نجحت المعارضة في بلدين متباعدين، ماليزيا وأرمينيا، وفي وقت متزامن تقريبا، في الوصول إلى سدّة الحكم، وتمكنت الأولى من إخراج «الجبهة الوطنية» التي سيطرت على الحكم لمدة ستة عقود، فيما أخرجت الثانية الرئيس الذي سيطر على أرمينيا لعشر سنوات، وحاول إعادة حكمها على طريقة المداورة الروسية (فلاديمير بوتين وديميتري ميدفيديف) عبر استلام منصب رئيس الوزراء، وهو الحدث الذي بدأت المظاهرات الشعبية ضده.
تعتبر ماليزيا من الدول الإسلامية (يدين أكثر من 60٪ من سكانها بالإسلام)، لكنّها أيضاً موطن لإثنيات كبيرة من الصينيين والهنود وأقليات أخرى تدين بديانات عديدة، وهي من الدول التي كانت محتلة حتى عام 1957، ويجري عليها بالتالي ما جرى على بلدان أخرى مستقلة «نامية»، من حيث الإشكاليات التي يخلقها إرث الاحتلال على نظامها السياسي من تدخّل الجيش في السياسة إلى فساد النخب الحديثة وميلها الحثيث نحو الدكتاتورية.
يدين النضال الذي أدّى بالديمقراطية الماليزية إلى هذا المآل المحترم بالفضل إلى شخصيتي قائدين كبيرين هما مهاتير محمد، الذي فاز تحالفه «الأمل» بالانتخابات، وأنور إبراهيم، الذي دفع ثمن معارضته للفساد اتهامات مشينة (وهي اتهامات وجهت لمهاتير أيضا) أودت به إلى السجن، أما التسعيرة الوطنية الكبرى لفساد النظام الحاكم فكانت عمليات اختلاس مهولة للمال العام يقف نجيب رزاق، رئيس الوزراء السابق، وراءها، كما يقف وراء أشكال التعسف والقوانين الظالمة وألوان البلطجة والقمع.
بعكس ماليزيا التي هي بلد مائي وساحليّ، فإن أرمينيا بلد جبليّ أغلبية سكانه مسيحيون، وتحيطه بلدان إسلامية (تركيا وأذربيجان وإيران) من ثلاث جهات، وقد جرت حرب مع اذربيجان بين 1988 ـ 1991 أدت إلى نشوء أزمة إقليم ناغورني كاراباخ الذي انشطر عن أذربيجان وأسس دولة أمر واقع، كما أن للأرمن تاريخا مريرا مع جارتهم الكبرى تركيا، وكانت ارمينيا إحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتي.
أرخى هذا التاريخ السياسي الدمويّ ظلاله على هذه البلاد وصولاً إلى السياق الحالي، فالنظام الحاكم الذي ثار عليه الأرمن موال لروسيا، وهو مسؤول أيضاً عن شبكة كبرى من الفساد والاحتكار الاقتصادي.
وكما أن للمعارضة الماليزية وجهها الكاريزماتي ممثلا بمهاتير محمد، القائد التاريخي، وأنور إبراهيم، المعارض الأصيل، فإن وجه المعارضة الأرمنية كان نيكول باشينيان، وهو رئيس حزب صغير لكن موجة الاحتجاجات الشعبية دفعته لتخطّي حاجز عدد نواب الحزب الحاكم الذي يملك الأغلبية في البرلمان، كما أنها دفعت الرئيس السابق سيرج سركيسيان، رمز النخبة الحاكمة واحتكارها للسلطة، إلى الاستقالة.
تذكّر أمثولتا ماليزيا وأرمينيا، كلتاهما، بالنضالات الكبرى للنخب السياسية العربية في أكثر من بلد عربيّ، وهما أمثولتان عظيمتان لأنهما تعطياننا الأمل بالتغيير.
لنعترف بداية، أن أملنا بالتغيير، تم وأده، بشكل واسع، في أغلب الدول العربية التي ثارت ضد الفساد والطغيان والعسف، ولا يمكن أن نعزو ذلك إلى الشعوب العربية، التي جرّبت كل الوسائل التي جرّبتها الشعوب والنخب في ماليزيا وأرمينيا، من النضال الديمقراطي السلمي المديد، إلى الاحتجاجات الشعبية الواسعة، ووصولا حتى إلى أشكال الكفاح المسلح.
