يشكل التيار السياسي/ الاجتماعي الذي يقوده السيد مقتدى الصدر، الاتجاه السياسي الشيعي الاكثر عقلانية في العراق اليوم، والأكثر قدرة على لعب دور كبير في سبيل خروج العراق من الازمة السياسية الخانقة التي يمر بها، ولعل المبادرة الاخيرة التي طرحها السيد الصدر، تحديدا فيما يتعلق بحل مليشيا الحشد الشعبي، تكرس بما لا يقبل الشك هذه العقلانية. بل يتعدى ذلك إلى تقديم أداء سياسي استثنائي فيما يتعلق بالاستقطاب الطائفي السني الشيعي الذي يحكم المنطقة. ويمثل موقف التيار من الأزمة السورية القائمة النموذج الأوضح في هذا السياق. فقد أعلن السيد مقتدى الصدر صراحة أن من حق السوريين أن يحظى بديمقراطية تعددية، كما انتقد تدخل حزب الله في سوريا، وصولا إلى المطالبة الصريحة باستقالة بشار الأسد عقب جريمة خان شيخون.
يعد التيار الصدري أحد اهم ظواهر مرحلة التسعينيات في العراق، مرحلة ما بعد حرب تحرير الكويت وعقد الحصار الاقتصادي. فقد ساهم كلا العاملين في إعادة هيكلة المجتمع العراقي اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا وقيميًا. حيث استطاع رجل الدين محمد صادق الصدر أن يستثمر هذه التحولات في أن يبرز بقوة في المشهد الشيعي في العراق بداية من العام 1992. عندما عمد إلى إعادة إنتاج الصراع حول «عروبة» الحوزة الدينية في النجف، وهو صراع بدأ مبكرًا مع بداية القرن العشرين، ربما بتأثير من الفكر القومي الذي هيمن على المنطقة. كما أعاد إنتاج الصراع المديني-الريفي، طبقيًا واجتماعيًا وسياسيًا، حول التمثيل الشيعي في داخل المؤسسة الدينية الشيعية ككل، من خلال كسر احتكار البيوتات الدينية المدينية لطبقة رجال الدين، تحديدًا في النجف وكربلاء وبغداد، وفسْح المجال واسعًا لأبناء المحافظات الجنوبية (ميسان، الناصرية، البصرة، الديوانية، المثنى)، سواء من المواطنين الأصليين لهذه المحافظات، أو المهاجرين منها إلى العاصمة بغداد بوجه خاص، كي ينخرطوا في الدراسة الدينية/ الحوزوية التي كان يتولاها بنفسه. وهو الصراع الذي تم التعبير عنه بالصراع بين حوزة المعدان، أي أبناء المناطق الجنوبية من العراق مع حوزة النجف، أو الصراع بين الممثَّلين المهمشين المنتمين إلى عشائر ريفية، والممثِّلين التقليديين من سكان الحواضر الشيعية في النجف وكربلاء والكاظمية. وقد أفاد الرجل من المناخ الذي نتج عن القمع العنيف للتمرد الذي وقع في المحافظات الوسطى والجنوبية ذات الأغلبية الشيعية في أعقاب إخراج القوات العراقية من الكويت، والانتقادات الضمنية التي وُجهت للحوزة الدينية في النجف الأشرف، تحديدًا مرجعية السيد أبي القاسم الخوئي (1899-1992) بسبب موقفها غير الحاسم من دعم هذا التمرد، وذلك من خلال طرح الصدر لثنائية الحوزة الناطقة (يطلق عليها البعض «مرجعية الميدان»)، أي المؤسسة الدينية العملية المرتبطة بالمجتمع بشكل مباشر ويمثلها هو شخصيًا، والحوزة الصامتة التقليدية التي انحصر دورها في الإطار الديني البحت. وقد استطاعت الظاهرة الصدرية الانتشار، بطريقة غير متوقعة، بين الطبقات الاجتماعية الفقيرة في هوامش المدن التي فشلت الأنظمة السياسية المتتابعة في إدماجها مجتمعيًا.
