منذ أيام أثار بعض الأصدقاء الكتاب، على موقع فيسبوك، قضية تزوير الكتب، سواء بتصويرها ووضعها على مواقع إلكترونية ليقوم القارئ بتنزيلها بسهولة وقراءتها بلا تكلفة، أو بطباعتها ورقيا وبمواصفات غاية في السوء، تسيء أولا للكتاب، وفي الوقت نفسه تمنح القارئ الذي يقصدها، نسخة قد لا يستطيع أن يحبها، وبالتالي لن يكمل القراءة.
هذه القضية ليست طازجة كما نعرف، وتثار دائما من ناشرين يحسون بالضرر، من وجود كتب طليقة بلا رقابة، هم قاموا بالاستثمار فيها، وبذلوا جهدا كبيرا لتخرج جيدة، وأيضا من بعض المؤلفين الذين يتقاضون حقوقا من الناشرين، وهم قلة في الوطن العربي، كما نعرف، حيث أن النشر في الغالب، لإيصال أفكار الذين يكتبون، إلى من يقرأ، بعيدا عن أي سياق مادي، وبعض صغار الكتاب يعتبرون مجرد نشر الكتاب، من دون أن يدفع شيئا للناشر، ربحا له وللكتاب.
كنت سألت مرة قراء أعرفهم عن رأيهم في تزوير الكتب كقراء محترفين، فأجمعوا على أنها الطريقة الوحيدة لإيصال الكتاب إلى أماكن نائية، قد لا يستطيع الموزع الوصول إليها، مثل قرية صغيرة في الوطن العربي الممتد، لكن فيها من يحب القراءة، مثل بلد شاسع وكبير كأمريكا، لا تصله الأعمال العربية كثيرا، وإن وصلت فهي غالية وليست في متناول القارئ العادي.
هذا عن الكتب المصورة، الموضوعة على الإنترنت، أما تلك المطروحة كنسخ ورقية، فأكد البعض أنها توفر مادة رخيصة لهواة القراءة الورقية، ممن لا يحبون مطالعة النسخ الإلكترونية، وبعضهم لا يدخل الإنترنت أصلا، إلا في أوقات نادرة، وفي أحد معارض الكتب العربية، وقفت أمام جناح ناشر أعرفه بحكم علاقة الكتابة بالنشر، كنت أتأمل الكتب الأنيقة المرصوصة على طاولته، وداخل رفوف خلفه، ولفتت نظري نسخ سيئة الطباعة من بعض الكتب، وفيها كتابان لي، لم يكن هو من أصدرهما.
رفعت الكتابين عن الطاولة، وأعدتهما إلى مكانهما، ولم أقل شيئا، وأسرع الناشر ليقول لي بلا أي خجل، إنه يملك عشر نسخ مزورة من الكتابين، ويمكنني أن أشتريها بتخفيض خاص منه. لم أشتر الكتب طبعا، ولم أسأل عن مصدر التزوير، واستغربت فقط، أن الرجل لم يهتم حتى بكوني مؤلفا، نهبت جهوده، وأراد أن يبيعني مادة هو سرقها مني، وكان بإمكاني في تلك اللحظة تنبيه إدارة المعرض الذي يشارك فيه، وقد يغلق جناحه وتلغى مشاركته في أي معرض مقبل، وتداهمه الخسارة بكل أشكالها وألوانها، وبعد عام من ذلك التقيت بالناشر ذاته في معرض آخر، وكان ما يزال يملك بعض الكتب المزورة، وأيضا لم أقل شيئا كثيرا، فقط أشرت عليه أن يجمع الكتب المزورة من على طاولته ولا يبيعها لأحد، وتركته وأعلم تماما أنه لن يفعل، وإن فعل فلدقائق معدودة، ثم يعيد كل شيء إلى الواجهة.
وفي آخر زيارة لي إلى الخرطوم، وعلى بسطة للكتب في شارع الجمهورية، شاهدت طبعات رديئة من كتب لديستوفسكي وغيوم ميسو، وتولستوي، وشارل بوكوفسكي، وعدد من الكتاب السودانيين، كنت منهم، جلست على ركبتي أقلب الكتب، وتعرف عليّ البائع وأخذ يبرر وجود الكتب عنده، وكنت أعرف أنه مجرد بائع، ولا يمكن أن يكون صاحب فكرة تزوير كل تلك الكتب، وكانت المفاجأة أن الأسعار التي يبيع بها، هي نفسها الأسعار التي تباع بها تلك الكتب، في طبعاتها الأصلية، وبالتالي ينتفي مبرر مراعاة القارئ من بيان التزوير الذي يطرح كلما تساءل أحدهم، فالقارئ غير المتمكن ماديا، لا يوجد هنا، وربما يوجد قارئ يملك المال ليشترى به المزور في غياب الأصلي.
لكن الأغرب من ذلك هو ما عثرت عليه مرة في موقع إلكتروني تخصص في نهب الكتب وطرحها مجانا، فقد كتب تحت كل كتاب مطروح على الموقع: حقوق النشر محفوظة للموقع، ويحظر نشره في أي مكان آخر. ولا أدري عن أي حقوق نشر يتحدث؟ ولم يكن ناشرا ولا يعرف عن الكتاب أي شيء، ولا أدري أيضا لماذا أتاحه مجانا؟ فلا تبدو لي أي فائدة من سرقة عمل وطرحه مجانا، على الأقل تبدو المسألة مربحة في النسخ الورقية، التي تطرح في الأسواق جنبا إلى جنب مع كتب أصلية.
المسألة إذن، وأعني سرقة الكتب وإتاحتها هكذا، تبدو صعبة المحاربة، فمهما امتنعت عن شراء تلك الكتب، سيشتريها غيرك، ومهما امتنعت عن تنزيل المتاح منها مجانا على الإنترنت، سيقوم آخرون بالتنزيل، خاصة أن المشتركين في الإنترنت تزايدت أعدادهم في السنوات الأخيرة بصورة كبيرة، وأصبح الهاتف الذكي الذي يتيح إمكانات تخزين الكتب وقراءتها، موجودا في أي مكان، مع وجود الإنترنت. وكثيرون تعودوا على القراءة منه، أيضا وجود الآي باد الذي يقوم بدور مكتبة متنقلة في يد من يستخدمه.
من سنحارب؟ لا أحد طبعا، وحتى الذين ينشئون مواقع النهب، ونستطيع الوصول إليهم، قد نغلق مواقعهم، لكن ليس صعبا، إنشاء مواقع بديلة، وغالبا سيظل الحال كما هو، كتاب جديد ينشر، ويتم طرحه للتوزيع، وبعد أقل من شهر تجده متاحا في كل مكان، لمن يرغب في القراءة مجانا.
كنت مرة قد طرحت موضوع النشر الشعبي، الموجود في الغرب جنبا إلى جنب مع النشر الفاخر، أي أن تكون للكتاب الواحد عدة طبعات: ورقية عادية، ورقية بغلاف صلب، إلكترونية، وشعبية رخيصة بأقل التكاليف، وهكذا يكون ثمة خيار للقارئ أن يحظى بنسخة من الطبعة التي يفضلها، أو التي تلائم إمكانياته، لكن يبدو أن النشر البسيط الرخيص، غير مهم للناشر العربي، أو لعله لا يرضى طموحه، ولو حدث لربما كان جزءا من حل للتزوير، لأن الحل الكامل سيظل غير موجود. والمبررات التي تطرح ستظل المبررات نفسها، وللأسف الشديد كلنا نقرأ أحيانا من المواقع المجانية، إن أردنا كتابا ما بصورة ملحة ولم يكن متوفرا حيث نقيم، وفي السنوات الأخيرة اعتدت أن أتلقى سؤالا من عدد من القراء، حالما أعلن عن كتاب جديد صدر لي: هل هو موجود مجانا على النت؟
٭ كاتب سوداني
أمير تاج السر
الأمر بالفعل مربك ومحير سيد أمير لكن هناك بعض دور النشر خاصة الكبرى منها يتحملون جزء من المسؤلية فعلى سبيل المثال دار الشروق المصرية عندما تصدر عمل لأشرف الخمايسي أو أحمد مراد أو أحمد خالد توفيق رحمة الله عليه تصدره بسعر مرتفع جدا (آخر أعمال الخمايسي سعره 65 جنيه، وأحمد خالد توفيق 70 جنيه) في نفس الوقت نجد نسخة معروضة بجودة تقترب من جودة الكتاب الأصلي بسعر 20ج
فقل لي بربك أنا كقارئ أحب أن أدعم دار النشر وأشتري منتجها الأصلي حفاظا على صناعة الكتاب واستمراريته لكن ظروفنا الاقتصادية كلكم تعرفونها فعلا سأتجاهل وجود نسخة بعشرون جنيه وأذهب لشراء نسخة بثلاثة أضعاف السعر فقط لدعم الدار والصناعة ؟!
