القاهرة ـ «القدس العربي» : تابعت الأغلبية الساحقة كالعادة ارتفاعات الأسعار، ونفى المسؤولون ما نشر عن أنه ستتم زيادة سعر الرغيف المدعم، الذي يصرف بالبطاقات. كما تابعت بالاهتمام نفسه المؤتمر الذي عقده وزير التربية والتعليم، وأعلن فيه أن امتحان السادس الابتدائي ستكون سنة نقل عادية، لا شهادة، لأن القانون يحدد التعليم الالزامي حتى الشهادة الإعدادية. وأن تطوير الدراسة الثانوية لن يتم خلال العام الدراسي 2017 ـ 2018 إنما العام الذي بعده، وسوف يتضمن تطويرا شاملا، وإلغاء مواد، قال الوزير عنها إنها حشو لا يفيد الطلاب. كما أعلن وزير التعليم العالي أن المرحلة الثالثة للقبول في الجامعات للحاصلين علي الثانوية العامة ستبدأ في الثاني عشر من الشهر الحالي أغسطس/آب. وتابع كثيرون المعركة الكلامية الدائرة بسبب هجوم المطربة والفنانة شيرين عبد الوهاب ضد المطرب عمرو دياب. لدرجة أن الرسام في جريدة «الأخبار» عمرو فهمي أخبرنا أمس الأربعاء أنه شاهد بعينيه الاثنتين وسمع بأذنيه الاثنتين الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط في مؤتمر صحافي وهو يقول بالنص: لقد وصلتني مئات الرسائل والمكالمات من الأخوة السفراء والأعضاء الدائمين، وبإجماع عربي أنه يجب لم الشمل وتجاوز الخلافات وأن يكون هناك مصالحة بين الأشقاء عمرو دياب وشيرين.
ومن الموضوعات التي اجتذبت الاهتمام، مباريات كرة القدم العربية في دوري الأبطال العرب التي تتم في مصر، والهدف الذي أحرزه اللاعب المصري في فريق بايرن ميونخ محمد صلاح مع فريق ليفربول. واستمرت الصحف في نشر المقالات والتحقيقات عن الدولة الفاشلة ومحاولات الأعداء إفشال مصر، وعن ثورة يوليو/تموز وخالد الذكر، كما وجهت انتقادات واسعة للنظام تتهمه بمحاربة الأحزاب السياسية، وحملات للدفاع عنه مع مطالبة بعدم التشدد في إجراءاته ضدها. وفتوى من دار الإفتاء بإباحة تصدير الحمير للصين. وتقرير لمتابعة الفضائيات يكشف عن برامج ضد الأخلاق. واكتشاف وجود للشيعة القرامطة في الصعيد. وكاتب يذكر باحتلال صدام حسين للكويت وماذا قال سفير العراق في القاهرة وقتها.
وإلى التفاصيل..
العدل والمساواة
ونبدأ من «الشروق» ومقال رئيس تحريرها عماد الدين حسين عن نظرية المؤامرة وإسقاط الدول يقول: «المؤامرات وحدها مهما كان حجمها لا تستطيع إسقاط الدول، طالما كانت هذه الدول قوية ومتماسكة داخليًا. أفضل مثال على ذلك هو إيران. هذه الدولة كانت تدور في فلك أمريكا والغرب بالكامل، في زمن الشاه الراحل محمد رضا بهلوي. وحينما سقط الشاه بفعل الثورة الإسلامية، التي قادها آية الله الخميني في أول فبراير/شباط 1979، حاصرت الولايات المتحدة والغرب إيران بصورة شاملة، وورطوها هي والعراق في حرب الثماني سنوات «1980 ــ 1988»، ومنعوا عنها كل شيء تقريبا، بما فيها إصلاح الطائرات المدنية أو تطوير حقول النفط والغاز، وأصدر الكونغرس قانونًا شهيرًا سمي باسم العضوين اللذين قدماه وهما «الفونسو ــ داماتو» وبموجبه يمنع أي شركة في العالم من الاستثمار بأكثر من 40 مليون دولار في إيران. ورغم كل ذلك ظلت إيران متماسكة من الداخل، وبدأت تعتمد على نفسها، بفعل سياسة تقشفية اقتصادية صارمة، وديمقراطية شكلية سياسيًا، مكنتها