القاهرة ــ «القدس العربي»: أقيمت عدة معارض تشكيلية مؤخراً في القاهرة جسدت تجارب مختلفة من الحركة التشكيلية المصرية الحديثة، أهم ملمح لها هو الاحتفاء بالحركة ومحاولة تجسيدها أو الإيحاء بها، حتى من خلال وجوه صامتة، أو أعمال أشبه بالجداريات القديمة. هناك سِمة حداثية في هذه الأعمال، رغم أن بعضها يستند إلى تراث فني قديم، سواء من خلال طبيعة الحركة وعلاقة كتلة الجسم وتوزيع اللون على سطح اللوحة، وكذلك استخدام الخط العربي، لكن تكنيك «الكولاج» في بعض اللوحات يحاول أن يصهر هذه التجربة ويحولها إلى حالة مختلفة جديدة، توحي بأجواء الطقس الشعبي المصري ومفرداته.
جدران محمود حامد
أقيم على قاعة (الباب) بدار الأوبرا المصرية، معرض الفنان محمود حامد بعنوان (عشق الجدران)، ويضم لوحات تقترب من الإيحاء أكثر من كونها تجسيدا لشخوص، رغم أن كل لوحة يتصدرها بطل أو أكثر، شخص وظِل، لكن الوجوه في أغلب الأحيان لا تحمل ملامح محددة، مما يجعل المُتلقي يحاول استكشاف العلاقات في اللوحة ما بين الجسد والخلفية، التي لا تنفصم عن العمل، وتعتبر هي أساسه، أو انعكاسا لما يفكر فيه الشخص الذي يتصدرها، ويستمد منها ذكرياته. لا يقتصر الأمر على التجسيد وطبيعة الحركة التي تظهر من خلال خط امتداد النظر، بين الشخصية وظلها، أو التي تفكر فيه وتتذكره، هناك تكنيك «الكولاج» كوجوه معروفة سلفاً ــ ملامح من وجوه الفيوم الشهيرة ــ رأس تماثيل حجرية تتوسط اللوحة، وصولاً إلى عين امرأة حقيقية مأخوذة من صورة فوتوغرافية. كما يبدو الخط العربي وصفحات من كتب تراثية، وبعض الرسومات الشعبية، التي توجد على جدران البيوت في قرى مصر. هناك أجساد تتباهى بذكرياتها ويبدو هذا في حجم الجسد بالنسبة للوحة وتصدره لها، لتصبح ما تثيره الخلفية/الجدار أقل ثقلاً من لوحات أخرى، يصبح فيها الجسد كظِل/سلويت، وكأنه لا يجرؤ على مفارقة الجدار الذي يحتمي به، حتى وإن ضاعت ملامحه أو تفاصيل جسده أكثر.
وجوه محمد أبو النجا
(وجوه على ورق) عنوان المعرض الذي أقيم بجاليري (آرت لونج) للفنان محمد أبو النجا، وهي الأقرب كثيراً لوجوه المومياءات الفرعونية، سواء على مستوى اللون أو الشكل التشريحي لرأس المومياء. هنا تبدو الوجوه وكأنها على قيد الحياة، رغم أن تفاصيلها لا تتضح إلا من خلال العين، التي في أغلب اللوحات تبدو باكية، وفي الكثير من الأحيان لا يمكن التفرقة أو استنتاج صاحب أو صاحبة الوجه، وهل هو رجل أو امرأة! الأمر هنا ينصرف إلى الإنساني بصفة عامة، وما يحمله صاحب الوجه من ألم لا يخفى. الخطوط التي تخدع المتلقي بعفويتها للوهلة الأولى، تظهر مدروسة بعناية، كما أن الحِس التجريدي أتاح التواصل أكثر مع اللوحات، فقط عين تحدق باكية، أو بروفايل ــ كعادة الرسومات الفرعونية ــ لتطالعك عين واحدة ودموعها تنسال حتى نهاية اللوحة/الدموع هي الخطوط المستقيمة الوحيدة في اللوحات، والأكثر حدة في اللون ــ درجة لونية أثقل من اللون الأساسي ــ بخلاف الخط المنحني الذي يُسيطر على اللوحة ككل، ربما تبدو الأنوثة والذكورة في الخط دون تفاصيل صاحب أو صاحبة الوجه. من ناحية أخرى جاءت عبارات الكاتب حمدي الجزار لتصاحب كل وجه، وكأنها تحكي حكايته، وإن كانت هذه العبارات قد أضافت لبعض اللوحات، إلا أنها حددت وقصَرَت الكثير من عمليات التفاعل مع اللوحة/قيّدت المعنى، الأمر يُشبه ما كان يُكتب فوق توابيت الفراعنة من تعاويذ وكلمات مرموزة دالة، ومن هذه العبارات نذكر … «لا عُمْر لبني الإنسان/كان يعيش الألف ويموت قبل الميلاد/وما زال يرفل في أزلية الخلد/ويشيخ ويفنى بعد ليل وشمس».
