من الخطأ اختزال ما يجري في الشارع الشيعي بأزمة انقطاع الكهرباء، فالقضية أكبر من ان يتم تسطيحها بهذا المطلب على الرغم من أهميته في صيف العراق الساخن، ويمكن تشبيهها كما لو ان حبات المسبحة الطائفية بدأت تنفرط بعد ان حاولت الأحزاب الشيعية ان تجمعها على أسس مذهبية طيلة الأعوام الماضية إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن لعبتها في عملية تغييب الوعي وغسل الأدمغة التي استهدفت من خلالها شيطنة العرب السنة في نظـــر الشيعة وتحمـــيلهم مسؤولية فقدان الأمن وضياع فرصة التنمية وبناء الدولة قد انكشفت ولم تعد تنطلي على أحد.
والتظاهرات الواسعة التي تجتاح المدن الشيعية في وسط وجنوب العراق منذ أكثر من أسبوعين، تشير إلى ان شيعة العراق يقفون اليوم عند لحظة زمنية ستضعهم عند مفترق طرق، ربما ستكون نتيجتها تفكك العلاقة التي جمعتهم مع من يدّعي تمثيلهم ويتاجر بهم باسم المظلومية، ولم يتردد في ان يستثمر كل وسيلة في سبيل إحداث شرخ عميق بينهم وبين اخوتهم العرب السنة تنفيذا لأجندات إقليمية ودولية هدفها تفتيت المنطقة مجتمعيا وثقافيا قبل ان يكون تفتيتا جيوسياسيا كما تم التخطيط له في مشروع «الشرق الأوسط الكبير» الذي سبق ان طرحته إدارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش عام 2004 .
ولا ينبغي ان تشغلنا تلك التفاصيل الصغيرة العابرة التي قد طفحت بها الشوارع والساحات العامة في مدن البصرة والناصرية والكوت والسماوة وبابل وهي تستقبل أفواجا من المتظاهرين الغاضبين، فدلالة التظاهرات تتعدى مسألة تردي الأوضاع الخدمية والمعيشية، رغم أهمية هذه التفاصيل. إن قراءة الأحداث بعيدا عن الصخب المصاحب لها وعن محاولات تزويرها من قبل حراس النظام ستصل بنا إلى نتائج تشير إلى ان هناك تحولا مهما في الوعي الجمعي الشيعي، حيث أفرزت التظاهرات:
– ان العامل المذهبي الذي طالما راهنت عليه الأحزاب والقوى السياسية الشيعية في إثبات وجودها وشرعيتها على رأس النظام السياسي قد وصل إلى مرحلة متدنية من القبول.
– اليأس أصاب عموم العرب الشيعة في العراق إزاء الطبقة السياسية بعد ان حرمتهم من أبسط حقوقهم الإنسانية، وهنا، سأستثني من هذا الشعور باليأس الشيعة من غير العرب، إذ ليست هناك مؤشرات على ان هؤلاء يتشاركون الشيعة العرب اصرارهم على ان يخرج العراق من تحت النفوذ الإيراني.
عام 1991انفردت المدن ذات الأغلبية العربية السنية (الموصل، صلاح الدين، ديالى، الأنبار) باتخاذ موقف سلبي تجاه أحداث التمرد التي عاشتها مدن وسط وجنوب العراق ذات الأغلبية الشيعية، وكانت تستهدف النظام السياسي القائم آنذاك، وقد صاحبت تلك الأحداث صور عنيفة ووحشية خلفت ورائها خسائر كبيرة في الأرواح. وقد جاء ذاك الموقف المتمرد على السلطة من قبل شيعة الجنوب والوسط في أعقاب الانسحاب غير المنظم للجيش العراقي من الكويت بعد ان كان قد احتلها عام 1990. تلك الأحداث نستعيدها ونحن نتابع ما يجري هذه الأيام في محاولة عقد مقارنة بين الأمس واليوم بعد ان لاحظنا ان المدن ذات الأغلبية العربية السنية قد اتخذت موقفا سلبيا ازاء ما يجري من تظاهرات في مدن الوسط والجنوب العراقي كما كان عليه موقفها عام 1991.
