الصراعات الداخلية السياسية: إلى أين تجر العراق؟

بغداد ـ «القدس العربي»: فرضت مؤشرات تصاعد الصراعات الداخلية بين جميع مكونات الشعب العراقي، نفسها هذه الأيام، لترسم واقعا لم يعد في الامكان اخفاءه، ويترك رسائل تبعث على القلق من مستقبل أكثر قتامة في المشهد العراقي..
ففي الجانب الشيعي، عكس الخلاف الشيعي ـ الشيعي هذه الأيام، واقعا أصبح لا ينكره حتى قادة التحالف الوطني (الشيعي)، حيث تبادل رئيس الحكومة حيدر العبادي وقادة التيار الصدري، الاتهامات بالمسؤولية عن أحداث العنف التي رافقت تصدي الأجهزة الأمنية لتظاهرة السبت الماضي الداعية للإصلاح. وقد انتقد العبادي خلال مؤتمره الاسبوعي، التيار الصدري وحمله مسؤولية العنف في التظاهرة الأخيرة من خلال توجيه عناصره للاحتكاك بالأجهزة الأمنية، اضافة إلى الإشارة إلى ان إطلاق الصواريخ على المنطقة الخضراء في يوم التظاهرة نفسه، قد تم من قبل عناصر التيار الصدري، في حين اتهمه التيار بالتستر على من أمر بإطلاق النار على المتظاهرين وتوجيه الاتهامات للآخرين قبل الاعلان عن نتائج لجنة التحقيق المشكلة حول الموضوع.
وبدوره دعا السيد مقتدى الصدر إلى تظاهرة صامتة يوم الجمعة للاصرار على المطالب المشروعة، طالبا ممن أطلق الصواريخ على المنطقة الخضراء، تسليم نفسه، مما رجح اتهامات العبادي بمسؤولية عناصر منفلتة أو مدسوسة من التيار الصدري عن إطلاق تلك الصواريخ.
وفي إطار الصراع على قيادة الحشد الشعبي وتنافس القيادات الشيعية في اظهار الدعم له، اجتمع العبادي القائد العام للقوات المسلحة بقادة فصائل الحشد وأكد رفضه توجيه الانتقادات للحشد الشعبي، وفي اليوم التالي اجتمع نوري المالكي بالقادة نفسهم ليعلن دعمه لهم وداعيا الحكومة إلى تقديم المزيد من الدعم للحشد، علما ان العبادي والمالكي ينتميان لحزب واحد (الدعوة).
وجاء عقد مؤتمر دولي حول العراق في جنيف، لتفجر خلافات جديدة بين القوى السياسية السنية ـ السنية والشيعية ـ السنية، بين منتقد للمؤتمر من السياسيين الشيعة والسنة المقربين للسلطة، وبين مرحب به كمحاولة لرسم صورة لمستقبل العراق تضمن فيه كل المكونات حقوقها ومكانتها الطبيعية بعيدا عن التهميش والاقصاء، وهي إحدى أبرز المبررات والأسباب التي وفرت ما تسمى بـ«البيئة الحاضنة» لظهور تنظيمات متشددة كـ»القاعدة» و«تنظيم الدولة» وغيرهما. وبالتأكيد فإن حرص المجتمع الدولي على الدعوة لهذا المؤتمر الذي ضم قوى سياسية سنية من خارج العملية السياسية ومن داخلها، لضمان ترتيب الوضع العراقي وتجنب التوترات والأجواء التي نما فيها الإرهاب والتشدد وانعكست نتائجها على دول المنطقة والعالم بأسره. ولعل المؤتمر هو باكورة تحرك الإدارة الأمريكية الجديدة لإعادة ترتيب أوضاع المنطقة بالطريقة التي تراها حتى إذا رفضتها الحكومات المحلية التي تتحمل بسياساتها تجاه شعوبها جزءا كبيرا من مسؤولية تدهور الأوضاع ونمو الإرهاب..

