الكرك أسقطت إعلام الدولة الأردنية والمحللون كانوا في واد والحقيقة في آخر… شاشات تصبغ بالدم مع نهاية العام

الكرك، خشم العقاب وبوصلة الضمير السياسي الأردني النقي والفطري حتى ما قبل الدولة، ومرجعية الضمير السياسي الأردني ما بعد الدولة.
تاريخ المدينة الجنوبية الأردنية مع الإرهاب قديم، ومنذ أول اشتباك بين «مؤاب» و العبرانيين وقد دحرتهم المدينة وملكها المبجل ميشع حتى اليوم، كان الإرهاب مدحورا مذموما. وكان الإعلام بمختلف أدواته التاريخية وعبر العصور ناقلا أمينا لتاريخ مؤاب والكرك.
حجر الملك ميشع، والموجود حاليا في اللوفر في باريس، وثائقي منقوش يثبت الحالة التاريخية ويدون انتصار المدينة، وتراويد الكركيين في أعراسهم وموروثهم الغنائي وثائقيات موسيقية متواترة توثق دحر العثمانيين، الذين ظلموا وتجبروا وشنقوا رجال الكرك، فانتفضت عليهم المدينة بأهلها بشراسة كعادتها.
لكن، في عصر الفضائيات، والتقنية وثورة تكنولوجيا المعلومات، وفي يوم الأحد الماضي الدامي على أبواب قلعة الكرك، وقد وقف العالم كله يتفرج على الحدث المدهش في مواجهة بين الكرك بأهلها وشرطتها وعسكرها أمام مجموعة إرهابية مقذوفة من القرن السابع للميلاد كقذيفة موجهة في قلب القرن الواحد والعشرين، كانت التكنولوجيا الرقمية حاضرة، في يد الجميع وبعرض مباشر حظيت برؤيته من بروكسل، وقد نقلني إلى قلب الكرك، قلب الحدث.
الفضائيات، التي لملمت نفسها بسرعة أرسلت مصوريها ومراسليها، ومنها من سارع إلى التواصل مع الحدث عبر اتصالات أو شهود عيان، هذه منطقة حدث إخباري، ومنطق العمل الصحافي يقضي أن تبحث عن الخبر أو على الأقل تتابعه.
التلفزيون الأردني، الوحيد المعني فعليا بالكرك وأزمتها، حسب الافتراض المنطقي، آثر أن يعاكس المنطق ويدهشنا كدأبه دوما فلا يغطي ولا يتابع ولا يعرف أصلا. بعد ساعات طويلة تلطف بشريط إخباري واضح أن تحريره تم بعناية فائقة في غرف مغلقة.
التخبط الإعلامي، الذي رافق أحداث الكرك الدامية والبطولية، لم يقتصر على التلفزيون الأردني، فالتخبط طال المسؤولين من أعلى الهرم القيادي حتى أدناه، منذ أعلن رئيس الوزراء الأردني أن المهاجمين عددهم 10، لينخفض الرقم تباعا وتدريجيا لننتهي بأربعة إرهابيين.
أيضا، وفي صفحة «فيسبوك» منسوبة لولي العهد الأردني، ذكرت أن الإرهابيين من جنسيات سورية وليبية، طبعا لتبدأ حملة التجييش والتحريض من أدعياء الدم الأردني النقي والصافي، على إخوانهم ضيوف الأردن.
لينتهي الحادث بأربعة إرهابيين منسلخين عن كبار العائلات الأردنية، والإرهاب في النهاية لا دين له ولا جنسية.
الإعلام الأردني بحاجة إلى مراجعة ذاتية وجريئة، للخروج من طائرة الطباشير الأمنية المرسومة حوله منذ زمن.

ارتباك في الفضائيات مع كثرة الأحداث وتزامنها

هذا عام متخم بالإرهاب، وتتسارع الوتيرة الحمراء في نهاياته، وربما كان هذا الأسبوع الأكثر ازدحاما في جدول أعمال الإرهابيين المتطرفين.
بين أيام الأحد حتى الثلاثاء، ونحن نشفق على الفضائيات الإخبارية، التي أربكها تتابع الأحداث في أماكن جغرافية متعددة وفي أوقات متقاربة ومفاجئة، كما ارتبك المحللون على تلك الفضائيات، وكنت في الطريق إلى أحد ستوديوهات بروكسل مساء الإثنين، ضيفا لأتحدث عن تداعيات يوم الأحد الكركي، وقبل خروجي من المنزل أتلقف من شاشة التلفزيون خبرا عاجلا عن هجوم على مركز إسلامي في زيوريخ، وبينما أنا في الطريق، كان السفير الروسي يتعرض لرصاصة تركية قاتلة وهو يتحدث عن روسيا بعيون تركية، وما أن وصلت الاستوديو أحاول لملمة الأفكار، التي تشتت بين كل تلك الأحداث، التي يجمعها عامل مشترك واحد، هو الإرهاب، كانت برلين – التي تستضيفني محطتها الفضائية العربية – تتعرض لحادث إرهابي نوعي بشع.
وبين هذا وذاك، ربما كانت هناك حوادث متفرقة على هذا الكوكب، ضحيته أبرياء أيضا، لم تحظ بتغطية إخبارية ولا حتى على صيغة شريط أسفل الشاشة.
الانصاف يقتضي أن لا نتجنى على كل الفضائيات الإخبارية، لكن الأنصاف أيضا يجعلنا نفكر بالأداء الإعلامي وقت الأزمات والضغط لتلك الفضائيات، من حيث الإعداد الجيد للحوار والضيوف.
وما لاحظته، أن هناك فضائيات تستضيف أي أسماء دون التدقيق من قبل فريق الإعداد فيها بتاريخ وأهلية الضيوف. وهذا فيه عدم احترام للذات، كما للمتلقي الذي سيفقد ثقته في القناة بعد ذلك.
كذلك، فإن بعض الضيوف مغرمون بالظهور على الشاشة فقط حبا بالظهور، دون الإعداد الجيد وحتى أحيانا دون توفر المعلومة المتعلقة بالحدث.
في حادث الكرك مثلا، فضائيات عربية استضافت من أسبغت عليهم صفات مثل «خبير عسكري» و «محلل استراتيجي» و «خبير أمني» في الساعات الأولى للحادث، وقد هروفوا بما لم يعرفوا ضللوا المشاهد بمعلومات غير صحيحة تساقطت مع بيان الحقائق بعد ساعات.
تلك مسؤولية، وهي على عاتق فرق الإعداد في أقسام الأخبار.