محاكاة الكادر السينمائي
بجاليري (مشربية) أقيم معرض للفنان أحمد صبري أهم ما يميزه هو الاهتمام بتفاصيل اللوحة كما اللقطة الفوتوغرافية، والكادر السينمائي بشكل خاص. يعيد الفنان رسم كادرات سينمائية من أعمال شهيرة، فيلم (الاختيار ليوسف شاهين)، عدة لقطات من الفيلم يُعيد محاكاتها صبري في وعي تام باختلاف الوسيط الذي يتعامل من خلاله، إضافة إلى التحرر في اختيار اللون، وبذلك تصبح اللوحة ليس تقليداً أو نسخاً للقطة السينمائية، بل لقطة أخرى بروح جديدة. واختيار كادرات ليوسف شاهين يوحي بمدى التعقيد لأن الكادر نفسه ولو حتى كان صورة ثابتة، فهو يوحي بحركة دائمة ومتوترة لا تهدأ، وهو ما أجاده أحمد صبري تماماً، في تجسيد روح الحركة واستمرارها من خلال لوحة ثابتة.
تفاصيل الحياة اليومية والتجريد
في معرض بعنوان (مسارات الحركة) لكل من الفنانين وليد نايف ومحمد جابر، أقيم في جاليري (بي آرت) يبدو الحِس المنشغل بتجسيد الحركة، سواء من وجهة نظر فلسفية من خلال حالة تجريد قصوى للشكل، والاعتماد على دراسة الحركة والإيحاء بها، من خلال تكرارات الخطوط، أو الكتل اللونية، وذلك في أعمال محمد جابر، بينما تأتي أعمال وليد نايف أكثر تجسيداً واعتماداً على التشخيص، وملامح أكثر أُلفة، وأقرب إلى فن «الكوميكس». اعتمد نايف على تفاصيل الحياة اليومية في القـاهرة، أزقتها وحواريها ومخلوقاتها، رجال ونساء مختلفين في السِن والمهنة، في حالة حركة تبدو عفوية وأقرب إلى لقطات الـفــوتوغــرافــيا المُلتقطة خِلسة، لذا يهتم الفنــان برسم الكادر/اللوحة من توازن ما بين خلفية ومقدمة الكادر، وتوزيع الكتل ما بين المستويين، كشخص يتصدر اللوحة، وتبدو كتل الشخوص أصغر في العمق، إضافة إلى الاهتمام بتفاصيل المكان، كالبيوت في الخلفية والمباني المميزة للقاهرة، وأرض الشوارع الضيقة، التي تميّز بعض الممرات المؤدية لشوارع المدينة الرئيسية. ملمح آخر في أعمال نايف وهو اللعب باللون وكيفية تأثيره الحسي في اللقطة/اللوحة، إضافة إلى التوزيع الجيد للإضاءة، وإظهار الظلال، سواء للأجساد أو الأشياء، كمصابيح الشوارع على سبيل المثال.
محمد عبد الرحيم