وقد قام السيد محمد صادق الصدر في العام 1998 بخطوة راديكالية غير مسبوقة، في إطار سعيه للتمايز عن مراجع الشيعة التقليديين وذلك من خلال إحياء صلاة الجمعة، التي كانت «فريضة معطلة» عند الشيعة، بل قال البعض بحرمتها وعدم وجوبها عينًا في عصر الغيبة (أي غيبة الإمام المهدي الإمام الثاني عشر عن الشيعة الإمامية)، وهي خطوة مثلت في الوقت نفسه «استعراضًا» لقوته ونفوذه بين أتباعه ومقلديه. ولا يمكن النظر إلى هذه الخطوة بعيدًا عن «الاعتراض» على المرجعيات الشيعية، الايرانية بوجه خاص، القائلين بـفكرة «الولاية العامة المطلقة للفقيه» (ولاية الفقيه) التي قال بها الخميني. فقد رفض السيد محمد الصدر هذه الفكرة، طارحا في الوقت نفسه فكرة «الولاية العامة المقيدة للفقيه»، وهذه التقييدات هي: التقيد بتطبيق احكام الشريعة العامة، والتقيد بالتدني عن مستوى الأئمة المعصومين، والتقيد بالمصلحة إذا لا معنى للولاية من دون وجودها.
ولكن التيار الذي تعرض إلى تنكيل شديد بعد مقتل السيد محمد الصدر في عام 1999، استطاع ان يفاجئ الجميع بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، بانه كان قادرا على البقاء على الرغم من القبضة الامنية المفرطة في العنف التي مارسها نظام صدام حسين ضدهم. فقد برز التيار سريعا بعد نيسان 2003 عندما عمد أتباعه إلى ملء الفراغ الذي تركه سقوط مؤسسات الدولة من خلال أعمال تطوعية، ليس في بغداد وحسب، وإنما في المحافظات العراقية كافة. ولكن هذا الحضور «الاجتماعي» على الأرض لم يعطِ التيار أي اعتراف سياسي. هكذا خلا مجلس الحكم الذي أنشأه الأمريكيون في العراق في 13يوليو/تموز 2003 من أي حضور للصدريين، وقد بدا واضحًا أن الأمريكيين، وربما بتأثير من الزعماء الشيعة الذين أرادوا احتكار التمثيل الشيعي، لم يقدِّروا بشكل موضوعي قوة مقتدى الصدر، أو مدى جماهيرية التيار الصدري وحجم قوته. فكانت المواجهة اللاحقة بين الصدريين والقوات الأمريكية نتيجة طبيعية لعدم حصول التيار الصدري على تمثيل سياسي ضمن هذه المنظومة، صحيح أن الصدر الأب كان يردد دائمًا شعاره الشهير: «كلا.. كلا أمريكا، كلا.. كلا اسرائيل، كلا.. كلا للشيطان»، إلا أنه لم يكن هناك موقف صريح ومعلن للتيار الصدري من الاحتلال الأمريكي حتى لحظة اختيار مجلس الحكم، ولكن بعدها مباشرة بدأ الصدريون يتحدثون صراحة عن «رفض الاحتلال»، بل أعلن مقتدى الصدر تشكيل «جيش المهدي» في وقت لاحق. ووصلت المواجهة بين الطرفين ذروتها في معركة النجف في أغسطس/آب 2004 التي انتهت بهزيمة غير معلنة، وهدنة رعاها المرجع الشيعي علي السيستاني شخصيًا.
ولكن الحضور الأبرز للتيار الصدري ظهر من خلال الدور الذي قام به جيش المهدي في الحرب الاهلية/ الطائفية في أعقاب تفجير مرقد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في سامراء في 22فبراير/شباط 2006، عندما تم «استخدامه» كغطاء للعمليات الانتقامية الطائفية واسعة النطاق، والتي ما زالت تشكل نقطة سوداء في تاريخ التيار.