بين تاريخين متباعدين ومختلفين من حيث الزمن 1991 و2018 ربما سيجد المتابع للأحداث أن تكرار الموقف السلبي ذاته من قبل سكان المدن ذات الأغلبية العربية السنية ازاء تظاهرات الشيعة في هذين التاريخين يعكس حقيقة التباين والتضاد في المواقف بينهما، بغض النظر عن هوية النظام القائم والأسباب التي تدعو للتمرد عليه، وأن الخلاف بينهما ليس مقصورا على تحديد رؤية هلال عيد الفطر. عام 1991 كان النظام هويته سنية المذهب، رغم حرصه على ان يسبغ صفة العلمانية على مظهره وتشريعاته وقراراته، بينما عام 2018 كانت قد أصبحت هوية النظام السياسي شيعية المذهب وبدا واضحا اصراره على ان يستبعد صفة العلمانية عن مجمل التشريعات والقرارات التي أقرها، وإقراره «القانون الجعفري» الذي يتيح للرجل الزواج بطفلة عمرها تسعة أعوام مثال على ذلك.
في كلا التظاهرتين افترق السنة والشيعة عن بعضهما، ولم يصطفا في موقف واحد ازاء النظام السياسي القائم، رغم توفر عديد الأسباب الموضوعية في كلا التاريخين للتمرد ضده وبما يفرض عليهما ان يكونا معا في مواجهته، لكنهما لم يُقدِما على أي خطوة بهذا المسار لردم الهوة بينهما، وكأن الإقدام على مثل هذه الخطوة يعني خيانة للمذهب حتى لو انها أفضت إلى نتائج ايجابية تصب في مصلحتيهما معا خاصة إذا كسرت شوكة السلطة وحدت من انتهاكاتها ضد المواطنين. والسؤال الذي يطرح في هذا السياق: هل التفارق يعكس اشكالية العلاقة بين الاثنين، وأن من الصعب ان تصل في يوم ما إلى حالة من التصالح أو التوافق؟
أسباب الصمت
العرب السنة في العراق عام 1991 كان لديهم من الأسباب ما يجعلهم يلتزمون الصمت ولا يشاركون الشيعة تمردهم، ربما في مقدمتها ان إيران كانت تقف خلف ما يجري من أحداث عبر دعمها ومساندتها لعناصر تنتمي لحزب الدعوة ومنظمة بدر التابعة للمجلس الأعلى الإسلامي كانت تقود التمرد آنذاك بهدف الانتقام من نظام البعث الذي سبق ان واجه نظام الخميني في حرب ضروس لمدة ثمانية أعوام (1980-1988) وأجبره بالتالي على القبول بالهزيمة كما لو انه يتجرع السم حسب ما عبر عنه الخميني في حينها وهو يعلن الرضوخ وايقاف القتال. ولكن في تظاهرات اليوم، ما الذي يمنع العرب السنة من ان يكونوا مع شيعة الوسط والجنوب في تظاهراتهم، خاصة وان مطالب المتظاهرين تعبر عن احتياجات العراقيين جميعا إلى الخدمات الأساسية، والأهم من ذلك لم يرفعوا شعارات مذهبية أو أي صورة من صور التأييد لإيران المتورطة من رأسها إلى أخمص قدميها بدعم ومساندة الأحزاب والميليشيات الطائفية التي بددت ثروات العراق وسحقت شعبه ودمرت مدنه خاصة التي يسكنها العرب السنة، بل العكس من ذلك عبّر المتظاهرون عن سخطهم ورفضهم الشديد لهيمنة إيران على العراق، حيث رددوا الشعار الذي يطالبها بالخروج من العراق «إيران برّه برّه وبغداد تبقى حرة» كما أحرقوا ومزقوا صور الخميني وخامنئي التي سبق ان رفعتها الميليشيات على أبواب مقراتها وفي الساحات العامة، وهذا ما وضع كافة الجوقة التي تعزف على النغم الإيراني في موقف لا تحسد عليه بعد ان جوبهت بالدليل القاطع الذي يؤكد عزلتها المطلقة عن المزاج الشيعي العام. فما كان منها لكي تعالج هذا المأزق إلاّ ان تطلق تهمة جاهزة باتت مستهلكة حيث أشاعت عبر أبواقها الالكترونية ان جماعات مندسة تابعة لحزب البعث من أبناء الأنبار والموصل كانت قد تسللت بين جموع المتظاهرين هي المسؤولة عن حرق صور خميني وخامنئي ومقرات حزب الدعوة والميليشيات، وان ضباطا في الجيش العراقي من الموصل والأنبار وصلاح الدين هم الذين أطلقوا الرصاص على المتظاهرين، وكأنها بذلك تريد ان تؤكد للآخرين ان العرب الشيعة في العراق أبعد ما يكونون عن رفضهم لإيران وان ولاءهم سيبقى مهما ساءت أوضاعهم وتبددت ثروات بلادهم واهدر دم أبنائهم في حروب خارجية مشبوهة، وهذا خلاف للوقائع التي كشفتها التظاهرات. وبعد ان دخلت اسبوعها الثالث اتسعت رقعتها واصطبغت بطابع دراماتيكي عندما وصل عدد الذين سقطوا من بين المتظاهرين برصاص الميليشيات وقوات الأمن والجيش ومكافحة الإرهاب إلى أكثر من 16 قتيلا، وبما يزيد على 200 جريح، لذا بات من غير الممكن التكهن بما ستفضي إليه من تداعيات ونتائج.
القسوة مع الجميع
سيكون من الصعب على العرب السنة نسيان التجربة القاسية التي مروا بها خلال الأعوام الماضية عندما تمت شيطنتهم من قبل السلطة في بغداد، والصقت بهم تهمة الانتماء لتنظيم «داعش» ومساندته وانهم حاضنة للتطرف والإرهاب، وما يؤسف له ان تنخرط جماهير واسعة محسوبة على الوسط الشيعي بهذه الأجندة التسقيطية وباتت ترددها باعتبارها حقائق لا تقبل الجدل فكان من نتائجها الكارثية ان الاعتصامات عام 2013 في المدن ذات الأغلبية العربية السنية والتي استمرت سلمية لمدة عام كامل تم التعامل معها من قبل الأجهزة الأمنية والعسكرية الحكومية بكل قسوة ووحشية بذريعة وجود عناصر داعشية بين المعتصمين. فلا غرابة من سلطة لا تترد في استعمال القسوة مع أبناء طائفتها وتقتلهم بدم بارد إذا ما رفعوا الصوت بوجهها احتجاجا على فسادها.
معايير مزدوجة
في كل ما وقع من ظلم على المدن ذات الأغلبية العربية من قبل السلطة في بغداد بهدف اخضاعها لم يتبلور في بقية مناطق العراق الأخرى التي تسكنها أغلبية شيعية أي موقف شعبي يرغم السلطة على ان تكف وترتدع عن الاستمرار في موقفها الطائفي والعنيف ازاء سكان هذه المدن، بل على العكس كان هناك صمت مريب يمكن للمراقب ان يفسره بالموافقة على كل ما يصدر عن السلطة من إجراءات قمعية. وبعد ان انسحب الجيش العراقي والقوات الأمنية من مدينة الموصل وتركوها هي وأهلها فريسة سهلة لتنظيم «داعش» الإرهابي في حزيران/يونيو 2014 شعر العرب السنة بالخذلان، وتعمق هذا الشعور بعد ان سحقت العديد من مدنهم أثناء عمليات تحريرها واختفى أكثر من خمسة آلاف من أبنائها بعد ان تم اعتقالهم من قبل القوات الأمنية وميليشيات الحشد بهدف التحقيق معهم، في المقابل تم تفادي هذا التدمير مع مدن أخرى مثل تلعفر لدواعي طائفية، حيث سمح لعناصر «داعش» بالخروج منها دون قتال بينما كان هناك اصرار على احكام الحصار واستعمال كافة الأسلحة مع المدن الأخرى.
