا في الحكومة، ولا أمكنهم أن يستمروا في لعب دور المناضلين، أتحدث عن عيسى وأبو عيطة، فزياد تقدم باستقالته، والببلاوي لم ينجح في أن يقدم نفسه يوماً باعتباره رجل سياسة وإن انتمى إلى أحد أحزاب ما بعد ثورة يناير!
ماما لميس
وفي المقابل كان هناك يوسف الحسيني، أحد إفرازات «ظاهرة المتحولين»، الذين ارتدوا لباس الثورة بعد تنحي مبارك، وهي ظاهرة بدأت ونحن في «ميدان التحرير» عندما اطلعت على جريدة «المساء» الحكومية في أحد الأيام فظننت أنها حررت من قلب الميدان، وهؤلاء الإعلاميون كانوا دائماً ينتمون للمجلس العسكري الحاكم، وهم من انحازوا للانقلاب، عندئذ كانت لميس الحديدي تقوم بدور «أم الثوار» مع أنها كانت المسؤولة الإعلامية في حملة مبارك، في آخر انتخابات له، وكانت تستضيف منسق حركة تمرد «محمود بدر»، وهو من كان ينتمي للثورة، ومن هذا الباب تم إدخال الغش والتدليس على الناس، وكانت «لميس» بعاطفة الأم في برنامجها تسأل ضيفها فتشعر بالحنان الفطري وهي تناديه باسمه مع كل سؤال: «محمود»، فيحرص «محمود» مع كل إجابة على أن يقول «أستاذة لميس»، يوشك أن يقول لها يا «آبلة» ويشتق منها «أبلتي»!
«الحسيني»، بدا من التسريبات يتم التعامل معه ليس فقط بحسبانه من الأذرع الإعلامية للسيسي، ولكنه صبي من صبيان المعلم في مجزر السيدة زينب، وبدا هذا واضحاً عندما ذكر «عباس كامل» سكرتير عبد الفتاح السيسي اسمه مسبوقا بلقب «الواد»، وهي عامية «الولد»، لكن استمرار السيسي ليس مضمونا، فأراد أن يكون أداؤه مختلفاً، ليجد له موقعاً إذا قامت الثورة وأطاحت بالمعلم. وتلاقت الإرادات: إرادة الحسيني مع إرادة الوزير السابق الذي لم يطل عنب الشام ولا بلح اليمن، فلا هو استمر وزيراً، وهو المنصب الذي لم يحلم به يوماً، ولا حافظ على مكانته في الأوساط السياسية كمعارض محترم!
كانت المناسبة هي جزيرتي «صنافير وتيران»، وقيام دولة السيسي بتسليمها للمملكة العربية السعودية، على أساس أنهما كانا «سلفاً ودينا»، ويقال في الأمثال: «السلف تلف والرد خسارة»، وأراد «الحسيني»، أن يؤدي أداء مختلفاً عن أداء الجوقة الإعلامية، فدافع عن ملكية مصر لهما، واستدعى «حسام عيسى»، ولم يخرجا عن إطار «الأدب الفلبيني» المعروف في التعامل مع السلطة التي فرطت في الأرض، وإنما كما هي عادة المعارضة في عهد مبارك فالحكومة هي المسؤولة، مع أن السيسي في خطاب سابق دافع عن هذه الحكومة وندد بمن يعترض على أدائها على أساس أنه يعرفها أكثر منا لأنه يقضي معها يوميا أكثر من ست ساعات، ولا نعرف ماذا تبقي من «الدوام» اليومي لهذه الحكومة للعمل ما دامت تقتطع يوميا كل هذه الساعات لتسمع لتوجيهات السيسي؟!
سوابق الحسيني
لقد ظن «الحسيني» أن سوابقه في تأييد السيسي تشفع له لتمرير هذا الموقف، وهو الذي تحمل «قفاه» الصفعات في الزيارات الخارجية لقائد الانقلاب، وربما كان يظن وقتها أن قفاه ملك للوطن، ولأن السيسي يقدم نفسه دائماً على أنه مصر، وخصومه يعملون على هدمها، فقد ظن «الحسيني» أنه يفتدي الوطن بقفاه!
في إحدى المرة بدا السيسي مهتما بقفا «الحسيني»، وطلب بالتحقيق مع الجناة، وألقت الشرطة القبض على عدد منهم، وبدا واضحاً أن «الحسيني» له مكانة متميزة عن غيره من الأذرع الإعلامية، بمن في ذلك أحمد موسى، الذي نال «قفاه» أكثر مما نال «قفا الحسيني» من صفعات، ويمكن لنا أن نستشف هذا من عرض منصب المحافظ «مرتين» عليه!
كل هذا جعل صاحبنا يظن أنه مقرب من السيسي بما يسمح له أن يكون له رأيا مختلفاً في قضية الجزر، وربما ظن أنه شريك في الحكم، ولم يعلم أن العسكر لا يؤمنون بفكرة الشراكة، وأن من ينحاز لهم هو إما «جندي مجند»، أو «عسكري مراسلة»، ولديهم حساسية مفرطة تجاه أي شخص يشعر بذاته ولو في دورة المياه وهو يقضي حياته!
سنظلم جمال عبد الناصر إذا استدعيناه في ساحة يُذكر فيها السيسي، وسنكون في حكم من أساء لميت في قبره بذلك، فالفرق بينهما هو الفارق بين «السما والعمى»، لكن استدعاءه هنا ضرورة للوقوف على أسلوب العسكر في التفكير!
