القدس عين الصراع والأقصى بؤبؤه… مقارنات بين ثلاث انتفاضات

حجم الخط
1

الناصرة ـ «القدس العربي»: «حرب السكاكين الحالية هي الانتفاضة الفلسطينية الكبيرة الثالثة التي كان الأقصى من أهم بواعثها، وتعرف الأولى بثورة البراق عام 1929 وتوسطتهما الانتفاضة الثانية عام 2000 وما يجمعها مركزية القدس بالصراع. في المقابل هناك أوجه شبه واختلاف كما يوضح بعض المؤرخين والباحثين الفلسطينيين لـ «القدس العربي» ممن يتوقفون عند خط التماس بين الصراع الوطني والديني وعند مستقبله.
منذ بدايات الصراع اتضح أن القدس هي عين الصراع وأن الحرم القدسي بؤبؤها. وكانت ادعاءات اليهود بملكية حائط البراق الذي يعتبرونه «حائط المبكى» وسورا غربيا للهيكل المهدوم، قد فجرت اضطرابات واشتباكات عنيفة خلال شهر آب/ أغسطس 1929 بين العرب واليهود في القدس وفي أنحاء فلسطين قتل وأصيب فيها المئات من الطرفين. كما أعدمت قوات الانتداب البريطاني ناشطين فلسطينيين وقتها من أبرزهم الثلاثي محمد جمجوم، فؤاد حجازي وعطا الزير الذين دفنوا في عكا داخل أراضي 48.
وعلى خلفية ذلك وبمبادرة الانتداب البريطاني أرسلت لجنة تحقيق دولية لتحديد حقوق العرب واليهود في حائط البراق أكدت أن الحائط الغربي (البراق (المبكى يعود إلى المسلمين وحدهم، ولهم وحدهم الحق العيني فيه لأنه يشكل جزءاً لا يتجزأ من ساحة الحرم الشريف.
ويوضح المؤرخ د. عادل مناع أن الفلسطينيين خاضوا منذ قرن ونيف صراعا مع الصهيونية كحركة استعمارية – استيطانية التي أنكرت عليهم حقهم ببلادهم كسكان أصليين، مستخدمة مزاعم تاريخية مفادها أنها جاءت تحرر «أرضا محتلة». ويؤكد أن توالي الانتفاضات الفلسطينية التي نشبت دفاعا عن القدس يعني أنها لب الصراع وعين العاصفة لكونها رمزا روحيا ووطنيا. لافتا أن الصراع عليها سبق الصراع على فلسطين حيث دأب المهاجرون اليهود في الفترة العثمانية للإقامة في القدس التي اعتبروها رمزا صهيونيا لـ «أرض الميعاد» رغم كونها عاصمة فلسطين من وقتها.
وللتدليل على تعقيد الصراع المعقد يقول مناع إنه ديني لا وطني فحسب لا سيما أن اليهودية دين وقومية معا وأن الصهيونية حركة علمانية لكنها ترتكز لمفاهيم وأساطير دينية. ويشير إلى أن اليهود يرون الحرم القدسي من خلال أساطيرهم التاريخية باعتباره «جبل الهيكل» ما يعني أنهم ما زالوا متمسكين بمقولة «وطن بلا شعب لشعب بلا وطن» ولا يرون الوجود والتاريخ الفلسطيني على أرض الواقع.
وعلى هذه الخلفية يرى أن نشوب ثورة البراق جاء طبيعيا مثلما هي الانتفاضة الثانية لأن الحرم القدسي هو كنز روحاني وأغلى ما تبقى للفلسطينيين بعد استكمال احتلال فلسطين وتهويد الكثير منها. ويرى مناع على خلفية ما يجري أن الحل في القدس بات شبه مستحيل بعدما حوصرت الأحياء المقدسية بالمستوطنات وعزلت القدس عن الضفة الغربية. وضمن المقارنة يشير مناع إلى أن الفلسطينيين في العشرينيات كانوا الأكثرية مقابل أقلية يهودية منظمة ومدعومة من قبل الانتداب. ويتابع « وقتها كان الصراع سياسيا ولم يخطر ببال الفلسطينيين تهجير جماعي واليوم يخوضون صراعا على الوجود بعد احتلال كل فلسطين».