«قال خلايا نايمة قال»!

المفارقة التي لاحظتها والتقطها بذكاء المحامي الأردني الأستاذ عاكف الداوود، أن الجميع منبهر بمصطلحات محددة انتشرت في الإعلام حتى باتت لازمة نكرهها ونرددها، مثل عبارة أو مصطلح (خلايا نائمة) في معرض وصف أي عمل إرهابي منسوب للمتطرفين.
الداوود يعلق ساخرا على مصطلح خلايا نائمة بقوله أي خلايا نائمة تتحدثون عنها؟ وهي تسهر معي كل ليلة وتناقش إدراجاتي على الـ «فيسبوك» وتحاورني وتشتمني وتهددني، أنا اعتقد أنها أكثر يقظة منكم جميعا…»قال خلايا نايمة قال!».
الملاحظة على حجم التهكم والسخرية فيها، تحمل معنى مكثفا للخطر، الذي يعيش بيننا، ونحن النائمون في الحقيقة عن تداعياته وانتشاره وتسميمه حياتنا.
نعم.. هي لم تعد خلايا نائمة بعد الآن، بل نحن من كنا نياما.

إعلامي أردني يقيم في بروكسل

الكرك أسقطت إعلام الدولة الأردنية والمحللون كانوا في واد والحقيقة في آخر… شاشات تصبغ بالدم مع نهاية العام

مالك العثامنة

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول خليل ابورزق:

    مصائب قوم عند قوم فوائد
    و ايام “الزمن الجميل” اتخمتنا السينما المصرية بحكايات اثرياء الحرب
    وورد في اخبار الحرب الاهلية اللبنانية في بدايتها انتشار تجارة بناء المتاريس و الاستحكامات العسكرية و تأجيرها. وفي نهاياتها ازدهار تجارة التوابيت.
    هذا ما نره اليوم ايضا فيما انتهى الى “الحرب على الارهاب” من ارتزاقيين على مستوى افراد و جماعات ودول يتزاحمون لاستغلال الموسم.
    لقد نسينا او انسونا السبب في ما نعيش بل ان بعض من كانوا هم السبب وهم المشكلة الاساسية هم من يقودون الحملة مدعين انهم الحل. وقد كانوا مرتزقة وما زالوا.
    المنطقة غير مستقرة لان اوضاعها اصطناعية و مفروضة جبرا. و الحل في عودة الامر لاهله. الحل في الحرية و الديموقراطية. الحل في تحقيق الارادة الحرة للشعوب

  2. يقول اردني صريح الاْردن:

    اولا لقد سمعت ان الحكومه الأردنيه قررت عدم تجديد عقد مدير التلفزيون الأردني أنا لا اعرف ذلك الشخص و لكن السؤال الحقيقي هل سبب المشكلة و كل هذا العدد من القتلى و الجرحى هو بسبب قصور اداء التلفزيون الأردني ؟ رد فعل غريب جدا.
    ثانيا اذا كان رئيس الوزراء و ولي العهد و الناطق باسم الحكومه ليس لديهم المعلومات الصحيحه من الجهات الامنيه المختصة فهل تتوقعون ان يكون التلفزيون الأردني لديه آيه معلومات صحيحه؟
    ثالثا البلد و الشعب هنا تعود على كذب الحكومه و ليس لديه اي ثقه بما تذيعه الحكومه باي حال و باي وسيله. لدرجه ان في كل العالم عندما تكون هناك سياره اسعاف الجميع يفتح لها الطريق الا بالأردن لأنهم على ثقه ان سايق الإسعاف و طاقمه كذابون و يريدون فقط ان يحضرو الطعام للفطور او الغداء لرفاقهم بسرعة و قبل ان يبرد
    رابعا كل يوم بطلعولنا بحكايه ذئاب منفردة. اي صار نص البلد ذئاب و الجهات الامنيه هيه المنفردة
    خامسا لماذا لا يتم سحب السلاح الحربي من الأفراد و العشاير و القرى و المدن الأردنيه. ما فائدته سوى قتل الأبرياء سواء بالافراح او الأتراح
    سادسا متى سوف نخرج من اُسلوب الفزعة بالتعامل مع الأحداث بعد وقوعها بدلا من الوقايه و منعها من الأساس خصوصا ان نصف الشعب يعملون في الأجهزه الامنيه و المخابرات
    و على قول الكروي و لا حول و لا قوه الا بالله

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية