يعتبر الكرد ثاني أكبر قومية في تركيا، ونسبتهم حولي 25٪، والاحصائيات غير الرسمية تقدر عددهم بين 17- 20 مليون مواطن.
وبالنظر إلى التحديات التي واجهتها الدولة التركية الحديثة، بعد إلغاء الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، لم تكن مشاعر الفوارق القومية قوية في ذلك الوقت، ولكن بعض الثورات التي عارضت إلغاء الخلافة وتأسيس الجمهورية، كان يرأسها علماء وشيوخ أكراد، منهم الشيخ سعيد الكردي، قد صنعت نوعاً من المخاوف والعداء لدى مؤسسي الجمهورية ضد الكرد، تمثلت في حرمانهم من حقوقهم القومية والثقافية واللغوية وغيرها، وهذا الحرمان نال أغلب القوميات التركية بمن فيهم الأتراك انفسهم، إذ شعرت الدولة الجديدة أن عددا كبيراً من المواطنين الأتراك يعادون توجهاتها القومية الضيقة، ويعادون تواجهاتها العلمانية المتغربة، التي أصبحت توصف بالعلمانية الأتاتوركية، التي تعادي الدين والمتدينين، لدرجة تنتهك حقوق الإنسان المعنوية، في حرية الاعتقاد والعبادة والتعبير والعادات، والعلمانية الأتاتوركية ضيقت الحقوق الإنسانية لكل المواطنين الأتراك، بحجة حماية الدولة من الأعداء، ومنع التعددية السياسية بحجة حماية وحدة الأراضي التركية في دولة واحدة، ووطن واحد.
هذه السياسة المتشددة من الدولة نحو كافة القوميات التركية، واجهت رفضاً شعبياً متزايداً من كافة المواطنين، وليس من الكرد فقط، ولكن الأضواء تركزت على التحركات الشعبية الكردية المعارضة، وبالأخص بعد تأسيس حزب العمال الكردستاني بزعامة عبدالله اوجلان في منتصف السبعينيات، وبصورة أكثر خصوصية بعد تبني حزب العمال الكردستاني للأعمال العسكرية المسلحة طريقاً لتحقيق أهداف الحزب في تحقيق مطالب الانفصال القومي للكرد عن تركيا، بإقامة دولة كردية مستقلة، أو حكم ذاتي للمناطق التي توصف بالمناطق الكردية الواقعة في الجنوب الشرقي لتركيا، وهذا أمر واجهته الحكومات التركية المتعاقبة بكل رفض وقسوة وشدة، وملاحقة كل المتورطين بالأعمال الارهابية والتفجيرات منذ عام 1985، وقد حاولت بعض الحكومات التركية التخفيف من حالة الاحتقان التي فرضها حزب العمال الكردستاني على الكرد ضد الأتراك، بتبني سياسات أقل تشددا ضد الحقوق القومية للأكراد، ولكنها لم تكن كافية ولا مقنعة للكرد، حتى ظهور حزب العدالة والتنمية، الذي استلم نجاحات الحركة الاسلامية التركية في توحيد تطلعات الشعب التركي، بالابتعاد عن العداء القومي البغيض، وهو ما جعل قطاعا كبيرا من الأتراك من كافة القوميات ينتمون إلى حزب العدالة والتنمية، بمن فيهم المحافظون الكرد، لأن حزب العمال الكرستاني كان ذا مرجعية شيوعية في البداية ثم تحول إلى رؤية اشتراكية يسارية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1989، واستقر عليها، ولذلك لم يجد معظم الكرد الأتراك في حزب العمال الكردستاني ممثلاً حقيقيا لهويتهم الحضارية ولا الثقافية، فقد تأسس حزبا علمانياً مغالياً في علمانيته وقوميته وعدائه للقيم الدينية والاسلامية.
عمل حزب العدالة والتنمية منذ تأسيسه على تبني قضايا وهموم كافة القوميات التركية، فلم يتعامل مع مظالم قومية واحدة، لأن مؤسسيه واعضاءه كانوا من الطبقة المظلومة من قبل الحكومات التركية السابقة والدولة العميقة التي كانت تمارس وصاية على الحكومات المنتخبة، والكثير من أعضاء حزب العدالة والتنمية دخلوا السجون بسبب آرائهم السياسية والفكرية المحافظة، او بتهم معاداتهم للعلمانية الأتاتوركية، ولذلك كانت نظرة حزب العدالة والتنمية لكل هذه القضايا نظرة عميقة وشاملة، وحاولت معالجة كل الانتهاكات الإنسانية والقانونية نحو أبناء الشعب التركي، بكل قومياته وطوائفه.
