في أعقاب العمليات الإرهابية التي تعرضت لها مجلة «شارلي إيبدو» الفرنسية وما خلفه ذلك من توتر وسط الرأي العام الغربي وأساسا الأوروبي ومنها ارتفاع ظاهرة «اسلاموفوبيا»، قال رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوي «ليس هناك خطر الإسلاموفوبيا في اسبانيا»، تصريح يعكس الواقع بحكم اختلاف رؤية الإسبان للإسلام عن باقي الدول الأوروبية وإن كانت العقدة التاريخية هي «موروفوبيا»، أي الخوف التاريخي من الساكن في الضفة الجنوبية لمضيق جبل طارق.
ويطابق تصريح ماريانو راخوي الواقع السياسي في اسبانيا، فهذا البلد الأوروبي من الدول القليلة التي لا تسجل اعتداءات مباشرة وصريحة ضد المسلمين عكس ما يحدث في دول أخرى. وحاولت مجموعات صغيرة التظاهر ضد المسلمين بعد أحداث شارلي إيبدو، ولم تسجل أكثر من عشرة أشخاص. ولعل أهم مقياس هو غياب رد فعل ضد المسلمين عندما تعرضت العاصمة مدريد يوم 11 مارس 2004 الى أكبر عمل إرهابي خلال العقود الأخيرة، عندما قامت عناصر مقربة من تنظيم القاعدة بتفجير أربعة قطارات وخلفت مقتل 191 شخصا وقرابة ألف جريح. واتهم الرأي العام الإسباني وقتها الحزب الشعبي الحاكم بالتسبب في التفجيرات بسبب تأييده للحرب الأمريكية-البريطانية ضد العراق، وعاقبه بالتصويت على الحزب الاشتراكي الذي فاز بزعامة خوسي لويس رودريغيث سبتيرو في الانتخابات التي جرت ثلاثة أيام بعد ذلك.
وعمليا، لا يمكن نفي وجود إسلاموفوبيا في اسبانيا، ولكنها تبقى محدودة وغير بارزة ولم تشكل بعد موضوع جدل سياسي وفكري وسط المجتمع الإسباني بشكل ملفت عكس ما يجري في الدول الأوروبية الأخرى مثل فرنسا وهولندا والنمسا بل وحتى اليونان التي تعتبر دولة متوسطية وذات تاريخ مشترك مع العرب بينما الحزب الثالث في البرلمان هو حزب نازي. وتوجد عوامل متعددة تبرز ضعف إسلاموفوبيا في اسبانيا وهي:
– الهجرة العربية والإسلامية حديثة في اسبانيا تعود الى الثمانينات فقط، وبالتالي هي محدودة رقميا مقارنة مع دول مثل المانيا وفرنسا وبريطانيا، فعدد المسلمين لا يتجاوز مليونا، بينما في الدول الأخرى يتجاوز الأربعة ملايين. وهذا ساعد على عدم تطور مشاعر الكراهية تجاه المسلمين مؤقتا أو تطورت بشكل محدود فقط.
– غياب خطاب إسلامي متطرف لجمعيات إسلامية وأسماء بارزة في اسبانيا تلفت النظر وتخلق الجدل مما يسبب في ارتفاع الخوف من المسلمين. وإذا كانت دول مثل بريطانيا وفرنسا وهولندا بل وحتى الدانمرك مؤخرا تشهد أسماء وشخصيات تبادر بالدفاع عن الحركات المتطرفة بل وتبرر بعض الاعتداءات، ففي حالة اسبانيا لا توجد هذه الظاهرة وسط الجالية المسلمة.
– فشل مختلف مبادرات اليمين القومي المتطرف في تأسيس حزب سياسي مناهض للمسلمين والهجرة في اسبانيا طيلة العقدين الأخيرين. وتوجد أحزاب سياسية متطرفة، لكنها لا تمتلك أي وزن في المشهد السياسي الإسباني. وشاركت هذه الأحزاب في مختلف الانتخابات، وحصدت بضع مئات من الأصوات على المستوى الوطني، وتوجد في مناطق محددة دون الامتداد الى مناطق أخرى. بينما نجح حزب وحيد في البروز نسبيا وعلى مستوى إقليم كتالونيا وهو «بلاتفورما من أجل كتالونيا» يعارض بقوة الهجرة، ولا يركز فقط على الهجرة المسلمة بل كذلك من أوروبا الشرقية لأنه يعتبرها خطرا على هوية كتالونيا.
-ويعود فشل الأحزاب المتطرفة الى قوة الحزب الشعبي الحاكم الذي يضم تيارات مختلفة من عائلة اليمين من المحافظ جدا الى اليمين الليبرالي المنفتح، الأمر الذي يجعله يأخذ بكل الحساسيات في خطابه نحو الهجرة. كما يقترب الحزب الشعبي في منظوره للهجرة من الرؤية الأنجلوسكسونية للإسلام وليس الأوروبية اللاتينية الضيقة.