فلسطينيو الداخل

ويرى أنه من الطبيعي أن ينضم فلسطينيو الداخل للهبة لأن الأقصى رمز موحد لهم ولأن المعركة في 1929 دارت على حائط البراق، أما اليوم فهي على كل الحرم. ويوضح مناع أن الفلسطينيين متدينين وعلمانيين يخشون تكرار تجربة الحرم الإبراهيمي بالخليل الذي تم تقاسمه لا سيما أن عشرات الجمعيات اليهودية تعمل اليوم على بناء الهيكل المزعوم على أنقاض الأقصى الذي تتعرض أرضيته لحفريات خطيرة.
وضمن المقارنات يشير مناع إلى أن القيادة الفلسطينية (الحج أمين الحسيني وياسر عرفات) قادت ووجهت انتفاضة 1929 والانتفاضة الثانية بعد نشوبها تلقائيا، أما في الانتفاضة الحالية فتعمل القيادة الفلسطينية علانية على تهدئتها. ويتفق مع مناع الباحث صالح لطفي أحد قادة الحركة الإسلامية الشق الشمالي بقيادة الشيخ رائد صلاح، ومدير مركز الدراسات المعاصرة في أم الفحم على أن القيادات الفلسطينية على طرفي الخط الأخضر تعمل اليوم على فرملة الانتفاضة.
ويرجح الشيخ صالح ألا تستمر الانتفاضة بالداخل لشهور بسبب تدخل دول عربية وأجنبية وفرملة الشباب المنتفضين من قبل القيادات السياسية. ويتابع «هذا إضافة لعدم تحمس حركة المقاومة الإسلامية )حماس) للتصعيد بسبب واقعها في غزة والضفة وبسبب حسابات السياسة والمصلحة». ومع ذلك يشدد على أن الجمرات باقية وأن الواقع مرشح لانتفاضة أشد في الداخل.
ويرى الشيخ صالح لطفي أن مشاركة فلسطينيي الداخل بالانتفاضة الحالية تأتي من القاعدة ومردها عدة عوامل، من أهمها الارتباط الوطني والروحي للشباب بالداخل بالأقصى الذي يشكل جزءا من هويتهم.
ويشير لدور السياسات والتشريعات العنصرية الظالمة والاعتداءات غير المسبوقة في العقد الأخير التي تستهدف بها إسرائيل هوية فلسطينيي الداخل ومحاولة سلخهم الفاشلة عن شعبهم ومحاولة شيطنة قياداتهم الوطنية والإسلامية.
ويؤكد تبلور روح نضالية لدى قطاع الشباب والنساء الذين فشلت إسرائيل في تدجينهم بالاستعداء والاحتواء لافتا لدور المنتديات الاجتماعية برفع وتيرة النضال والاحتجاج وبالتغذية المتبادلة بين الفلسطينيين على طرفي الخط الأخضر.

جوني منصور

ويتفق على ذلك المؤرخ جوني منصور. ويقول إن هبات القدس كانت نتيجة محاولات الحركة الصهيونية وأذرعها (زمن الانتداب)، وحكومات إسرائيل وأذرعها الاستيطانية والاستعمارية (بعد 1948 وإلى الآن) تهدف إلى السيطرة الكاملة على الحرم وذلك بذريعة كونه الجبل المقدس – جبل الهيكل كما يسمونه.