لا يمكن تجاهل تداعيات كل هذه الأحداث وما خلفته من أثر نفسي سيء على العرب السنة وسيكون من الصعب زواله مع بقاء الأسباب التي أدت إلى تكوينه والمتمثلة بالسياسات الطائفية وازدواجية المعايير في التعامل مع احتياجات ومطالب العراقيين وفقا لانتماءاتهم المذهبية، وهذا ما يبدو واضحا في موقف الحكومة العراقية بعد تظاهرات البصرة الأخيرة حيث استجاب رئيس الوزراء حيدر العبادي لمطالب المتظاهرين وأوعز بتخصيص 3 مليار دولار لتلبية احتياجات المحافظة ووعد بتوفير عشرة آلاف وظيفة، وحتى لو افترضنا ان كل ما وعد به العبادي لن يخرج عن إطار الوعود الكاذبة، ومحاولة لامتصاص الغضب الجماهيري والحد من توسع رقعة التظاهرات وتطورها إلى ما هو أخطر، إلاّ اننا لم نجد موقفا مشابها من قبل الحكومة العراقية لتلبية احتياجات سكان المدن العراقية المنكوبة، مثل مدينة الموصل القديمة التي تعرضت بنيتها التحتية إلى التدمير التام وبنسبة تصل إلى أكثر من 80 في المئة حيث تعد صالحة للعيش. ورغم مضي عام على تحريرها إلا انها لم تشهد أي بادرة من قبل الحكومة العراقية لإعادة إعمارها.
التجاهل المتعمد ازاء معاناة سكان المدن المنكوبة ذات الأغلبية العربية السنية من قبل بغداد سيفضي بهم بطبيعة الحال إلى ان يتخذوا موقفا سلبيا ازاء ما يجري من تظاهرات في مدن وسط وجنوب العراق وأي مدينة أخرى .
11HAD
مروان ياسين الدليمي
كلمة واحدة من المرجعية قد تغير كل شيئ! ولا حول ولا قوة الا بالله
مطالب الشيعة العرب بمظاهراتهم.. من كهرباء ومياه و خدمات وصناعة وزراعة لتوفير فرص عمل.. ليست بسيطة.. (بل كبيرة جدا).
انها تعني مبالغ خرافية (100) مليار دولار واكثر لتحقيقها.. بظل نظام يفترض بانه خالي من الفساد.. مما يعني (لا يبقى دولار للفاسدين يسرقونها بعد ذلك).. ولا يوجد ما يتقاسم به السياسيين لتشكيل الحكومة بتوزيع الكعكة العراقية فيما بينهم..
هي اول مظاهرات غير ادولوجية بالعراق.. وهي اول مظاهرات تطالب بالحقوق من ماء وكهرباء وفرص عمل.. هذه المطالب هي التي دفعت ملايين المهاجرين يعبرون البحار والثلوج والصحاري للوصول لاوربا للعيش بنعيمها .. (فما هو نعيم اوربا واستراليا) مثلا؟؟ اليست هذه المطالب؟
حرمت الشعوب من حقوقها هذه.. باسم اديولوجية وشعارات فلسطين و القدس والقضية المركزية .. ولا ننسى الشيوعية واليسارية.. الى الاسلامية الاخوانية والخمينية.. الخ.. فضاعت الشعوب وفقدت ابسط حقوقها..