في منتصف كانون الأول (ديسمبر) الماضي وبعد هجوم جوي وبري شرس على الجزء الشرقي من مدينة حلب، أعلنت روسيا أن المدينة أصبحت تحت سيطرة النظام السوري. وكان خروج القوات المعارضة منها والتي سيطرت عليها منذ عام 2012 وما أعقب ذلك من إجلاء آلاف المقاتلين والمدنيين عن المدينة التي أصبحت غير صالحة للعيش نقطة تحول في الحرب الأهلية السورية التي مضى عليها ستة أعوام تقريبا. ولا نزال نعيش صدمة ما بعد حلب والترتيبات التي انتجتها من تقارب بين روسيا وتركيا وغياب الولايات المتحدة القوة الأعظم في العالم عن ترتيبات وقف إطلاق النار التي أشرف عليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان. وأسفرت المعركة النهائية في حلب وهزيمة المعارضة عن تقوية بشار الأسد الذي كان مصيره عائقا من معوقات السلام. ففي الوقت الذي توقفت الولايات المتحدة عن المطالبة برحيله أعرب بعض حلفاء أوروبا عن قبولهم به كأمر واقع. وبالنسبة لتركيا التي تعيش تحديات أمنية وسياسية واقتصادية فقد جمدت موقفها من رحيله أو ربطته بالمفاوضات وحركت بوصلتها شرقا مبتعدة عن الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي التي لا تفتأ توجه النقد لها ورئيسها في ملف حقوق الإنسان وحرية التعبير. ومن هنا اجتمع المسؤولون الروس والأتراك والإيرانيون في موسكو للتأكيد على وقف إطلاق النار ومحاولة إحياء العملية السلمية، حيث أعلن عن لقاء في أستانة عاصمة قازخستان في نهاية الشهر الحالي والطامح لجمع المعارضة والنظام السوري للتفاوض حول عملية انتقالية ودور للأسد ينتهي بالانتخابات. وبعيدا عن التصورات الغامضة لما سيجري في أستانة والوفود التي ستشارك، فالملاحظ أن مفاوضات السلام تجري بعيدا عن مظلة الأمم المتحدة التي رعت منذ بداية الأزمة سلسلة من عمليات السلام فيما عرف بجنيف1 وجنيف 2 وفشلت محاولاتها وكذا محاولات المبعوثين الدوليين من كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي والمبعوث الحالي ستينفان دي ميستورا.
حرب بلا نهاية
دائما ما ارتبطت المفاوضات بما يجري على الأرض. ولم تكن معركة حلب استثناء، ففي الوقت الذي عبر فيه حلفاء المعارضة في أوروبا عن رعبهم من مشاهد القتل والدمار واستهداف البنى التحتية في منطقة المعارضة إلا انهم لم يقدموا الدعم الكافي كي يحافظ المقاتلون على مواقعهم. وبالسياق نفسه أثبت حلفاء الأسد انهم لا يستطيعون حمايته في كل مكان. فوسط العملية التي قادتها ميليشيات شيعية والجيش التابع لنظام الأسد ودعمها الروس من الجو استغل تنظيم «الدولة» انشغال نظام دمشق بالمعركة وهاجم مدينة تدمر بعدما طرد منها قبل تسعة أشهر. فكما يقول جين ماري غوينو، مدير مجموعة الأزمات الدولية بمقال نشرته «فورين بوليسي» (5/1/2017) فقد نجحت استراتيجية الأسد بشل قوة الجماعات المعارضة له وتعزيز قوة الجماعات الجهادية. ومن هنا فالمعركة على حلب لم تنه الحرب ولا يعرف إن كانت الترويكا الجديدة في سوريا قادرة على تحقيق السلام. وهناك شك كبير في إمكانية وقف الحرب نظرا لتمترس النظام الذي يرى أن حلب هي جزء من معركة استعادة ما يطلق عليها «سوريا المفيدة» والتي تضم معظم التجمعات الحضرية الكبرى والطرق الرابطة بين دمشق والساحل. ولكن النظام لا يستطيع العيش بدون ما يقول فابريس بالونش، الباحث في معهد واشنطن بدون «سوريا غير المفيدة» (4/1/2017) والتي تحتوي على مصادر الثروة الطبيعية والنفطية للبلاد وأسهمت بضخ الملايين لخزينة «الدولة الإسلامية». وعليه فالمعركة على حلب وإن أنهب وجود المقاتلين فيها وحققت نصرا رمزيا للنظام فوق ركام مدينة تاريخية مهمة إلا أنها كشفت عن خلاف الأجندات لدى كل طرف من الأطراف. ونبدأ هنا بمن أصبح يملك الورقة السورية- موسكو.
