الشباب التونسي و«الجمهورية الثانية»: رفض التوريث في السلطة

حجم الخط
1

تونس – خلود العدولي : تصر الدولة التونسية منذ الثورة على تحويل العدالة الانتقالية من جسر نحو نظام ديمقراطي حقيقي إلى حجّة تدافع بها عن قراراتها غير المنطقية. يعيش الشباب التونسي ظروفا قاسية من البطالة و من انعدام فرص العمل، رغم الشهادات التي يجمعها الطالب التونسي الواحدة تلو الأخرى. بينما لم تقم الدولة منذ الثورة سوى بالاقتراض ناهيك عن الهبات و المساعدات و كل تلك الأموال التي تركها الرئيس المخلوع في قصوره دون أن تستثمر في مشاريع لتشغيل الشباب أو تطوير للتعليم الجامعي أو تشجيع على النشاط العلمي و الثقافي.
يقول هيثم المكّي، و هو إعلامي يقوم بمقاطع ساخرة حول الحالة السياسية عن مدى استفحال ظاهرة الفساد في تونس: «عنّا برشة دولة في فسادنا» أي «لدينا الكثير من الفساد في الدولة». يأتي قانون المصالحة الاقتصادية كأبرز الأمثلة الدالّة على تهاون الدولة في التعامل مع الفساد المالي الذي أغرق البلاد في الديون خاصة و أنّ هذا القانون يدّعي أنّه يشجع على الاستثمار وينهض بالاقتصاد ويجدد الثقة بمؤسسات الدولة ولكن أيّة دولة هي التي تصالح من نهبوا المال العام. هل هي الدولة التي تسعى إلى العدالة والإنصاف و تحقيق المساواة بين جميع المواطنين؟
قانون المصالحة الذي يمنح تسهيلات لمن سرقوا الشعب واختلسوا من أمواله وجد رفضا شديدا في الشارع التونسي و خاصة الشباب الذين عبّروا عن وعيهم بخطورة مشروع هذا القانون في تحركات شملت كل البلاد منذ أواخر صيف 2015 حتى هذه الأيام مطلقين حملة «مانيش مسامح» التي ارتكزت على شعار أساسي «المحاسبة قبل المصالحة».
«مانيش مسامح»، حملة ضمّت آلاف التونسيين و تميّزت بقياداتها الشبابية وبتحرّكاتها المتنوّعة من كتابة الشعارات على الجدران لتعليق صور رجال الأعمال المتوّرطين في قضايا الفساد المالي كما أعلنت الحملة في آخر تحرّك لها في العاصمة عن «حالة طوارئ شعبية» وهي حالة تجّند وتأهب ضدّ أي محاولة قادمة للمصادقة على هذا القانون.
عبّر أحد الشباب الحاضرين في الاحتجاج عن حالة اليأس التي يعيشها الشباب في تونس، وقال: «اعتقدنا أنّ ما بعد الثورة هو زمن العدالة و المساواة و انتظرنا التصّدي لظاهرة الفساد و العمل على النهوض بالمجالات الاجتماعية كالتعليم و الصحة إلاّ أننا صدمنا لعودة الظلم المتجسّد في هذا القانون و غيره من قرارات الدولة فهذا القانون لا يبيّض الفساد فحسب بل إنّه يفرش الأرض وردا لمن سرقوا أموالنا».
تزامن هذا الغضب الشبابي ضدّ قانون المصالحة مع ترشيح الرئيس الباجي قائد السبسي، لزوج ابنته يوسف الشاهد، رئيساً للحكومة المقبلة التي ستخلف حكومة الحبيب الصيد، ومنذ ذلك الترشيح و صفحة حزب نداء تونس تمّجد الشاهد، و تدعمه باعتباره شابّا (40 سنة) ممّا أغضب الشباب الذين ردّوا في تدويناتهم بأنّ الدولة عادت لإقحام العائلة في مجال الحكم وأنّهم لم يسمعوا من الدولة تشجيعا للشباب إلاّ إذا تعلّق الأمر باسم الشاهد.
إنّ الدولة التونسية تعاني من أمراض وراثية لا يبدو أنّ العدالة الانتقالية تمّكنت من التصّدي لها و هذه الأمراض الوراثية هي تلك التي تجذّرت في الجسد السياسي منذ الاستقلال وإلى اليوم من فساد ورشوة وظلم وحكم العائلات، وإن كانت مرحلة ما بعد الثورة قد سميت «الجمهورية الثانية» فإنّ الشعب التونسي هو نفسه. ولهذا فإنّ كل هذه التسميات الرنّانة المبّشرة بالعهد الجديد لم تعد تعني للشباب التونسي شيئا سوى أنّها غطاء جديد تمرّر من خلفه نفس السياسات والتوّجهات القديمة.
ان حالة اليأس و البطالة و التهميش التي يعيشها الشباب التونسي جعلت حالات إنتحار الشباب وحتى الأطفال تتزايد كما أنّ معظم طلاّب الجامعة وأصحاب الشهادات يحلمون بالهجرة لتحسين أوضاعهم و تفعيل طاقاتهم. دولة تقترض. تبيّض الفساد. بيع أراض وشركات وطنية واعتقال الشباب الرافض لأسباب تافهة، ثم تبرّير كل شيء بضرورات العدالة الإنتقالية والاكتفاء بشعار: «نحن في مرحلة بناء وما زلنا نتعلّم».

الشباب التونسي و«الجمهورية الثانية»: رفض التوريث في السلطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول فتحي جربه:

    الشاهد ليس جوز ابنت السبسي و لا توجد قرابه بينهم

إشترك في قائمتنا البريدية