من الصمود، بل، إجبار الغرب على الاعتراف بمكانتها النووية بحثيًا، والإقرار بدورها الإقليمي، الذي يكاد يلتهم بلدان المنطقة. لا أكتب الكلام السابق حبًا وتأييدًا لإيران، وعندي العديد من التحفظات على دورها التخريبي في العراق وسوريا واليمن ولبنان والبحرين، وتقديري أنها تستخدم اللافتة الطائفية الشيعية لتحقيق أهداف ومصالح قومية فارسية. لكن ما أقصده هو أن النموذج الإيراني ــ وبغض النظر عن رأينا فيه ــ تمكن من الحفاظ على الدولة الإيرانية متماسكة وثابتة ومستقرة، بفعل توليفة من السياسات أفشلت كل المساعي والمحاولات الأمريكية الإسرائيلية الغربية لإسقاطها. هناك في المقابل النموذج السوري.. فهذه الدولة العربية الشقيقة في حالة حرب مستمرة ضد إسرائيل منذ عام 1948، وخاضت إسرائيل ضدها العديد من الحروب، واحتلت الجولان، لكنها لم تستطع حتى عام 2011 أن تسقط الدولة السورية أو تدمرها أو تقسمها. لكن ذلك حدث فقط حينما انقسم السوريون ودخلوا في حرب أهلية طاحنة. سببها بطبيعة الحال ليس فقط الإرهاب والفوضى والتدخل الأجنبي، ولكن عجز الحكومة عن إقامة الحد الأدنى من العدل والمساواة وخلق حالة من التوافق الوطني العام. إذن ما فشل فيه التدخل الأجنبي طوال عشرات السنين، نجح فيه حينما تهيأت التربة المناسبة لذلك. وحينما عجزت الحكومة والنظام عن إقناع كل السوريين بأنه يمثلهم جميعًا، وأنه يمثل لهم أملا في الغد.
مرة أخرى كان هناك تربص أجنبي، وتنظيمات محلية متآمرة، لكن ذلك ما كان له أن ينجح لو أن النظام كان عادلًا، بدلًا من أن تحوله إلى نظام يمثل أقلية من السوريين. إذن لا يكفي أن يتآمر عليك الجميع لكي تسقط، المهم هو ماذا تفعل أنت كفرد أو مؤسسة أو هيئة أو وزارة أو دولة لكيلا تسقط. التآمر موجود في العلاقات السياسية بين الدول منذ قديم الزمان، وسوف يستمر إلى قيام الساعة، وبالتالي فالأفضل وبدلا من تضييع الوقت في الحديث عن مؤامرات الآخرين ضدنا، أن ننشغل بما يفترض أن نفعله لإفشال هذه المؤمرات إذا وجدت».
موقف النظام من الأحزاب
أما جريدة «الأهالي» لسان حال حزب التجمع اليساري التقدمي فنشرت تحقيقا عن موقف النظام من الأحزاب أعدته نجوى إبراهيم جاء في مقدمته: «جاء استمرار تجاهل النظام القائم للحديث عن الأحزاب السياسية ومشكلاتها، وأهمية التعددية الحزبية في مصر، خلال المؤتمر الرابع مع الشبابـ الذي عقد في مدينة الإسكندرية، ليرفع النقاب عن وجود اتجاه لتهميش دور الأحزاب والقضاء على مبدأ التعددية الحزبية، التي نص عليها الدستور. كما تحرص بعض وسائل الإعلام على تناول الأحزاب بطريقة سلبية. وفي الوقت نفسه يتحدثون عن مستقبل الديمقراطية في مصر ولا يعرف هؤلاء أن نشأة الديمقراطية في أوربا الغربية كان مقترنا بالتعددية الحزبية فلا ديمقراطية بدون تعددية حزبية، ورغم أن النظام يعي تماما أن الديمقراطية لكي تنضج وتؤتي ثمارها الإيجابية تتطلب وجود أحزاب قوية، إلا أن الاتجاه لتهميش الأحزاب فضلا عن الحملة القائمة على الحياة الحزبية بأكملها، ودعوة البعض بدمج الأحزاب أو إلغائها، وإنشاء حزب واحد يطرح عدة تساؤلات منها هل النظام يريد تكرار أخطاء التجربة الناصرية، وهل يمكن إرساء مبادئ الديمقراطية دون وجود أحزاب قوية.
