الغارات الجوية لن تهزم تنظيم «الدولة»… وفي خطط بريطانيا سوريا هي الضحية

حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: كشف قبل أيام عن مدى الفشل الأمريكي في تدريب المعارضة السورية حتى تشارك في الحرب ضد «تنظيم الدولة».
فبحسب الجنرال لويد أوستن قائد القيادة المركزية في الشرق الأوسط فلا يقاتل في الجبهات إلا أربعة أو خمسة مقاتلين ممن تلقوا تدريبا على يد المدربين الأمريكيين. وكان الفشل الذريع للبرنامج قد فضح الشهر الماضي عندما هاجم مقاتلون من «جبهة النصرة» أول دفعة تدخل سوريا وألقت القبض على قادتها.
وكالعادة في المسألة السورية يتم تبادل الاتهامات بين مسؤولي إدارة باراك أوباما، حيث يشير كل طرف بإصبع الإتهام للآخر.
وفي مسألة التدريب يقول البيت الأبيض أنه ليس ملاما على الفشل الذريع في برنامج التدريب. فالتقصير ليس مسؤولية أوباما بل يجب تحميل المسؤولية لمن ضغط عليه تدريب المعارضة في المقام الأول.
والطرف الملام هنا عدد من نواب الكونغرس الجمهوريين، بالإضافة لوزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون.

متردد

وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز» فالرئيس أوباما يقول إنه وافق مترددا على الخطة التي قيل إنها الطريق الوحيد لمواجهة «تنظيم الدولة» ولكنه لم يكن راغبا في الأصل ان يدعم البرنامج، ومن هنا فشله يؤكد موقف الرئيس الأصلي.
فلسان حال الرئيس يقول «لقد حذرتكم منذ البداية» ليس لأن البرنامج بدأ متأخرا وعاني من قصور بل لأن الطريقة التي نفذ فيها كانت غير فعالة.
ورغم صحة موقف الرئيس الأصلي إلا أن هذا لا يعفيه من تداعيات الأزمة التي ظلت تتكشف خلال السنوات الماضية مخلفة أكثر من 200.000 قتيل وملايين اللاجئين يقف اليوم الألوف منهم على أبواب أوروبا.
فهو كما تقول الصحيفة يواجه اليوم أزمة إنسانية وجيوسياسية تتمثل في دخول الروس إلى ميدان الحرب حيث بدأوا بتوفير الدعم العسكري والجنود للرئيس السوري بشار الأسد.
وستظل الأزمة السورية مشتعلة حتى عند رحيل أوباما عن البيت الأبيض بعد 16 شهرا.
وتشير الصحيفة أن تردد أوباما في تشكيل استراتيجية واضحة تجاه سوريا نابع من نظرته لها كمستنقع يستعصي على الحلول الأمريكية. وعليه سيحاول مساعدوه إبعاده عن تحمل مسؤولية شيء لم تكن لديه القدرة على حله.
وتظل مهمة البيت الأبيض صعبة، خاصة في ظل الصور التي تتناقلها وسائل الإعلام عن الأطفال الغرقى والدبابات الروسية التي وصلت إلى سوريا.

