الحبُّ شريرٌ يلوك القلبَ
يسحقهُ بألف حديقةٍ
يلقيهِ للأعلى
ولا يتلقَّف المكسورَ إذ يهوي على حجر من الصوانِ
يطعمه لذئبِ الريح في صحرائه الحبلى بطعم الجوعِ
والحرمانِ
يأتي حسب موعده
كسلطانٍ
وطاغيةٍ
ومثل الموتِ يأتي
والمرضْ!
لا أفقه للقلب مفتوح
ولا للطير أرضْ
في أيِّ جمر أينعتْ أقواسُهُ ونبالهُ
ورمتْ وحيدَ الروح بالحمى وغرَّبت المطرْ
أو بارتعاشِ فراشةٍ في النار أو بردٍ قمرْ
الحبُّ يمشي في الطريق ولحمِنا
يختارُ منّا من يريدْ
ويقولُ للأزهار كوني في الحديدْ
ويزوّجُ النارَ العنيدةَ للشجرْ
لا شيءَ فيه سوى غيابِ حضورنا
ومرورنا في صخرةٍ
وصعودنا في المنحدرْ
أسماؤه سحبٌ
وعودتُهُ سفرْ
والحبُّ قتّالٌ وجوّالٌ
رحيمٌ مثل سكينٍ بحدٍّ ساطعٍ مسنونةٍ بالجرح في أقصى الكواكبْ
والحبُّ أخجلُ من تفتُّحِ برعمٍ والحبُّ عائبْ
قتَلَ القتيل على مخدةِ حلمِهِ
والعاشقَ المُلقى على دم قلبهِ
إن كان قربكَ قاتلٌ.. أو كان غائبْ
والحب لا يحنو على أحدٍ
يراوغُ ينثني
يعلو
ويكذبُ
جارحٌ كبراءةِ النسيانِ
مصقولٌ كرأس الرُّمحِ
مجنونٌ له عقلٌ بقلبينِ
وأغنيةٌ بلحنينِ، اشتعالٌ في جليدٍ
طعنةٌ عطشانةٌ في قلبِ تائبْ
والحبُّ زنديقٌ وراهبْ
في إسمهِ نمِرٌ على الغزلانِ واثبْ
عرّاب كلِّ دم يسيلُ على الأسرَّةِ في المدائنِ والقلاعِ وفي الحدائقِ والخرائبْ
فيه انتظرنا موتَنا وحياتَنا
ورجوعنا لشقائِنا ونحولِنا
وعلى شواهدنا كَتَبْنا: الله غالبْ
في كفّهِ سيفٌ رحيمٌ عاصفٌ
يجتاحنا فنموتُ لكن لا مُطالبْ
عطشى إلى نيرانِهِ نحنُ، احتراقِ جلودِنا بأظافرِ البلّورِ
نركض نحوه ليصيَبنا
ويرُدَّنا لهوائِنا قتلى
ونبحثُ في الوجوه هنا، هناك، عن الجمالِ وعن ملامحِ قاتلٍ يختارنا من بين كلِّ الناس يسرقُ قلبَنا
نمشي على خطواتِهِ
يا ضبعُ خذنا للمغارةْ
يا ضبعُ ما لكَ صاحبٌ
يا ضبعُ ما للحبِّ صاحبْ
خذنا بمنقارِ النحاسِ وأَلقِنا يا نَسرُ في الوديانِ
قربَ جداولِ النسيانِ
وانثرْنا على كَرْم العنبْ
لا الناس عادتْ من خمورِ غيابها
أو عادتِ الناياتُ ثانيةً قصبْ
خذ ما تشاء: الروحَ قابضةً على نعليكَ في سربِ الحمامْ
وخذ العيون خذ النجومَ خذ الخَواءَ خذ الزِّحامْ
واترك ذئابكَ في أسرَّتِنا تنامْ
خذنا إليكَ وضمنا واطعن هنا في القلب
طعنتكَ/الحريق القاتِلَةْ
واخرج أمام الناس مسنونًا
فلا خوفٌ عليكَ ولا… وقُلْ للسابِلَةْ
ها قد قتلتُ فتى القصيدةِ في القصيدةِ
وابتهجْ
إنَّ الجريمةَ كامِلَةْ!
٭ أديب فلسطيني
إبراهيم نصر الله
الجمال الأخّاذ في قصيدة الشاعر إبراهيم نصر الله ، إضافة للصور الشعرية الجميلة، وللتشبيهات ، والحالات المتخيّلة السارقة القارئ إلى عالم ساحر مرعب ، غريب محبوب، أنّ الشاعر تناول الحب بوجهيه النّقيضين: الجميل والقبيح. الحاني والقاتل. فقد اعتدنا أن لا نرى في الحب إلّا الجمال والسحر والحلم والنهاية المرجوّة لعلاقتنا بالحبيب. وجاء إبراهيم نصر الله ليوقفنا على الوجه القبيح للحب:
الحب شرير يلوك القلب. والحب لا يحنو على أحد/ يراوغ ينثني/ يعلو/ ويكذب. والحب زنديق وراهب.
لكن الشاعر يعرف أنّ الحبّ هو الحبّ ولا خلاص لنا منه. فمهما عذّبنا وأبكانا وأشقانا يظل مطلبنا وأملنا وحلمنا الذي لا نتنازل عنه. لهذا نرى الشاعر يقول مؤكدا هذا الموقف :
عطشى إلى نيرانه نحن/ نركض نحوه ليصيبنا/ ويردّنا لهوائنا قتلى.
ويشدّنا إبراهيم نصر الله لنبتهل معه للحب الذي يأخذ عقلنا ويسحرنا من حيث لا ندري، كما يفعل الضبع بفريسته فيسحرها وتنساب خلفه حتى يدخلها مغارته ويفترسها:
يا ضبع خذنا للمغارة/ يا ضبع ما لك صاحب/ يا ضبع ما للحب صاحب/
وبتلهف العاشق للمعشوق والمقتول للقاتل يهتف الشاعر:
خذ ما تشاء: الروح قابضة على نعليك في سرب الحمام/ وخذ العيون خذ النجوم خذ الخواء خذ الزحامْ/ واترك ذئابك في أسرّتنا تنام/ خذنا إليك وضمّنا واطعن هنا في القلب/ طعنتك/ الحريق القاتلة.
تحياتي للصديق الرائع المبدع شاعرنا إبراهيم نصر الله
د. نبيه القاسم