أما التحقيق ذاته فجاء فيه: أكد سامح عيد الباحث السياسي والقيادي في حزب المحافظين، على أن الأحزاب هي العمود الفقري لأي نظام ديمقراطي في العالم، فلابد من وجود الطرفين النظام الحاكم والمعارضة. ربما يجب أن تكون الأحزاب بأعداد أقل مما هي موجودة في مصر الآن، إلا أن تواجدها أمر ضروري، حتى يتم تداول السلطة في ما بينها بشكل سلمي. وأرجع عيد تجاهل النظام الحالي للأحزاب إلى رفضه تقبل النقد والمعارضة نظرا لما تمر به البلاد من مشكلات. ويتجه النظام للتركيز على الإنجازات والتغاضي عن السلبيات. وحول تهميش النظام لدور الأحزاب أكد النائب هيثم الحريري، على أن أبلغ دليل على تهميش دور الأحزاب وعدم اهتمام النظام السياسي بوجود أحزاب سياسية قوية، هو اتجاه وزارة الداخلية للقبض على عدد من الشباب والقيادات الحزبية، فضلا عن عدم دعوتهم في أي حوار مجتمعي، أو أي مناسبة مهمة. كل المؤتمرات تحدث دون دعوة المعارضة، مشيرا إلى أن هذا التجاهل يؤكد على أن النظام الحالي لا يرى بديلا سياسيا له، وكأن الأحزاب ليس لها وجود على أرض الواقع، وكل هذا يضعف الأحزاب. وأضاف الحريري أن الأحزاب تعمل في ظل تضييق غير مسبوق حتى فكرة انضمام المواطنين إلى الأحزاب أصبح محالا في ظل القبض على الشباب وقيادات الأحزاب، فأي شخص يمارس العمل الحزبي مهددا بالسجن».
جرعة التفاؤل
لكن هذا الكلام لم يعجب أحمد أيوب رئيس تحرير مجلة «المصور» القومية التي تصدر كل أربعاء فقال في بابه «رصاصات»: «قد يصيب مصر بعض الوهن المؤقت قد تعاني ضعفا في بعض مؤسساتها، قد تضيق شرايين اقتصادها بفعل ظروف طارئة أو ضغوط خارجية، أو ألاعيب تجار لا يرعون ضمائرهم، أو أفعال طابور خامس يسعى كالأفاعي بين المواطنين، تنفيذا لأجندات كارهة لمصر، لكنها سريعا ما تعود عندما تجد الفرصة لتسترد عافيتها، وتستعيد قوتها وتسطر من جديد إنجازا يخرس الكارهين. هذا يقين يسكن كل مصري يحب هذا البلد، ويسري عشقه في عروقه. قد نتعب من ظروف بلدنا، قد نئن من غلاء الأسعار التي لا مبرر لها، قد نعاني من بعض الفاسدين أو قلة فرص العمل، لكي تبقى مصر في عقيدتنا دولة بلا مثيل، بلدا نباهي به بلاد العالم كله، نفخر بالانتماء له، وفي عز الغضب من ظروفنا لو كتب علينا القتال من أجلها ما ترددنا لحظة. مطلوب، كما قال الرئيس السيسي في مؤتمر الشباب، تحرك مكثف من كل الجهات المعنية بالشباب، سواء السفارات أو الوزارات المرتبطة بملف المصريين في الخارج، أو وسائل الإعلام. مطلوب مواجهة سريعة وحاسمة لهذا الاستهداف أو الرصاصة التي يريدون إطلاقها في قلب مصر، من خلال شبابها. مطلوب منا في الإعلام أن نفتح أبواب الأمل أن نزيد جرعة التفاؤل، وأن نقدم للمصريين في الخارج، بل وللعالم كله مصر الحقيقية التي نراها ونحبها».
