أقول عروس مدائنكم وليس عروس عروبتكم، مع أني أستحضر هنا الشاعر العراقي مظفر النواب في قصيدته الشهيرة «حتى لا نتهم بالابتذال» في أعقاب النكسة ببضع سنين… «أعترف الآن أمام الصحراء بأني مبتذل وبذيء وحزين كهزيمتكم».
أذكر لقاء اذاعيا مع النواب في اوائل تسعينات القرن الماضي، في محطة عربية أمريكية وكان السؤال الاول الذي وجهته المذيعة للشاعر: يقولون ان شعرك بذيء وخادش للحياء، فأجابها الشاعر بتلقائية، وهل ما تفعله بنا اسرائيل وأمريكا الآن لا يخدش حياءك يا سيدتي؟.
الجماهير العربية تحتفل بالقصيدة وهجومها الكاسح على الحكام وتقاعسهم عن نصرة القدس، يبدو أننا لم نقرأ القصيدة جيدا فهو يقول: يا حكاما مهزومين، ونسينا التكملة، ويا جمهورا مهزوما، ما أوسخنا، ونكابر، ما أوسخنا. لم يقل جملته المشهورة: لا استثني أحدا، عن الحكام، بل عنا أيضا، الجمهور. الطريف في الموضوع أن الجماهير المهزومة تتناقل القصيدة على الفيسبوك والمدونات مع تعديل بسيط، حذف المقاطع المتعلقة بحاكم تلك الدولة التي تراقب مواقع التواصل الاجتماعي، والتي يقبع فيها صاحب الموقع، ولكن القصيدة منتشرة بشكل واسع، ومن غير أي حذف لظروف أمنية أو استخباراتية.
ما يحدث في القدس الآن من اقتحامات واغلاق ومنع وقمع للمصلين، انما هو تهيئة بالتصوير البطيء والفلاش باك لما حصل للحرم الابراهيمي الشريف في مدينة الخليل من قبل. في فبراير/شباط 1994 اقتحم الارهابي غولدشتاين الحرم، تحت بصر الجيش الاسرائيلي، في ليلة منتصف رمضان وأثناء صلاة الفجر ليطلق النار على المصلين ويقتل 29 ويجرح 150، لجنة التحقــيق الاسرائيلية وجدت الحل بعد أشهر قليلة، تقسيم الحرم الابراهيمي بين المسلمين واليهود. أهذا ما ينتظر الأقصى الآن؟ نتنياهو يتعهد بعدم تغيير الواقع الراهن في القدس ويدعو الى تهدئة الخواطر، البعض فهمها على أنها خواطر العرب والمسلمين، ولكن استمرار زيارة المستوطنين وأعضاء حزبه الليكود الى داخل الأقصى، وليس فقط ساحاته، يؤكد أنه يقصد خواطر اليهود المتطرفين.
شباب القدس أخذوا على عاتقهم مهمة حماية الأقصى في انتفاضة مستمرة منذ أسابيع. الضفة الغربية تفاعلت مع النداء في جمعة الغضب الماضية، السابع من نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، ولكن لا توجد انتفاضة حقيقية مستمرة الزخم في مدن الضفة وقراها بعد. أما المدن العربية فقد كانت ميتة الا من مظاهرات في عمان وباقي المدن الاردنية نصرة للأقصى، ومطالبة بإغلاق السفارة الاسرائيلية في عمان وطرد السفير والغاء معاهدة وادي عربة «للسلام»، بعدها عاد الجميع الى منازلهم وأعمالهم، وما زال علم السفارة يرفرف في سماء عمان يتحدى كل المشاعر.
بعض المحللين يتوقع ردة فعل من الدول العربية والاسلامية على الاجراءات الاسرائيلية الاخيرة وضغط أمريكي في هذا المجال من أجل سلامة استمرار التحالف الأمريكي العربي ضد داعش والارهاب. نرى هذا كأحد أطياف أحلام اليقظة وقت القيلولة، الحكومات العربية منشغلة بأمورها الداخلية وانقلاباتها بعد الثورات، وحروبها ضد الارهاب غير الاسرائيلي، والشعوب العربية مصدومة بما حدث بعد الربيع، الخريف القاتم، وكما قال مظفر لا أستثني أحدا.
