القيم الأمريكية

حجم الخط
1

القيم الامريكية كما حددها الرئيس باراك أوباما ورددها من قبله كل الرؤساء الأمريكيين.. تقوم على ثلاث ركائز.. الحرية.. والعدالة.. والكرامة للجميع.
والمقصود او هكذا يفترض جميع شعوب العالم، وليس فقط للجميع الامريكي.. بمعنى ان الولايات المتحدة وانطلاقا من هذه المبادئ الثلاثة، ان تتعامل مع كل شعوب العالم وأنظمتها بمكيال واحد.
غير ان الكوميدي الامريكي جون ستيوارت يرى غير ذلك.. ويؤكد في احد برامجه، ان الادارة الامريكية لا تتعامل في علاقاتها الدولية بمكيال او بمكيالين فحسب، بل ربما بثلاثة او أربعة مكاييل. ويقدم لنا هذه المكاييل بأسلوب ساخر يضرب على العصب الحساس.
ويبدأ ستيوارت حلقة برنامجه الكوميدي وهي ليست بالحديثة، بمشاهد من مظاهرات للمعارضة في البحرين، التي جاءت مع انطلاقة ما يسمى بـ»الربيع العربي». وتقول المذيعة ان ستة بحرينيين قتلوا خلال مظاهرات تطالب بالديمقراطية والحرية في شوارع البحرين.
وينتقل المشهد الى المتحدث باسم البيت الابيض لنرى ردة فعل الادارة على مقتل البحرانيين الستة.. فكان كل ما فاضت به قريحته هو مناشدة الجميع في البحرين ضبط النفس.
ويقول ستيوارت معلقا «هذا يعني شيئا واحدا، هو ان الادارة الامريكية تطلب من الحكومة البحرينية والسعوديين (الذين دفعوا بدباباتهم الى البحرين لنجدة النظام) أن يتوقفوا عن إطلاق النار على المتظاهرين.. وتطلب من المتظاهرين ان يبتعدوا عن طريق النيران».
ويضيف ستيوارت معلقا «ولكننا نزود المتظاهرين، ضد نظام معمر القذافي، في ليبيا بمئات من صواريخ توماهوك، فلماذا نطالب المتظاهرين في البحرين بالهدوء وضبط النفس؟».
ويستعين ستيوارت بزميله الكوميدي الانكليزي جون أوليفر ليلقي مزيدا من الضوء والشرح:
أوليفر: لسنوات طويلة والولايات المتحدة تقدم المساعدة لمحبي الحرية، مفصلة تفصيلا لكل شعب.. ولنسمها عبوات الحرية. ولنقل ان شعبا يعاني من القهر والاضطهاد ولكن بلده ليس ذا أهمية استراتيجية وليس لديه موارد طبيعية ناهيك عن مياه الشرب.
– ستيوارت مقاطعا: يبدو ان هذا ينطبق على السودان، حيث الصراعات الإثنية والحروب الدينية أودت بحياة الملايين.
– أوليفر: هنا تقدم الولايات المتحدة باقة مزدوجة.. لن يحصل فيها هذا الشعب، من الولايات المتحدة على أي دعم معنوي او مساعدات مالية او عملية او ما شابه ذلك.. ولكن ستظهر واشنطن اهتماما دوريا بها، وسيحصل هذا الشعب على فرص محدودة للقاء شخصيات فنية أمريكية اذا سمحت برامجهم بذلك، من أمثال من هم بوزن، شون بين وانجلينا جولي والممثل جورج كلوني الشهير (المتزوج من محامية حقوق الانسان اللبنانية أمل علم الدين) وهم مهتمون بالوضع في دارفور والسودان بشكل عام.
ستيوارت: ولكن ليست هذه هي الباقة التي حصلت عليها مصر.
أوليفر؛ لان مصر تقع في دائرة من تسميه واشنطن البلد ذا القيمة الاستراتيجية.
ستيورات: وهل يحصلون على تدخل من قواتنا؟
أوليفر: لا..لا..لا ولكنهم يحصلون على ما نسميه باقة الحرية الفضية. في هذه الباقة تعترف أمريكا بمعاناة المتظاهرين التي تعكس الارادة المشروعة للناس.. وهنا تلقي واشنطن مجموعة من التصريحات الغامضة على لسان مسؤولين رفيعي المستوى.
