■ في مجتمعاتنا العربية نتكلم كثيرا عن أهمية ونبل التراضي فيما بين بعضنا بعضا ونحاول ممارسة التراضي من خلال تعابير نمطية فيها الكثير من النفاق الاجتماعي، أو الكثير من مخدرات الضمير الذي بطبيعته لا يرضى الظلم ولا يستطيع التعايش معه.
فمثلا، من التعبيرات النمطية ما يقوله أتباع المذاهب والطوائف الفقهية الإسلامية عن بعضهم بعضا، من وجود أخوة دينية فيما بينهم مبنية على المحبة والاحترام والتراحم، وبالتالي عدم القبول بأن يقع الضرر على أتباع أي مذهب بسبب التمييز أو التهميش أو التسلط. وللتدليل على وجود تلك الأخوة المتفاهمة المحبة يتفاخرون بالتزاور في مناسبات الزواج والأعياد والوفيات، وبالتزاوج فيما بينهم حتى لو كانت النسبة لا تزيد عن خمسة في المئة، وحتى لو كانت تجري وراء الكواليس والأبواب المغلقة، كل أنواع التساؤلات والشروط والاعتراضات والتحذيرات.
والأمر نفسه ينطبق على أصحاب الديانات أو الأصول العرقية أو الانتماءات القبلية والعشائرية المختلفة، هناك أيضا تعابير نمطية وادعاءات بوجود الأخوة والمحبة وعدم القبول بالتمييز أو الاستعلاء أو الظلم. تلك التعابير قد تكون صادقة عند البعض القليل من أصحاب الضمائر والأخلاق الإنسانية والاستنارة الاجتماعية. لكن قلب موضوعنا ليس في وجود أو عدم وجود تلك التعابير الأخوية وتبادل المجاملات والزيارات، بل حتى انتشار وقبول التزاوج بنسب كبيرة.
كل ذلك حدث عبر تاريخنا بنسب مختلفة في كل أقطار الوطن العربي وبدون استثناء. لكنه لم يمنع طغيان فئة على فئة من خلال سياسات الاستئثار بالمال والسلطة والجاه والامتيازات الظاهرة والخفية، وبالتالي لم يمنع تفجر الصراعات الدينية والطائفية والقبلية، ووصول بعضها إلى حالات الحروب الأهلية.
الموضوع هو كيف الوصول إلى مجتمع فيه تعدد ديني ومذهبي وعرقي ولغوي وثقافي، ولكنه مع ذلك مجتمع ينعم بالسلام الأهلي بدون حاجة لممارسة سياسات التراضي التي وصفنا، القائمة على النفاق والتعابير النمطية المخادعة والكاذبة أحيانا، والتي لا تمنع حدوث الصراعات والانفجارات وقيام النظام السياسي الفئوي المتسلط. وبمعنى آخر جعل التعدد الديني والمذهبي والثقافي مصدر إغناء لحياة المجتمع ومصدر تفاعلات تدفع بالمجتمع إلى السمو والتحضر. والجواب هو بترسيخ مفاهيم العدالة التي لا ترفض فقط الظلم وإنما العدالة التي تمنع حدوث الظلم.
ونحن هنا لا نتحدث عن وجود حاكم عادل في بيئة ظالمة وفاسدة وتمييزية، وإنما نتحدث عن وجود نظام عادل في مكوناته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، من خلال احتواء مفهوم العدالة على أجوبة محددة بشأن قضايا مثل الحرية والمساواة وحقوق الإنسان وواجباته والمواطنة وتوزيع الثروة وتبادل السلطة وشرعية القوانين وعلاقات السلطات الثلاث ببعضها بعضا إلخ..
بالنسبة لنا كعرب فإن هذا الطرح بهذا الشكل مهم للغاية، إذ أن تراثنا انشغل بمواضيع العدالة الإلهية، وبالتالي أصبح العدل مساويا فقط لتطبيق الشريعة وعدم الخروج عن نصوصها، كما انشغل بصفات الحاكم العادل، بينما أهملت الأسس النظرية للعدالة والتنظيمات الضرورية لوجودها حتى توجد كممارسة في الحياة اليومية المجتمعية. من هنا فإن علاج تلك الصراعات والمشاحنات التي وصفنا، إذا كان سيأتي عن طريق إرساء دعائم العدالة، فإنه يجب أن يستفيد من المناقشات الغنية العصرية حول العدالة، التي تشترط على الأقل وجود المكونات والمضامين التالية:
1- المساواة في الحقوق والواجبات، بما فيها المساواة في الفرص والمساواة بين الرجل والمرأة، بصور نسبية بالطبع، ولكن مرتبطة أشد الترابط بمبادئ التكافل والتراحم والخير العام.