في أرمينيا أوصلت الاحتجاجات الشعبية الرئيس الأرمني للقول إن زعيم المعارضة محق وأنه مخطئ، وهو أمر فعله مهاتير محمد نفسه الذي ابتعد عن السلطة وتقاعد ثم عاد لممارسة السياسة للدفاع عن الديمقراطية في بلاده، واعترف بخطئه في إبعاد خصمه السياسي أنور إبراهيم، وتحالف معه مجددا لما فيه مصلحة شعوب ماليزيا.
لا يتعلّق الأمر إذن بالشعوب العربية ونخبها السياسية، بل يتعلّق بالحلف الواسع الذي نشأ لدعم الثورة المضادة، من جهة، ولتمسّك الحكام العرب بسلطاتهم حتى لو أدى ذلك إلى خراب بلدانهم، من جهة أخرى.
رأي القدس
لا توجد ديموقراطيات حقيقية ببلادنا العربية وإلا لتغيرت الأنظمة الحاكمة فيها !
الأسد أو نحرق البلد, بوتفليقة أو العشرية السوداء, الملك أو سنوات الرصاص, العسكر أو الإنقلابات ولا حول ولا قوة الا بالله
في الدول العربية الأنظمة تساندها الدول الأوروبية كما أمريكا والحال واضخ وجلي في البلدان التي أرادت التغيير كل ذلك من أجل حماية إسرائيل التي تبتز مكوناتها الحكومات الغربية التي في الأصل تكونت وفق هندسة صهيوتية حيث أن شعوبا غربية تستوجب ثورة حتى تُبعد اللوبيات المتحكمة في إرادة الشعوب الغربية ودليل ذلك غليان النقابات العمالية والبريكست البريطاني وحكومة ” التوافق ” في ألمانيا وعدم السيطرة على الجريمة في أمريكا دون نسيان الشعب الروسي المغلوب على أمره. فما بالك بالعرب التي يحلم نخبها أن تتقدم الشعوب.
بسم الله الرحمن الرحيم. رأي القدس اليوم عنوانه (الشعب يغيّر النظام: أمثولتا ماليزيا وأرمينيا)
الشعب يغير النظام عندما يكون بعيدا عن حدود كيان الاغتصاب في فلسطين المحتلة اولا وعندما لا يكون عربيا مسلما ثانيا. معادلة فيها بعض الغموض، اليس كذلك؟
الكيد والغدر والمكر الصهيوماسوني الصليبي الاستعماري المعادي لتطلعات العرب والمسلمين في الحرية والتقدم والازدهار واستقلال القرار ؛ زرع اسرائيل في سويداء القلب العربي الاسلامي في فلسطين الاقصى، لتظل قوية مزدهرة مسيطرة وفي مأمن من جيرتها. وكل ذلك لا يتأتى الا بالتفتيت والشرذمة التي اوجدها وكرسها الاستعمار في الجيرة الاسرائيلية . ولكي يحافظ على هذا الوضع المزري فانه قام بتنصيب نواطير من حكام يعض عليهم بالنواجذ طالما هم احياء، وعندما يداهمهم ويغيبهم هادم اللذات (الموت) فانه يجد البديل المناسب وبالتعاون مع كيان اسرائيل الغاصب اللقيط.
وبدل ان تكون كلمة الشعوب العربية الاسلامية في الجيرة الاسرائيلية هي العليا بالنسبة لتنصيب الحكام او عزلهم اذا انحرفوا او تقاعسوا عن القيام بواجباتهم في خدمة شعوبهم وحماية اوطانهم ؛ فان قدر هذه الشعوب اصبح وبرعاية الاعداء اعلاه هو الخنوع والخضوع المذل لنزوات وطيش حكامهم وانبطاحهم لغطرسة المحتل الاسرائيلي والتعايش مع وجوده ا وعندما بلغ سيل الفساد والطغيان الزبى ثارت الشعوب على وضعها المزري هذا في حراك الربيع العربي واطاحت برؤوس كثير من الحكام العملاء المأجورين في مصر وتونس وليبيا واليمن. وسارت هذه الشعوب في طريق تنصيب الحكام بارادتها وعبر الاقتراع الحر النزيه ؛ وهنا جن جنون اعدى الاعداء وحركوا عملاءهم من العسكر والنخب التغريبية المعادية لتراثها ودينها واجهضوا هذه الثورة. ولا يخفى على احد ان رموز هذه الثورة المضادة على رأسهم السيسي والاسد وخزائن بعض دول الخليج المترعة بترليونات النفط والتي لا يصرف معظمها الا لتكريس الذل والمهانة لشعوبهم.
