«الكيميرا» هي مخلوق غريب ومتداول في الأساطير اليونانية القديمة، وهو عبارة عن ثلاثة حيوانات: رأس أسد، وجسم ماعز، وذيل ثعبان. لكن الأبحاث أثبتت أن «الكيميرا» ليست فقط أسطورة، وإنما هي حالة طبية تحدث في النبات، والحيوان، والبشر.
وتبدأ القصة بالشكل الطبيعي المتعارف عليه وهو أن جسد المرأة يطلق من مبيضها بويضة واحدة كل شهر. وتدخل الملايين من الحيوانات المنوية من الذكر وواحد منها فقط يقوم بتخصيب تلك البويضة ويتحد معها لتكوين الجنين الذي يحمل نصف الحمض النووي للأب ونصف الحمض النووي للأم.
ولكن في بعض الأحيان يقوم مبيض الأم بإطلاق بويضتين في شهر واحد، وتدخل الملايين نفسها من الحيوانات المنوية، إثنان منها يقومان بتخصيب البويضتين ويتحدان معها ويكونان بدايات جنينين.
وهنا تقع عدة احتمالات أولها هو أن تكتمل عملية نمو الجنينين بشكل منفصل تماماً، كما هو متعارف عليه، وتصبح النتيجة توأمين غير متطابقين.
والاحتمال الآخر هو أن أحد الجنينين يختفي تماماً، ويتم امتصاص خلاياه والتخلص منها عن طريق جسم الأم، وبدون أن تشعر هي بأي أعراض، أو تلاحظ أي مشاكل، وهي حالة تسمى بـ «متلازمة التوأم المتلاشي» والتي اكتشفت كظاهرة لأول مرة عام 1945 وساعد اختراع «السونار» أو الموجات فوق الصوتية على اكتشاف تلك الحالة التي وصلت إلى ما بين 21٪ و 30 ٪ على مستوى العالم من حالات الحمل بتوأم.
أما النوع الثالث فيحدث عندما يأكل أحد الجنينين الآخر، ويندمج معه أو بالأحرى يبتلعه ويلتحم معه فيصبح جنيناً واحدا، ويحدث هذا الإندماج في أول مرحلة التكوين والنمو وبالتالي عندما يندمجان يصبحان جنينا بشريا واحدا ولكن أنسجته في الأصل كانت ستشكل شخصين مختلفين، كل واحد منهما يحمل حمضا نوويا مختلفا، وكان من الممكن أن يصبحا أخوين توأمين غير متشابهين، ولكن انتهى بهما الأمر أن يصبحا جنينا واحدا، وهنا تبدأ خلاياه بالانقسام والتشكيل وفي الأصل جزء منها خلايا جنين آخر، فعلى سبيل المثال خلايا شعره تحمل حمضا نوويا ما، وخلايا كبده تحمل الحمض النووي الآخر، ودمه ممكن أن يكون فصيلين في الوقت نفسه.
وهذا ما حدث عام 2002 عندما طلبت إمرأة أمريكية وأم لطفلين وحامل في الطفل الثالث نفقة لأطفالها بعد انفصالها عن زوجها، فطلبت منها المحكمة وبشكل روتيني الخضوع لاختبارات الحمض النووي اللازمة لإثبات نسب الطفل إليها، ولزوجها، فكانت النتيجة عدم مطابقة الحمض النووي وكان القرار انها ليست أمهم.
وبالرغم من أن سجلات وملفات المستشفى تؤكد ولادتها للأطفال وبتواريخ محددة، قامت المحكمة بتعيين متخصصين يتابعون عملية ولادة ابنها الثالث والذي تزامن حملها فيه وقت القضية. وفوراً بعد الولادة أخذت عينات من المولود الذي ولد للتو، وأمه أيضاً، ليخضعوا لاختبارات الحمض النووي والتأكد من نسب الطفل الجديد.
والنتيجة كانت صادمة، حيث أن الطفل المولود من رحم أمه أيضاً ليس ابنها.