اتهامات

ويواجه الرئيس اتهامات من أكثر جهة، فالروس الذين عرضوا التعاون يحملونه مسؤولية تدهور الأوضاع ولرفضه التعاون مع الأسد لقتال «تنظيم الدولة».
أما النواب الجمهوريون فيتهمونه بالسلبية واللامبالاة والجلوس متفرجا تاركا الأزمة تنتشر في المنطقة.
ورغم النقد الشديد للرئيس إلا أن نقاده غير متفقين على طبيعة الموقف الأمريكي الأنسب، فبعض الجمهوريين يدعون إلى زيادة التدخل الأمريكي، فيما يرى آخرون ترك الحرب للسوريين.
فمن جهة يتهم السناتور ماركو روبويو، النائب عن فلوريدا الإدارة بعدم تدريب العناصر المعتدلة وتسليحها محذرا من فراغ يملأه الجهاديون.
ولم يستمع الرئيس ولا إدارته لنصائح النائب وهو ما قاد لظهور «تنظيم الدولة». لكن رجل الأعمال دونالد ترامب الذي يحاول الحصول على ترشيح الجمهوريين لخوض انتخابات الرئاسة لعام 2016 والسناتور راند بول دعيا إلى فك الارتباط مع سوريا.
وقال ترامب «سوريا في حالة فوضى» وتساءل «لماذا نقاتل تنظيم الدولة في سوريا، دعوهم يقاتلون بعضهم وأخذ ما تبقى».
أما بول فقد قال «طرفا الحرب الأهلية أحيانا شريران وتدخلنا يجعلنا أقل أمنا». وكانت قضية التدخل قد نوقشت في الأيام الأولى للحرب الأهلية عام 2011 حيث تقدم مسؤولون كبار في الإدارة، كلينتون، ووزير الدفاع السابق ليون بانيتا ومدير المخابرات السابق ديفيد بترايوس، بخطة لتدريب المعارضة السورية لكن الرئيس أوباما رفض الخطة خشية التورط في حرب كارثية على غرار ما حدث في العراق.
وعندما اجتاح تنظيم الدولة سوريا والعراق عام 2014 وافق الرئيس على تخصيص 500 مليون دولار لتدريب المعارضة السورية.
وكانت الخطة طموحة وتهدف لتدريب 5.000 مقاتل في السنة ولكن العدد ظل أقل من التوقعات نظرا لرفض الكثير من المقاتلين تركيز الجهود على «تنظيم الدولة» من دون الأسد.
وبعد تصريحات الجنرال أوستن سارع المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إرنيست للتأكيد على أن خيار تدريب المعارضة لم يكن في وارد الإدارة وإنما أجبرت عليه بسبب ضغوط النقاد، وعليه فالمسؤول هم النقاد لا الرئيس.
ويرى هؤلاء أن سبب الفشل راجع إلى تأخره ومحدوديته. وكما يقول الجنرال المتقاعد جاك كين فـ»خطة البيت الأبيض جاءت متأخرة عامين وقاصرة بشكل أساسي لأنها تشترط عدم قتال المتطوعين نظام الأسد الذي يعتبر هدفهم الأول».
ويرى أندرو تابلر من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى أن سبب فشل البرنامج كان «لأننا لم نقرأ الوضع بطريقة صحيحة».
ويعتقد السفير الأمريكي السابق في أفغانستان والعراق رايان كروكر أن الرئيس كان محقا في مقاومة الضغوط عليه. وحبذا لو تمسك بموقفه بدلا من لوم الآخرين.

فشل فادح

وعلقت «نيويورك تايمز» في افتتاحيتها على شهادة الجنرال أوستن أمام الكونغرس يوم الأربعاء وحديثه عن برنامج التدريب للمعارضة السورية إنه يتناقض مع تأكيده أن الحملة ضد «تنظيم الدولة» التي بدأت قبل عام تتقدم. كل هذا رغم سيطرة التنظيم على الموصل والرمادي في العراق ومناطق واسعة من سوريا.
واعتبر السناتور الجمهوري جون ماكين تقييمات الجنرال بأنها منفصمة عن الواقع ووصف حالة الوضع القائم في سوريا بـ»الفشل الذريع».
وتوافق الصحيفة على توصيفات السناتور لكنها ترفض تحميل الجمهوريين اللوم لأوباما حيث ألمح ماكين قائلا «هذا هو نتاج مغادرة العراق».
وتقول إن هذا الهجوم الخادع قد يكون مناسبا للجمهوريين في حملاتهم الإنتخابية، وبالطبع لن يستخدموه لأن الذي تفاوض على الخروج من العراق كان جورج دبليو بوش وليس أوباما.
وذكرت الصحيفة الجمهوريين الذين يسيطرون على الكونغرس بفشلهم تمرير قرار يشرع الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» ويطلق يد أوباما في ملاحقته.