صناعة الدولة الناجحة
وبعد أن انتهى أيوب من إطلاق الرصاصات فقد فوجئ بأن زميله عبد القادر شهيب يختلف معه في مقاله في العدد نفسه من «المصور» الذي لخص فيه نقاطا لصناعة الدولة الناجحة ومنها: «وجود أحزاب سياسية قوية وقادرة على خوض المنافسات الانتخابية، ولها عناصر وكوادر مؤمنة بمبادئها ومقتنعة ببرامجها وقادرة على العمل السياسي بشكل دائم، وليس موسميا في المناسبات فقط، ويجب أن تطبق هذه الأحزاب الديمقراطية في داخلها أولا، لتغيير قياداتها. حرية صحافة وإعلان تسمح بتنوع وتعدد الآراء ولا تصادر حق أي اتجاه سياسي في التعبير عن نفسه وأفكاره، ما دام هناك التزام بالقانون وبآداب وقيم المهنة، ولا تستخدم هذه الحرية في التحريض على ممارسة العنف أو تحبيذ ذلك، مع حماية الصحافيين والإعلاميين من عقوبات الحبس في جرائم النشر. مشاركة سياسية لجموع الناخبين في المجتمع حتى يكون من يفوزون في الانتخابات يحظون بالفعل بأصوات أغلبية الناخبين، وليست مجرد أغلبية القلة التي شاركت في الانتخابات، وهذا يقتضي بالطبع أن تتم العملية الانتخابية بشكل لا يشوبها العنف والبلطجة، وتتم بشفافية وتخلو من التزوير في شتي صوره، وتختفي فيها محاولات منع الناخبين من الإدلاء بأصواتهم أو التأثير عليهم بأي صورة من الصور، وإذا كنا نحظى الآن بجيش قوي يزداد قوة يوما بعد آخر، ونحظى أيضا بقضاء مستقل، ونسعى لإصلاح أوضاع اقتصادنا وتحويله إلى اقتصاد قوي، ونهتم بتقوية مؤسسات الدولة حتى تصبح فعلا خالية من البيروقراطية».
إلعبوا سياسة
«من مصادفات القدر أن سلسلة المقالات التي كتبتُها عن «تثبيت الدولة» تزامنت مع ما كتبه الأستاذ صلاح منتصر عن العبقري توفيق الحكيم، هذا ما بدأ به محمد أمين مقاله في «المصري اليوم»، مع أن الحكيم في الحلقة التاسعة.. يقول إن حكم الرئيس عبدالناصر ظل محمياً من النقد طوال فترة حياته، فلم يظهر كتاب، أو مقال، أو كاريكاتير داخل مصر ينتقده، وأن المقالات المعدودة التي ظهرت كانت تحت حماية الأستاذ هيكل، وكان هدفها تجميل صورة النظام. وحين انتهت حرب أكتوبر/تشرين الأول المجيدة، كان الفيضان يجتاح كل شيء في طريقه.. سواء فترة حكم ناصر، أو حتى شخص الرئيس، فظهرت الكتب تتحدث عن «سنوات الهوان»، و«نفاقستان» و«الصامتون يتكلمون».. وكتب توفيق الحكيم «عودة الوعي»، رغم أن ناصر أهداه أرفع الأوسمة.. فلم يكن يريد أن يهيل التراب على الزعيم، أو التشكيك في وطنيته، ولكنه كان يؤدي واجبه ككاتب حر، يحب الزعيم أيضاً. فلم يكتب «السلطان الحائر» ولا «بنك القلق» كي ينال من شخص ناصر. ولم يكن يريد مضايقة الحاكم أو الهجوم عليه، أو كما قال، بالعكس، كانت «غيرة» على الزعيم الذي أحبه، وليس للطعن فيه والنيل منه. وكأنني حين قرأت حلقات صلاح منتصر عثرت على تفسير لحالة كثيرين من أنصار الرئيس السيسي نفسه، فنحن نجلس في المدرجات، نصفق جداً للعبة الحلوة، ونصمت في لحظة أخرى. والفكرة هي أن تكون موضوعياً، في نقد النظام، وليس شخص الرئيس. وحين سألني الإعلامي سيد علي عن مقال «حكمدار الفضائيات» قلت إنه واحد من سلسلة مقالات يمكن أن تعتبرها دعوة لفتح الباب لأصوات مختلفة، ولرأي آخر، ويمكن أن تعتبرها رسالة، حتى يعود المشاهد إلى الإعلام الوطني، ولا يهرب إلى الإعلام الآخر. وفكرة الحكمدار ينبغي أن تحل محلها المقولة الأشهر «إدّوا العيش لخبازينه». فما أقصده ببساطة أن نقوم بمراجعات يومية لما يجري على الأرض. وأتصور أن هدف الرئيس من مؤتمرات الشباب أن يلتقى بالقاعدة، وأن يعرف اتجاهات الرأي العام، ويقوم بالمراجعات المطلوبة. وقد كان الرئيس رائعاً في رده على الطبيب لؤي مثلاً.. فطريقة الرئيس فاقت التصورات، وهذا الصوت مطلوب في المؤتمرات.. ومطلوب في الفضائيات، وهذا الصوت «المختلف» مطلوب في «الصحف» أيضاً. فلا تقديس لأحد، ولا تأليه لزعيم. وخير لأي رئيس أن يسمع النقد بأذنيه ويصححه ويراجعه، من أن يكتب التاريخ عنه كلاماً لا يحب أن يسمعه أو يقرأه.. ولو أنك سألت مبارك: ماذا تفعل لو عاد بك الزمن؟ فمن المؤكد أنه سوف يراجع مواقفه من الكتّاب والأحزاب. فلو كان يُقدّر الكلمة الحرة ما قال: «خليهم يتسلوا»، ولو عاد به الزمن سيسرع إليهم بدون أن يأتوا إليه، ولكن فات الأوان، وقال التاريخ كلمته. وشتّان بين ناصر والسيسي، هذا صحيح، لأن الشعب مختلف، والزمن مختلف.. لكن الصوت الآخر يكاد يختفي. والمعارضة ربما اختفت للأسف.. وذات يوم طالبت شريف بك إسماعيل بأن يقيم حواراً وطنياً مع الأحزاب حول قضايا الساعة، وقلت لو لم نجدها لاخترعناها، وتعثر الحوار.. على الأقل: إلعبوا سياسة».