وبخلاف ما يحصل في دول العالم من التداول السلمي للسلطة، كحال مليزيا وارمينيا. وعندنا في جيرة اسرائيل كذلك (لا يتعلّق الأمر إذن بالشعوب العربية ونخبها السياسية، بل يتعلّق بالحلف الواسع الذي نشأ لدعم الثورة المضادة، من جهة، ولتمسّك الحكام العرب بسلطاتهم حتى لو أدى ذلك إلى خراب بلدانهم، من جهة أخرى.)
البيئة الحاضنة لنظام ديموقراطي في أوطاننا العربية غير متوفرة أساسا، 110 مليون إنسان في أوطاننا يعيشون تحت خط الفقر ولايعرفون لا القراءة ولا الكتابة حسب آخر الإحصائيات.
هناك عوامل ذاتية وأخرى موضوعية تحول دون نجاح انتقال ديموقراطي في بلدان العالم العربي، أولها الولاء للقبيلة والإنتماء الطائفي الذي يقوم مقام الولاء لمؤسسات الدولة الشرعية (الجيش الوطني، مجلس الشعب، الحكومة المنتخبة…)، اختزال هذه مؤسسات الدولة في شخص الحاكم (الحاكم هو الدولة والدولة هي الحاكم!)، نخب سياسية انتهازية ونفعية مهيمنة على الساحة السياسية، حجر القوى العظمى على الأنظمة الحاكمة في الأوطان العربية، فهل ستسمح هذه القوى بقيام أنظمة ديموقراطية تهدد مصالحها الحيوية كإمدادها بالنفط على سبيل المثال؟ من المستبعد، ثورات الخريف العرلي ومآلاتها تؤكد كلها هذا الواقع المرير.
لا يوجد مثيل لأنظمة الخنوع والتسلط والخيانة العربية في العالم أجمع ولا يمكن لطاغية عربي ان يتعظ بما قد يصيبه كما أصاب طغاة آخرين قديما أو حديثا وأسوأ طغاة التاريخ المعاصر في العالم هو المجرم ابن المجرم بشار الكيماوي بائع سورية ومدمرها وقاتل الشعب السوري.
لماذا خرجت الجماهير رافضة لانقلاب العسكر على الرئيس الشرعي للبلاد والحكومة المنتخبة في تركيا، فيما خرجت الجماهير مهللة لانقلاب العسكر على رئيس شرعي وحكومة منتخبة في مصر؟
الشعب التركي ضاق ذرعا بعقود من حكم العسكر وفسادهم وتسلطهم والنخب رفضت حسم الخلافات خارج التدافع في ظل الممارسة الديموقراطية والإحتكام الى صناديق الإقتراع، فيما رجح الشعب المصري كفة العسكر الذي لا يؤمن ولم يؤمن يوما بالديموقراطية كنظام حكم وترجم ذلك على أرض الواقع فور تمكنه من السلطة بقهر المعارضين أوتصفيتهم ثم مصادرة الكثير من الحقوق والحريات.
تقدمت تركيا وشعبها خطوات في مسلسل ترسيخ دعائم الديموقراطية في البلد بعد إجهاض الإنقلاب العسكري الأخير المدعوم من جهات خارجية معروفة، فيما عرف المسلسل الديموقراطي انتكاسة بمصر وذهبت تضحيات الآلاف بأرواحهم سدى!
أعتقد أن طينة الشعوب ليست واحدة، فقد تابعنا منذ عقد ونصف كيف تمكنت بلدان عديدة من امريكا اللاثينية في وقت وجيز من تمكين مؤسساتها المنتخبة من الحكم وفرض هيبة واستقلالية القضاء وفصل السلط وترسيخ الحريات العامة حتى أصبحت لا تجد مانعا (على غرار الديموقراطيات العتيدة) يحول دون محاكمة قادتها إذا ثبتت في حقهم تهم فساد أو هضم للحقوق كما حصل مع الرئيس فوجي موري بالبيرو أو الرئيس دا سيلفا بالبرازيل أو الرئيس خورخي فيديلا بالأرجنتين….