الأسلوب الوحشي

ورغم فشل الكونغرس الأمريكي إلا أن الحليفة «الخاصة» بريطانيا سيتقدم رئيس وزرائها قريبا بطلب للبرلمان كي يشرع الحرب ضد «تنظيم الدولة».
وفي هذا الاتجاه يعلق سايمون جينكنز في صحيفة «الغارديان» أن «القصف الجوي غير أخلاقي وتصرف أحمق ولا يحقق النصر في الحرب، وسوريا هي آخر الضحايا».
ويرى أن الحرب الجديدة في سوريا لو مررها البرلمان ستكون الحرب السادسة التي تخوضها بريطانيا على مدي عقدين من الزمان.
ويقول إن الضحية فيها ستكون سوريا وهي حرب متهافتة و»أسوأ من هذا فستكون الحرب محدودة باستخدام أكثر الأسلحة وحشية وقساوة من الناحية الاستراتيجية وهي القنابل التي تلقيها الطائرات».
ويتساءل جينكنز هنا «في سوريا من الصعب فهم ماذا ستقصف بريطانيا وأي هدف استراتيجي تبغي تحقيقه».
وفي كل الحروب التي خاضتها بريطانيا ضد كل من العراق وصربيا وأفغانستان والعراق مرة ثانية وليبيا تم تدمير المدن والجيوش حتى يدفعها على الاستسلام.
ويشير للحملة ضد صربيا عام 1999 لإجبار سلوبدان ميلوسوفيتش على الانسحاب من كوسوفو حيث توسعت الغارات من الهجوم على مواقع الجيش لتشمل محطات توليد الطاقة والجسور على نهر الدانوب والمباني التاريخية.
ولم تنسحب القوات الصربية إلا بعد أن بدأ حلف الناتو بالتحضير لغزو بري وطلب روسيا من ميلوسوفيتش الانسحاب. و الحال نفسها في حرب افغانستان عام 2001 والتي بدأت «بقصف سايكولوجي» وبعد ستة أسابيع من التدمير لم تخرج طالبان من العاصمة كابول إلا بعد بدء تقدم قوات التحالف الشمالي.
وفي غزو العراق عام 2003 بدأ بـ»الصدمة والترويع»، ولكن لم ينهر نظام صدام إلا بعد وصول القوات البرية إلى بغداد.
وفي السياق نفسه يمكن اعتبار حملة الناتو الجوية في ليبيا عام 2011 التي عبدت الطريق أمام المقاتلين المعارضين لنظام معمر القذافي.
ويناقش الكاتب هنا تطور الحملات الجوية التي أصبحت الوسيلة المفضلة لدى السياسيين والاعتماد المتزايد في السنوات الماضية على طائرات من دون طيار «درون».

فاشلة

ويذكر جنكينز بتاريخ المقاتلات التي اسقطت القنابل في الحرب العالمية الثانية وتفاخر الجنرالات الأمريكيين في حرب فيتنام حيث قالوا «اقصفوا شمال فيتنام وأعيدوها للعصر الحجري».
ويقول الكاتب إنه لا يوجد أي دليل يثبت فاعلية طائرات من دون طيار، فلم يحقق قتل مقاتلي البشتون الكثير لوقف تقدم طالبان.
و الأمر نفسه يقال عن اليمن حيث قتلت أول غارة أمريكية هناك أحد المشتبه بهم بالانتماء للقاعدة و14 إمرأة و21 طفلا.
وفي فترة ست سنوات قتلت الغارات في باكستان بالدرون 3.000 شخص بمن فيهم 176 طفلا. ومنذ العام الماضي شنت قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة 6.000 غارة وأسقطت ما مجموعه 20.000 قنبلة على العراق وسوريا. ويقول التحالف إن الغارات أوقفت تقدم قوات «تنظيم الدولة».
وتحدث وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون أن الطائرات البريطانية قتلت 330 من مقاتلي «تنظيم الدولة» لكنه لم يشر إلى الهدف التكتيكي وراء هذا القتل. فقد حصن «تنظيم الدولة» نفسه في مناطقه داخل العراق وسوريا، في الوقت الذي فقدت فيه القوات العراقية النظامية الدوافع لقتال دويلة «تنظيم الدولة». ويعتقد أن التدخل الفعال في سوريا وضد «تنظيم الدولة» لن يأتي على ما يبدو إلا من موسكو التي بدأت بإرسال قوات برية وطائرات إلى سوريا.
ويرى أن الرسالة المستخلصة من كل التدخلات العسكرية هي انها لن تنجح بدون وضع قوات على الأرض مقرونة بإرادة سياسية.
فقد نجح الغرب بإخراج صدام من الكويت ولاحقا من السلطة وصربيا من كوسوفو وطالبان من كابول، وكل حالة تدخل كانت ناجحة عسكريا، مع أنها كانت كارثية من الناحية السياسية.
وهذا هو الدرس الذي يجب على كاميرون تعلمه في سوريا وهو ما تعلمه على ما يبدو فلاديمير بوتين.