«ناصر» كان قارئاً، ويعرف عدداً من كبار الكتاب، ويعرف مقام من لا يعرف من كبارهم بحكم كونه يقرأ لهم، ولا أظن أن السيسي قرأ مقالاً في حياته خارج المقرر الدراسي. وبعد ثورة يوليو 1952، ربما كانت المفاجأة في إسراف كبار الكتاب هؤلاء في نفاق العهد الجديد، وفي زيارته لمؤسسة «أخبار اليوم» الصحافية وهو رئيس للجمهورية اجتمع بهم وفي نفسه هيبة القارئ، لكنه فوجئ بقامة مثل «محمد التابعي» يغادر موقعه ويقول إنه لشرف أن يجلس على كرسيه جمال عبد الناصر!
ورغم أن الصحافة كانت خاصة إلا أن السلطة كانت تتدخل في تعيين رؤساء التحرير، وكان كبار الكتاب يبالغون في إثبات الولاء والطاعة للعهد الجديد، ولم يشفع كل هذا من إصدار عبد الناصر قرار تأميم الصحف لتؤول ملكيتها للسلطة.
تأميم الصحافة
في كتابه «بين الصحافة والسياسة» يقول «هيكل» إنه سأل عبد الناصر عن سبب إقدامه على التأميم وكل أصحاب الصحف وكبار الصحافيين يتنافسون على كسب رضاه؟ فقال لأنه لا يأمن لمن يؤيده خائفاً؟ وهؤلاء يؤيدونه لأنهم يخافون من بطشه!
وقد كان إحسان عبد القدوس بالنسبة لعبد الناصر «الأستاذ المعلم»، التي كانت حملته على ما سمي بالأسلحة الفاسدة سبباً في حركة ضباط الجيش في 1952، وكان لهذا يناديه بـ «جيمي»، لكن «جيمي» سجن أستاذه بلا مبرر، ليخرج من المعتقل ويخاطبه بـ «سيادة الرئيس»، فتلمع عينا «جيمي» وهو يقول له: «لقد غيرك السجن كثيرا يا إحسان». فقد توقف عن مناداته بـ «الأستاذ»، ليصبح اسمه «إحسان» مجرداً!
هذا هو نمط تفكير الحاكم العسكري، الذي دنى منه «الحسيني» فظن أنه أصبح «ابنه البكر»، ومن حقه أن يختلف، ومن حق والده أن يسمع له على قاعدة «إذا كبر ابنك خاويه»، أي اتخذه أخاً، لكن لا عبد الفتاح السيسي هو والد «يوسف الحسيني» ولا «الحسيني» هو ابن السيسي بالتبني، فهو حاكم عسكري وكل من في الوحدة العسكرية إما جندي مجند وإما عسكري مراسلة مهمته أن يغسل ملابس قائده ويقود له السيارة، ويشتري الخضار للهانم، ويصطحب الأنجال إلى المدرسة.
لقد صدر الأمر العسكري بوقف برنامج «يوسف الحسيني»، ونفذ صاحب القناة «نجيب ساويرس» الأمر، ليكون «الحسيني» مجرد اسما في قائمة طويلة، كان أصحابها من كورال الإنقلاب العسكري، لكن دورهم في التمهيد للانقلاب لم يشفع لهم، ومن أول يسري فودة، إلى دينا عبد الرحمن، ومن نائلة عمارة إلى أماني الخياط، ومن محمود سعد إلى توفق عكاشة، ومن باسم يوسف إلى ريم ماجد، والأخيرة كانت الأذكى عندما توقفت عن العمل بعد الانقلاب، لأنها عرفت أنه لن يكون متاحاً لها هامشا من الحرية يكفي لأن تتنفس، وعندما قررت العودة ببرنامج نسائي، كان الأمر العسكري بوقفها، فليست هي من تحدد متى تعود؟ كما صدر الأمر العسكري بالإطاحة بمدير عام القناة، وأجبر «ساويرس» على تنفيذ الأمر!
قد يعود «الحسيني» إذا قبل السيسي وساطة الوسطاء، لكنه سيعود وهو يعلم أنه ميت بالحياة.
إنه حكم العسكر الذي لا أمان له ولو صفا، وهو كالدنيا التي إذا حلت أو حلت وإذا أينعت نعت. وحدوووووه.
صحافي من مصر
سليم عزوز
الدوامة التي تعيشها مصر اليوم يتحمل المسؤلية عنها الجميع وللأخوان لهم نصيب بسؤ ادارة المرحلة عندما حكموا ونجحوا بتجنيد كافة القوى ضدهم وسمحوا للجيش أن يستفيد من الأجواء المؤاتية ويتم تتويج السيسي كبطل قومي ومخلص لكي يثبت عكس ذلك فيما بعد.
محمد منصور….فلسطين
العسكر بدأوا التآمر على ثوررة ينايرمنذ اليوم الأول لها . من يفوز بإى إنتخابات حره فى بلد محترم ينفذ رؤيته فى الحكم، ومن لا تعجبه فهناك طرق سلميه للتغيير،والإنقلاب العسكرى ليست واحدةٌ منها. لماذا لاتلومون من ظهاروا الإنقلاب العسكرى من مراهقى السياسة ولم يفكروا للحظه من سوء عملهم.
الثورة المضادة بدأت تأكل أبنائها.سقط هامان والزند… وبدأت الأذرع المطبلة ترمى كالمناديل بعدما فاحت روائحها النتنة، وبدأ التفكير من الآن في الهروب من
المركب الغارق ثم تلون بعض الحربايات بجلود أخرى استعدادا لما هو آت.
لا إله إلا الله