الإحصائيات المتداولة تقول إن الجزائر هي أكبر بلد فرانكفوني إنتاجا، وثقافة، وممارسة لغوية، بعد فرنسا صاحبة السبق واللغة، تتقدم الجزائر بلجيكا وسويسرا وكندا وبقية البلدان الفرانكفونية العربية والإفريقية. وهذا يضعها، ثقافيا، في الواجهة، وهو ما يحدث في أغلب التظاهرات التي تجري وقائعها في فرنسا أو خارجها.
يضاف إلى ذلك كله المنتج الثقافي الجزائري الذي ينتج باللغة الفرنسية، الآلة الاقتصادية قاطبة تسير بهذه اللغة، إضافة إلى العشرات من الجرائد المجلات اليومية والأسبوعية والشهرية، بدون أن ننسى القناتين الإذاعية والتليفزيونية، الفرانكفونية. يكاد الإنتاج الأدبي أيضا، ما يكتب باللغة العربية، بتوفر مقروئية جيدة وذكية وآلة نشر متطور استفادت بقوة من المركز. إلا أن الجوائز الثلاث الكبرى، الغونكور، رونودو، وفيمينا التي تهتم بالمرأة كتابة وموضوعا، حتى ولو فازت بها قبل سنوات الكاتبة الفرنسية، ذات الاصول الجزائرية: نينا بوراوي. لنتخيل قليلا بلدا مثل الجزائر، الذي لم يكن رائدا فقط في الأدب الفرانكفوني، بل مؤسسات لتيار لم يكن موجودا من قبل من خلال نخبة كبيرة من الروائيين، ديب، فرعون، كاتب، معمري، جبار، حداد، وغيرهم قبل أن ينضم لهم كتاب من بلدان المغرب والمشرق العربيين، الذين يشكلون مرجعا أدبيا وتاريخيا مهما. تحصلوا على أغلبية الجوائز الفرانكفونية من جائزة الدولة الكبرى التي تحصل عليها كاتب ياسين، إلى جائزة الفرانكفونية التي أعطيت لمحمد ديب على مجمل أعماله إلا الجوائز الثلاث الكبرى فقد ظلت متمنّعة عن الجزائريين، في الوقت الذي فاز بالغونكورعربيان هما أمين معلوف والطاهر بن جلون، ويرتسم الفائز الثالث في الأفق هادي قدور. مع أن نصوصا مثل نجمة لكاتب ياسين التي غيرت في مسارات الكتابة باللغة الفرنسية، ومن يطالع جرائد الخمسينيات يدرك أن ما فعله كاتب ياسين يوازي ما قام به مارسيل بروست الذي قطع نهائيا مع نظام السرديات الكلاسيكية. كان يمكن أن يفوز كاتب ياسين بإحدى هذه الجوائز عن جدارة واستحقاق. لكن وضع الحرب والثورة الوطنية وارتباط النص الجزائري بقضيته أولا وأخيرا، منع من فوز أي جزائري بجائزة الكونكور أو رونودو أو فيمينا. رواية رشيد بوجدرة «التفكك» أحدثت في وقتها أيضا ضجة إعلامية وأدبية كبيرة بدون أن تتمكن من تخطي هذه العتبة. لاحقا، وصل العديد من الكتاب الجزائريين الفرانكفونيين القوائم الطويلة للغنونكور ورونودو وفيمينا بدون التمكن من تخطي عتباتها، ياسمينة خضراء، كمال داود، بوعلام صنصال وغيرهم. المرة الوحيدة التي وصل فيها نص جزائري فرانكفوني إلى القائمة القصيرة كان نص كمال داوود ميرسو، «تحقيق مضاد» الذي حقق مقروئية كبيرة، لدرجة أنه صار مؤكدا من أنه سيفوز بها بالمقارنة مع النصوص الأربعة المتنافسة، وتصريحات النقاد. لكن اللجنة في النهاية، وهي سيدة طبعا، منحت الفوز للكاتبة ليدي سالفايير على روايتها «لا للبكاء». يبدو أن الأسباب الصحية تغلبت على الأدبية في منح الجائزة. وحسب تصريحات الكاتب المغربي، فؤاد العروي، وبعض أعضاء لجنة الغونكور يكون بن جلون هو من وقف ضد كمال داوود. وهو رأيه طبعا وحقه بوصفه عضوا داخل اللجنة، على الرغم من النقد اللاذع الذي وجهه له من الكثير من المثقفين مما اضطره على الرد عليه في 8 نوفمبر / تشرين الثاني 2014. وكأن الغونكور، كمؤسسة شعرت بخطئها الجسيم، منحت غونكور أول عمل روائي 2015 لكمال داوود. المحصلة النهائية هي عدم فوز أي جزائري بالغونكور، مثل قصة العرب مع نوبل، مرة واحدة، تم بعدها إغلاق الأبواب كلها. وكأن التاريخ يكرر نفسه هذه السنة، بوعلام صنصال أيضا كان في القائمة الطويلة بنصه الإشكالي «2084/ نهاية العالم»، الذي رشحته الكثير من الدوائر الفرنسية والفرانكفونية بوصوله إلى القائمة القصيرة على الأقل، وربما الفوز بالغونكور لأول مرة بالنسبة لجزائري، إذ إن روايته حققت هذه السنة مقروئية جيدة بسبب موضوعها الذي أثار جدلا كبيرا بسقوطه في فخ المعادلات المبهمة التي لها منطقها الخاص وحساباتها الخاصة أيضا. وقدم عليه نص الكاتب التونسي هادي قدور عن روايته المتسلطون les Prépondérants. للتذكير قائمة الغونكور القصيرة لهذه السنة أعلنت من متحف الباردو بتونس. وقد سارت جائزة الغونكور على نفس خطوات نوبل السلام التي سلمت هذه السنة لرباعية المجتمع المدني. لكن هذا كله لا يمنع من المساءلة: لماذا لم يصل النص الروائي الجزائري المكتوب بالفرنسية إلى رتبة الغونكور أو رونودو او فيمينا؟ كيف ينظر كتاب اللغة الفرنسية إلى ذلك؟ هل هو غبن وإجحاف أم مسألة عادية؟ عند الكتاب الذين أعرفهم، وهم كثر، لا يخلو الأمر من مرارة لا يمكن تفاديها، لأن للجائزة قيمة ثقافية عالية يمكنها أن تجعل النص مرئيا بشكل أكبر وترمي بالكاتب في خضم الأضواء الإعلامية. القيمة ليست مادية لأنها تقاس باليورو الرمزي فقط، لكن ترتبط بالمقروئية التي تصبح فجأة كبيرة. كل نص يفوز بالغونكور يجلب نحوه ما لا يقل عن 500 ألف قاريء، مما يمنح فرصة حقيقية للنص الفرانكفوني الفائز مكانته وحقه الذي يستحقه. هل هي لعنة الميراث النضالي والسياسي والحربي أيضا المستمرة أبدا، والتي لم يتخطاها لا الجزائريون ولا الفرنسيون، ما تزال مستمرة في الوجدان الأعمق، التي حرمت ديب وياسين وصنصال وياسمينة وكمال وبوجدرة وغيرهم من هذه الجائزة؟ قد لا يخلو الأمر من هذه الفرضيات، لكن حكما مثل هذا يحتاج حتما إلى دراسة بنية الغونكور الثقافية وخصوصية تشكيلتها البشرية.
هل لجنة الغونكور معادية للأدب الجزائري من خلال بعض أعضائها؟ ما صفة هذا العداء إذا وجد؟ وهذا أيضا يحتاج إلى البحث عن الحقيقة، كما قال طاهر بن جلون، والخروج من دائرة الافتراضات. هل المسألة ذوقية فقط وخاضعة في النهاية للتحكيم الفردي ومتطلبات السوق؟ الذي أعرفه هو أنه لم يغفر لمحمد ديب وياسين ومعمري وغيرهم خياراتهم الوطنية إبان الثورة، على الرغم من تعاطف النخب الأدبية معهما بمن في ذلك جون بول سارتر.
حتى آسيا جبار، التي استرضيت بمنصب الخالدين في الأكاديمية الفرنسية، لم تفز لا بفيمينا ولا بالغونكور ولا برونودو. أو ياسمينة خضرا الذي استرضي أيضا بجائزة المكتبيين والتليفزيون على روايته «فضل الليل على النهار» في 2008، أو صنصال الذي استرضي بجائزة الأكاديمية الفرنسية مؤخرا. ولن تغفر بعض الدوائر الثقافية المتطرفة لبوجدرة خياره الكتابة باللغة العربية في لحظة من اللحظات للكتابة بها. كيف نفسر إذن إقصاء كاتبين من الاقتراب من الجائزة أو الفوز بها كما في حالتي صنصال وكمال داود؟ سؤال أخير يطرح لا يقلل مطلقا من قيمة الجوائز.
فهل الأوضاع الدولية الراهنة والحسابات السياسية متحكمة في الجوائز؟ هذه الأسئلة لا ولن تقلل مطلقا من قيمة الفائزين، ولا من إبداعهم الذي استحق الفوز والتنويه. لكن السؤال يطرح لأن القضية اللغوية إشكالية في جوهرها. أليس هذا في النهاية شكل من أشكال المعاناة في الكتابة واللغة؟ في النهاية، سيظل الكتاب يكتبون والنقاد يحتجون، سلبا أو إيجابا.
وسيظل الكتاب الجزائريون باللغة الفرنسية يحلمون بالحصول على الغونكور اللعنة والمستعصية، والجوائز ستظل أيضا تسلك صدفها ومنطقها وربما حساباتها الخاصة التي لا أحد يفهمها أو يدرك منطقها.
واسيني الأعرج
فرنسا لم تعترف بلامىر خالدالذي وصل الي مرتبةجنرال في جىيشهاالاستعمارى واتهمته بلاظطراب العقلي ونفته الى سوريا لانه تجرا وطالبها بتجنيس الجزائريين وكذلك الجنرال بن داود صاحب مقولة العربي عربي ولو كان الجنرال بن داود وايضا البشاغة بوعلام وما قدمه لفرنسا وفي النهاية اعترف بسوء الاختيار ان حصول الادباء والسياسيين واصحاب الفكر على الجنسية الفرنسية لايعني تماما انهم من حظوة المجتمع الفرنسي بل الطريق امامهم طويل وطويل جدا بدءا با لتنكر لبلده الاصلي ارضاءا للوبيات التي تتحكم في المشهد الثقافي واخرتها بجدولة نفسه وتقويمها وبرمجتها على تمجيد الاستعمار والتباكي على رحيله ورحيل المستوطنينود وسب الفلسطينيين لانهم يطالبون بدولتهم ونعتهم بالبرابرة الهمج اما الطامة الكبرى فهي المسخ الارادي للشخصية وهي مفتاح الحصول على هذه الجوائزكا التعاطي ايجابيا مع زواج المثليين مثلا
ألأمير خالد كان نقيبا في الجيش فرنسي و بن داود كان عقيدا. في 1920 نفي اأمير خالد إلى مصر
you are right sir :)
بن داود كان عقيدا وهو اول عقيد من اصل جزائري واهانته موظفة فرنسية فانتحر فقيل عنه ((العربي عربي ولو كان الكولونيل بن داود
اما الامير خالد فقد كان ضابطا ولم يمكث بالجيش الفرنسي كثيرا فهو قد التحق بالمدرسة العسكرية سانسير بضغد من ابيه
أستاذنا الكبير واسيني الأعرج المحترم
لم تتح لي الفرصة بعد قراءة معظم أعمالك أن أتقدم لك بالشكر على هذا العمل الإبداعي وخاصة رواية البيت الأندلسي، وحارسة الظلال دون كيشوت في الجزائر / بالفرنسية / وأرى شخصيا بأنك تستحق بجدارة جائزة أدبية عالمية. ومن اطلاعي على الأدب الجزائري الناطق باللغة الفرنسية أجد أن آسيا جبار وياسمية خضرا ( محمد مولسهول ) أكثر من أبدع بهذه اللغة غزارة في الانتاج وتنوع في المواضيع. ولاشك ان كمال داوود في رده على ألبيرت كامو ليرد الاعتبار للجزائري القتيل كانت ايضا تستحق الجائزة التي نالتها وان كانت عمله اليتيم. الأدب الجزائري اليوم غير المعروف كثيرا في الشرق يستحق كل تقدير
مع تقديري
يا استاد واسينى..انت تعلم السبب الحقيقى…طاهر بن جلون وهو لا يخفى دلك..
الحمد لله في الجزائر نكتب ونقرأ باللغتين العربية والفرنسية .الجزائرانجبت خيرت الكتاب منهم كاتب ياسين صاحب رائعة نجمة و محمد ديب و مالك حداد عاشق اللغة العربية المد لله عندنا كتاب من الطراز الرفيع
احسنت التحليل ياابن البلد الاصيل
جائزتهم لا نريدها لانها لا تنصف الاحق