الحاكم الأوحد
الدكتور يوسف زيدان ذكر في مقاله أمس الأربعاء في «المصري اليوم» وكان عنوانه «موانع التقدم وهم الواحدية « في المجال السياسي، انعدم اللاعبون واختفت الأسماء الكبيرة من المشهد عقب حركة الضباط الأحرار، فصار هناك الحاكم الأوحد الذي لا يدانيه أحد في المكانة، ولا يحلم أحد بمزاحمته أو إزاحته.. فهو واحد بل أوحد، حتى يموت «خالد الذكر» أو يقتل غيلة «السادات» أو يُخلع عنوة بعدما تثور عليه الجماهير مدعومة برغبة المجلس العسكري «مبارك».. فتحدث كل مرة هزة عنيفة، لأن الواحد منهم كان منفرداً، وحيداً، متوحداً بالسلطة متأبداً على كرسيه.. وليس هناك أي تفكير في تداول السلطة، وكيف يتم تداولها والحاكم واحد ولا أحد يطاوله أو يقاربه، أو يحل محله وهو حي، إلا بثورة قد تقود إلى فوضى قد تؤدي إلى الدمار التام. ثم يدعم رجال الدين هذه «الواحدية» السياسية، لتتأكد في النفوس وترسخ، بعد عمليات التنشئة الاجتماعية المؤكدة لها والمرسخة.. فيطرحون الحديث العجيب القائل: الحاكم ظل الإله فىيالأرض! ومادام هو ظل الله الواحد، فلا بد أن يكون شخصاً واحداً، لأن الله له ظل واحد. وحين حاول الصوفية الكبار الأوائل، الخروج من هذا المأزق بقولهم إن تجليات الله متعددة ولا تنقطع، تم اضطهادهم وتهميش كلامهم لصالح رؤى عقائدية في أصول الدين، منها: جواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل، وجوب الطاعة للمتغلب بالسيف، السمع والطاعة ولو لعبد حبشي. وهكذا تم تحريك دلالة «الإمامة» لتجمع بين أمور الدين وشؤون الدنيا، وتصير بنوع من المراوغة الخادعة مؤكدة لواحدية الحاكم ومبررة لانفراده بالرأى والرؤية، بل مهددة للمخالف وممهدة لقبول قول الحاكم، وما كان يقال للمولود في يومه السابع: تن، تن، تن، إسمع كلام أمك، إسمع كلام أبوك، «إسمعوا كلامي أنا بس.. إلزم حدود الأدب.. مش عاوز حد يتكلم تاني في الموضوع ده.. لا صوت يعلو فوق صوت المعركة إلخ». هذا على صعيد الواقع السياسي، حيث الحاكم الواحد والكلام الواحد والقرار الواحد.. وعلى صعيد الفكر الديني الذي يطمح الحالمون اليوم إلى تطوير رؤاه ومنطلقاته، تم تحريك دلالات المفردات كي تتطابق أو تختلط مفاهيم: الوحدة، التوحيد، الواحدية، الأحدية.. وقبل كل شيء، لابد هنا من تبيين أن «الأحدية» هي الصفة الإلهية التي لا تشترك بين البشر والإله، ويلحق بها بنص القرآن الكريم صفة «الصمدية» وما عداهما فإن معظم الصفات مشتركة، حتى صفة «الربوبية» التي يجوز إطلاقها على الناس، كما في قولنا: ربة البيت، رب العمل.. وكذلك الحال في الرحمة والقهر والكرم والبطش والعفو، إلخ، فهذه كلها يمكن وصف البشر بها، بل يمكن وصف الإنسان بالصفات السبع الذاتية لله، عند الأشاعرة: الحياة، العلم، السمع، البصر، الكلام، الإرادة، القدرة».
النتائج والمقدمات
أما أحمد عبد المعطي حجازي فقد كتب في الصفحة العاشرة من «الأهرام» مقالا بعنوان «الخطأ ليس عيبا العيب تكراره» قال فيه: «إنني أنظر في المقالات والمجادلات والتعليقات التي نشرتها الصحف أخيرا، في الذكرى الخامسة والستين لحركة يوليو/تموز التي لم نتفق بعد على تسمية صحيحة لها تشخصها وتحدد طبيعتها، فلا أرى في معظم ما قرأت اختلافا جوهريا عما كنا عليه في العصور الماضية، عراك بين فرق مختلفة كأنها فرق دينية لا تستند في ما تقول لوقائع ثابتة أو معلومات موثقة، وإنما شعارات تتناطح وعصبيات تتطاحن وتجاهل للسؤال الجوهري وتهرب من مواجهته، مع إننا نعرف نصف الإجابة على الأقل نعرف ما حدث ونريد أن نعرف كيف حدث، لنتعلم من الخطأ الذي وقعنا فيه، ونتجنب الوقوع فيه من جديد. نعرف أن ضباطا خرجوا على السلطة القائمة وحلوا محلها، ونعرف ما حدث بينهم وبين الأحزاب السياسية والفئات والطبقات الاجتماعية والتيارات الفكرية، التي كانت موجود وبينهم وبين أنفسهم. نعرف موقفهم من الدستور والديمقراطية والحريات العامة. ونعرف ما الذي تحقق من الاشتراكية والوحدة العربية وتحرير فلسطين. نعرف النتائج النهائية لما قام به هؤلاء الضباط وما صنعوه لمصر وللمصريين، حكم فرد والفراغ السياسي والهزائم العسكرية والاقتصاد المتدهور والردة الاجتماعية والتراجع الثقافي، وفي هذا المناخ تنشط جماعات الإسلام السياسي وتحل بشعاراتها وتنظيماتها الإرهابية ومؤسساتها محل الجميع، هذا ما نعرفه جيدا لأنه وقائع ثابتة وحوادث معروفة مشهورة. والسؤال المطروح الذي نريد أن نعرف جوابه: كيف حدث ما حدث؟ وفي اعتقادى أن الجواب ليس سرا وليس لغزا ولا يكلفنا إلا أن ننظر في المقدمات لنعرف النتائج، والخطأ الذي وقعت فيه أنا وغيرى من المثقفين الذين وقفوا إلى جانب يوليو/تموز ولم يستعيدوا وعيهم إلا بعد الهزيمة الكبرى، أنهم انتظروا حتى جاءت النتائج وعندئذ انتبهوا للمقدمات».
غزو الكويت
وبمناسبة ذكرى الغزو العراقي للكويت في الثاني من أغسطس/آب سنة 1990 كتب سعيد الشحات في «اليوم السابع» في بابه « ذات يوم» قائلا: «كانت الساعة الخامسة فجر يوم الخميس 2 أغسطس عام 1990 حين دق جرس التليفون بجوار سرير العاهل السعودي الملك فهد بن عبد العزيز، وحسبما يؤكد محمد حسنين هيكل في كتابه «حرب الخليج أوهام القوة والنصر»، «لم يكن هذا التليفون يدق في العادة ومعنى سماع صوته كان كفيلا بأن يوحي على الفور بحدوث أمر جلل. ثم عرف الملك فهد أن القوات العراقية دخلت الكويت». كانت المفاجأة للملك غير قابلة للتصديق فهو قبل ساعات قليلة ودع الشيخ سعد عبد الله الصباح ولي العهد ورئيس وزراء الكويت وعزة إبراهيم نائب الرئيس العراقي صدام حسين، على تصور أن الأمر على ما يرام. ويضيف هيكل: «استدعى الملك أحد مساعديه وطلب إليه أن يصله تليفونيا بالسفير عبد العزيز السديري سفير السعودية في الكويت «وهو في الوقت نفسه قريب للملك من ناحية والدته» وبينما الملك ينتظر أن تصله المكالمة التي طلبها راح يبدي عجبه مما يسمعه ويسأل: هل احتلوا البلد؟ أم احتلوا الجزر؟ وجاءت المكالمة ولم يكن السفير السديري على بينة من أي تفاصيل سوى أنه عرف الآن أن القوات العراقية قريبة من مدينة الكويت».
أكشاك الفتوى
ومن «اليوم السابع» إلى «الوطن» ومقال حسين القاضي عن أكشاك الفتوى ومقاومة التطرف بمنهج المتطرفين يقول: «كل فكرة من شأنها مواجهة التطرف لها تقديرها، والنقد يتوجه للتطبيق والأسلوب، ولا شك في أن فكرة لجنة الفتوى بالمترو يتولاها أزهري خلوق هو الدكتور محيي الدين عفيفي، الذي تعامل بأدب واحترام مع المختلفين مع الفكرة، لكن الفكرة نفسها جانبها الصواب، وأساءت للفتوى، ولا تختلف عن مجمل الطريقة التي يفكر فيها السلفيون و»داعش». فبعيداً عن الصياح الذي من نوعية: (المغرضون الذين يكرهون الأزهر)، سنجد أن الفكرة (على فرض الاتفاق على صحتها) تجعل الأزهر ظاهراً في أعين الناس، لكنه لم يدخل عقولهم بمنهجه المنضبط، وهي فكرة التيارات المتشددة نفسها، التي تريد أن يكون الإسلام ظاهراً في ملابس الناس لحية ونقاباً، حتى لو كان غائباً في وجدانهم، إنها نفسية القيادات الأزهرية المضطربة، حين عجزت عن توصيل المنهج، عملت على توصيل المظهر، فاخترعت الخطبة الموحدة، ثم الخطبة المكتوبة، ثم وعاظ المقاهي، ثم كشك الفتوى، وكان يكفي كل ذلك قرار بإخراج قناة الأزهر، وفتح برنامج للإجابة عن الأسئلة من كبار العلماء. ومع تقديري لحسن نية شباب الكشك، لكن تصدرهم للفتوى لا يختلف عما تفعله التنظيمات المتطرفة، من أن الواحد فيهم قرأ بعض الكتب فصار يتصدر للفتوى، صحيح أنهم يفتون الناس بالتيسير، ويلتزمون الوسطية، لكن المنهج واحد، وهو تصدر غير المتخصص.
قد يكون الشخص القائم على الفتوى خطيباً بارعاً، أو متحدثاً لبقاً، أو ولياً صالحاً، لكن الفتوى تحتاج إلى التأهل الذي يتم بالممارسة والتطبيق قبل التصدر، وفترة الممارسة لا تقل- في تقديري- عن سبع سنوات، وهو شرط فيمن يتصدر للإفتاء، لكنه ليس شرطاً للواعظ والخطيب. أما قولهم إن الفكرة تقضي على التطرف والتشدد، فهذا تدليس على الناس، لسبب بسيط جداً وهو أن الأسئلة المعروضة عليهم هي بشهادتهم في قضايا الصلاة والحج والصدقة والزواج والطلاق والميراث والكفارات، وكلها قضايا – في الغالب- لا يختلف فيها موقف التيارات المتشددة عن موقف الأزهر، بل إن كلام القرضاوي في هذه القضايا يتميز عن غيره بزيادة في التيسير. إذن التطرف لا يُواجه من خلال التيسير في الفتوى، بل يواجه من خلال المنهج العلمي الذي يعتني بتكوين العقل المبدع المنظم.. قد يعترض قارئ فيقول: إن السائل تنطبع في وجدانه ثقة في الشيخ المفتي من شأنها أن تسري فتؤثر في اختياراته الفكرية في غير الموضوعات محل السؤال، وبالتالي فمن وثق في الشيخ في ما يخص العبادات سيثق فيه فيما يخص موقفه الفكري من التيارات المتطرفة؟ وأكرر أن فتواهم في كشك الفتوى في العبادات والمعاملات هي بعينها ما يُفتى بها القرضاوي، بل القرضاوى أكثر منهم وسطية واعتدالاً في ما يخص مسائل العبادات والمعاملات».
