من كل عشرة أشخاص هناك شخص أعسر، أي يستعمل يده اليسرى للأكل و الكتابة و ما إلى ذلك…
من كل عشرة أشخاص بيننا و في كل العالم كان الأعسر ينال قسطا من العقاب لأنه حسب المعتقد لدى أغلب الأديان و أنواع البشر يستعمل يده اليسرى مثل الشيطان، رغم أن لا دليل في نص ديني على ذلك.
تروي لي إحدى صديقاتي المسيحيات معاناتها في مدرسة الرّاهبات حيث كانت الرّاهبة تربط يدها اليسرى إلى الكرسي لتجعلها تستعمل يدها اليمنى للكتابة…
أما أمي فقد عانت معي لأني أنا أيضا « عسراوية» و اختلفت عن كل أخوتي، ما جعلها تستعمل هي الأخرى كل وسائلها « الترهيبية» حتى أتوقف عن استعمال يدي اليسرى للأكل و الكتابة و لعلّ ما أنقذني من هذه المعضلة أستاذتي حين أخبرت أمي أن خطي جميل جدا، و لم يكن يضاهيه جمالا خط تلميذة أخرى في المدرسة.
من بين كل عشرة أشخاص إذن هناك شخص لا يستجيب دماغه لكل أنواع التخويف و التهديد لتغيير اليد التي يستعملها أكثر و هي اليد اليسرى. و هذا يعني مبدئيا أن « العسراويين» شديدو العناد و لديهم شخصية أقوى من شخصيات غيرهم.
يمكن لمن يريد أن يناقضني القول أن يثبت ذلك ، لكن حسب معلوماتي يمكنك أن تكسر جبلا لكن أن تكسر عسراويا فهذا صعب …!
و إن كان العسراوي لدينا حسب المفهوم اللغوي هو « المعلول اليد» أو « الكسيح» أو « المقطوع اليد» غير معان أخرى، فإنه في المجتمعات المحافظة يعتبر نوعا من الإعاقة، قبل أن يكتشف العلم أن هذه الصفة « وراثية « و ليست مكتسبة، و تعود لتكوين أجزاء المخ المسؤولة عن حركة اليدين و حواس أخرى، و اتضح أن الأمر معقد و مثير جدا….
معاناتي و أنا طفلة مع « إعاقتي « هذه ، أصبحت مع مرّ الأيام جمالية من جماليات شخصيتي، إذ ينبهر الناس حولي حين يعرفون أني عسراوية، و تزداد دهشتهم أكثر حين يرون خط يدي… ثم يبدأون بسرد حكايات عن أشهر العسراويين، ليس لمواساتي هذه المرة بل لتأكيد تميزي عن غيري…
ليوناردو دي فينشي أحد أشهر العسراويين مثلا…و لعلّه أول من جذب الأنظار يومها مدهشا العالم بانجازاته بيده اليسرى …
اليوم ليونيل ميسي لاعب كرة القدم الشهير يحبه جمهور عريض و يعشقون توقيعه بيده اليسرى … فيفتي سانت، إمينام، ليدي غاغا، جيستن بيبر من أشهر الوجوه الفنية الشبابية. من السياسيين جورج بوش الأب، بيل كلينتون، باراك أوباما، الأمير وليام و ديفيد كامرون. من أشهر السينمائيين شارلي شابلن، مورغن فريمان، أنجلينا جولي، نيكول كيدمان، جوليا روبرتس، بروس ويليس ، و أوبرا …
من أشهر الكوميديين المغربي الفرنسي جمال دبوز ومن أشهر عباقرة التكنولوجيا بيل غيتس … و من عباقرة العالم أيضا : باخ، شوبان، إينشتاين، بيكاسو، رافييل، و مارك توين …و القائمة طويلة جدا…
الآن ما الذي يميز العسراويين عن غيرهم؟
يبدو أن الأمر خارج عن نطاق الدراسات ، رغم أنها مكثفة حول الموضوع في أغلب الجامعات العالمية. ففي جامعة مونبيلييه بفرنسا، توصل الباحثون إلى أن العسراويين ينجحون دوما في الفنون القتالية بشكل أفضل من غيرهم و أنهم يستطيعون الدفاع عن أنفسهم بطريقة أفضل و يراوغون بطرق تختلف عما يتقنه الناس العاديون.
ففي كرة القدم مثلا ذكرت « ميسي» و هو ظاهرة لأنه يلعب بطريقة تتعب من يهاجمه و من يحاول مراوغته، و هذا يعود لطاقته العسراوية.