استراتيجية بوتين

وفي هذا السياق تساءلت آنا بورشتشفوسكايا في «فورين بوليسي» إن كانت لبوتين استراتيجة واضحة في سوريا. خاصة أن الوجود الروسي زاد في الآونة الأخيرة في غرب البلاد.
وكما اقترحت صحيفة «دايلي ميل» فالقوات الروسية وصلت إلى سوريا منذ نيسان/أبريل هذا العام. ولم يعد أحد يشك الآن بطبيعة التحركات الروسية والدعم العسكري للأسد حيث اعترفت موسكو ودمشق بالدور المتزايد للقوات الروسية في سوريا. فيما اختلف المراقبون حول دوافع بوتين من المغامرة والتورط في «فيتنام سورية».
وترى أن التعاون العسكري الروسي مع نظام دمشق ظل مستمرا طوال الحرب حيث قدم الكرملين غطاء سياسيا للنظام في مجلس الأمن وبقية المحافل الدولية.
لكن التغير في طريقة الدعم ووضع قوات على الأرض دعا الكثيرين للتساؤل حيث يرى فيها المراقبون محاولة روسية لحماية مصالحها البحرية على البحر المتوسط ودعم دبلوماسيتها الدولية. وترى الكاتبة هنا في الدعوة لتحالف دولي جديد وواسع واحدة من الخطوات التي يدعمها بوتين.
ويناقش سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي أن الاتفاق حول الملف النووي الإيراني جعل من تحقق هذا التحالف ممكنا.
ويمكن فهم هذا التحالف كمحاولة روسية للحفاظ على نظام الأسد. ومن المتوقع أن يتحدث بوتين عن هذا الموضوع في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية هذا الشهر.
وتشير الكاتبة إلى أن بوتين يرغب بإقناع العالم بأنه حليف ضروري في الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» كوسيلة لتطبيع علاقته مع الغرب ورفع العقوبات المفروضة عليه بسبب الحرب في شرق أوكرانيا وضمه لجزيرة القرم.
ويفهم بوتين من تجربته في أوكرانيا أن تعميق وجوده في سوريا لن يدفع الولايات المتحدة للتحرك.
فروسيا لديها مصالح كثيرة في سوريا: استراتيجية وثقافية واقتصادية. والعلاقات بين البلدين تعود للحرب الباردة وقبل الثورة كان هناك أكثر من 100.000 روسي وروسية يعيشون في سوريا نتيجة للتزاوج والعمل، هذا بالإضافة لصفقات الأسلحة بين البلدين. وتشير الكاتبة لسبب مهم يفسر حرص روسيا على بقاء الأسد وهو متعلق بالمصالح البحرية.
فسوريا هي المنفذ الوحيد لموسكو على البحر المتوسط. وكان بوتين قد تعهد بأن يجعل توسيع القوة الروسية البحرية علامة ولايته الثالثة في الرئاسة ومن هنا فسقوط الأسد يعني خسارة القاعدة البحرية في طرطوس.
وكان بوتين قد أعلن العام الماضي عن توسيع الاسطول البحري الروسي في البحر الأسود، ومن هنا فالحفاظ على طرطوس مهم لروسيا.
والأهم من كل هذا فدعم الأسد يتناسب مع طموح بوتين إعادة الدور الروسي وجعل روسيا قوة عظمى تواجه الغرب. كما وتخدم حملته في الدفاع عن الأسد ضد «الإرهاب» صورته في الداخل وتعزز الدعم المحلي له ضد ما يراه الروس خطرا خارجيا.
وعلى المدى البعيد فقد ترتد خطط بوتين عليه. فالتورط المحدود في سوريا الذي يريده الرئيس قد يتطور إلى التزام طويل ويضع أعباء على روسيا التي ستجد نفسها تقاتل على جبهة سوريا وأوكرانيا، وهو ما دفع بعض المراقبين الروس للقول إن موسكو تكرر خطأ الإتحاد السوفييتي السابق نفسه في أفغانستان بداية الثمانينات من القرن الماضي.
وهي الحرب التي لعبت دورا مهما في انهياره. وتختم الكاتبة بالقول إن الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعاني منه روسيا وعدم القدرة على مواصلة الإنفاق على الدفاع ومشاكل أخرى مثل تراجع النمو السكاني قد تترك آثارها على النظام الروسي. وعلى ما يبدو لا يأبه بوتين لهذه القضايا، بل على العكس يبدو أنها تزيد من عدوانيته فكلما أصبحت روسيا ضعيفة كلما زاد خطرها.

qal

إبراهيم درويش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية