الصهيونية استخدمت أسطورة التوراة لتحويل فلسطين لوطن لليهود

حجم الخط
2

الناصرة ـ «القدس العربي»: يختلف باحثون ومراقبون في إسرائيل حول ماهية علم الآثار وعلاقته بالسياسة وبالصراع، ويذهب بعضهم للتأكيد على استغلاله لتحقيق غايات سياسية كما يتجلى في ندوة نظمتها  الكلية الأكاديمية  «تسيمح» في مدينة طبريا تحت عنوان «الآثار بالصحافة والسياسة».
داعية السلام الصحافي وعضو الكنيست السابق أوري أفنيري ركّز ضمن محاضرته على تفسير سبب انشغال القادة الصهاينة المؤسسين أمثال موشيه ديان ويغئال يدين وزئيف غاندي للآثار في البلاد بعد احتلالها عام 48. ويقول إن هؤلاء وسواهم قاموا بأعمال حفر وتنقيب أينما شاؤوا في البلاد وسلبوا موجودات تاريخية. ويذكّر بأن أرملة ديان باعت ما جمعه زوجها من آثار بعد وفاته بمليون دولار قبل نحو أربعة عقود.
لكن الأطماع المالية لم تكن الهدف الرئيسي لدى هؤلاء الساسة الإسرائيليين الأوائل وفق تأكيدات أفنيري الذي يشدد على رغبتهم بتحقيق أهداف سياسية مفادها تعميق جذورهم التاريخية في البلاد والتعرف عليها وإثبات الصلة بينها وبين التوراة. ويوضح أنهم اهتموا بالآثار وبالتوراة معا لأن التعرف على تاريخ البلاد أمر حيوي جدا لتحويلها لوطن وبالاستعانة بالأساطير. ويتابع القول «أرض إسرائيل « كانت بالنسبة لهم وطنا متخيلا وغريبة عليهم ولم تناسب مناظر طفولتهم ولغتهم».

فلسطين أو الأرجنتين

ويؤكد أفنيري، الذي كان أحد قادة « البلماح» – القوة الضاربة لمنظمة الهغاناه في عام 1948, أن الأثريين بحثوا بالأساس عما  يعزز مزاعمهم بأن لليهود جذورا في البلاد ويتابع «حتى ثيودور هرتزل لم ينو إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين بل في منطقة باتاجونيا في الأرجنتين التي قتل سكانها على يد الأرجنتينيين، لكنه ما لبث أن غير رغبته. في كتابه «دولة اليهود» يخصص هرتزل نصف صفحة فقط لفلسطين تحت عنوان «فلسطين أو الأرجنتين» يقول فيها : إما هذه أو تلك ويفضل في فلسطين أرض آبائنا وجيد أن نكون فيها روادا للحضارة الغربية في هذه البلاد الآسيوية البربرية ولما وصلت الصهيونية لهنا نبعت الحاجة لإثبات العلاقة بيننا وبينها وتجند علم الآثار للقول : كنا هنا في البلاد ولنا جذور فيها».

حيوية الأسطورة

ويشير افنيري الى أن ذلك أثار مشاكل لأن الصهيونية ومن أجل تبرير وجودها كان عليها التدليل على أن التوراة ليست أسطورة أو نصا دينيا بل وثيقة تاريخية. وبهدف التأكيد على رؤيته بأن التوراة من خروج مصر حتى مملكتي شاؤول وداوود أسطورة يوضح أفنيري، أنه لم يعثر على دليل مادي واحد يقول إن هذه حقيقة. ويتابع القول «وثق الفراعنة تاريخ فلسطين أيضا وفي سجلاتهم لم يذكر شيء عن أحداث وردت في التوراة «.
كما يطعن أفنيري بالرواية التاريخية الرسمية بقوله إن اليهود طالما كانوا متناثرين في العالم ونفيه أن الرومان أجلوهم عن البلاد فور احتلالهم لها.
ومع ذلك يبقى أفنيري صهيونيا ويقول إنه لا حاجة اليوم لإثبات حقوقنا وجذورنا في البلاد، لافتا لعدم وجود تناقض بين التاريخ وبين الأساطير فهذه تساهم بصياغة الجماعة الإسرائيلية وتخلق وعيا وطنيا.

