الكنبوري: «تطاول على التراث الإسلامي»… البومسهولي: «ضغائن تغذي التطرف» : سجال في المغرب حول محمد أركون بين القراءة العلمية والانغلاق الأصولي

حجم الخط
3

الرباط ـ «القدس العربي» من الطاهر الطويل: فجّر الكاتب والباحث الأكــــــاديمي المغـــــربي إدريس الكنبوري نقاشا قويا على شبكات التواصـــل الاجتماعي، من خـــلال تدوينات متتالية، ينتقد فيــــها المفكــر الجزائري الراحـــــل محمــــد أركون، حيث اختلفــــت الردود بين مؤيد للكنبوري ومعارض له، مع الإلحاح على أن ينصب النقاش حول قضايا علمية، ويبتعد عن الشخصنة وتوزيع الاتهامات والأوصاف ذات اليمين وذات الشمال.
بدأ الكنبوري تدويناته بالإشارة إلى أنه «اكتشف عجائب» خلال قراءته لأعمال محمد أركون، هذه الأيام، وبعض أعماله لم يكن قد اطلع عليها بعد، لانشغاله بأمور أخرى، ثم شرع في سرد النتائج «الصادمة» التي توصل إليها قائلا: «الآن يحق لي أن أعبّر عن استغرابي ممن جعلوا من هذا الرجل مفكرا إسلاميا أو ناقدا للعقل الإسلامي. الرجل يكرر نفسه باستمرار إلى حد أنه يكفي أن تقرأ كتابا واحدا له كي تعرف ماذا يريد. يدور في حلقة مفرغة لا تفضي إلى شيء على الإطلاق.
أقول: على الإطلاق. رجل يجهل الإسلام واللغة العربية ويكتفي بما كتبه المستشرقون، ثم ينتقدهم. يتطاول على التراث الإسلامي بدون فهمه. يقفز من فكرة إلى أخرى بدون تنسيق، فتشعر به مضطرب الفكر حائرا لا يكاد يبين. يكثر من التسويفات: سوف نعمل، سنوضح، هدفي أنا، أما أنا فغرضي، لا بد أن، مهمتي، يجب أن نزحزح… إلخ، بدون أن يقدم شيئا ملموسا. رجل بدون مشروع، مشروعه كان مجرد نوايا وانتقادات في الهواء، وكتاباته كلها هلوسات وإسقطات وتكرار يبلغ أحيانا حد الملل في كل كتبه. وتابع قوله: «أركون مِن صنف الكتاب العرب الذين اطلعوا على الفكر الغربي وأغرموا به وعجزوا عن أن يصوغوا شخصيتهم المستقلة. ممن دخلوا الحداثة فلم يخرجوا منها سالمين. ضعف ثقافته الإسلامية ساهم في ضعف إنتاجه رغم «ضخامة» المشروع الذي كرس نفسه له، وعدم إتقانه للغة العربية جعله على مسافة بعيدة من التراث الذي يريد «زحزحته». أضحكني مرتين على الأقل: مرة حين كرر في ثلاثة كتب من كتبه فكرته بأنه ينتظر ظهور قرآن جديد يغير من «العقل الدوغمائي السكولاستي». قرأ الرجل أن المسيحية فيها أكثر من كتاب مقدس، وأن الكنيسة اعتمدت واحدة منها وألغت الباقي، فراح يدندن حول نسخة عثمان. والمرة الثانية حين قال في»نحو نقد العقل الإسلامي»: إن العقل الغربي كان منفتحا ومتطورا، سواء خلال المسيحية أو بعد عصر الأنوار.
هذه الفكرة وحدها تكشف أن الرجل لم يكن «ناقدا للعقل الإسلامي» بل كان «حاقدا على العقل الإسلامي».
وبحسب الكنبوري، فإن «الرجل كان مصابا بتضخم الأنا، على حد تعبيره، فهو يكرر عشرات المرات وفي جميع كتبه أنه يريد تطبيق جميع المناهج على الإسلام. تكفي هذه العبارة للاستشهاد: «كان هوسي الأكبر… أن أطبق على الدراسات الإسلامية كل المناهج والإشكاليات الجديدة التي ظهرت للتو في مجال علم التاريخ وعلم الاجتماع وعلم الأنثروبولوجيا وعلم النفس وعلم التحليل النفسي والنقد الأدبي وعلم الألسنيات وعلم السيميائيات وعلم الدلالات عموما والإشارات والرموز…إلخ»، وقد وضع في نهاية الفقرة عبارة «إلخ» للدلالة على أن مشروعه أكبر من ذلك. للأسف لم ينجز ولا واحدا من هذا كله».