هذا ما دفع المتخصصين إلى أخذ عينات أخرى من جسم الأم، وخلايا من شعرها، وجلدها، وبعض الغدد، والإسراع في تحليلها ولكن أيضاً الحمض النووي كان غير مطابق مع أطفالها.
إلا أن عينة واحدة فقط كانت متطابقة وهي عينة من عنق الرحم، فأكد بذلك المتخصصون أن السيدة هي اثنان في واحد، أي «كيميرا».
أما «الكيميرا» الأكثر تعقيداً فهي تحدث نتيجة اندماج جنينين أحدهما في الأصل ذكر والآخر انثى، فتصبح خلايا منه مؤنثة وأخرى مذكرة، أو بعض أعضائه مذكرة مثل الكلى والقولون، وباقي الأعضاء مؤنثة بما في ذلك الأعضاء التناسلية أيضاً.
وهذا ما حدث بالفعل مع اللاعبة الهولندية فوكجي ديليما التي كانت تمثل بلادها في أولمبياد 1950 حيث رفضت ديليما الذهاب إلى اختبار جنسي إلزامي للبطولات الأوروبية في بروكسل في آب/أغسطس 1950. ولم يكن الطب في ذلك الوقت متقدماً بشكل كاف لكي يكشف طبيعة حالتها، فتم استبعادها من المشاركة في الألعاب الأولمبية النسائية وسحب ميداليتها، وشطب الرقم القياسي الذي حققته من قبل، ما دفها إلى الانعزال لأكثر من سنة كاملة في بيتها رافضةً التحدث عن سبب استبعادها.
وبعد وفاتها في كانون الأول/ديسمبر 2007 عن عمر يناهز 81 عاماً، أظهر اختبار الطب الشرعي لخلايا متعددة من الجسم وجود «كروموسوم Y» في بعض خلايا جسمها والحمض النووي لها، مما أثبت براءتها بعد مماتها.
والجدير بالذكر أن الحالة ليست نادرة الحدوث، ولكنها نادرة الإكتشاف، فذكر الأطباء أن واحدة من كل ثماني حالات حمل بين النساء تبدأ كحمل متعدد، أي أكثر من بويضة تقابل أكثر من حيوان منوي.
«الكيميرا» لا تحدث فقط خللا في قضايا النسب والإثبات والنفي، فهي من الممكن أيضاً أن تسبب مشاكل طبية في غاية الخطورة كما ذكر دكتور وليم أرثر لـ «بي بي سي» وهو طبيب مختص بتحليل الدم في مستشفى « كينغز كروس» في لندن أنه في «عام 2003 تطلب الموقف نقل دم لمريض عمره 62 سنة وذلك بعد عملية جراحية كبيرة، وتم بالفعل نقل كيس دم من متبرع سليم وصحيح ومطابق له في فصيلة الدم، ولكن فجأة حدث رد فعل عنيف وكبير من جسم المريض للدم الذي أستقبله».
واستطرد: «رد الفعل هذا معروف في الطب، عندما يكون الدم المنقول غير مطابق لفصيلة المريض، فتهاجم خلايا مناعة المريض المستقبل خلايا دم المتبرع وتكسرها، ولكن الدم المنقول كان صحيحا ومطابقا أو بمعنى أصح هذا ما كنا نعتقده أنا وزملائي. فقمنا بأخذ عينة أخرى من دم المتبرع وفحصناها مرة أخرى بشكل أكثر دقة، واتضح لنا ان المتبرع كان يحمل فصيلتي دم مختلفين لأنه «كيميرا» حيث كان يحمل 95٪ فصيلة دم (0) و5٪ فصيلة B وهذه النسبة رغم قلتها فإن عدم تطابقها مع فصيلة دم المريض تسبب في رد فعل عنيف لجسده».