فساد في أعمال الوقف

وفي إطار الصراع السني ـ السني أيضا، تفجرت هذه الأيام حملة قوية ضد رئيس ديوان الوقف السني عبد اللطيف الهميم قادها سياسيون وقوى سنية تحت يافطة وجود مخالفات وفساد في أعمال الوقف، وحقيقته هو صراع على المنصب الذي تهفو اليه قلوب الكثير من رجال الدين والنواب والسياسيين، وذلك لما فيه من نفوذ سياسي وديني ومالي نظرا للأملاك والأموال الطائلة التي تتحكم بها هذه المؤسسة الدينية..
أما في الجانب الكردي، فالصراع تواصل بعد تشكيل حكومة الإقليم لجنة اصلاحات لمتابعة الفساد والفاسدين في كردستان واعلانها وضع قائمة باسماء مسؤولين في الأحزاب والبيشمركة ممن استغلوا مواقعهم للاستحواذ على أراض واسعة وامتيازات أخرى، في حين شككت حركة التغيير بذلك الاجراء وعدته محاولة لتضليل الشارع الكردي وللتغطية على الفشل الإداري والمالي لإدارة الإقليم.
وامتدت الصراعات حتى داخل المكون المسيحي، عندما أدانت الكنيسة الكلدانية تصريحات قائد ميليشيا بابليون التي تضم عناصر مسيحية وتنخرط ضمن الحشد الشعبي، وأعلنت ان تلك القوة لا تمثل المسيحيين في العراق كما رفضت تصريحات قائدها التي توعد فيها أهالي الموصل بحرب مسيحية ضد أتباع «يزيد» وفي المقابل انتقد قائد تلك الميليشيا مرجعيته المسيحية واتهمها بالتسييس ومتوعدا بمقاضاتها.
وجاءت هذه الصراعات السياسية في الوقت الذي شهدت فيه العاصمة العراقية، انهيارا أمنيا جديدا من خلال ثلاثة تفجيرات كبيرة خلال ثلاثة أيام وسط التجمعات السكانية أسفرت عن  سقوط مئات الضحايا الأبرياء، لتؤكد مجددا عجز خطط الأجهزة الأمنية عن ردع الإرهاب المتوحش الذي ما زال يتمتع بقدر كبير من حرية إلحاق الأذى والتدمير عبر استهداف الأهداف المنتخبة التي تكون في الغالب أماكن تجمعات السكان كالأسواق والشوارع المزدحمة والمجمعات التجارية، مستغلا انشغال الكتل السياسية بصراعاتها والقوات الأمنية بحربها ضد تنظيم «الدولة».
 ووسط هذه المعمعة، أطلق نائب الرئيس العراقي اياد علاوي، تحذيرات من خطر مواصلة إيران زحفها بوتيرة متسارعة على حقوق العراق البحرية السيادية في الخليج العربي وفي المياه الدولية ومطالبتها بخور وميناء العمية، داعيا الحكومة والبرلمان العراقيين إلى تحرك سريع يضع حداً وحلا للإشكالات بين البلدين ومطالبا الأمم المتحدة بصون حقوق العراق وسلامة المنطقة المطلة على الخليج واستقرارها.
وحذر علاوي من أن استمرار الصمت عن الممارسات الإيرانية سيؤدي إلى فقدان العراق للمنفذ الرئيسي إلى المياه الدولية وأعالي البحار ما يهدد الوضع الاقتصادي والتجاري والأمني للعراق ويضع الدول المتشاطئة على الخليج العربي برمتها على حافة صراعات جديدة وتكرار سيناريوهات النزاعات والحروب السابقة.

الصراعات الداخلية السياسية: إلى أين تجر العراق؟
تشمل المكونات السنية والشيعية والكردية والمسيحية
مصطفى العبيدي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الخزاعي:

    مهمة إيران في العراق جعله عصفا مأكولا وأثرا بعد عين على أيدي (أبنائه) ، وجعل أهله شعوبا وقبائل ليتقاتلوا عملا بأحكام صفويتها (الإنسانية ) !

إشترك في قائمتنا البريدية