يصر الباحثون ايضا على أن الملاكمين العسراويين لهم قدرة أكبر على الدفاع عن أنفسهم و صرع خصمهم بطريقة مفاجئة لا يتوقعها الآخر…
الباحثون الفرنسيون يفاجئوننا بنتيجة غريبة و هي أن المجتمعات الأكثر عنفا يكون فيها عدد أكبر من العسراويين، هل هذا صحيح؟
بصراحة هذا لا ينطبق علي، فأنا أرى نفسي لطيفة جدا، لدرجة أن كل من حاول قمعي لأني عسراوية و أنا طفلة كنت أحاربهم بابتسامتي البريئة آنذاك، و بنظرة كلها توسل و حنان و محبة …و لا أذكر أني تصرفت بشراسة تجاه أحد طيلة حياتي…
لكن دراسة أمريكية تذهب إلى أن العسراوي ضعيف و هش و أن مناعته أقل من غيره، و تبدو هذه الدراسة غريبة أيضا، إذ تحدد عمر العسراوي بأنه أقل بكثير من عمر الإنسان العادي، بحوالي خمس عشرة سنة…إلى أي مدى هذا صحيح؟ لا نعلم … فالعسراويون يعيشون بالقدر الذي منحهم الله من عمر…و يعتقد الإيطاليون كما أهل الشمال الأفريقي أن العسراوي يده مباركة، و لا تصرف مثل غيرهم، لهذا يقولون « البركة في اليد اليسرى». فيما حكمة إفريقية أخرى تقول، إن كانت يدك اليمنى تضرب غبنك فإن يدك اليسرى تضمه إلى صدرك..!
و يفسر علماء الحركة مقولتنا العربية الشهيرة « أدخل برجلك اليمين» أنها مقولة تجعل اليد اليسرى هي التي تدخل أولا، و يمكنكم تجريبها، قفوا و امشوا مع إرخاء لأيديكم و ستكتشفون أن اليد اليسرى هي التي تنسجم تماما مع الساق اليمنى حين تمشون…
في كل الحالات سواء دخلتم بالرجل اليمنى أو اليسرى فإن الروح ليست مقسمة إلى أعضاء، و عادة ما يسبق الأقدام و الأيدي للدخول إلى أي مكان هو العين…و العلم إلى اليوم وقف عند عمل العينين في الوقت نفسه ، و إلاّ تخيّلوا معي كيف تكون قراءة العسراوي للساعة لو أنه يرى الأشياء بالعكس؟
و في كل الحالات أيضا العسراوي ليس ابن الشيطان بل ابن أمه و أبيه و بيئته، و سلالته البشرية، و ليس جالبا للحظ السيئ كما يعتقد البعض ، فمن أغرب ما قرأت عن العسراويين أن اليابانيين إلى وقت قريب بإمكانهم أن يطلقوا زوجاتهم إن اكتشفوا أنهن عسراويات، و حمدا لله أن هذه الظاهرة لم تنتشر في المجتمعات العربية و إلا فإن أسباب الطلاق الغريبة لدينا كانت زادت سببا.
على العسراوي في النهاية أن يكون فخورا بهذا التميز، وأن يحتفل بعيد مولده مرتين، مرة حين ولد و مرة في الثالث عشر من شهر أغسطس/ آب لأنه عيد العسراويين…و الذي أقر بشكل رسمي منذ سنة 1976… و هو عيد لم يعد شكليا كما يعتقده البعض، بل أصبح عيدا يشجع حتى شركات مهمة لإنتاج أشياء خاصة للعسراويين، لتسهيل حياتهم… فالعسراوي الحساس، الرقيق، الذي يتعرض لحوادث المطبخ أكثر من غيره له الحق في استعمال أجهزة خاصة به …
فلا تفوتوا هذه الفرصة لإسعاد أصدقائكم العسراويين، أهدوا لهم أشياء بسيطة يمكن استعمالها باليد اليسرى.
طبعا لم أخبركم خلال هذه العجالة أن تلاميذي خلال الفترة التي كنت فيها مُدَرِّسة ، كانوا يعانون معي حين أكتب لهم الدرس على اللوح، فقد كنت أكتب بيدي اليسرى طبعا و أخفي ما أكتب بجسدي، فيما هذه المشكلة لم يعانوا منها مع أساتذة غيري …
أما هل كانت معاناتهم « فظيعة» كما يتخيل البعض؟ فلا أظن…لأني كنت صديقتهم أكثر مما كنت أستاذتهم، و كنت رفيقتهم، و مرشدتهم، حتى و إن تأخروا في نقل ما أكتبه على اللوح على دفاترهم… هذا ما تذكرته اليوم عن عسراويتي حين أصبحت ملفتة للنظر لكل من يراني أكتب، فأتذكر معاناة طفولتي، و ابتهاجي بها على كبر… لكل العسراويين ..كل سنة و أنتم طيبين .. و للحديث بقية إن شاء الله !
شاعرة و إعلامية من البحرين
بروين حبيب
رأي حاد بما إني أعمل حداد ..
طيب وماذا بعد معلومة حفظها الصغير و الكبير وآثارها الكثيرين
من الكتاب المعرفيين وغيرهم من الصحافيين
حتى أصبحا أمرا غير مستغربا ولاتعتبرميزة او شيئاً استثنائيا
ام المسألة مجردا عودة إلى قائمة الذكريات
لتذكر القسوة ممن كان يفترض انهم
لنا اكباد ونحن لهم فلذات
**
مثلها مثل ..
مقولة: أعطني عشرة اطفال مكتملي النمو اصحاء اسوياء وسوف اعلمهم وادربهم
و أصنع منهم ما أريد
طبيبا،مهندسا معلما،تاجرا،متسولا،لصا، بغض النظر عن أسمائهم وتاريخ اسلافهم :
ولها بقية
واطسون.