وتفاقمت تلك الفكرة عندما ذكر بعض النظريات الطبية أن بعض المتبرعين بالأعضاء، من الممكن أن تكون الأعضاء التي تبرعوا بها، تحتوي على بقايا من خلايا الأجنة التي كانت توائمهم والتحمت معهم أثناء الحمل، وبالطبع قبل عملية زرع الأعضاء، تتم اختبارات التوافق بين المستقبل والمتبرع، وتأخذ عينات من الشخص المتبرع بالعضو، وعينات من الشخص الذي سيستقبل العضو.
ولكن عن طريق الصدفة من الممكن أن تكون الخلايا التي أخذت من الشخص المتبرع عبارة عن نوع واحد فقط من الخلايا التي تشكل جسمه، ولا يظهر خلال الفحصات وجود أي خلايا أخرى من الممكن أن تكون غير متوافقة مع جسم المريض المستقبل، وهذا ما يسبب فشلا كثيرا في حالات زرع الأعضاء، فأجهزة المناعة لدى المستقبل تستطيع أن تتعرف على تلك الخلايا غير المتطابقة وترفضها، وتفاعلات الرفض هذه تكون أحياناً في شدة الخطورة ومن الممكن أن تقتل العضو المزروع أو المريض نفسه.
والأغرب هو فكرة تخيل كل شخص أنه يحمل في داخله بقايا من خلايا أخيه التوأم، الذي أندمج معه والذي يحمل خلايا غير متطابقة معه والتي يمكن للجسم بأجهزة المناعة التي يحملها أن تتعرف أيضاً على تلك الخلايا المختلفة وترفضها وتبدأ بالتفاعل ضدها ومهاجمتها. فبالتالي خلايا المناعة لدى الشخص ستهاجم أعضاءه، لأن أعضاءه تحتوي على خلايا ليست له، بل لتوأمه الذي لم يولد والذي أندمج معه.
ومن الممكن أن يشكل هذا تفسيرا لكثير من أمراض المناعة الذاتية، التي ليست لها أي تفسيرات واضحة في الطب إلى الآن، كأمراض الذئبة الحمراء، وروماتويد المفاصل.
وأثبتت دراسة دنماركية أن ثلث البشر عبارة عن «كيميرا» وبالرغم من ذلك تم اكتشاف 100حالة فقط، وإثباتهم وتسجيلهم في التاريخ الطبي.
وهنا يطرح الكثير من الأسئلة، هل ظاهرة «الكيميرا» هي السبب في ظهور كثير من العيوب الخلقية والشكلية، في أعضاء بعض المرضى مثل عيوب تخليق القلب أو الجهاز العصبي؟
أو أن الشخص «الكيميرا» من الممكن اعتباره شخصا واحدا ولكن هل من الممكن اعتباره روحا واحدة؟
مي عبد العزيز
شكرا على المقال الرائع و المفيد
مقال ممتاز و ماده علميه مميزه و ممكن اضافه اسامي مراجع علميه بتتناول الموضوع
احسنتي أ/ مي عبد العزيز في اختيار الموضوع واتمنى كتابه العديد من المقالات التي تفتح لنا باب البحث والتفكير والتثقف في شتى المجالات .. واعتقد ان هذا هو الدور الحقيقي للصحافه .. اشكرك واحسنتي
مقال رائع و مفيد.. نتمنى المزيد من هذه المواضيع الهادفه
معلومات ممتازه وأول مره اعرف كل المعلومات دي ، حلو جدا ان فى كاتبه بتشوف مواضيع جديده غير ممله زي باقي المواضيع اللي بقت شبه بعضها ، ياريت نلاقي المواضيع من دي لانها معلومات أكيد القاريء بيحب يقراء المواضيع الجديده اللي فيها تغير و معلومات مفيده
جميييل و معلومة طبية جديدة
مقال ممتاز …. شكرا
مقال ممتاز…..شكرا
هل هنالك علامات دون تحليل الحمض النوي ليعرف الشخص اذا كان كيميرا
أحببت المقال جداً