روسيا وانسحاباتها الجزئية
وكعادته أعلن بوتين من جديد عن انسحاب أو تخفيض لقواته في سوريا، وقال أن»المهمة شبه اكتملت» وستبدأ عملية الإنسحاب برحيل حاملة الطائرات العجوز»أدميرال كوزتسوف» وعدد آخر من السفن الحربية. وانقسم الخبراء حول رحلة «أدميرال كوزنستوف» الصيف الماضي إلى البحر المتوسط وفيما أسهمت في المعارك العسكرية أم لا. وكان الرئيس الروسي قد أعلن عن تخفيض القوات في 29 كانون الأول (ديسمبر) الماضي بعد توقيع اتفاق وقف النار الهش مع الأتراك والذي استبعد من بنوده الجماعات الجهادية مثل تنظيم الدولة وفتح الشام (جبهة النصرة سابقا). كما وأعلن عن سحب للقوات و«مهمة اكتملت» في آذار (مارس) 2016 ليعود ويعزز من قواته بعد تكثف القتال من جديد. ويرى باتريك وينتور المحرر الدبلوماسي في «الغارديان» (6/1/2017) أن قرار بوتين هذه المرة ربما نبع من شعوره أن حليفه السوري قوي عسكريا وليس سياسيا فقط. كما أن سحب هذه البارجة لا يعني نهاية الوجود العسكري في سوريا، فلا يزال لدى موسكو قدرات دفاعية أخرى كنظامي صواريخ أس-300 و أس-400. وتدخلت روسيا رسميا في الحرب نهاية إيلول (سبتمبر) 2015 وساعدت على حرف ميزان الحرب لصالح الأسد. ولم يقتل من جنودها سوى 23 جنديا بشكل أثبت خطأ توقعات الولايات المتحدة ورئيسها باراك أوباما الذي حذر من مستنقع سوري للروس. وذكر المحللون الأمريكيون الحرب الأفغانية في ثمانينات القرن الماضي والتي أسهمت بتداعي المنظومة الشيوعية عام 1991. وبالضرورة لم يكن هدف بوتين البقاء الدائم في سوريا باستثناء حماية قاعدته البحرية في طرطوس ومساعدة الأسد بالإضافة لتأكيد القوة الروسية- عودتها إلى الشرق الأوسط- والتعامل مع الولايات المتحدة كند في قضايا المنطقة. وحقق في الوقت الحالي ما يريد، وهو بانتظار أن يحصد ثمار جهوده في الولايات المتحدة حيث أسهمت دعايته بوصول رئيس متعاطف مع روسيا ووعد بتطبيع العلاقات معها. ومهما يكن فقد كان هم الرئيس الروسي منصبا على استعادة حلب الشرقية قبل تنصيب الرئيس الأمريكي المقبل دونالد ترامب حيث ستتخذ السياسة الأمريكية منعطفا جديدا.
تركيا
وعليه منح التعاون مع تركيا بوتين فرصة للتخفف من العلاقة السورية والتركيز على ملف المفاوضات المقبل في أستانة. واستفاد أيضا من تطبيع العلاقات مع تركيا بعد عام من المواجهة والمقاطعة. وعلى ما يبدو يحتاج بوتين لتركيا في سوريا والعكس صحيح. فأنقرة اليوم منشغلة بالحفاظ على أمنها وحدودها من تقدم المقاتلين الأكراد الذين تدعمهم الولايات المتحدة وهي قلقة من العمليات الإرهابية شبه اليومية التي ينفذها تنظيم «الدولة» في شوارع مدنها وكان آخرها مجزرة نادي اسطنبول الليلي الذي قتل فيه مسلح 39 محتفلا من 14 جنسية ليلة رأس السنة الميلادية. وتقاتل القوات التركية اليوم داخل سوريا إلى جانب فصائل سورية معارضة فيما أطلقت عليها عملية «درع الفرات». وكما يرى سكوت باترسون من «كريستيان ساينس مونيتور» (5/1/2016) فالتقارب التركي- الروسي اليوم قد يترك أثره الجيوسياسي على عام 2017. وحذر من إمكانية أن يؤدي التقارب هذا إلى ابتعاد تركيا- عضو الناتو- عن حلفائها الغربيين والذين مثلت لهم في الماضي عماد الاستقرار. ويرى بولنت عليرزا، مدير برنامج تركيا في معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية أن موقف العداء للولايات المتحدة في تركيا سمح بالتقارب بين البلدين، مضيفا أن حقيقة العلاقة تمثل انتصارا لروسيا في تركيا وفي المنطقة بشكل عام. ومع ذلك هناك من يرى أن هناك حدودا لما يمكن أن تثمر عنه العلاقة بين البلدين خاصة في ضوء التغيرات داخل واشنطن. فقد عبر ترامب عن رغبة بتخفيف مظاهر القلق التركي والدفع لترحيل رجل الدين فتح الله غولن المتهم بترتيب انقلاب 15/7/2016 أو وقف الدعم الأمريكي لأكراد سوريا، كما أن هناك عاملا آخر يشير إليه عليرزا ويتعلق بموقف ترامب من رؤية روسيا في سوريا وعليه يرى أن تركيا تريد التعاون مع الولايات المتحدة ولهذا «فهم بانتظار ترامب». ويعتقد محللون أن استمرار التعاون التركي- الروسي حتى بعد مقتل السفير الروسي في أنقرة أندريه كارلوف الشهر الماضي يعني أن موسكو راغبة بالتأثير في تركيا ولكن الأخيرة بحاجة للناتو كما يقول هنري باركي، مدير برنامج الشرق الأوسط في معهد ويلسون. ويرى المحللون أن العلاقات التركية ـ الأمريكية تمر بأسوأ مراحلها منذ نهاية الحرب الباردة بما فيها عام 2003 عندما رفضت السماح باستخدام أراضيها لغزو العراق، ولكن كما يقول عليرزا «إن العلاقات التركية ـ الأمريكية لها جذورها مقابل العداء المتجذر مع روسيا» وإن تحول تركيا نحو الناتو جاء بسبب محاولات ستالين الهجوم على تركيا أثناء الحرب العالمية الثانية. وتظل المواقف التركية مرتبطة بالسياسة الأمريكية في سوريا، والتي قوت الأكراد على حساب حليفتها التقليدية. وهو ما دعا الرئيس التركي للقول العام الماضي إن على الولايات المتحدة الإختيار بين حليفتها ـ تركيا أو الإرهابيين- الأكراد.
إيران
وبعيدا عن مظاهر القلق الأمريكية، فالتعاون التركي مع روسيا في سوريا ودور أنقرة البارز لا يروق للإيرانيين الذين لديهم أجندات خاصة غير الحفاظ على الأسد في السلطة. فهم يريدون تأمين منطقة خالية من السنة أو «الممر الشيعي» في مناطق سيطرة النظام. ومن هنا ردت الحكومة الإيرانية بغضب على مطالب وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو رحيل حزب الله عن سوريا باعتباره قوة أجنبية. وتشي تصريحات المسؤول التركي أن التعاون الأخير لا يعني اتفاقا كاملا في المبادئ حول مسار الحل في سوريا. وأعلن أوغلو أن تركيا ستكون ضامنة لالتزام المعارضة بوقف إطلاق النار فيما ستتأكد روسيا من التزام النظام وستراقب إيران الميليشيات الشيعية. وتشي الردود الإيرانية وحزب الله بعدم الرضى من المطالب التركية برحيل المقاتلين الأجانب الشيعة. خاصة أن إيران تعتمد عليها لتطبيق أجندتها السورية. فهي وإن التقت في بعض المصالح مع روسيا منذ بداية الأزمة إلا أنها تعتقد ان طريقة الحل يجب أن تكون عسكرية لا سياسية وهو الطريق لإنشاء «الهلال الشيعي» الذي تعمل عليه. ولهذا بادر حزب الله لفتح جبهة قرب دمشق في وادي بردى حيث أدى حصاره للمنطقة إلى قطع المياه عن دمشق والتسبب بمعاناة أهل العاصمة كما أظهر تقرير لصحيفتي «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» (4/1/2017) ويتعرض الوادي لحصار منذ تموز (يوليو) 2016 ونتيجة لهذا هددت عشرة فصائل بمقاطعة محادثات أستانة.
