بيروت- «القدس العربي»: لم تمر محاولة الانقلاب في تركيا بدون تداعيات على اللبنانيين الذين علق كثيرون منهم في المطارات التركية سواء في مطار أتاتورك أو في مطارات أخرى لأكثر من 48 ساعة قبل أن ينفرج الوضع ويعود العديد منهم امس الاحد إلى مطار بيروت بعدما سيّرت شركة طيران الميدل إيست 3 رحلات بين لبنان وتركيا لنقل المسافرين اللبنانيين الذين ذهبوا لتمضية اجازات سياحية.
سياسياً، انقسم اللبنانيون كالعادة إلى فريقين في النظرة إلى محاولة الانقلاب حيث خرج فريق يهلّل في البدء لسقوط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان علّه ينعكس ايجاباً على مجرى الاحداث في سوريا ، فيما أعرب فريق آخر عن تضامنه مع أردوغان ونزل بعضهم إلى الشوارع حاملين العلم التركي وصور الرئيس التركي كما حصل في بلدة الكواشرة في عكار التي سبق لأردوغان أن زارها خلال جولة له في لبنان.
وقد بارك الرئيس سعد الحريري للرئيس التركي رجب طيب أردوغان والشعب التركي بـ»انتصار المسار الديمقراطي على الحركة الانقلابية العسكرية»، مؤكداً أن «سلامة تركيا وحماية المكتسبات التي تحققت لشعبها، هي ضمانة لكل شعوب المنطقة، والعالم الإسلامي خصوصاً». وأعرب الحريري في سلسلة تغريدات له عبر موقع «تويتر» عن «التضامن مع الشعب التركي، والسرور بعودة الأمور إلى طبيعتها، ونجاح الرئيس أردوغان في قيادة تركيا إلى شاطئ الأمان».
واستنكر الحزب التقدمي الإشتراكي «محاولة الإنقلاب العسكري في تركيا التي كانت تهدف إلى السيطرة على السلطة بطريقة غير دستورية وغير شرعية ضد حكومة منتخبة ديمقراطياً».
وشدد في بيان على أن «الحزب التقدمي الإشتراكي، إذ يتطلع لأن تحافظ تركيا على تراثها الديمقراطي الذي شكّل نموذجاً هاماً في المنطقة، يأمل ألا تعود عقارب الساعة إلى الوراء وأن تحترم فيها الأصول الدستورية في تداول السلطة عبر عدم تجاوز بأي شكل من الأشكال الإرادة الشعبية وذلك يتطابق مع المصلحة الوطنية التركية العليا».
وأعلن المكتب الاعلامي في وزارة الخارجية والمغتربين، في بيان، ان الوزارة تابعت «باهتمام بالغ الأحداث التي شهدتها الجمهورية التركية في الساعات الأخيرة. وأجرى وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، اتصالاً هاتفياً بنظيره التركي مولود جاويش أوغلو، دان خلاله «محاولة الانقلاب التي استهدفت تغيير الحكم في تركيا وإعادة تكوين السلطة باستخدام القوة». وأكد على «ضرورة احترام الآليات الديمقراطية في تداول السلطة، أي الاحتكام إلى الإرادة الشعبية باعتبارها أساساً للحكم».
وقد اغتنم باسيل هذه المناسبة لإعادة التأكيد لنظيره «تعاطف لبنان مع تركيا، شعباً وحكومة، وحرصه الدائم على أفضل علاقات التضامن والتعاون معها، لا سيما في ظل التحديات الجسيمة المشتركة التي يواجهانها، وفي مقدمتها تحدي الإرهاب التكفيري، وأزمة النزوح».
في المقابل، غرّد الوزير السابق وئام وهاب فور تبلّغه نبأ الانقلاب سائلاً « هل سيطل علينا الصباح بخبر سار ونرى مجرم اسطنبول معلقاً على عامود كهربائي أو مسحولاً تحت أقدام الجنود في الشارع؟ يا رب يا كريم».
اما الصحافة اللبنانية فقد تناولت موضوع الانقلاب وفق أهوائها السياسية. وتحت عنوان «الشرعية والشعب والمؤسسات تهزم الانقلاب» كتبت صحيفة «المستقبل»، «أن المحاولة الانقلابية فشلت ليس لانها كانت سيئة الاعداد والتنفيذ، كما قال وزير الخارجية الامريكي جون كيري، بل لأن معادلة «الشرعية والشعب والمؤسسات» التركية فرضت نفسها على الأرض، فإتحدت الحكومة المنتخبة ذات التوجه الإسلامي مع المعارضة العلمانية والقومية مع الشعب بكل توجهاته لتمنع عسكريين متمردين من العودة بالبلاد إلى سيرة الانقلابات بعد تجربة ديموقراطية غنية .ويبدو أن حكومة الرئيس رجب طيب اردوغان أدركت فضل هذه المعادلة في انقاذ البلاد من طمع العسكر بالسلطة فوعدت بـ «بداية جديدة» للتعاون مع الأحزاب السياسية التي رغم خصومتها الصارمة مع حزب «العدالة والتنمية» الحاكم فانها أعلنت رفضها للانقلابيين وحرمتهم بالتالي من أي غطاء داخلي».
وكتبت «النهار» ما يلي «إن اخفاق الانقلاب لم يحجب نواة قابلة للانفجار في وجه اردوغان ولو وقف إلى جانبه العالم. وفي مطلق الأحوال فإن الحدث الانقلابي الفاشل أعاد تسليط الاضواء على أهمية الموقع الاستراتيجي الضخم الذي تحتله تركيا في ملعب الأزمات والعلاقات الإقليمية والأوروبية كونها الممر الحتمي لمشاريع التسويات ما دامت حدودها وتركيبتها الديموغرافية تتشابك بقوة مع كل الحروب الناشبة على امتداد محيطها الجغرافي والاستراتيجي».
ورأت صحيفة «الديار» أن «اهم ما حققته المحاولة الانقلابية انها جعلت الرئيس التركي ينكفئ إلى الداخل».
ولفتت إلى «أن الاعتقالات، وعمليات التطهير الواسعة، لها ثمن، ان لم يكن اليوم غداً، امس بدا الرجل مذعوراً من تحرك مفاجئ لقطع عسكرية، فأمر محازبيه بالبقاء في الشارع. والثابت ان المحاولة لم تكن معدة بإتقان. الذين نفذوها حاذروا الظهور على الشاشات كي لا تتكشف نقاط ضعفهم بعدما كانوا يراهنون على يقظة اللحظة الاتاتوركية داخل المؤسسة العسكرية. هذا لم يحصل. الاستخبارات التركية التي قد تكون تلقت مساعدة من جهات خارجية، ادارت العملية المضادة بمنتهى الدقة والفاعلية.
المحللون الغربيون لاحظوا ان الدور الإقليمي لتركيا تزعزع. العسكر التركي ضد العسكر التركي لا بد ان يحدث ما وصفه قدري غورسل بالزلزال السيكولوجي. على اردوغان ان يغسل يديه من الملفات الإقليمية. وحيث الاصابع المحترقة تبدو للعيان، وينبري لمعالجة وترميم التصدعات الداخلية».
سعد الياس