الإسرائيلية واليهودية

ويرى أفنيري أن الصهيونية المؤسسة صنعت دولة عبرية لا يهودية كما جاء بتعريفها بـ «وثيقة الاستقلال» لكن الصهيونية اليوم حولتها ليهودية لافتا لانعكاس ذلك بعلم الآثار بعد عام 48 حيث لم ترتبط بـ «اليهودية» بل بـ «الإسرائيلية» وفي البلاد. ويتابع القول «ومن هنا ينبع ارتباط التنقيبات الأثرية بالأيديولوجيا». ويوضح أن التوجهات التي سادت في سلطة الآثار الإسرائيلية طيلة عقود كانت تهدف لتحقيق غاية سياسية تتعلق بهوية البلاد، ويؤكد أنه لم يكن مهما فعل هنا الرومان والفرس والبيزنطيون والعرب والمماليك وسواهم لأن الأهم في نظر سلطة الآثار، ما فعله اليهود والطبقة الأثرية الخاصة بهم. ويضيف «عندما كنت عضو كنيست طلبت من وزير التعليم أن تعلم المدارس تاريخ البلاد دون انتقائية بدلا من الاهتمام بتاريخ اليهود فحسب لا سيما أننا لم نحكم البلاد بأغلبية فتراتها ووقتها سخر مني وزير التعليم بنعتي بـ «المملوكي»
وينهي أفنيري بالقول «لو كان منوطا بي لكنت علمت تاريخ البلاد بكل طبقاته مع التشديد على « أمور قريبة على قلوبنا» وهذه قناعة تبلورت لي منذ ان قرأت كتاب فليب حتي الذي يتعامل مع المنطقة كوحدة واحدة، بلاد الشام. نحن جزء من الشعب اليهودي لكننا مختلفون عن يهود العالم ولو كنا نعي تكامل تاريخ البلاد، لما شهدنا ظاهرة هجرة الشباب إلى برلين، ويمكنك أن تكون إسرائيليا فقط في إسرائيل».
في المقابل ينفي باحث الآثار الدكتور غابي بركائي من جامعة بار إيلان المسؤول عن التنقيب في الأتربة التي تم إخراجها من الحرم القدسي الشريف بعد تنظيف المسجد المرواني منتصف تسعينيات القرن الماضي زاعما أنه عالم آثار وملتزم بمعاييره رغم أن ممولة المشروع منظمة «العاد» الاستيطانية.

نبوخذ نصر وصلاح الدين

ويشير أن لـ «العاد» توجهات وأهدافا أيديولوجية واضحة لكنها لا تؤثر عليه كباحث متهما الوقف الإسلامي بارتكاب «جريمة بربرية» بحفرها بالجرافات في منطقة (الحرم القدسي) تعتبر فرشاة الأسنان أداة حفر كبيرة فيها. ويشير الى أنه منذ سنوات يشرف على غربلة 400 شاحنة من الأتربة التي أخرجت من منطقة المسجد المرواني وفيها تم العثور على 600 قطعة نقدية معدنية تاريخية من كل الفترات تشمل عملة من زمن نبوخذ نصر حتى سهام قتالية من فترة صلاح الدين الأيوبي وأختام مختلفة منها لخطباء المسجد الأقصى منذ العهد العثماني. 
كما  ينفي الأثري  بروفسور آدم زرتال من جامعة حيفا ما قاله أفنيري ويزعم أنه ولد في بيت علماني واشتراكي لكنه عثر على موجودات أثرية تنسجم مع أحداث تاريخية روتها التوراة. كما يقول إنه وجد بالتنقيب عن الآثار ما يشبع رغبته بالمغامرة التي توفر مفاجآت من بطن الأرض وتساهم في التأثير على تبلور الراهن.
زرتال الذي أجرى قبل عشرين سنة  تنقيبات أثرية كثيرة في الضفة الغربية المحتلة منذ العصر الحديدي يشير لعثوره على آثار معبد يهودي في جبل عيبال في منطقة نابلس يتطابق مع الرواية التوراتية متهما بعض الإعلام الإسرائيلي بالتحريض عليه وقتها والزعم أنه ينقب عن آثار يهودية لأهداف سياسية بتمويل من المستوطنين. ويضيف «بصرف النظر عن الجدل حول كونه احتلالا أو تحريرا لكننا ملزمون بالتنقيب فالبلاد لنا ومن حقنا  البحث عن آثارها والعلم فوق السياسة».