هل يدعو هذا الوضع الى اليأس والاحباط؟ لا، فأهل القدس والضفة قادرون على مواصلة المقاومة والدفاع عن الأقصى. أهرب من هذا الوضع العربي الى قصيدة في القدس لتميم البرغوثي المستحضرة للتاريخ والمشحونة بالأمل.. انه يستهلها مسميا القدس بدار الحبيب، ورغم الحزن في البداية، ترى كل ما لا تستطيع احتماله، الا انه يدرك مدى اندماج القدس في الذاكرة الفلسطينية، بل في الوجدان والحياة اليومية: «متى تبصر القدس العتيقة مرة فسوف تراها العين حيث تديرها، فهي الغزالة في المدى، والمعجزات هناك تلمس باليدين. القدس هي عبق التاريخ كله: في القدس رائحة، والله رائحة لها لغة، ستفهمها إذا أصغيت: في القدس لو صافحت شيخا أو لمست بناية لوجدت منقوشا على كفيك، يا ابن الكرام، قصيدة أو اثنتين. في القدس رغم تتابع النكبات، ريح براءة في الجو، ريح طفولة». الفلسطينيون متمسكون بدولتهم وعاصمتها القدس، وها هو تميم يعلنها برومانسية وواقعية في آن واحد: فترى الحمام يطير يعلن دولة في الريح بين رصاصتين.
ها هو يعاتب: أرأيتها ضاقت علينا وحدنا!
ويعرف أن الكل مروا من هنا، ولكن في المحصلة: بسمة لم أدر كيف تسللت في الدمع: في القدس من في القدس، لكن، لا أرى في القدس الا انت. قد يكون ميزان القوى لا يبّشر بهذا، ولكن المطالب بحقوقه لا يعترف بموازين القوى، والا لما قامت الثورات ضد المحتلين، ولما انتصرت.
يختلف المحللون على الشاشات وعلى المنابر والصفحات، منهم من يسميها انتفاضة، منهم من يسميها بداية انتفاضة، او انتفاضة محدودة، أو حتى احتجاجات لا ترقى الى وصفها بالانتفاضة بعد، لا يهم. المهم أن المقدسيين، وفلسطينيي الضفة وغزة، أثبتوا انهم مستثنون من وصمة مظفر النواب لا استثني أحدا، وعلينا أن نستثني أنفسنا أيضا.
التفجيرات الأخيرة في غزة ضد بيوت قيادات في فتح مشبوهة جدا، وأن تقوم بعض قيادات فتح مثل الأحمد بعد ساعات فقط من الحادث بإعلانها أنها تعرف الفاعلين وتتهم حماس بأنها وراء التفجيرات، وألا تقدم المعلومات «التي تمتلكها» الى حماس، أمر مريب. الثابت أن الوحيد المستفيد من هذه التفجيرات هو اسرائيل، المتضرر الوحيد من استمرار المصالحة الفلسطينية، خاصة أن القدس محتاجة الآن للوحدة الفلسطينية أكثر من أي وقت مضى، لعلكم تفقهون.
٭ كاتب فلسطيني
د. خليل قطاطو
لم أعلق أمس
انتظرت الى اليوم لأثبت لك يا دكتور خليل أننا دجاج ونعاج
فلم تحرك كلماتك شيئا فينا ولم تهز القدس السليبة مشاعرنا
والأقصى أقصي من تفكيرنا فدعنا نلتقط ما يرمى لنا
ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
ولن نتغير لأننا ببساطة دجاج ونعاج
ورحم الله امرئ عرف قدر نفسه
ولا حول ولا قوة الا بالله
رغم الصيف الجهنمي الذي اعقب الربيع العربي, لا يزال هناك امل, طالما ان هناك حراك, رغم انه مؤلم جدا. هذا دليل على ان الجسم لم يمت بعد.يجب ان نبقي على الامل. لولا الامل لبطلت كل الاعمال, بل الحياة نفسها