ويعرض ستيورات تصريحات لهيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية السابقة، تقول فيها: نحن لا ندعو الى نتيجة محددة في مصر.. نحن ندعو لان تبدأ الحكومة وممثلو المجتمع المدني والمعارضة السياسية والناشطون حوارا لرسم مسار..
ستيورات: هذا مذهل.. هذا كلام يصعب عليّ ان احدد الطرف الذي تؤيد.. ولكن لماذا لم يحصل المصريون (المتظاهرون) على صواريخ توماهوك، كما كان الحال بالنسبة للمتظاهرين الليبيين؟
أوليفر: لان الطاغية الذي كان يحكمهم، حسني مبارك، كان صديقا لنا.
ستيوارت: ماذا لو كان الطاغية عدوا لأمريكا وبلده تطفو فوق بحر من النفط؟
أوليفر: في هذه الحالة.. هذا البلد مؤهل لان يحصل على الباقة البلاتينية..
ستيورات: وهل هذه هي الباقة التي حصل عليها العراق..؟
أوليفر: نعم مرتين
ستيوارت: وماذا في هذه الباقة؟
أوليفر: البطاقة البلاتينية تشمل غزوا بريا والإطاحة بالحكومة الاستبدادية وإعادة بناء المدارس والطرق والمستشفيات التي دمرناها خلال الغزو.
ستيوارت: هل بإمكان المحتجين الإيرانيين الحصول على هذه الباقة من المساعدات..؟
أوليفر: كلا.. لان لدى ايران جيشا كبيرا وقويا، مما قد يؤدي الى حرب طويلة المدى
ستيوارت: لكن الناس هناك تواقون للحرية!
أوليفر: لكن ليس لديهم الحق في ان يقرروا.. وهذا افضل ما في الامر.. القرار ليس قرارهم، فنحن من يقرر باقة الحرية التي سيحصل عليها اي طرف.. ومتى يحصل عليها.
وأضيف من عندي ان واشنطن عجزت حتى الان عن تحديد تسمية «باقة حرية» خاصة بسوريا. فقد تركت واشنطن كل الأبواب مفتوحة، فلا هي عملت على إسقاط النظام، لان إسقاطه لا يصب في مصلحة اسرائيل التي لم تشهد حدودها معه اي إخلال بالأمن لأكثر من 40 عاما، ولا هي قادرة الا تقف الى جانب حلفائها في المنطقة الذين يريدون ضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد.. الاول إسقاط النظام والثاني التخلص من العناصر المتطرفة في وسطها، والثالث إفشال الثورة السورية حتى لا تكون نموذجا يحتذى في بلدانها. وحتى الان نجحت هذه الدول في تحقيق هدفين، اما الثالث فانه كما يبدو يتعارض مع المصالح الامريكية والإسرائيلية.
واكتفت واشنطن بالدعم اللفظي لقوى الثورة الحقيقية، بينما أغدق حلفاؤها في المنطقة على التنظيمات الدخيلة على سوريا وشعب سوري الأبي، المال والسلاح والعناصر المتطرفة والمتشددة، التي كانت نواة لتنظيمات مثل «داعش» و»النصرة» وغيرهما من التنظيمات التي يزيد تعدادها عن 150 تنظيما مفصليا مسلحا. والنتيجة ان بقي النظام ودمرت سوريا التاريخ والحضارة وتفتت نسيجهاالاجتماعي والإثني والطائفي، وتعززت قوة تلك التنظيمات الدموية بفضل عمليات القصف الجوي الامريكي وغيره من قوى التحالف الدولي، التي لا يزال يفتك بالآمنين من الشعب السوري. والاهم من ذلك هو الهبوط غير المعهود في أسعار النفط الذي تسيطر «داعش» على نصيب كبير منه، وانعكست آثاره إيجابا على المواطن الغربي. واخيرا أتساءل أليس قيام «دولة إسلامية» تعطي مصداقية لعقيدة تصادم الحضارات.. الحضارة الغربية و»الحضارة الاسلامية!» فيبقى كل ما تفعله الدول الغربية في منطقتنا مبررا!