بحثا عن المنهج العلمي

وفي تدوينة أخرى، يناقش الأكاديمي المغربي إدريس الكنبوري أفكار الراحل محمد أركون حول «إسلام» النبي إبراهيم عليه السلام، فيقول: «يرى أركون أن «أبراهام التوراتي» ـ أي إبراهيم عليه السلام ـ «مقدم في القرآن على أنه مسلم، ولكن ليس بمعنى الإسلام الطقسي الشعائري للإيمان الأرثوذكــــسي الشائع المعروف حاليا والذي تشكل تدريجيا على مدار القرون الثلاثة الأولى من عمر الإسلام، وإنما بمعنى ولي الله»، ثم يضيف متعالما: «وبالتالي فكلمة مسلم المطبقة على إبراهيم هنا ينبغي ألا نأخذها بمعناها السائد حاليا، وإلا فإننا سنقع في ما يدعوه المؤرخون المحترفون بالإسقاط أو المغالطة التاريخية، أي إسقاط معنى المفاهيم السابقة على المفاهيم اللاحقة» (الهوامل والشوامل). وهذا جهل فادح باللغة العربية وبالقرآن، القرآن الذي قال الرجل أكثر من مرة إنه «سيفتح طريقا لتفسيره مخالفا لجميع المفسرين السابقين»، ثم جاء الطريق محاولة طائشة زادت في إظهار جهله، بحيث كان عليه أن ينحني إجلال للمجلد الأول من تفسير الطبري. لقد استعمل عبارة «إبراهام التوراتي» لأنه يريد التقرب إلى الغربيين، وهذا دائما كان منهجه، ونحن لا نقول بأن ما روي في التوراة عن إبراهيم عليه السلام مزور، لأن هذا مخالف للمنهج «العلمي»، ولكن على الأقل كان يجب عرض الرواية التوراتية على القرآنية أو العكس، أو هما معا في الوقت نفسه، وهذا هو المنهج العلمي حقا. غير أن الأساس دائما عند أركون هو الأرضية اليهودية ـ المسيحية.
وكعادة أركون دائما، فإنه يحشر في متونه تعابير متضخمة لإظهار نزعته «العلمية» أمام القراء. إنه في هذه الفقرة يحاول إقناع القارئ بمقولته حول إبراهيم عليه السلام باستخدام عبارة «المؤرخون المحترفون»، والمؤرخون المحترفون لم يقولوا شيئا عن إبراهيم عليه السلام، ولكنهم صاغوا مصطلح «المغالطة أو الإسقاط»، وبالتالي فقد قام أركون بمغالطة وإسقاط للعبارة على موضوع لم يقل فيه «المؤرخون المحترفون» شيئا. وهذه طريقته في العديد من أفكاره التي يعبر عنها، فهو دائما يقول: كما قال شتراوس، بتعبير فوكو، بعبارة برودل… ولكنه يأخذ منهم عبارات أو مصطلحات صيغت في سياقات مختلفة وينزلها على سياق مختلف تماما.

