الطبيب النرويجي غلبرت لـ «القدس العربي»: سأكون أول من يدلي بشهادته في المحكمة الجنائية الدولية

 نيوجيرزي ـ «القدس العربي»: ابدى الطبيب النرويجي مادز غلبرت الذي كان شاهدا على جرائم اسرائيل في قطاع غزة خلال عدوانها الاخير، جهوزيته للإدلاء بشهادته أمام المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة قادة اسرائيل على الجرائم التي اقترفت ضد اهالي القطاع،  فيما لو طلب منه ذلك. أكد إنه على أتم الاستعداد للقيام بذلك ولكنه يشك في  أن هذا سيحدث قريبا كما كان الحال في حرب «الرصاص المصبوب». 
وذكر إنه وضع تقريرا عن أثر الحرب الأخيرة على الأوضاع الصحية في قطاع غزة بتكليف من منظمة الصحة العالمية، وقد نشر التقرير الذي يتضمن تفاصيل عن الأذى والخراب الذي لحق بالشعب الفلسطيني في غزة وخاصة الأطفال، كاشفا انه يعكف الآن على وضع اللمسات الأخيرة على كتابع الجديد بعنوان «الليل في غزة» الذي سيصدر في نهاية هذا العام حول ما شاهده في غزة في هذه الحرب مثل كتابه السابق عن حرب 2008/2009 بعنوان «عيون في غزة».
وفي معرض إجابته على سؤال آخر حول رأي إسرائيل فيه وفي نشاطاته، قال إن إسرائيل منعته من الدخول من معبر إريز شمالي قطاع غزة أثناء محاولته الأخيرة في شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي ولم تفلح محاولات السفارة النرويجية ولا وزارة الخارجية بالضغط على السلطات الإسرائيلية للسماح له بالدخول.
وقال «لقد اشتريت مجموعة هدايا للطفلة جمانا التي أشرفت على علاجها عام 2009 ومنذ ذلك الوقت توطدت العلاقة بيننا وحاولت أن آخذها إلى النرويج لزراعة أصابع لها بدل التي فقدتها في الحرب لكنني لم أتمكن. لم أتمكن من تقديم الهدايا لها فبعثتها مع آخرين».
وذكر غلبرت أن السفير الإسرائيلي في النرويج «كتب رسالة إلى كل رؤساء الصحف والمحطات التلفزيونية يطالبهم بعدم إجراء مقابلات معي لكني أستطيع أن أؤكد لك أن المقابلات زادت كثيرا بعد تلك الرسالة التي إعتبرها البعض وقاحة من طرف السفير.
وقال إن الشعب الفلسطني والعربي والعالم يجب أن يحسن استخدام التعابير الصحيحة فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي. فما يجري في غزة ليس نزاعا بين طرفين بل هجوم من طرف واحد على شعب محاصر وواقع تحت الاحتلال منذ 47 عاما ومن حقه مقاومة الاحتلال. وغزة ليست سجنا كبيرا بل «غيتو» أي معزل، فالسجن يضم أناسا خالفوا القانون وارتكبوا جرائم أما أهل غزة فليس لهم ذنب إلا كونهم ولدوا في غزة. والضحايا من الطرفين يجب أن توضع في إطارها الصحيح فالمقاومة استهدفت الجنود المعتدين الداخلين على غزة ولم يسقط إلا طفل إسرائيلي واحد.  ومع أسفي وتمنياتي بألا يقتل أي طفل في أي مكان الإ أن الجانب الفلسطيني فقد أكثر من 500 طفل ونسبة المدنيين من الضحايا الإسرائيليين 2% بينما تصل نسبتهم من الفلسطينيين 80% وحتى حسب الرواية الإسرائيلية فتصل النسبة إلى 50%.
بالنسبة للحصار المصري في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، قال غلبرت إن تدمير الأنفاق كان له أكبر الأثر على تردي الأحوال المعيشية في قطاع غزة. فقد ارتفعت تكاليف المحروقات بنسبة 400 % ويعيش الناس يوميا 18 ساعة بدون كهرباء. لقد بدأ الناس يشعرون بنقص في المواد الغذائية والمستلزمات الصحية والضنك الشديد بعد تدمير الأنفاق التي حفرت كضرورة. وتساءل «وهل كان أمام الغزيين من خيار آخر بعد حصار سبع سنوات إلا التسلل من تحت الأرض؟». وتابع القول «عندما حفر اليهود في معسكرات الاعتقال النازية أنفاقا للهرب أو تهريب الرسائل والمواد كرّموا على أنهم أبطال فكيف لأحد أن يلوم الغزيين على حفر أنفاق وهم محاصرون من البر والبحر والجو؟».
وكان غلبرت موجودا في ولاية نيوجيرزي الامريكية بدعوة من فرع جمعية رعاية أطفال فلسطين للتحدث امام جمهور من الطلبة في جامعة رتغرز، حول تجربته في مستشفى الشفاء في قطاع غزة أثناء حرب الإبادة الأخيرة التي أطلقت عليها إسرائيل «عملية الجرف الصامد».
وحذر غلبرت من أن الصور التي سيعرضها قد تصدم الكثيرين، فقد التقط بعضها بنفسه أثناء عمله طوال مدة الحرب في غرفة الطوارئ حيث كان عشرات المصابين والقتلى يصلون بعد كل غارة تشنها إسرائيل على الأحياء السكنية. وعمل على توثيق مشاهداته بالصوت والصورة. وقد كانت صور الأطفال الجرحى وأشلاء القتلى وحالة الهلع التي يصاب بها الناس بعد الانفجارات صادمة.
وتسمر الحاضرون وكأنهم داخل غرف الموتى لا تسمع إلا صوت النشيج والبكاء كما انهار عدد من الطالبات من شدة التأثر من الصور والفيديوهات المتلاحقة التي كان يعرضها على القاعة المكتظة بالطلاب بحيث كان الواقفون بعدد الجالسين فاضطروا إلى إغلاق القاعة أمام الصفوف المنتظرة دورها للدخول.
وقال «بدأت علاقتي مع فلسطين عندما ذهبت متطوعا عام 1982 إلى بيروت وكنت قد تخرجت من كلية الطب حديثا. وشاهدت بعيني مدى الدمار والخراب الذي ألحقه العدوان الإسرائيلي بالشعبين الفلسطيني واللبناني. لكن الذي غير حياتي وشدني إلى الشعب الفلسطيني طفل اسمه خليل في الثالثة عشرة من عمره من مخيم شاتيلا في بيروت (الذي شهد في عام 1982 مجزرة بإشراف وزير الدفاع الاسرائيلي آنذاك ارييل شارون)  فقد أمه وفقد يديه وعندما أجريت له عملية جراحية أصر على عدم استخدام التخدير وساعدني في قطع بعض الأنسجة من يديه.  إنه الصمود والتعلق بالحياة. منذ ذلك اليوم تداخلت حياتي كليا بحياة الشعب الفلسطيني وأصبحت غزة وجهتي الجديدة كلما تعرضت للعدوان».
وذكـّر غلبرت الحضور أن غزة تخضع لاحتلال عمره 47 سنة وحصار شامل عمره 7 سنوات وتعرضت لأربع حروب خلال 8 سنوات: غيوم الصيف (2006)، والرصاص المصبوب (2008-2009)، وعامود السحاب (2012) والجرف الصامد (2014). الهدف من كل هذه العمليات هو تركيع الشعب الفلسطيني وتفكيك صموده وحمله على الإذعان للإملاءات الإسرائيلية وهذا لن يحدث أبدا ما دام الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال فسيقاوم هذا الاحتلال ومن حقه أن يقاوم الاحتلال وهذه المقاومة شرعية يضمنها القانون الدولي.
وقال «ليعلم الجميع أن قطاع غزة يحتوي على أعلى نسبة أطفال في العالم حيث يصل عددهم إلى 1.1 مليون أي بنسبة 75% من عدد السكان. فالحروب في الحقيقة هي ضد الأطفال وخاصة الحرب الأخيرة التي استهدفت عائلات بأكملها بهدف الإبادة الجماعية. وبلغ عدد العوائل المصابة 142 عائلة فقدت على الأقل 3 من أفرادها.  أطفال غزة لا يتمتعون بحياة عادية أصلا.  فنحو 72% من الأطفال تحت سن الثانية مصابون بفقر الدم، والشروط الصحية غير متوفرة أصلا بسبب نقص الماء النظيف والغذاء والتدفئة والتعليم والعمل ثم الرعاية الصحية».
وطالب غلبرت في نهاية محاضرته الطلاب أن يصبحوا سفراء لنشر الحقائق «لأن إسرائيل لا يمكن أن تتغير إلا إذا تغير الموقف الأمريكي الراعي لها وهذا لا يمكن أن يحدث إلا إذا بدأ المزاج الشعبي العام يتحول من تأييد إسرائيل إلى معارضتها كدولة فصل عنصري وتحتل شعبا وأرضا دون مبرر قانوني وتلاحق هذا الشعب الذي يتمرد على الاحتلال بالقتل والتدمير».  لقد  ألقت إسرائيل في هذه الحرب 100 قنبلة من عيار الطن المعروفة بقوتها التدميرية.  في حرب «الرصاص المصبوب» ألقت قنبلة واحدة من هذا العيار وتعرضت لانتقادات شديدة حول ما يسمى «الإفراط في استخدام القوة» فما رأيكم في استخدام 100 قنبلة هذه المرة. إنها جرائم حرب ويجب أن يعرف الشعب الأمريكي الطيب والبسيط هذه المعلومات.

عبد الحميد صيام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    هذا الطبي يشرفني ويشرف كل فلسطيني وعربي ومسلم
    ما الذي يدعوا هذا الطبيب للمغامرة بحياته لأجل الدفاع عن المظلومين
    ألا يستحق تكريما – ألا يخجلنا موقفه هذا – هذا أخينا بالانسانيه

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول ابو سامي د.حايك:

    صوت الضمير و صوت الحريه و الذي يكشف ببداهه حقيقه أساسيه و هي أنه ليس نزاعا بين طرفين و هذا في غاية الأهميه و ما أدركه الطبيب النرويجي الذي نشأ على الحريه و الديمقراطيه و لم يقع في الفخ الصهيوني الذي يخفي جريمته وراء “الدفاع عن النفس” و النقطه الأخرى المهمه هي إبادة الأطفال فلذات أكباد العرب للمزيد من الإيذاء و لإعاقة تكاثر الأجيال و قد أثلج صدري قراءة التعبير بالحرف بأن الكيان الصهيوني ليس طرفا في نزاع لأن هذا ما أردده و أشدد عليه بنفس الحرف و العباره و لا أقتصر ذلك على غزه بل على كل القضيه الفلسطينيه من أساسها فلا يمكن لمغتصب أن يكون طرفا في نزاع .. كلمه بسيطه و لكنها تحتوي على جوهر عميق يحرّك الفكر و ما يليه من القول و العمل في التسلسل الصحيح و لا يمكن اختراقه لا من فوق و لا من أسفل من “الطّرف” الصهيوني !

إشترك في قائمتنا البريدية