إذا كانت هذه هي تكلفة الكتاب مع وجود هامش ربح للمزور فلم لا يفكر إبراهيم المعلم بتخفيض نسخ الدار بعض الشيء ؟!
ناهيك عن وجودها مجانا على النت لكني أتكلم عن عشاق الورق أمثالي لم لا ينظر لنا صناع الكتب ويراعوا أننا نرغب بدعمهم لكنهم في برج عاجي
دمت مبدعا سيد أمير وكل عام وأنت وكل أحبائك بخير حال
رمضان مبارك عليك دكتورأمير…ربما سأكون في تعليقي خارج الخطوط الحمراء.فموضوع مقالك تلاقى مع حوار من يومين مع أدباء وروائيين في جلسة رمضانية ؛ كان محورها الإبداع في الأدب العربيّ المعاصر.طبعًا كل واحد أدلى بدلوه المحترم ؛ فهي وجهات نظرووقائع ذات نظر.بعض الحضورمن القطاع الفنيّ : نحات رسام تشكيليّ وكاتب رواية مؤرخ شاعرقصاص أستاذ أدب ؛ بائع كتب كبيرفي شارع المتنبي ؛ أقلهم يحمل البكلوريوس.استمرالحوارحتى السحور…أغلب الحضوروصلوا إلى أنّ القضية ليست تزويرالكتب وراء الكواليس ولا سرقة الأفكاربل إنّ الإنتاج العربيّ واقع تحت سطوة ( النضوب ).وأعني بالنضوب عدم وجود أشياء أدبية عربية حقيقية خالصة ترقى إلى مستوى العالمية ؛ وتمت مقارنة المنتج مع المستورد والمترجم فكانت النتائج ؛ فعلًا الأدب العربيّ المعاصر؛ ما عدا الشعرالعموديّ ؛ أغلبه مسروق ومزورعن أعمال غيرعربية ؛ لهذا لا نجد عملًا عربيًا معاصرًا نجم إلى سمو العالمية منذ الحرب العالمية الثانية حتى اليوم.إلا بضع أعمال نالت جوائزترضية ثقافية.نسمع بعض أسماء مرشحة لجائزة نوبل مثلًا ؟ ماذا قدّمت تلك الأسماء لتحلم بنوبل ؛ سوى الغثاء ؟ .
فكرة النشر الشعبي تبدو من الحلول الجيدة لمثل هذا النوع من التزوير ، المتاح من النسخ الاصلية لكثير من الكتب قليل عندنا في السودان ( انت ادري بشعابنا ) شراء نسخ مزورة باسعار النسخ الاصلية يمكن ان يتجاوزها الناشر بتطبيق فكرة النشر الشعبي
أخى امير إذا قامت دور النشر هذه بتوفير هذه النسخ بأسعار معقولة مع وضع هامش ربح معقول ..وايضاً البحث عن كتابات شبابية وطباعتها ونشرهم لهم تشجيعاص للكتابة وزيادة المنتزج الفكرى وتعلم أخى انه يوجد اعداد هائلة من الأقلام والكتاب الجيدين لذا اسهموا بنشر منتوجهم .. هذه العملية ستحد من عملية القرصنة سواء أكانت ورقية ام إلكترونية