تفاسير القرآن

ويخصص الكنبوري تدوينة ثالثة لقراءة أركون للقرآن الكريم، فيكتب ما يلي: «يهاجم أركون جميع التفاسير التقليدية السابقة، نعم، جميع التفاسير السابقة، لأنها «تؤدي إلى إسقاطات على النص القرآني، أي إلى مغالطات تاريخية حيث تنسب إليه ما ليس فيه، عندما تقتطع منه أجزاء مبعثرة مقطوعة عن سياقها وتجهل ــ هكذا: تجهل ـ كليا شروط كتابة التاريخ النقدي للنص القرآني، أي لا تعرف كيف كتب وبدون حقيقة». ويتساءل الأكاديمي المغربي: ما الذي نفهمه من هذه الفقرة؟ ليجيب أن أركون لم يقرأ أي واحد من هذه التفاسير «التقليدية»، لو قرأ المجلد الأول من تفسير الطبري لوجد ما يريد، لو قرأ كتاب السيوطي عن الإتقان لوجد ما يريد، هناك المئات من الكتب الإسلامية تطرقت إلى شروط كتابة التاريخ النقدي للقرآن وإلى كتابته وتدوينه، وهناك مئات الكتب التراثية عن تاريخ القراءات، بينها «المقنع» لأبي عمرو الداني. أركون لم يقرأ ورقة واحدة من هذه الكتب.
مع ذلك يتعالم ويقول:»كل هذه التجاهلات والحذوفات والتلاعبات المشتركة لدى الطوائف المفسرة الخاضعة للاهوت التقليدي للوحي مأخوذة بعين الاعتبار ومدروسة دراسة نقدية فاحصة من قبل العقل الجديد المنبثق الصاعد، الذي أحاول شخصيا ـ لاحظ: أحاول شخصيا ـ بلورته. إن تعقيد هذه المنهجية الجديدة يتبدى للقارئ من خلال مسار التحليل والنقد الذي أقوم به للعقل الإسلامي».
إنه يرى أن جميع التفاسير القديمة صادرة عن عقل لاهوتي تقليدي، وهو الوحيد الذي لديه «العقل الجديد» الذي يضع التفسير المبتكر. وفوق ذلك فالمنهجية التي يقترحها تتسم بالتعقيد، بينما هي في غاية التبسيطية.
وماذا أيضا؟
يرى أن هذه التفاسير القديمة «تجهل عملية المرور من الحالة الشهفية للقرآن إلى الحالة الكتابية، أي من حالة التلفظ الأولي به من قبل وسيط هو محمد بن عبد الله، النبي أو رسول الله، حسبما جاء في هذا الكلام الشفهي الذي ينقله بالذات». بمعنى أن عدم إدراك عملية المرور هذه من الشفهي إلى الكتابي تمس مصداقية أي قراءة علمية بالنسبة لأركون. رغم هذا النقد وهذا الشرط «العلمي»، يعود فيقول:»إن أي قراءة جديدة لأي آية أو وحدة نصية أكثر طولا ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار ثلاثة مستويات من الانساق النصية: أولا: الحيثيات التي تمت فيها عملية التلفظ الشفهي بالنص لأول مرة، بمعنى آخر: كيف تلفظ محمد بالقرآن شفهيا لأول مرة أمام القرشيين وضمن أي ظروف؟ وهذا المستوى لا يمكن التوصل إليه». لا يمكن التوصل إليه، لكنه يضعه شرطا «علميا» للمفسرين القدماء المساكين.

رجل عجيب

وللتدليل على ضعف إلمام المفكر موضوع النقاش باللغة العربية، يسوق شهادة أحمد العلوي (الباحث اللغوي المغربي المعروف) في محمد أركون الذي عرفه عن قرب في باريس في السبعينيات. إنه يصفه بأنه «يحسن العربية كالأعاجم والعلوج»، جاء ذلك في ملف حول «الأدب والدرس اللغوي» نشرته مجلة «البلاغة والنقد الأدبي» في عددها الثالث عام 2015.