مقاربات

وأشار إلى أنه لا فرق بين ما يجري اليوم وما جرى في 1929 وغيره من الأعوام، سوى الأدوات المستخدمة وكيفية تطبيقها. ويعني بذلك انهم في عام 1929 أرادوا ادخال تغييرات مقابل حائط البراق والآن يريدون اقتحام كل الحرم لتقاسم المكان والزمان.
بالنسبة لطبيعة الصراع وخاصة في القدس يؤكد المؤرخ المختص بالتاريخ الفلسطيني البروفيسور مصطفى كبها أنه لا يمكن الفصل بين الدين والقومية والجغرافيا. وأًوضح أن حرية العبادة والوصول للأماكن المقدسة دون قيود، والرغبة بالسيادة الوطنية والقومية هي أمور متشابكة لدى الطرفين، وهي تتفاوت لدى الأطياف المختلفة لكل معسكر من المعسكرين. ويتابع «الحركتان مشبعتان برموز القداسة التي يمكن تفسيرها دينيا وقوميا ومن هنا يأتي التشابك والتعقيد» .
ويرى كبها بوجود تبعات على كافة الأصعدة للانتفاضة الحالية على وعي الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني بسبب قوة وقع السكاكين والإعدامات بالشوارع المنقولة بالبث الحي والمباشر بالمنتديات الاجتماعية.
ويتفق كبها مع زميليه المؤرخين في المقاربات ويقول إن «هناك تشابها كبيرا بين الانتفاضة الحالية والثانية ولكن لكل حالة أيضا سياقاتها الخاصة بها» . ويضيف « عام2000 كانت روادع غير موجودة اليوم للطرف الإسرائيلي المجال العربي العام اختلف ، موازين القوى بين الطرفين اختلفت. في هذه المرة الطرف الأمريكي شبه غائب عن الساحة» . ويتفق كبها مع لطفي على أن الانتفاضة الثالثة تتجه لأن تخبو سريعا بسبب ظروف جيوسياسية خاصة كما في عام 2000 لا سيما أن الشرطة الإسرائيلية حرصت هذه المرة على عدم استخدام الرصاص بعدما أدركت أن الدماء تزيد من ألسن اللهب ومن شأنها الدفع نحو حرب أهلية تلحق الأذى بإسرائيل، صورتها وهيبتها.
ويرجح الباحثون أن الانتفاضات الفلسطينية لم تحقق معظم أهدافها المعلنة رغم مئات الشهداء في ثورة البراق وآلاف الشهداء والجرحى في الانتفاضة الثانية . لكنها نجحت بزحزحة إسرائيل عن بعض المواقع والمواقف لأنها لا تفهم سوى لغة القوة. ففي ثورة البراق تمكن الفلسطينيون من إبعاد خطر تهويد الحرم وفي الانتفاضة الأولى اضطرت إسرائيل للتفاوض مع منظمة التحرير ونتيجة انتفاضة النفق في القدس عام 1996 وافق بنيامين نتنياهو على الانسحاب من الخليل وبعد الانتفاضة الثانية انسحب الاحتلال من غزة. ولا يستبعد الباحثون الأربعة أن يشارك فلسطينيو الداخل في انتفاضة جديدة تكون خطيرة بحال استمر توفر أسبابها من تحريض واعتداء وعنصرية وانسداد أفق.

وديع عواودة

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول خليل ابورزق:

    اعتقد ان طبيعة المقاومة و ادواتها تختلف او تتطور مع الزمان و الظروف. فالمقاومة في القرن الحادي و العشرين تختلف عن القرن التاسع عشر و القرن العشرين.
    ان الوجه الجديد للمقاومة سيتخذ اولا من وسائل الاتصال ادوات له. و سيكون جانب كبير منه اعلامي يركز على تسليط الضوء على الحق الفلسطيني، و تعرية الجانب الاخلاقي و الشرعي و التاريخي و القانوني للكيان الصهيوني، و من يقف وراءه، من خلال المجتمع المدني الفلسطيني و العربي و الاحرار من كل انحاء العالم.
    اما جانب المقاومة المادي فسيحدد نقاط الضعف لدى العدو مثل الاقتصاد و الامن و المواصلات و الاتصالات و يوجه حملات سلمية او عنيفة فردية بحيث تؤرق المحتل بما يدعو النخبة فيه لمراجعة حساباتها

إشترك في قائمتنا البريدية