وبحكم تميز الكرد عن غيرهم بسبب فرض حزب العمال الكردستاني نفسه عليهم أولاً، وممارسته الإرهاب على الكرد، كما يمارسه على الأتراك ثانياً، تناول حزب العدالة والتنمية المسألة الكردية ببعض الخصوصية، أي لأسباب أمنية خاصة، وإلا فهي مسألة مشابهة لكل المسائل التي تواجه الحكومات التركية، وقد عبر عن ذلك الرئيس التركي أردوغان بأنه لا توجد مشكلة كردية في تركيا، وإنما هناك مشكلة عامة تعاني منها كل القوميات والعرقيات، وهذا التصريح من أردوغان ليس عدم اعتراف بوجود المشكلة كما ادعى البعض، وإنما هو إقرار منه بها مع وجود مشاكل عند القوميات الأخرى، ومشاكل أخرى غير المشكلة القومية أيضاً، فلا يوجد أمام الدولة والحكومة التركية مشكلة واحدة اسمها المشكلة الكردية، وإنما هناك مشاكل تواجه المجتمع التركي، واحدة منها هي المشكلة الكردية.
يتوزع الكرد على كافة الأراضي التركية ولكن بنسب متفاوتة، فالتركيز الأكبر في مدينة اسطنبول وديار بكر وبعض المدن التركية الأخرى، والكرد في تركيا على ثلاثة أصناف:
الأول: الكرد المقيمون في مناطق شرق وجنوب شرق الأناضول، وهؤلاء يحتفظون بهويتهم وثقافتهم ولغتهم، ويتولى أمورهم أولو الحل والعقد فيهم، وهم أيضاً ثلاثة أصناف: 1 ـ شيوخ الجماعات الإسلامية، 2 ـ زعماء العشائر 3 ـ ناشطو حزب العمال الكردستاني PKK ، وميزة الصنف الأخير هذا أنه يمتلك سلاحا ومقاتلين يرهب به الآخرين من الكرد قبل غيرهم.
الثاني: الكرد المقيمون في شتى مدن الغرب التركي، وهؤلاء يحتفظون بهويتهم ولهم ارتباطات بمناطقهم الأصلية، ومنهم رجال أعمال وعمال مهرة على الغالب، ومنعتقون كاملا أو جزئيا من تأثير اولي الحل والعقد في مناطقهم.
الثالث: الكرد المقيمون في شتى مدن الغرب التركي، وهؤلاء امتزجوا بالعنصر التركي وانقطعت علاقتهم نهائيا بمناطقهم الأصلية، ونسوا لغتهم الأم ولا يذكرون إلا أنهم من أصل كردي، وهؤلاء هم الفئة الأقل عددا.
ولعل قصة أحد المواطنين الكرد وهو السيد علي عثمان اوز دمير، وهو من ولاية بورصة، هي دليل على ان الكرد يمارسون كامل حقوقهم السياسية في الترشح والانتخاب، بدون أي عوائق، فقد خاض الانتخابات البرلمانية الأخيرة كمرشح مستقل، ذهب لصندوق الاقتراع برفقة زوجته للتصويت، وبعد فرز الأصوات حصل على صوت واحد فقط لا غير، وردا على التكهنات التي نشرت في الصحف المحلية ومفادها: إما أنه لم يصوت لنفسه، أو أن زوجته لم تصوت له، لما رأت فيه عدم أهلية لعضوية البرلمان، عقد مؤتمرا صحافيا في ساحة الشارع الذي يقيم فيه حضره صحافي واحد و5 مواطنين مروا بالصدفة، وطفل واحد كان يلعب على الدراجة الهوائية وشرطيان مكلفان بحفظ الأمن، قال اوز دمير: كانت تجربة ديمقراطية ناجحة، لكنني لم أفز هذه المرة، سأرشح نفسي مرة أخرى في الدورة المقبلة ، أما زوجتي سواءً صوتت لي أم لم تصوت فهي رفيقة حياتي الصادقة، ولا أشك بولائها لي.
إن هذه القصة الحقيقية تدل على أن قضية الانتخابات في تركيا تعبر عن قناعة تامة لدى الشعب التركي بمن يختارهم، وانه هو من يختار حكومته ورئيسها، وانه هو من يختار رئيس جمهوريته بنفسه ومباشرة، فالشعب التركي يؤمن إيماناً قاطعاً بالانتخابات الديمقراطية، بل أن اتاتورك لم يستطع إلغاء السلطنة ومن بعدها الخلافة إلا على أساس أن حكم الانتخابات أكثر تمثيلاً في الاسلام من حكم الأسرة الملكية، ولذلك يسمى مجلس النواب التركي مجلس الأمة الكبير، وهو الذي يحق له أن يحكم بتشكيل الحكومة من أكثر النواب تمثيلاً للشعب.
لقد حملت الانتخابات البرلمانية الأخيرة الكثير من الدلالات منها:
1 ـ ان هذه الانتخابات سجلت نصرا حاسما لكل من يؤمن بالدولة التركية، وهزيمة ساحقة ماحقة للعنصرية التركية التي تدعو إلى نبذ كل عنصر غير تركي ولا تعترف بمفهوم الأمة التركية المسلمة، فالأتراك الذين حاولوا نبذ الكرد لأسباب قومية تركية عنصرية خسروا نصف مقاعدهم، ولعل منهم حزب الحركة القومية الذين نزلوا من 80 نائبا في الانتخابات الماضية إلى 40 نائبا في الانتخابات الحالية.