تكفير الفكر

وتوالت ردود العديد من الباحثين والمهتمين سواء في صفحة إدريس الكنبوري على موقع «فيسبوك» أو في الصفحات الشخصية للكتاب، وهكذا كتب الباحث عبد العزيز البومسهولي: «لست أركونيا ولن أكون، كما لست غيره من مفكري وفلاسفة العالم، وإن كنت مدينا له ولغيره من المفكرين الذين يشكلون أفقي الفكري، حتى لو أني أختلف معهم في رغبتي في التفلسف على منوالي الخاص. غير أنني أعتبر أن مهاجمة أركون تحت ذريعة تهجمه على الإسلام والقرآن، ليست إلا تكفيرا صريحا، وأسلوبا (…) لتبخيس الفكر، لن يولد فكرا وإنما ضغائن ستزيد من طغيان ميولات التطرف، التي قد يصل مداها إلى بزوغ موجة عنف كائنات، ليس لديها قدرة على الاستنتاج المنطقي، بقدر ما لديها، من قدرة، فقط على إنجاز غير ذلك من الفظائع، التي أنهكت وجودنا الغفلي بحماقاتها المذهبية بتوقيع دموي».
وتساءل الكاتب أبو يوسف طه: «ألم يتوقف أركون عن الذهاب بعيدا لإحساسه بالنذير، نذير جمارك الفكر؟
وكتب حسن الذهبي ما يلي: «من الممكن الرد على كتبه بطريقة خالية من التسفيه «لو قرأ صفحة»…«تجاهل» لأنه لا ضير في افتراض حسن النية عند الآخر، حتى لو كان مخطئا. والهدف على ما أظن هو «التأويل الصحيح» ونشر الفكر المنطقي وليس تسجيل الأهداف في مرمى الخصم، خصوصا إذا كان هذا الخصم ليس صاحب فيديوهات في يوتيوب أو كاتب عمود في موقع. المهم هو «التصويب» الرصين، والحداثة ليست كفرا».
أما محمد النكتاشي فرأى أنه «جميل أن نعيد قراءة في فكر رجل من طينة وحجم أركون، رحمه الله، والأمر، كذلك، في غاية الصعوبة والدقة». لكنه ينبه إدريس الكنبوري إلى اللغة المستعملة في مخاطبة صاحب فكر غادرنا لدار البقاء، فمن اللائق استحضار أفكاره ومناقشتها في دائرة المنهج الشامل الذي اختاره، بدون التقليل من تصوره أو سوء الظن، خاصة أن أجر الاجتهاد مكفول للمفكر الراحل، كما كتب صاحب التدوينة.
وتساءل عبده المجدوب عن الغرض من هذه الحملة «غير العلمية» على حد وصفه، وقال: «أنتِجوا دراسات تتجاوزه بدل استهداف شخصه بالمباشر.. هو مجتهد وخير ممن ينسقون الآن هجوماته عليه ويبدو أنه يجمعهم جامع فكري وتوجه أصولي مغلق».

مغالطات تضليلية

وجاء في تعليق «كسيلة» عن تدوينات الكنبوري: «كل ما خلصت إليه هو أنه يتهجم على الإسلام لأنه يتهجم على «العلماء» وعلى التراث، يا له من نقد! لم يتبق لك إلا أن تقول إن هاشم صالح أيضا أمي ولا يفهم العربية، رغم أن حتى لو صح أن أركون لا يعرف العربية فمن المغالطات التضليلية القول بأن ضعف لغته العربية يعني أنه لا ينتج أفكارا وتفكيرا عميقا وعقلانيا وعلميا. وهذا التضليل أسلوب معروف يمارس ضد كل من يفزع الإسلاميين، لأنه ينتقد كل ما يستحق النقد اللاذع في تراث فقهي أغلبه كارثي وضعه فقهاء طغاة بني أمية وبني العباس وبني عثمان». وردا على الجهل باللغة العربية، أوضح ياسين خميسي أن محمد أركون عمل مدرسا للغة العربية وآدابها، وأنه كان متمكنا من اللغة العربية، وقد ترجم كتاب مسكويه «تهذيب الأخلاق» سنة 1969 في دمشق. كما قرأ للتوحيدي ولمسكويه ولابن قتادة. ناهيك عن دراسته لجيل بأكمله جيل التوحيدي ومسكويه باللغة العربية. وقال أحمد رباس موجها كلامه للأكاديمي المغربي: «ما دامت لك مآخذ على مضامين كتب أركون، فاكتب كتابا تنتقد فيه أعمال الرجل، وكفى من الشذرات على فيسبوك». فأجابه الكنبوري: «أهمية هذه الشذرات صديقي أنها تتيح لك التعرف على مواقف الناس. إنها مهمة جدا. أما الكتاب فهو بإذن الله تعالى في الطريق».

الكنبوري: «تطاول على التراث الإسلامي»… البومسهولي: «ضغائن تغذي التطرف» : سجال في المغرب حول محمد أركون بين القراءة العلمية والانغلاق الأصولي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد عبدالنور - الجزائر:

    الغريب أن الأخ كاتب المقال لم يشر ولو إشارة إلى مشاركاتي التي أخذت حيزا هاما من الأخذ والرد منشورات الأستاذين، ومع مشاركات آخرين التي تحدثت بشكل واضح عن قصر باع أركون في التراثين العربي والغربي معا، فضلا عن قصر باعه في استكناه مقاصد الدين، إضافة الأسلوب “التقوي” لأركون الذي لا يفصح فيها عن آرائه بالوضوح المنطقي المطلوب، كقوله بضياع النسخة الأصلية للقرآن، وكون القرآن هو نتاج عقل محمد.. هذا فضلا عن تجاهل المقال الإشارة إلى ما ورد خلال النقاش من أن الأنسنة والأرخنة مطلوبة فعلا، لكن ليس بالضرورة على الطريقة الأركونية التي لا قدرة لها على الفصل بين الفهم الإنساني التاريخي للدين والحقيقة الأصلية للدين الواردة في نصوص الوحي، وهذا التمييز يعد من التقاليد الغربية الأصلية في دراسة النص الديني وتأويله، وأن المقارنة بين أركون وما ينتجه الفكر الغربي اليوم كافية لتحديد مكانته في الفكر المعاصر، فضلا أن دراسة اسقاطاته الاجتزائية للفكر الغربي على التراث الإسلامي يمكن أن تكون محط مقارنة أيضا مع الجاري من المحاولات في الفكر العربي راهنا،
    للأسف يتجاوز المقال كل هذه الاعتراضات التي تتطلب فعلا إجابات بالنفي والإيجاب والاستدلال، ثم ينبري بطريقة اجتزائية للحديث عن “التكفير” والاستعداء، وما إلى ذلك من الإحالات التي تنتهي إلى اختزال النقاش في المعطى العقائدي، بل حتى الحديث عن العلاقة الشخصية بين أركون وماسينيون لا يعد استعداء بقدر ما هو حقيقة موضوعية سيميائية لا بد من الوقوف عندها، كيف لا ومالك بن نبي كرس أحد مذكراته كلها لكشف دور الرجل الظل في حياته والإعاقات والصعوبات التي وضعها في حياته الشخصية،
    والصعوبة الكبرى في النقاش هو الأفق الذي يعامل به منتقدوا اركون، حيث يتم اسقاط العقائدية عليهم، بين الواصمون هم الموصومون، وذلك دليل عدم تمييز بين الأفقين العقدي والفكري، وعدم قدرة على برح المنظور العقائدي الذي يبقى الثابت الغالب على توجهات النخب حتى عند المتعلمنين الذين لو تمثلو العلمنة بشكلها الصحيح لأملنا منهم أداء دور مهم في هذا المسار، لكن للأسفالأمر متعلق بتغيير عقيدة إلى عقيدة أخرى… مع عدم الجمع. والله أعلم وأحكم والسلام

  2. يقول عبد الجبار الغراز - المغرب:

    لا شك أن محمد أركون مفكر عربي عظيم بإنتاجاته الفكرية و انشغالاته الهامة بقضايا التراث االإسلامي .. لحل إشكالات العصر .. و نحن في حاجة ماسة الى مثله من المفكرين الذين هم من طينة الجابري و طرابيشي و تيزيني و غيرهم من المفكرين الأفذاذ .. فأنا شخصيا ، أجعلهم في مرتبة مفكري الانوار أمثال ديدرو و فولتير و مونتسكيو … الذين تحملوا أعباء و أثقال الماضي الأوروبي و اوجاع القرون الوسطى ، فسجل لهم التاريخ أنهم قادوا المجتمع الإنساني إلى بر الأنسنة ، حيث سيتعرف الإنسان على مكامن قواه الحقيقية ليقود هذا العالم خارج اية وصاية ثيولوجية من شأنها تكبيل تلك القدرات البروميثوسية الخلاقة ..
    الباحث المغربي ادريس الكنبوري ، شأنه شأن أي باحث عن الحقيقة ، لم يخرج عن جادة الصواب الأكاديمي حينما حاول ، عبر شذراته الفيسبوكية ، التي أتتبعها عن كثب ، أن يبرز مدى حدود الاشتغال الفكري لمحمد أركون . فهو ، كغيره من الباحثين ، أدلى بدلوه ، و حاول أن يسلط الضوء على ركن قصي من فكر أركون ، ربما لم نستطع نحن ( أي نحن ) ، بفعل هذه اللوثة الجهنمية التي تصيبنا ، عندما نقرأ لمفكر عربي ، أو إسلامي ، يشتغل على تراثنا العربي الإسلامي . لوثة تجعلنا من حيث لا ندري ، نستعذب الدخول في ” حالة فكرية ” تغدت على وهم أننا ” حراس الماضي المجيد ” فسواء كنا من دعاة الحداثة أو ما بعدها ، او من دعاة الأصولية الناعمة أو المتطرفة ، فلا ينبغي أن نستثني أنفسنا و نعتبرها خارج هذا ” المكر الفكري ” الخادع .. لنعتبر أنفسنا ، و نحن في هذا السجن الدوغمائي الكبير ، الذي وعينا أننا داخله ، و لكن لم نستطع ، لسبب من الأسباب ، أ ن نواجهه ، على الأقل ، عبر إعطاءه مفرداته و تسميته باسمه الحقيقي .. لنعتبر أنفسنا ، معنيون بهذا الخطاب النقدي التفكيكي الذي يمارسه الباحث ادريس الكنبوري على فكر محمد أركون .. نحتاج إلى باحثين شباب ، من عيار ادريس الكنبوري ، الذين يكدون و يجتهدون في قراءة المتن الأركوني للخروج بقراءة فكرية حقيقية لهذا المتن . في الحقيقة ، لقد ساهمت الكتابات االمنشورة في أعمدة الملاحق الثقافية لبعض الصحف العربية ، التي تناولت فكر أركون، أو غيره من المفكرين المشتغلين على التراث العربي الإسلامي ، بشكل سطحي أو بشكل انتقائي ، في خلق ” فزاعات فكرية ” جعلت من كل واحد منا مصابا ،” برهاب ” التراث ..

  3. يقول عبد الجبار الغراز - المغرب:

    فنبذة فكرية مختزلة لفكر هذا أو ذاك من هؤلاء المفكرين ، ستفعل أفاعيلها الجهنمية ، و تسري كالسرطان في خلايا جسمنا الفكري ، و تصيبه بمثل هذه الأمراض أو هذه الأورام الخبيثة القابعة في إركان خفية من لاشعورنا ، فنصبح مجرد تشخصنات منتفخة بالهواء كبالونات تتقاذفها أهواء إيديولوجية .. المعرفة العلمية تقتضي ، في مقابل هذه الصورة الساخرة المرسومة ، أن نكشف عن سواعد الجد و الكد و الجهد الفكري ، و محاولة قراءة المشروع الفكري كاملا لهذا المفكر أو ذاك ، كي نكون على مساحة قريبة من الإشكاليات التي يطرحها أو يحاول إيجاد مخرج منهجي لتسهيل كيفية التعامل معها تعاملا علميا و ليس إيديولوجيا ..
    أعتقد أن الباحث إدريس الكنبوري على دراية بآليات اشتغال المفكر محمد أركون الفكرية و المنهجية .. و قراءته لفكر محمد أركون ليست تقزيما و لا تعظيما لهذا الأخير ، بل هي محاولة نقدية لمعالجة بعض الشوائب التي تشوب ذاك المشروع الفكري ، لا بغرض التلميع أو التفضيع ، بل بغرض إبراز ذلك المشروع قيمته الحقيقة تكون خالية من أي لمسات أو رتوشات ماكرة تخفي أكثر مما تظهر من العيوب الفكرية أو المنهجية .. و أنا أصرح ، من خلال هذا المنبر الشريف ، أننا في حاجة ماسة إلى باحثين يتسلحون بالشجاعة الأدبية ، و باللياقة الفكرية التي قلت في زماننا هذا ، زمان تدفق المعلومة و وفرة المعرفة ، نحناج إلى قارئين حقيقين لا تعوجزهم القدرة على اختراق كل الطابوهات و السدود و ” الحواجز الجمركية الفكرية ” المرسومة ، التي تضفي هالة تقديسية على كل مشروع يروم الاقتراب من الخطوط الحمراء .. باسم مسميات مختلفة قد تكون حقا ، لكن أريد به باطل ..

إشترك في قائمتنا البريدية