حسب تقرير السرطان العالمي لعام 2014 الذي تصدره منظمة الصحة العالمية فإن الإصابة بمرض السرطان تزداد «بمعدل مرعب».
وبحسب نتائج المنظمة الدولية لأبحاث السرطان فإنه من المتوقع زيادة معدلات الإصابة بمرض السرطان عن المستوى العالمي الراهن بحوالي 70٪ خلال العقدين المقبلين. وعلى الرغم من عدم وجود منظومات علمية مُحْكَمة في أي من الدول العربية، لتسجيل وقوع الإصابات بمرض السرطان في أي منها، فإنه لا يعتقد بمنطقية استثناء أي من الدول العربية من تلك التوقعات المهولة، هذا عدا عن أن الواقع والتجارب المحزنة لأطباء علم الأمراض والأورام في الدول العربية تشي بإمكانية تواضع تلك التقديرات عما هو واقع الحال الصحي في الدول العربية.
ويقوم منهج الإعلام الغربي المعولم، ومن لفّ لفّه من جل المؤسسات الإعلامية العربية التي تستقي نتاجها الإعلامي من ذلك الأخير، على تقديم مرض السرطان خلال العقدين المنصرمين من خلال قصص مجتزأة من سياقها الطبي التكاملي، لتظهر مرض السرطان كونه مرضاً وراثياً في معظم الأحوال كما هو الحال في التغطية الإعلامية لمرضى الداء السكري والبدانة، وهو توصيف مقصر منهجياً، ومخل علمياً، يهدف إلى تعمية الحقيقة، وتحميل الضحية وزر الجاني.
حقيقة أولية تدحض نموذج الدعاية الإعلامي التضليلي في ما يخص الأسباب الحقيقة لزيادة معدلات الإصابة بمرض السرطان على المستوى العالمي، ترتبط عضوياً بحقيقة أن الحوض الوراثي الذي يمثل استقرار حال المورثات وعدد الطفرات الطارئة عليها يبقى مستقراً لأجيال طويلة في مجتمع ما، وبمستويات تغير بطيئة جداً لا يمكن أن تفسر التسارع المهول في ازدياد وقوعات الإصابة بمرض السرطان على المستوى العالمي، أو تقدم أرضية علمية للتفسير التبسيطي لذلك الازدياد المرعب بكون مرض السرطان ذا أساس وراثي في المقام الأول. وتم التثبت منهجياً من تلك الحقيقة الأخيرة في دراسة بحثية موسعة أجراها مركز ضبط الأمراض في الولايات المتحدة على 53666 توأما حقيقيا أتت خلاصتها لتؤكد بأن فرضية اعتماد السبب الوراثي كأساس لتطور الأمراض ومنها مرض السرطان ليست « علمية بالشكل الكافي». والحقيقة العلمية المكينة تكمن فعلاً في أن في المؤثرات البيئية يمكن لها أن تعطل الوسائل الدفاعية الأساسية للجهاز المناعي للإنسان، وتقود إلى إحداث تغيرات وراثية، وطفرات مورثية، وتغيرات في فعالية عمل المورثات يمكن لأي منها أن يقود في بشكل مباشر او غير مباشر إلى تطور أشكال مختلفة من الأمراض ومنها مرض السرطان.
في كتابه المهم المعنون بإعادة النظر في سياسات مرض السرطان يشير الطبيب سام إبشتاين إلى حقيقة أنه ومنذ الحرب العالمية الثانية أصبح العالم أكثر تلوثاً بالسموم البيئية، من قبيل المركبات العضوية الصنعية، اللدائن، المبيدات الحشرية، والمشتقات النفطية، ومشتقات الغاز الطبيعي، والتي يصل عددها الإجمالي إلى أكثر من 50000 مادة حسب سجلات مركز ضبط الأمراض في الولايات المتحدة. والحقيقة الكارثية فيما يتعلق بذلك العدد الهائل من المنتجات الصناعية والكيميائية تم تكثيفها في العدد الصادر من مجلة العلوم الأمريكية الصادر في شهر تموز/يوليو من العام 2014، بالإشارة إلى أنه حسب القوانين السارية في الولايات المتحدة فإنه: « يحق للمصانع الأمريكية استخدام أي مادة كيميائية جديدة دون الحاجة لإظهار سلامتها الصحية؛ وأن مسؤولية إثبات الأخطار الصحية المحتملة عقب تداول أي منتج يحتوي تلك المادة تقع على عاتق وكالة الحماية البيئية في الولايات المتحدة» وتلك الأخيرة دأبت كل الإدارات الأمريكية المتعاقبة خلال العقدين المنصرمين على خفض تمويلها ودعمها إلى درجة مخزية تمثلت في حقيقة أنها لم تتمكن من إجراء أبحاث استقصائية شاملة سوى على 300 مادة كيميائية من أصل الـ 50000 السالفة الذكر، لتجد حسب ما تشير إليه الهيئة على موقعها الإلكتروني بشكل صريح بأن 135 مادة من تلك التي تم استقصائها يمكن لها أن تسبب مرض السرطان Potential Occupational Carcinogens، وهو ما يعني أن نسبة بحوالي 45٪ من المواد التي تمكنت الوكالة من تقصيها هي عوامل مسرطنة، وأنه من الناحية النظرية فإن هناك 22365 مادة مستخدمة في الصناعات الحديثة لا زالت تنتظر أوان الكشف عن دورها في تصنيع مرض السرطان، في الوقت الذي لا زالت مصانع الولايات المتحدة وشركاتها العابرة للقارات، التي لم توفر ركناً من زوايا البسيطة إلا واخترقته عولمياً بشكل أو بآخر، تقوم بإنتاج جميع تلك المواد، وتسويقها، وبيعها للمستهلكين الحالين، الذين يستقيم وصفهم بأنهم ضحايا مرض السرطان الذين ينتظرون دورهم للولوج إلى مذبحه الكوني.