في السنوات اللاحقة، وبعد دخول التيار الصدري في مواجهات شيعية ـ شيعية عدة، استطاع السيد مقتدى الصدر أن يقوم، وبشكل منهجي، بمراجعات حقيقية لأداء التيار السياسي، لتشكل لحظة مايو/ أيار 2012 نقطة التحول الكبرى في الأداء السياسي للتيار الصدري، عندما عمد السيد مقتدى الصدر والسيد مسعود البارزاني والسيد أياد علاوي إلى تشكيل تحالف عابر للطائفية لسحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي، الذي بدأ حينها باحتكار السلطة ومحاولة إنتاج نموذج ديكتاتوري ذي طبيعة طائفية. لتشكل مواقف التيار اللاحقة نموذجا متميزا في محاولة إنتاج وتكريس خطاب شيعي عقلاني، أكثر تفهما لطبيعة الازمة في العراق، وأكثر انفتاحا في التعاطي مع مخرجات هذه الازمة، وأكثر براغماتية للوصول إلى حلول عملية لهذه الأزمة، وصولا إلى تحالف التيار مع التيارات المدنية العراقية المطالبة بالإصلاح، صحيح ان بعض الإخفاقات قد صاحبت هذه المراجعات، وهذا المسار العقلاني، مثل خضوع السيد مقتدى الصدر نفسه للضغوط الايرانية للقبول بتولي السيد نوري المالكي رئاسة مجلس الوزراء لولاية ثانية في العام 2010، وهو الامر الذي اعترف به السيد مقتدى الصدر شخصيا، او في اقتحام أنصار التيار وجموع المحتجين المنطقة الخضراء، إلا أن ثمة قناعة لدى الكثيرين بان التيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر سيشكل حجر الزاوية في أي مسعى لإنتاج رؤية عقلانية عبر طائفية يمكنها أن تنتج حلا للأزمة العراقية القائمة.
٭ كاتب عراقي
يحيى الكبيسي
التيار الصدري وزعيمه بعدة وجوه ! فأي وجه نصدق ؟
ولا حول ولا قوة الا بالله
هم فقراء العراق اللذين من مصلحتهم أن يلتقوا مع فقراء الوطن الآخرين و يجسدوا فعلاً شعارهم المشترك ” أخوان سنة و شيعة ، و الوطن لا نبيعه “…غير أن ما تعاني منه قيادتهم هو تغلب الطائفية في أحيان كثيرة على الوطنية لديهم و ذلك عائد الى الشحن المذهبي ، كما أن قيادتهم تعاني من النرجسية …بالرغم من ذلك و بسبب حجمهم الكبير فالأمل معقود في تغلب العقلانية و الوطنية عندهم و أن يقابلهم أخوتهم في الوطن بالمثل ، و لنعترف أن في الطائفة الأخرى الكثير ممن لا يريد أن يعترف أن ممارسات النظام السابق مهدت للغزو و الإحتلال و إن كان ذلك لا يبرر الغزو و الإحتلال ، عند ذلك ينهض العراق ….لا يزال هناك بصيص من الأمل ، و إلا فهي حرائق لا تبقي و لا تذر ، أكثر مما شهدنا حتى الآن
التيار الصدري. أصبح من الماضي .لأخطاء تاريخية قام بها. .واجه وتحدى إيران المسيطرة على العراق.أفتعاله.مظاهرات عنيفة جدا وتهديد بتغيير النظام السياسي بالقوة (وبعدها يتراجع تحت القوة ) في أوقات عصيبة يمر بها العراق. أحد المحللين لاحظ أنه في كل مرة يشتد الهجوم.على داعش.يحرك التيار الصدري مناصريه فيربكون.الحكومة والجيش والخطوة الخطيرة الاخيرة.كانت سحب قواته من معارك الموصل بحجة الدفاع عن بغداد..