-في الوقت ذاته، أجندة اليمين المتطرف التي تحاول إيجاد فضاء لها في المشهد السياسي، تركز على موضوع آخر شائك للغاية وهو الوحدة الوطنية لإسبانيا في مواجهة الانفصال. فهي ترى في الانفصال خطر ا أكبر بكثير من وجود جالية إسلامية في البلاد، بينما الحركات المتطرفة في هولندا أو فرنسا مع حزب الجبهة الوطنية تركز على الهوية وتعتبر المسلمين خطرا في هذا الشأن.
– وفكريا، لم تبرز أسماء في اسبانيا تعمل على تعزيز الفكر المناهض للإسلاموفوبيا، عكس دول أوروبية أخرى مثل إيطاليا مع الصحفية والكاتبة أوريانا فلشياني التي تزعمت «فكر إسلاموفوبيا» منذ التفجيرات الإرهابية 11 سبتمبر، التي ألفت كتب مثل «قوة المنطق» تحذر فيه الغرب مما تعتبره «سرطان التسرب الإسلامي» من خلال منح المهاجرين المسلمين التصويت والإستجابة لمطالبهم. وفي حالة فرنسا، يوجد المفكر المثير للجدل إريك زيمور الذي يحمل المسلمين جزءا من تدهور فرنسا في كتابه «الانتحار الفرنسي» الصادر خلال تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
في غضون ذلك، توجد ظاهرة مختلفة في اسبانيا عن باقي الدول الأوروبية وهي «موروفوبيا»، الخوف من «المورو». و»المورو» كلمة أصلها لاتيني تطلق على سكان شمال إفريقيا وتعني العربي، وتحمل أحيانا مفهوما قدحيا. وبحكم التواجد الإسلامي لقرابة عشرة قرون في اسبانيا، من الفتح سنة 92 هجرية حتى طرد الموريسكيين سنة 1609، توجس الإسبان من عودة المسلمين الى اسبانيا، الأمر الذي جعلهم ينظرون بنوع من التوجس والحذر الى المغاربة.
وتطور الأمر الى عنصر من عناصر المخيلة الشعبية الإسبانية. وهذا العنصر يحضر بين الفينة والأخرى ولكن في تجليات مختلفة وهي اقتصادية، مثل معارضة المنتوجات المغربية، واجتماعية، مثل معارضة قوارب الهجرة. في الوقت ذاته، تحضر موروفوبيا في المجال الفكري والتاريخي من خلال التأكيد على الدور العربي والإسلامي في الحضارة الإسبانية أو رفض هذا الدور، مما يجعلنا أمام «موروفوبيا فكرية وثقافية» بامتياز. وتوجد كتب كثيرة ضمن «الموروفوبيا» وبدأت تنحو نحو «الإسلاموفوبيا» إلا أن لا تأثير لها في الوسط السياسي والاجتماعي.
وفي تصريحات لجريدة «القدس العربي» حول تقييم الإسلاموفوبيا في اسبانيا، يقول عبد الحميد البجوقي الذي شغل ما بين 2008-2013منصب ممثل اسبانيا في لجنة مناهضة العنصرية ومعاداة الأجانب التابعة للمجلس الأوروبي: «كانت اسبانيا في المركز الأخير في كل التقارير التي أنجزتها اللجنة حول الإسلاموفوبيا في دول الاتحاد الأوروبي، ووراء فرنسا وبلجيكا وهولندا والنمسا بمسافة هامة. فالإسلاموفوبيا ضعيفة في اسبانيا ولم تتبلور بالقدر المقلق، ولكن يجب الحذر فهي تنمو وتتصاعد تدريجيا في اسبانيا بسبب معالجة وسائل الاعلام لملف الإسلام والإرهاب بطريقة غير مناسبة تصل أحيانا الى تجييش المواطنين. والاعلام يلعب دورا أكثر من الحركات السياسية المتطرفة في اسبانيا».
ويستطرد قائلا «توجد استطلاعات رأي ومقالات تتحدث عن الإسلاموفوبيا في اسبانيا وتقدم نسب مرتفعة، هي في الواقع خاطئة وترغب في التهويل بل وبعضها يريد الالتحاق بموضة اسبانيا كدولة تشترك مع باقي الدول الأوروبية في الإسلاموفوبيا. بعض استطلاعات الرأي التي تنجز مباشرة بعد وقوع عمل إرهابي تهدف الى صنع رأي والمساهمة في بلورة موقف، وبالتالي لسنا أمام استطلاع للرأي بل أمام عمل تحريضي».
ويشترك البجوقي وهو مغربي مقيم في اسبانيا منذ أكثر من ثلاثة عقود أن الدراسات الحقيقية حول ظاهرة مقلقة مثل الإسلاموفوبيا يجب أن تنجز عندما لا يكون أي حدث قد يؤثر بشكل كبير على الرأي العام، مثلما حدث في الاعتداء على شارلي إيبدو بل في وقت الهدوء السياسي حتى نرصد الواقع الحقيقي لهذه الظاهرة.
د.حسين مجدوبي