2 ـ كذلك مثلت الانتخابات الأخيرة هزيمة كبرى للانفصاليين الكرد، والذين فازوا من الكرد قالوا بصوت عال: نعم لنيل الحقوق، لكن بالسلم والمفاوضات مع الدولة، والبقاء معها لا بالعنف، ولا بالتطرف ولا بالدعوة إلى الانفصال.
3 ـ سجلت الانتخابات الأخيرة هزيمة كبرى للتنظيم الموازي، والدولة العميقة والمافيا واللاقانونيين.
4 ـ أن نسبة كبيرة من الشعب التركي الذين لا يلتزمون بتأدية الشعائر الدينية علانية، ولكنهم يحترمون الدين والمتدينين صوتوا لحزب العدالة والتنمية، وأكبر دليل على هذا الفتيات غير المحجبات اللواتي يؤيدن العدالة والتنمية هن وعائلاتهن.
5 ـ أثبتت الانتخابات أن الشعب التركي بلغ مرحلة نهاية فترة الانقلابات العسكرية للأبد.
6 ـ نسبة التصويت العالية للشعب التركي في هذه الانتخابات بلغت 90٪ داخل تركيا، وبعدما دمجت إليها أصوات الناخبين من خارج تركيا نزلت النسبة إلى 87٪، هي نسبة عالية بكل المقاييس في الدول الأوروبية وغيرها، فهذه أكبر نسبة يحصل عليها حزب العدالة والتنمية في تاريخه من حيث العدد فقد حصل على 23.5 مليون صوت، وحصل فيها على 317 نائبا.
7 ـ تكبد حزب الشعوب الديمقراطي الكردي هزيمة كبيرة في هذه الانتخابات، فقد تراجعت أصواته أكثر من 4٪، ولولا أصوات الخارج لما تجاوز الحاجر الانتخابي، وقد خسر أكثر من مليون صوت كردي ذهبت لحزب العدالة والتنمية من الكرد انفسهم.
لقد اعطى الشعب التركي صوته وللمرة الرابعة على التوالي إلى حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية، وفي ذلك رسالة إلى اعداء هذا الحزب في الداخل والخارج بأن الشعب التركي لا يزال يثق بأن حزب العدالة والتنمية ورئيسه ومؤسسه أردوغان هم المستأمنون على حاضر تركيا ومستقبلها، وأن الشــــعب التركي يخوض مع حزب العدالة والتنمـــــية حربه ضد الإرهاب والارهابيين بغض النظر عن أسمائهم وجنسيـــتهم وقوميتهم وطائفيــتهم، وأنهم يطالـــبون رئيس جمــــهوريتهم أردوغان ورئيس حكومتهم داود اوغلو بمواصـــلة الحرب التي بدأوها ضد الارهابيين الذين يستهدفــــون تركيا بالعداء والتفجيرات الارهابية.
٭ كاتب تركي
محمد زاهد جول
تحليل منصف ومتوازن يا أستاذ جول
لكني تمنيت لو أنك ذكرت القوميات الأخرى كالعرب
والسؤال هو : هل يعتبر العلويين بتركيا قومية ؟ وكم تبلغ نسبتهم ؟
ولا حول ولا قوة الا بالله
لا يعتبر العلويون قومية و نسبتهم غير معروفة لأنهم يعتبروا مسلمين فقط بتركيا و الدولة لا تسأل عن الطائفة بإحصائياتها لكن هناك تقديرات لاعدادهم تتفاوت حسب المصدر.
حياك الله يا أخت سلمى وحيا الله الجميع
ولا حول ولا قوة الا بالله
تحليل خاطىء و غير منصف أين حقوق الشعب الكوردي إذا كان حزب العدالة حزبآ عادلآ لكان حل القضية الكوردية بشكل منصف ولا حول ولا قوة إلا بالله
ما دام حزب العدالة والتنمية ينتهج سياسة الأنفتاح على جميع القوميات وخاصة الأكراد متوقع أن لا يتجاوز حزب الشعوب الديمقراطية نسبة الحسم في الأنتخابات القادمة، وتدريجيا سيجد الأكراد ان قضيتهم ستجد حلها عبر الأندماج في الكل التركي
الأستاذ زاهد كول من الأتراك القلائل الذين يعترفون بوجود الكرد في تركيا وحقوقهم وعددهم وطموحاتهم المشروعة ويكتب عن المسألة بانصاف وموضوعية أعتقد نحتاج جميعا كشعوب المنطقة الى هذا التوجه السليم لحل قضايانا المشتركة بروحية التفهم والتفاهم والاعتراف بالمقابل المختلف والارتهان الى الحوار والحل السلمي حسب ارادة الشعوب ومصالح العيش المشترك . أحيي الصديق – الورد – زاهد .
اسم البلد – سوريا