تصدير الحمير
وإلى مشكلة الحمير حيث طالبت وزارة الزراعة لجنة الزراعة في مجلس النواب الموافقة على طلب الإدارية البيطرية، طلب الصين وغيرها تصدير الحمير المصرية إليها، وهو ما قال عنه أمس الأربعاء حمدي رزق في عموده «فصل الخطاب» في «المصري اليوم»: « أخيراً تلقت الإدارة المركزية للصحة العامة والمجازر في الهيئة العامة للخدمات البيطرية رأي دار الإفتاء المصرية في ما يتعلق بتصدير الحمير حية، الفتوى المباركة أجازت التصدير، وهو ما يعني فتح الباب أمام تصدير الحمير الحية إلى الصين، وفقًا للقواعد التي تعدها وزارة الزراعة. الحمد لله لم تتأخر دار الإفتاء عن إجابة وزارة الزراعة إلى طلبها، الصفقة كانت مجمدة ومعلقة على موافقة دار الإفتاء! معلوم أن تناول البشر للحوم الحمير محرم شرعاً، هل هي صفقة تصديرية أم مائدة لحوم حمير مشوية؟ أفهم أن تتشدد الهيئة العامة للخدمات البيطرية في الإجراءات والاشتراطات الصحية، في ما يخص الصفقات التصديرية، ولكن اللجوء إلى دار الإفتاء هنا يصعب هضمه تماماً، إلى متى رهن الصفقات التصديرية والعمليات التجارية للاشتراطات الفقهية، إدخال دار الإفتاء في تفاصيل التفاصيل، هذا كثير. لو التفتت وزارة الزراعة مثلاً لاعتراضات جمعيات الرفق بالحيوان لكان معتبراً، أو استفتت جمعية الحمير الأهلية، (تأسست في سنة 1930، عن طريق الفنان الراحل زكي طليمات بهدف رعاية حقوق الحمار)، لكان أجدى، الرفق بالحيوان مما يؤخذ في الحسبان، ولكن هل طلب الفتوى من دار الإفتاء من قبيل الرفق بالحيوان؟ وهل تصدير الحمير فيه شبهة مخالفة للشرع مثلاً؟ جمعيات الرفق بالحيوان ترفض الصفقة هلا التفتت الوزارة لهذه الأصوات؟ عندنا فائض من الحمير، وعلى رأي سيد حسن، وكيل لجنة الزراعة في البرلمان، عندنا حمير كتير، نحو المليونين ونصف المليون حمار، وسعر الحمار محليا يجاوز خمسة آلاف جنيه، إذن هناك فائض للتصدير، وهناك طلب صيني ملح على الحمير المصرية، لماذا لا يتم التصدير فورا؟ لماذا تحكيم دار الإفتاء في تصدير الحمير، هل فتوى دار الإفتاء المصرية تسري في الصين، هل حرمة تناول لحم الحمير تتبعها المراجع الفقهية في الصين، وماذا لو حرمت دار الإفتاء تصدير الحمير، هل نحظر تصديرها إلى الصين ونغلق الباب على الحمير؟ كنت أنتظر من دار الإفتاء أن تخلي ساحتها من هذه الفتاوى التي يتلكأ بها البيروقراطيون لتوقيف صفقات التصدير، هؤلاء لا يطلبون إجازة فقهية حقاً، بل يرومون تعطيلاً للمراكب السايرة، ليس هكذا تصدر الحمير، هل تتضمن شهادات التصدير موافقة دار الإفتاء، هل اشترطتها الصين؟ خلاص عرفنا، نحن نصدر الجلود، لا نصدر اللحوم، وإذا كانت الصفقة حميرا حية، فما هي الحاجة لإجازة دار الإفتاء، بصراحة هذا عبث لا يحتمله قطاع التصدير، البيروقراطية تتفنن في التعويق، تخيل رهن صفقة تصديرية على موافقة دار الإفتاء، وفي كل تصريح من وزارة الزراعة هناك إصرار على إيراد عبارة «بموافقة دار الإفتاء» مخافة مخالفة الشرع، ربنا يقوى إيمانك يا مولانا».
حسنين كروم
تتدخل دار الأفتاء في أمور تافهة …. ترى مارأي دار الأفتاء بسجن رئيس الجمهورية المنتخب محمد مرسي؟