ويحق للقارئ الحصيف أن يتساءل عن دور المنظمات الدولية عموماً، ومنظمة الصحة العالمية خصوصاً في كشف وتعرية الاستخدام اللاأخلاقي لمواد ومنتجات صنعية، وكيميائية في أي صناعة على المستوى العالمي، قبل التحقق بدراسات علمية محكّمة من عدم احتمال أن يشكل أي منها عاملاً مؤهباً للإصابة بمرض السرطان لحماية أبناء البشرية الذين ينتظرون من تلك المؤسسات حمايتهم. والإجابة المبسطة على تلك الأطروحة المنطقية، يمكن أن تتم تطبيقياً بالنظر إلى كيفية تمويل المؤسسات الدولية، وعلاقة ذلك عضوياً بالتمويل الذي تحتاجه عضوياً وبشكل منتظم من الولايات المتحدة للبقاء على الحياة، وبشكل أكثر تشخيصاً يمكن نقل الإجابة إلى حيز التراجيديا العربية التي يكابد مفاعيلها راهناً كل ناطق بلسان الضاد بتمظهرات مختلفة، والتي تفصح عن نفسها في الرفض المزمن والتاريخي لمنظمة الصحة العالمية إجراء أي أبحاث لتقصي الآثار الصحية لاستخدام مئات الأطنان من اليورانيوم المُنَضَّب 238 المستخدم لتثقيل القذائف الخارقة للدروع في عملية عاصفة الصحراء التي أنتجت حكماً بالإعدام المؤجل الذي ينتظر أوانه على الملايين من أطفال وأبناء العراق الذين تمثل السرطانات التي تصيبهم نماذج مهولة ومرعبة من السرطانات التي لم تشهد البشرية مثالاً يضاهيها سوى في ضحايا القنبلتين النوويتين اللتين أسقطهما الأمريكان في اليابان، وضحايا العامل البرتقالي الذي استخدمته الولايات المتحدة في حربها على الشعب الفيتنامي. وقد كان كاتب هذه السطور شاهد عيان لهول مكابدة أسى تشخيص بعض من تلك الأورام التي لم يرَ الأطباء في الغرب والشرق مثيلاً لها في العقدين الأخيرين سوى في العراق الجريح.
ويمكن تفسير رفض منظمة الصحة العالمية في كونه النتيجة الطبيعية للعلاقة العضوية بين تلك الأخيرة، والوكالة الدولية للطاقة الذرية القائم الفعلي بأعمال حماية سيطرة القوى النووية الكبرى على مستقبل البشرية بالقوة النووية تحت يافطات مختلفة لا تغير من الجوهر الوظيفي لتلك الوكالة.
وتتمثل العلاقة العضوية بين تلك المؤسستين في اتفاقهما الموقع في العام 1959، والذي قلما يشار إليه إعلامياً، والذي يقتضي، على نحو لا يستند إلى أي أساس طبي موضوعي، بعدم قيام منظمة الصحة العالمية بأي بحث علمي يمكن أن يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على أنشطة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتي لم تمنح موافقتها لمنظمة الصحة العالمية وبعد مرور أكثر من عقدين من الزمن لإطلاق بحث علمي دولي يمكن له أن يكشف هول الجريمة التي تم ارتكابها بحق الشعب العراقي في عاصفة الصحراء. مع الإشارة الواجبة إلى أن اليورانيوم 238 المُنَضَّب يهاجر فعلياً مع كل عاصفة غبارية تمر بأرض العراق لتحمل معها ذرات اليورانيوم 238 المُنَضَّب، كما لو أنه غبار جهنم الذي يراد به إحلال الفناء المؤجل إلى حينه في كل المجتمعات التي تقضي شروط الجغرافيا الطبيعية تشاطرها مع الشعب العراقي عواصف صحرائه الغبارية، التي تكاد أن تكون حدثاً يومياً من البادية السورية وحتى الصحراء العمانية.
والحقيقة العلمية الشاخصة هي أن مرض السرطان مرتبط عضوياً بالتلوث البيئي الذي يُعرّف عن نفسه طبياً بكونه فياضاناً من العوامل المسرطنة التي لا تستطيع البنية المناعية الطبيعية في الجسم البشري التعامل معها. وهو حقيقة تقتضي من كل فريسة محتملة لذلك الغول المتوحش بذل كل الجهود لمقاومة طوفان نموذج الحياة الاستهلاكية الذي حوّل الملايين من أبناء العرب إلى مستهلكين غير مستبصرين لما تُغرق مجتمعاتهم به الشركات العملاقة العابرة للقارات. وقد تكون أطروحة المفكر العربي سمير أمين بأن الاستقلال والاكتفاء الزراعي والغذائي للعرب بأنفسهم بالشكل الذي انتظم به أجدادهم لآلاف السنين هو الخطوة الأولى واللازمة في طريق انعتاقهم من مستعمريهم القدماء والجدد، هي الحصن البيئي العربي الأول الواجب إشادته في وجه طوفان صُنّاع مرض السرطان.
٭ كاتب سوري مقيم في لندن
د. مصعب قاسم عزاوي
أخي الكريم د. مصعب: الحقيقة المرة هي أن منظمات الأمم المتحدة يسيطر عليها قوم يعملون عن نشر السرطان وليست التخلص منه. راجع فيديو Cancer: The Forbidden Cures علي هذا الرابط في اليوتيوب https://www.youtube.com/watch?v=km2cqQNFtEs
أيضاً راجع حديثي عن Georgia Guidestones في تعليقي علي إفتتاحية عدد اليوم من القدس العربي.