2 – العدالة الاجتماعية التي تقوم على توزيع عادل للثروة ومنع وجود فوارق كبيرة بين الأغنياء والفقراء ومنع استغلال جهد الآخرين من قبل أي أقلية، ورفض التمييز في الفرص الحياتية.
3 – علاقات سياسية واجتماعية قائمة على مبدأ المواطنة المتساوية، وشرعية القوانين وتساوي الجميع أمامها وانفاذها من قبل قضاء نزيه، واستقلال وحيوية المجتمع المدني بعيدا عن أي هيمنة، واحترام لشتى أنواع الحريات الفردية والجمعية في التعبير والتجمع وغيرهما.
وجود مثل تلك العدالة، المقننة لتلك النقاط الأساسية، هو الكفيل بانتقالنا من ممارسات التراضي والمجاملات إلى ممارسة العيش المشترك بسلام وطمأنينة وأخوة حقيقية في المواطنة والإنسانية. وهي عدالة منسجمة إلى أبعد الحدود ومكملة للعدالة الإلهية التي نادت بها جميع الشرائع السماوية، كيف لا ورب العالمين هو العدل المطلق.
٭ كاتب بحريني
د. علي محمد فخرو
يا دكتور فخرو أشكرك على جميع مقالاتك النيرة والواضحة،وأتناولك قضايا العرب من كافة النواحي،وهذا حقيقة يشكر عليها كل كاتب ومفكر قومي وعروبي،مع انني كفرت بكل الأنظمة التي تدعي القومية او الاسلام على مر السنين،
اما بالنسبة لما تفضلت به من الشوط الثلاثة للعدالة هي جيدة،ولكن في ظل النظام العربي الموجود لم تحصل في الماضي ولن ارى لها أمل في المستقبل القريب،
الشوط الثلاثة تتحقق فقط وفقط في حالة واحدة ،وهي صندوق انتخابات حرة ونزيهة،هي التي وصلت العالم المتحضر الى ما هو عليه الان،اما نحن منازلنا تحت حكم أمراء وملوك وزعماء لا ينزعهم عن الكرسي الا الخلق،
الحل ان العالم العربي بيك فئاته عليه ان يتحد كشعوب ومفكرين لاقتلاع هذه الأنظمة من جذرها كما حدث للشعوب الاخرى وان يتحرر الشعب العربي مرة واحدة والى الأبد،هذا هو العلاج لكل مشاكلنا،لا يمين ولا يسار ولا علماني ولا ما يحزنون،ان ينصهر الشعب في بوتقة واحدة وطريق واحد،
مقال ممتاز و افكار عملية و لكنها لا تخلو من بعض المجاملة التي شكا منها استاذنا الكبير في بداية المقال.
رأس العلة و قبل العدالة هو غياب الحريات و يبدأ ذلك بمفهومنا للحرية. الحرية التي فطر الله عليها الانسان منذ خلق آدم و جعل ابليس طليقا و ترك لآدم حرية الاختيار و التفكير و التعقل و البصيرة. حرية الاعتقاد و حرية الرأي و حرية التنظيم الاجتماعي او السياسي و حرية العمل و حرية الابداع و حرية التقل
لا يستقيم الامر حتى ندرك ان حريتنا تساوي حرية الاخرين. انا حر فيما اعتقد و كذلك الاخر. انا ارى اني على صواب و هو يرى كذلك. يمكننا التعبير و النقاش و تلاقح الافكار و الاتيان بمذاهب جديدة او ما شئنا ضمن الضابط الاهم و هو عدم الحاق الاذى بالاخر او الحد من حريته. اي عدم الطغيان
شكرًا جزيلا د فخرو وكذلك للذين علقوا لأنكم تساهمون فى بناء وعي جديد لضمان مستقبل افضل