دمشق – «القدس العربي» : تتعنت إيران إزاء المطالب الدولية التي قدمتها واشنطن ودول أوروبية حول خروج طهران وميليشياتها من سوريا وآخرها التصريح الروسي الذي ورد على لسان مبعوث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى سوريا ألكسندر لافرنتيف الذي فسر تصريحاً لبوتين بشأن الحاجة إلى انسحاب القوات الأجنبية من سوريا بأنه يعني «كل المجموعات العسكرية الأجنبية، التي توجد على أراضي سوريا، بمن فيهم الأمريكيون والأتراك وحزب الله والإيرانيون التي تعتبر «مطالب دولية».
ورداً على هذه التصريحات قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي الاثنين إنه لا يمكن لأحد أن يجبر طهران على الخروج من سوريا، عازياً الوجود الإيراني في سوريا إلى طلب رسمي من النظام السوري، بحجة «محاربة الإرهاب»، مضيفاً أن إيران «ستواصل مساعداتها لسوريا طالما هناك خطر الإرهاب، وطالما أن حكومة ذلك البلد تريد من إيران مواصلة مساعدتها» معتبرًا ان لإيران سياسات مستقلة خاصة بها، ومن عليهم مغادرة سوريا هم الذين دخلوا إليها دون إذن من حكومتها».
إيران باتت حسب محللين محشورة في الزاوية فإما الخروج من سوريا أو المواجهة مع إسرائيل، وقرار المواجهة مع إسرائيل يعني مواجهة العالم وانتهاء الدور الإيراني في المنطقة، والخروج من سوريا يعني بكل بساطة انهيار النظام الإيراني، والفرق بين الخيارين هو الزمن فقط.
وعقب العقيد مصطفى الشيخ على تصريحات إيران بشأن خروجها من سوريا والخيارات المتاحة أمامها بالقول إن المواجهة مع إسرائيل تعني انتهاء إيران بسرعة، والخيار الآخر يحتاج لوقت، لكن النتيجة واحدة، بيد ان الخيار الثاني يؤجل نسبياً سقوط الملالي فقط.
أهداف كبيرة
فيما رأى المحلل السياسي والخبير في العلاقات الدولية محمد العطار انه بعد تخلي واشنطن عن الاتفاق النووي لا بد لإيران من الوقوف خلف وجودها في سوريا على انه مادة تفاوضية هامة جداً، ويجب ان تحصل من خلال التفاوض على اهداف كبيرة.
وقال العطار لـ «القدس العربي» ان تصريحات إيران وتعنتها بشأن خروجها من سوريا هو بمثابة رد أوليّ على المطالب الدولية، اما عندما يفرض الامر فرضاً عليها فسوف تختلف طريقة الحوار، فإيران لديها ورقة مهمة جداً للتفاوض بسبب تواجدها في سوريا، وفي آخر المطاف اذا شكلت روسيا وإسرائيل وامريكا ضغوطات كبيرة جداً لاجبارها على الانسحاب، فسوف تنسحب إيران بجيوشها فقط، وستكون باقية من خلال الميليشيات المسلحة التي سوف تحلها وتجنس مقاتليها على أن يبقوا ضمنياً جيوباً وخلايا نائمة لصالحها، فيما هم في الظاهر سكان سوريون، وذلك فضلاً عن العديد من المقاتلين المجنسين والمستقرين في سوريا خلال السنوات السبع الماضية، من الافغان والإيرانيين والعراقيين.
المتحدث باسم وفد المعارضة السورية إلى جولة استانة 9 أيمن العاسمي السبب في توتر علاقات الغرب مع ايران، إلى إلغاء الاتفاق النووي وهو ما يشكل بدوره ضغطاً على روسيا، التي تكثف مساعيها من أجل ترسيخ التهدئة في المنطقة، والابتعاد عن فتح أبواب العداء مع الغرب وواشنطن، مضيفًا «لذلك اعتقد ان حرب الجنوب سيشكل عداء وضغطاً أكبر على روسيا وهي التي تسعى جاهدةً وراء التهدئة».
وأوضح أن روسيا اشارت مراراً إلى خروج جميع الدول من سوريا، فكان اول رد دولي على هذه التصريحات من الجانب الإيراني، وهذا دليل ان هناك توافقاً روسياً – امريكياً وعموم الدول ضد الوجود الإيراني والاتجاه نحو تحجيم نفوذ طهران في سوريا، والمنطقة الجنوبية في «درعا والقنيطرة» التي هي جزء هام من المناطق المتوترة والتي تزيد الضغط على روسيا بسبب وجود إسرائيل والأردن.
تهدئة شمالاً وجنوباً
من مصلحة الروس برأي المتحدث المحافظة على أمن وهدوء المنطقة الجنوبية من سوريا وابعادها عن المعارك وبالتالي تصريحات إيران مرتبطة بشعورها بأنها بقيت لوحدها، فأهداف الروس بعيدة عن الاجندة الإيرانية صاحبة المشروع الطائفي التوسعي في المنطقة.
ونقل العاسمي عن ألكسندر لافرنتيف رئيس الوفد الروسي المشارك فى الجولة التاسعة للمفاوضات حول سوريا «أستانة – 9»، قوله «نحن الان متجهون إلى تهدئة في الشمال والجنوب وتحتاج العملية إلى نحو 4 أشهر لانجازها، وحتى يتم اقرارها بشكل كامل» مشيرًا إلى مخططات موسكو التي تضع حسبانها السيطرة على معبر نصيب الحدودي مع الأردن قائلاً «إذا حلت موسكو مشكلة المعبر مع فصائل المعارضة التي لا ترغب بفتحه أمام النظام وإيران، فلن تكون هناك معارك في الجنوب». مشيراً إلى ان فتح معبر نصيب هو بناء على توافق اردني – روسي، «فالطرفان لهما الرغبة في فتحه، ولكن الفصائل غير راغبة لان ذلك يعني وصول النظام ومن خلفه إيران إلى هذا المعبر، وخاصة ان الاستقرار الإيراني يبدو واضحاً جداً في الجنوب وهذا ما يبرر ضربات إسرائيل المتكررة».
وأشار العاسمي إلى وجود تناحر ايراني – روسي خفي في سوريا، «فالروس يحاولون ترسيخ نفوذهم من أجل جني فوائد اقتصادية من خلال سيطرة الأخيرة على ميناء طرطوس وميناء اللاذقية، إضافة إلى مناجم الفوسفات في تدمر، والكثير من الموارد الطبيعية كالغاز والنفط، مع عدم وجود منافذ، فهي مضطرة إلى وجود معابر في الشمال والجنوب»، وقال ان «الروس اشاروا خلال جولة المفاوضات إلى وجود خسائر كبيرة بسبب توقف ميناء طرطوس واللاذقية فهم يعتبرون انهم امنوا جزءاً كبيراً من سوريا وحان الآن وقت الاستثمار والجني الاقتصادي، اما الحل السـياسي فسـوف يأتي بشـكل بطيء وعلى مراحـل».
روسيا في الجنوب
وكانت موسكو قد باشرت في تثبيت وجودها العسكري على الحدود السورية – الأردنية جنوبي سوريا، منذ آب/أغسطس من العام الفائت حيث نشرت نحو 1000 جندي روسي، ومراكز الشرطة العسكرية الروسية في مدن وبلدات محافظة درعا، واقامت قاعدتين عسكريتين في كل من الصنمين وموثبين شمال درعا، إضافة إلى رفع علمها على مطار الثعلة الواقع شرقي المدينة، والمتاخم لمحافظة السويداء، والذي يبعد حوالي 55 كيلومترًا عن الحدود السورية مع الجولان المحتل.
وتتوزع الشرطة العسكرية الروسية على عدد كبير من مواقع النظام المنتشرة جنوبي سوريا، وفقاً لاتفاق انبثق عن سلسلة اجتماعات ضمت مسؤولين روساً وأمريكيين وإسرائيليين وأردنيين، مع الأخذ بعين الاعتبار ان الاتفاق ابعد حكومة طهران وميليشياتها الطائفية وحزب الله، عشرات الكيلومترات عن الجولان المحتل مراعاة لأمن إسرائيل.
وتنتشر الشرطة على النقاط الفاصلة بين مناطق سيطرة النظام والمعارضة، في كل من بلدة القنية ومدينة إزرع والصنمين وخربة غزالة وفي حي السحاي المتاخم لحي المنشية في مدينة درعا، وقد أنشأت قاعدة عسكرية لها بالقرب من بلدة موثبين بعد انسحاب آليات عسكرية وثقيلة وجنود للنظام السوري باتجاه دمشق.
وتتمركز الشرطة الروسية حسب مصادر ميدانية مطلعة، بدءاً من حاجز برد المجاور لمدينة بصرى الشام أقصى شرق محافظة درعا على الحدود الادارية مع محافظة السويداء وصولاً لحدود منطقة اللجاة بسبع نقاط عسكرية مركزها مطار الثعلة العسكري.
كما يوجد مركز مراقبة وتجمع للقوات الروسية في بلدة موثبين في مركز السياقة في حين انتشروا كنقاط تفتيش في مدينة ازرع ومدينة درعا وعلى حاجز بلدة القنية شمال درعا، وانتشروا كذلك الامر على الحواجز الحدودية مع المناطق المحررة في محافظة القنيطرة.