هناك امر يجب توضيحة في الحالة العربية وحالة ارمينيا وماليزيا فهاتان الدولتان كل منها ليست لها اخوات تختلف عنها في التوجه ونظام الحكم والتركيبة الاجتماعية فعلى سبيل المثال ارمينيا هي دولة واحدة لشعب واحد اما في بلداننا العربية فهناك دول عديدة كلها تسمي نفسها عربية وانظمة الحكم فيها تختلف من دولة لاخرى وشعوبها رغم استخدامهم اللغة العربية للتعليم والثقافة ولكن اصولهم التاريخية مختلفة وكذلك بعض تلك الدول تلعب العشائرية دور كبير داخل المجتمع بالاضافة للطائفية في بعض منها.بمعنى ان اي تغيير في نظام الحكم لاحدى من تلك الدول سيؤثر على انظمة الحكم في شقيقاتها ولذلك يتامرون البعض على البعض لبقاء الامور كما هي.
وهناك ايضا مشكلة القيادة فالدول العربية القوية او الغنية تريد ان تكون هي من يقود جميع الدول العربية او تتسيد على الجامعة العربية كما تفعل السعودية الان فكان في السابق لمصر دور قيادي كبير زمن عبد الناصر وبعدها العراق وسوريا كما كان هناك اصوات عديدة ترتفع اما الان فاصبح الامر بيد دول الخليج بسبب تامرها على العراق وسوريا وليبيا وتحجيم دور مصر فاصبحت تابع فلهذا نرى ان الدول المجاورة اصبح لها دور اكبر في المتنطقة كايران وتركيا
مازلنا نحن المستعمرات القديمةتحت حكم التقييد وما نلناه من استقلال شكلي لأن معظم حكامنا تحت الهيمنة الغربيةثم ان حكم شعوبنا لنفسها يمثل خطر بالنسبة للغرب في نظر العرب مازال الطريق بعيدا أمامنا للحرية والانعتاق.
يُنسب إلى السفيرة البريطانية جين ماريوت تقرير عن التعليم في العالم العربي مقدم الى مجلس العموم البريطاني فحواه :
طلاب الدرجة الاولى الأذكياء يتجهون بعد الجامعة الى كليات الطب والهندسة ، وطلاب الدرجة الثانية الى كليات إدارة الاعمال والاقتصاد ، وبهذا يصبحون مديرين لمتخرجي الدرجة الاولى ، وطلاب الدرجة الثالثة يتجهون الى السياسة ليصبحوا ساسة البلد وبذلك يصبحوا متحكمين بمتخرجي الدرجة الاولى والثانية .
المخفقون في تحصيلهم العلمي يتجهون الى كليات الجيش والشرطة ويتحكمون بكل الفئات وقد يزيحونهم من مواقعهم أو يقتلونهم.
وأما الفاشلون دراسيا ، او لَيس معهم شهادات حتى من المرحلة المتوسطة او الثانوية في بعض الدول ، فمنهم من يصبح أعضاء مجالس نيابية، وشيوخ عشائر وقبائل في المجتمعات القبلية العشائرية ، وقد يأتمر الكثير من الطبقات والدرجات الاخرى بأمرهم .
قد يرى البعض انها مبالغ فيها ، لكن الحقيقة اننا نراها في الكثير من مجتمعاتنا العربية .
كم من الفلاسفة والمفكرين والمثقفين الحقيقيين والعلماء موجودون في هرم السلطة العربية او لهم الكلمة او المشورة في الدولة ؟؟
تلك حقيقة مجتمعاتنا العربية المدمرة لشبابها بسبب الحياة المعكوسة التي تعيشها وتكاد تكون أكثر مرارة من حياة الجاهلية .
ولهذا فمن السهل جدا ان تجد أية دولة غير عربية تعداد سكانها يفوق ال٥٠ مليون وليست عندها أية مشاكل تذكر ، ببنما دولة نفطية عربية لا يتعدى سكانها ال٥ او ١٠ مليون تفوق مشاكلها كل مشاكل أوروبا .