وأعود الى ستيوارت الذي اختتم بدعوة المطالبين بالحرية في الشرق الأوسط.. بالخروج الى الشوارع وتعريض أنفسهم للخطر، لان الولايات المتحدة قد تقف معهم. واستطرد «ان باقات الحرية الامريكية قد تودي بأمريكا الى بعض العواقب غير المتوقعة مثل، التهاب محلي او توتر عرقي.. وتصاعد قوة او قوتين من أعداء أمريكا التقليديين.. والحلفاء الحاليون قد يصبحون اعداء المستقبل ويستخدمون الصــــواريخ التي زودناهم بها ضـــدنا.. وربما هناك عاطل عن العمل وغير مــتزوج ومزود بالديناميت في ملابسه الداخلية قد يريد افراغ احباطاته بمزودي باقات الحرية.. واذا شعرت بأعراض التمرد لأربعة اشهر، اطلب المساعدة الدبلوماسية من أمريكا على الفور.. وهذا العرض غير ساري المفعول في الضفة الغربية وقطاع غزة».
طبعا السبب لعدم سريان هذا الغرض في الضفة وغزة، هو ان الطرف الاخر هو اسرائيل فما يحق لها لا يحق لغيرها والكلام هذا بالطبع لي وليس لستيوارت. وهذا ينقلنا الى قيم أمريكية اخرى وهي القيم التي حاول جوش ايرنست، السكرتير الصحافي للبيت الابيض الامريكي، الدفاع عنها في لقائه اليومي مع ممثلي وسائل الاعلام، ردا على محاولة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، تلقين الادارة الامريكية درسا في القيم الامريكية، في رده على انتقاد الادارة الخجول الذي لم يصل الى حد الإدانة ولو اللفظية، لقرار اسرائيل بناء مزيد من الوحدات الاستيطانية في القدس الشرقية المحتلة بـ»اللا أمريكي».
فرد، نتنياهو لم يقف عند حد الرفض للانتقاد الامريكي، بل تخطاه ليصل الى حد الوقاحة الدبلوماسية، خاصة انه جاء بعد لقائه مع أوباما في البيت الابيض. وما قاله نتنياهو ان الانتقاد يتنافى مع القيم الامريكية..
لقد وقف ايرنست كطفل صغير يقف امام أستاذه يحاول تبرير خطأ ارتكبه، بالقول «اننا ننتقد البناء الاستيطاني لان من شأنه ان يبعث رسائل مثيرة للمشاكل ازاء النوايا الاسرائيلية». واستطرد «ان هذا الكلام يبدو غريبا».. فالقيم الامريكية هي التي أعطت اسرائيل القبة الحديدية (المنظومة الصاروخية المضادة للصواريخ). وأكمل انه لغريب بالنسبة لي ان يدافع نتنياهو عن موقف إسرائيل بوصف الموقف الامريكي باللامريكي.
لكن ما لم يتطرق اليه ايرنست ولا نتنياهو هو ماهية هذه القيم الأمريكية التي يتحدثان عنها، وهي بالتأكيد ليست القيم الثلاث التي حددها أوباما ولربما كان نتنياهو يشير بلؤم، وهنا اقتبس ما قاله الكاتب الفلسطيني نقولا ناصر في مقال لـ«مديل ايست اون لاين»، إلى أن الولايات المتحدة بنيت على أساس مشروع استعمار استيطاني طهر الأرض عرقيا وثقافيا من سكانها الأصليين، واستولى على أرضهم بالقوة الغاشمة، وهو المشروع الذي سعت الحركة الصهيونية إلى استنساخه في فلسطين، بدعم من بريطانيا ثم الولايات المتحدة وحمايتهما.
– كم هي مستباحة تلك «القيم الامريكية»من البيت الأبيض و»شلة التجار المرتزقة» في الكابيتول هيل.
– وكم هي الكرامة الأمريكية مهانة ومداسة ليل نهار بحوافر نتنياهو.
وأنهي بالتساؤل.. الى متى سيبقى حالنا على هذه الحال؟

٭كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

علي الصالح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    لا أحد يعرف السياسة الأمريكيه حتى الأمريكان أنفسهم
    انها سياسة معلبة عند اللوبي الصهيوني بأمريكا
    وظيفة الكونجريس الأمريكي الموافقة فقط

    لقد بدأ زمن الأفول للامبراطورية الامبريالية المتوحشه

    ولا حول ولا قوة الا بالله

إشترك في قائمتنا البريدية