وترى حنين غدار من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى (6/1/2017) أن حزب الله يعمل جاهدا لتقوية سيطرته على المناطق المحيطة بالعاصمة لإنشاء مناطق خالية من السنة، بشكل يربط إيران مع لبنان عبر كل من العراق وسوريا. ويقتضي هذا تأمين دمشق كعاصمة للنظام العلوي وبقاء الأسد رئيسا. ويأمل الحزب تأمين المنطقة قبل بداية التفاوض على تقسيم سوريا. ولهذا يقوم بتجاوز وقف إطلاق النار بأي طريقة ممكنة. وتقول إن روسيا راغبة بنجاح مفاوضات إستانة إلا أن إيران لم تبذل الجهد الكافي بشكل يشير لتباين الأجندات وطبيعة التحالف المؤقت. فطهران ترغب بالضرورة بتقسيم سوريا بطريقة متحيزة للشيعة وضمان بقاء الجيش السوري والنظام ضعيفا بالطريقة نفسها التي حققتها في لبنان. وهو خلاف ما يسعى إليه بوتين، الحفاظ على مؤسسات الدولة قوية وبناء حل سياسي يقود إلى عملية نقل للسلطة بشكل يعطي روسيا النفوذ في المنطقة. وعلى العموم فستذهب كل الأطراف إلى أستانة مسلحة بأجنداتها إلا المعارضة السورية التي أصبحت بلا أصدقاء، فالساحة السورية مقسمة بين الترويكا الجديدة روسيا الساعية للنفوذ وإيران الساعية لتغيير ديموغرافي وتفريغ مناطق السنة وتركيا الساعية لمنع كيان كردي على حدودها. أما ترامب أمريكا فيريد «سحق» تنظيم «الدولة».
وتبقى السعودية التي لم يذكر الملك سلمان بن عبدالعزيز المسألة السورية في خطابه لمجلس الشورى، فلدى الممـــلكة ما يكفيها من حروب داخلية وخارجية كما حلل بروس ريدل من معهد بروكينغز في «المونيتور» (6/1/2017) وديفيد هيرست في «ميدل إيســـت آي» (4/1/2017) ومع ذلك يحــتـــاج بوتين لإقناع السعودية وقطر المشاركة في تسويته للأزمة السورية.
إبراهيم درويش
أولا اود ان اشكر صحيفتنا الغراء القدس العربي على هذا الملف عن الأزمة السورية وكل الاساتذة الذين أدلوا بدلوهم في معين هذه المأساة السورية الكبرى, ومن قراءتي لكل التحليلات أجدها تلتقي جميعا في أن الذئاب التمت حول سورية الجريحة لينهش كل ذئب منهم ما يمكنه ان ينهش منها تحت غطاءات واهية منها ما هو مذهبي ( حماية الأماكن المقدس) ومنها ما هو محاربة الإرهاب ( داعش والنصرة )، .. وفي واقع الأمر الكل يبحث عن إجهاض الثورة السورية العظيمة لأنها تهدد كل الدول الإقليمية وتقلب الطاولة على مصالحها، وبالطبع ستطيح بنظام الإجرام البعثي ـ الأسدي ـ الطائفي. وهذا ما لا يروق حتى للدول الكبرى التي تتشدق بحقوق الانسان والديمقراطية، واليوم ألم تجهض الثورة المصرية بدعم واشنطن للاخوان المسلمين، ثم عودة حكم العسكر بانقلاب عسكري عاد ليذكرنا بالانقلابات العسكرية المشؤومة، وكذلك حفتر في ليبيا، ولو أن لتونس جيش قوي لقام احد جنرالاته بانقلاب عسكري ايضا، وكذلك في الثمن ألم يحاول ومازال الرقيب علي عبد صالح بالانقلاب ايضا على حكومة هادي, لذلك فإن كل سياسات الدول الكبرى في دولنا الصغرى عي ضد تطلعات شعوبها. وعلى الشعوب الاستمرار في ثوراتها لتنال حريتها وبناء دولها المؤسساتية والديمقراطية، فالطاغية في دمشق مع أعوانه سيفشلون كل محاولات جرهم إلى مفاوضات جادة تضمن حقوق الشعب السوري بالحرية والكرامة ولا حل إلا باقتلاع هذا النظام المجرم والعميل وقاتل الشعب السوري من جذوره وهزيمة كل مرتزقته وستثبت الايام ان لا لقاء أستانة ولا مفاوضات جنيف ستوصل الى الحل المطلوب