لندن ـ «القدس العربي»: يُسجل عالم الطيران تطورات ثورية متسارعة، حيث خلال العام الحالي 2016 تم تسجيل أول رحلة طيران طافت العالم بأكمله دون قطرة وقود واحدة، وبالاعتماد على الطاقة الشمسية فقط، لتأتي أخيراً أيضاً تجربة أول طائرة عامودية من نوعها في تاريخ البشرية، وتعمل بالطاقة الشمسية هي الأخرى.
وتمكنت الطائرة الشهيرة التي تعمل بالطاقة الشمسية والتي تحمل اسم (Impulse) من إنهاء رحلتها حول الكرة الأرضية في وقت مبكر من الصيف الحالي، لتكون بذلك قد فتحت عهداً جديداً في عالم الطيران وبثت الأمل في أن يتغير أسلوب الطيران ويتجه نحو تغير استراتيجي كبير ولافت، فيما تم الاعلان أخيراً عن طائرة عامودية (مروحية) تعمل بالطاقة الشمسية وتمت تجربتها بنجاح.
وبحسب التفاصيل التي نشرتها جريدة «دايلي ميل» البريطانية فإن الطائرة المروحية التي نجحت تجربتها قبل أيام هي أول طائرة عامودية تعمل بالطاقة الشمسية بشكل كامل في العالم، وقد تمكنت بالفعل من الإقلاع والطيران مدفوعة بالطاقة الشمسية وحدها بدون أي نوع من أنواع الوقود التقليدي.
ويقول الباحثون إن نجاح المروحية العامودية في الطيران، ولو لمسافة قصيرة، تمثل لحظة تاريخية ومحطة فاصلة في تاريخ البشرية، حيث أنها تمثل تطوراً في مجال «الطيران النظيف والصديق للبيئة»، إضافة الى أنها تطور مهم في مجال الطائرات التي تعمل بالمراوح، أو الطائرات العامودية، مشيرين الى أن توافر هذا النوع من الطائرات للرحلات الأطول بات «مسألة وقت ليس أكثر».
ويقول فريق الباحثين في جامعة «ميريلاند» الأمريكية إن الطائرة الجديدة التي أطلقوا عليها اسم (Gamera) تمكنت من التحليق لمدة تسع ثوانٍ فقط، وسجلت ارتفاعاً طفيفاً عن الأرض، لكنها رغم ذلك سجلت تجربة ناجحة في هذا المجال.
ويقول الباحثون إن الخلايا الشمسية التي تمكنت من تشغيل هذه الطائرة هي عبارة عن مجموعة من الألواح التي تم شراؤها بشكل أحادي وتجميعها في الطائرة لتتمكن من توليد الكهرباء ومن ثم التحليق.
وقال الدكتور في جامعة «ميريلاند» الأمريكية وليم ستاروك: «اليوم تشاهدون أول تجربة طيران ناجحة على مستوى العالم لطائرة هليكوبتر عامودية تعمل بالطاقة الشمسية»، مضيفاً: «أنتم تشاهدون تاريخ الطيران يُصنع هنا، الطيران الصديق للبيئة.
وحسب تسجيل الفيديو للتجربة فإن الفريق الهندسي الذي أمضى وقتاً طويلاً في تطوير الطائرة ظهر إلى جانبها عندما بدأت تجربة الإقلاع وبدا أنَّ التحكم فيما كان عالياً، وتمكنت من الإقلاع لبضعة ثواني قبل أن تعاود الهبوط على الأرض بشكل آمن ومريح.
ويشير القائمون على المشروع الى أن التجربة ليست سوى بداية لصناعة طائرة تعمل بالطاقة الشمسية بشكل كامل، وتستطيع التحليق عالياً والطيران لمسافات طويلة، مؤكدين أن المسألة أصبحت مسألة وقت فقط، وأنه يجري تطوير هذه الطائرة بالفعل.
وقبل ظهور هذه التجربة، كان العالم طوال الشهور الماضية يراقب عن كثب تجربة أول طائرة شمسية تطوف الكرة الأرضية، وهي الطائرة الشهيرة (سولار إمبلس)، وهي طائرة خفيفة تجريبية صنعها كل من «برتراند بيكارد» و«أندريه بورشبرج» السويسريين وتعمل بالطاقة الشمسية.
ونفذت طائرة «سولار إمبلس» أول رحلة لها يوم 5 حزيران/يونيو 2012 لمدة 19 ساعة متواصلة قطعت خلالها مسافة 830 كيلومتراً من مدريد في إسبانيا إلى الرباط عاصمة المغرب، وكان الغرض من تلك الرحلة تجهيز وسائل الاتصالات لتقنية جديدة، ومحاولة التوصل إلى نظام جديد للطيران يكون محافظاً على البيئة واقتصاديا في نفس الوقت. ولم يكن إحراز رقم قياسي في الطيران بهذا النوع هو الحافز، وإنما كان الحافز هو الرغبة في التوصل إلى تقنية محرك طائرة صديقة للبيئة دون استهلاك للوقود.
وخلال رحلة 2012 إلى المغرب وصل ارتفاع الطائرة فوق جبل طارق إلى نحو 8500 متر، وهذا جعل الطيار مضطراً للبس قناع لاستنشاق الأوكسجين من أنبوبة أعدت لذلك، حيث أن ضغط الهواء يقل مع الارتفاع عن سطح الأرض وتقوم الخلايا الضوئية المرصعة على سطح الطائرة بتوليد كهرباء لتشغيل 4 محركات كهربائية تعمل بها الطائرة.
وفي شهر آذار/ مارس عام 2015 أقلعت الطائرة للقيام بدورة حول الأرض على مراحل، ووصلت الطائرة يقودها برتراند بيكارد إلى هاواي في تموز/ يوليو 2015 بعد مراحل عدة، من ضمنها فترة راحة في الصين بسبب سوء الأحوال الجوية. ووصلت إلى أريزونا في الولايات المتحدة في 3 أيار/ مايو 2016، كما حطَّت الطائرة في مصر لفترة من الوقت قبل أن تُكمل رحلتها وتعود إلى نقطة انطلاقها في أبو ظبي يوم 26 تموز/ يوليو 2016 بعد أكثر من 16 شهراً على انطلاقها.
وتعطي هذه التجارب الجديدة لمحة عن مستقبل عالم الطيران خلال السنوات والعقود المقبلة، حيث من المتوقع أن تتطور تكنولوجيا استخدام الطاقة الشمسية لتتمكن لاحقاً من تسيير طائرات ركاب تجارية، وذلك في الوقت الذي يتزايد فيه الاعتماد أصلاً على الطاقة الشمسية في العديد من المجالات، كما أن صناعة الطيران تشهد تطوراً هائلاً ولا يتوقف عند اختراع وقود بديل ونظيف، وإنما يمتد الأمر الى صناعة طائرات بمواصفات فائقة، حيث يتوقع ابتكار طائرات سريعة خلال السنوات المقبلة سوف تغير من شكل المواصلات الجوية، وتجعل المسافرين قادرين على الانتقال من اي مكان الى أي مكان على الكرة الأرضية خلال يوم واحد فقط.