الآثار والسياسة

وهذا ما يرفضه بالكامل الدكتور يونتان مزراحي من مجموعة «عيمق شافيه» للأثريين المستقلين الذي شدد على تطابق الآثار مع الأيديولوجيا، مدللا على ذلك بوجود رغبات ومواقف للباحث الأثري.
ويقول أيضا إن المكتشفات الأثرية ليست واضحة تماما ما يعني فتح الباب أمام تفسيرات الأثريين مشددا على أن الآثار ليس علما دقيقا وقدم عينات على ذلك. وبخلاف أثريين إسرائيليين كثر يؤكد مزراحي أن علم الآثار يتأثر بالتوراة لكونها جزءا من هوية الإسرائيليين. ويتابع «في الواقع فإن الموجودات الأثرية هي مجموعة أيديولوجيات وطريقة سرد الرواية تهدف للتأثير على الجمهور».
ويدلل على رؤيته بالتوضيح أن الصراع مع الفلسطينيين يقوم على الأرض، والسؤال التاريخي مهم جدا ولذا فعلم الآثار سيبقى موضوعا سياسيا ويشير الى ان «القدس مكان مشحون سياسيا وينبغي الحفاظ عليها ولذا يتم إخضاع التنقيبات الأثرية لغايات سياسية».  

وديع عواودة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول اياد العاني Canada - Alberta:

    وهل توجد حكومة في العراق بعد رحيل اسد العرب صدام حسين؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

  2. يقول S.S.Abdullah:

    مجهود طيب يا وديع عواودة في احاطتنا بما يدور في فلسطين المُحتلة، أنا لاحظت أنَّ فرنسا كان لها دور اساسي في كل الإشكاليات التي بدأت في نظام الدولة الحديثة كوحدة من وحدات نظام الأمم المتحدة الديمقراطي/الديكتاتوري/البيروقراطي.

    وإلى الذين لا يضعوا في حسابهم التاريخ والجغرافيا عند التفكير في طرح رأي لهم في أي مسألة، الأرض التي تقع ما بين نهر دجلة ونهر النيل، هي أرض الإيمان، فاليهودية والمسيحية والإسلام نشأت فيها، أي لا أحد من المؤمنين بها غريب عن هذه الأرض، هذه حقيقة، نحن ليس لدينا مشكلة مع اليهود، هناك البعض منهم يطالب بثارات لهم بحجة أننا دمرنا لهم مملكة قبل عدة آلاف من السنين وأخذناهم اسرى لمملكة بابل. نفس الشيء، نحن ليس لدينا مشكلة مع الفرس، ولكن هناك البعض من الفرس يظن أننا دمرنا لهم إمبراطورية لهم قبل 1500 عام والآن يطالب بثاراتها تحت عنوان الحسين. فمن هو ذو القلب الأسود المليء بالحقد الشيطاني؟ من هو الذي يستعبد الأفراد من خلال استحصال الضرائب والخُمس للسيطرة والتحكم بهم. مع أن المفروض هي لخدمتهم وليس استعبادهم.

    أنا أظن أنَّ القصة الصهيونيّة بدأت من قبل الجنرال نابليون بونابرت على اسوار عكا، في إظهار مفهومه للحداثة عندما بوعد اعطاء فلسطين لكي يتم تكون دولة قومية ديمقراطيّة لليهود عليها، في تجاوز كل الأعراف الأخلاقيّة واللغويّة إن آرامية أو عبريّة أو فرنسيّة بل وحتى عربيّة، فاليهوديّة دين وليست قومية هذا من جهة، وهو لا يملك شيء في فلسطين كي يحق له أن يتنازل عنها لأي طرف ثالث.

    ولا ننسى أنَّ إصدار شهادة ميلاد في نظام الأمم المتحدة كان من خلال تعاون كل من ديغول فرنسا وستالين الاتحاد السوفيتي لدعم قيام وتمويل وتأهيل وتسليح ودعم الكيان الصهيوني حتى عام 1967، وأنَّ أول فيتو أمريكي لدعم الكيان الصهيوني لم يصدر إلاّ في عام 1973 بعد الحرب التي تعاون فيها العرب والمسلمين ضد الكيان الصهيوني ومن سانده واستخدام الاقتصاد في الحرب في منع تصدير النفط للغرب، وتعاون في ذلك شاه إيران والعراق ودول الخليج مجتمعة ونتيجة لذلك تم قيام الحكم الذاتي للأكراد عام 1974 وتوقيع اتفاقية تحديد الحدود ما بين العراق وإيران عام 1976 وقعها شاه إيران وصدام حسين في الجزائر، وسبحان الله من فرنسا عاد الخميني معززا مكرما لقيادة الثورة ضد شاه إيران عام 1979.

    وحتى أم المعارك/عاصفة الصحراء أو حرب الخليج ما بين العراق والأمم المتحدة عام 1990 كان أحد الأركان الثلاث لسبب الاشكاليات ما بين العراق والكويت، هو شراء فرنسا لسندات الدين ما بين العراق والكويت التي استلفها من الكويت لتمويل الحرب ما بين العراق وإيران والتي كانت بدون فوائد بنكية، وبدأت فرنسا بمطالبة العراق بالديون والفوائد.

    وحتى موضوع داعش عندما وصل إلى أبواب أربيل في عام 2014 كانت فرنسا هولاند هي من حركت العالم لتكوين التحالف الدولي ضده، أي أنّ جر أمريكا جورج بوش الأب في عام 1990 إلى الحرب في العراق كان بواسطة ثاتشر بريطانيا، وجر أمريكا باراك أوباما في عام 2014 كان بواسطة أولاند فرنسا.

    عمل وانتاج الاسطورة يحتاج إلى لغة ساحرة، واللغة الساحرة لا يمكن تكوينها بدون أن يكون اساسها الاحلام، ومفهوم اللغة المشتركة هو الاساس التي يتم بناء أي دولة وفق المفهوم الفرنسي، وأن يكون المواطن هو مصدر دخل الدولة من خلال الضرائب التي يتم جبايتها منه وفق المفهوم الأمريكي، والجمع بينهما هو ما يمثل الدولة العضو في نظام الأمم المتحدة والتي على ضوئها كان بناء الكيان الصهيوني وفق وعد الجنرال نابليون بونابرت، فهل هذا له أي علاقة بالتوارة أو بموسى عليه السلام؟

    من وجهة نظري سبب انحدار موقع اللغة في دولنا، هو مفهوم إحياء الأموات إن كان للغة أو التراث ممن يتم تسليمهم هذه المهمة وكأنهم يتصدقون علينا، بدون تشخيص صحيح لن يمكنك بناء أي سياسة مستقبلية صحيحة في أي مجال، يا جماعة الخير، لغتنا ليست ميتة، والعولمة لا تحارب لغتنا، بل بالعكس هي تدعم كل لغة لأي مجتمع، إن أردت أن تنافس في سوق العولمة، عليك أن تنتبه إلى أهمية لغتك وأنّك من خلال إجادتها ستستطيع المنافسة في أي سوق عولمي، أنت لست في حاجة إلى اللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو الإسبانية أو الألمانية في أي سوق عولمي، لأن هناك الكثير من ينافسك في هذا المجال، ولكن ليس هناك من يستطيع منافستك في لغتك الأم في الترجمة منها وإليها من بقية لغات العالم، الإشكاليّة هي في الكِبَر وقلّة الحيلة للتغطية على جهل مثقفينا.

    ما رأيكم دام فضلكم؟

إشترك في قائمتنا البريدية