■ يستطيع المتابع المدقق أن يرى الخفوت شبه المطلق لذكر كل ما يرتبط بالفاجعة السورية في الإعلام الغربي، باستثناء تغطيات اختزالية يخالطها دائماً تقطير مريب لمأساة الشعب السوري، لتُرى من زاوية منحرفة كونها اقتتالاً بين مجموعات من الشياطين بألوان داعشية وأخرى أسدية، ليس لاندثار أي منها قيمة تستحق النظر اليها، سوى أنها حفنة من الإحصائيات والأرقام، وحفنة من الأخبار الهامشية في الزوايا المعتمة من أحياز الإعلام الغربي، تتعلق بالتحركات الدبلوماسية الغربية حول المسألة السورية، التي تبدو وكأنها من منطلق الحفاظ على الحد الأدنى من الموضوعية أمام المتابعين والمدققين، ومن دون الدخول في أي تفاصيل حقيقية تمس جوهر المأساة السورية والمعاناة المهولة التي يعيشها الإنسان السوري، والتي بتغطيتها الموضوعية والحقة والشفيفة يمكن تحريك الرأي العام في الدول الغربية ليلزم حكوماته بالتحرك العياني المشخص وفعل ما هي قادرة على فعله، إن شاءت وتجاوزت حالة الرياء المزمن منذ انطلاقة الثورة السورية، وهي لا زالت تتلطى بحجة الفيتو الروسي المعطل الذي استمرأته دائماً، وجعلها تظهر بأنها لا حول لها ولا قوة، إلا بعد زوال ذلك الأخير، وهو الذي لن يزول إلا باتفاق مضمر بين كل الأطراف الفاعلة في الأزمة السورية، وهو ما يبدو بعيد المنال في ضوء التوازنات السياسية الدولية الراهنة. فكانت تلك الحلقة المفرغة التي شكلت طوق النجاة للساسة الغربيين القادرين على الفعل حقاً، يعززها تثبيت لذلك الواقع، من خلال قوانين لعبة الإعلام الغربي المصمت، في ما يخص الجلجلة التي يكابدها عمودياً وأفقياً كل أبناء الوطن السوري بكل فئاتهم وطبقاتهم وشرائحهم.
وفي ذلك السياق يظهر العامل الذاتي بكينونته السورية المتفاعلة دائماً ولحظياً مع الظرف الموضوعي المذكور آنفاً، ليفتح ثقباً واسعاً تتسرب منه العديد من الفرص السانحة لشرح قضية الشعب السوري للرأي العام الغربي، بهدف تحريكه ودفع حكوماته لاتخاذ موقف حقيقي ملموس، سواءً بدعم الشعب السوري بشكل يمكنه من إنهاء فاجعته بيده، أو الإيعاز لبعض الأطراف العربية أو الإقليمية للقيام بذلك، التي ما زالت محجمة عنه فعلياً بسبب غياب الضوء الأخضر لها للقيام بذلك بعد أن طال انتظارها له.
ويمكن تشخيص العامل الذاتي السوري من الناحية التطبيقية بنموذجين اثنين لغرض التوصيف المنهجي لا الحصر المطلق. الأول منها يتمثل في ضعف الأداء الإعلامي للهياكل التنظيمية التي تعرف عن نفسها بأنها الكيان العياني المشخص للحامل الاجتماعي للثورة السورية بكل أطيافه؛ الذي تمثل في وجود خطة ثابتة لا تتزعزع تقوم على التفاعل السلبي المنفعل مع الحالة الإعلامية في الغرب، بحيث يكون أفراد من تلك التنظيمات والهياكل السياسية السورية جاهزين لإعطاء تصريح لأي وسيلة إعلام أجنبية، إن طلب منهم ذلك،، من دون أن يسعى صاحب التصريح بعد ذلك لكي يتابع كيف تم استخدام تصريحه وإدماجه في النسق الإعلامي الغربي، أو حتى الاجتزاء المخل منه، لأن المهمة الأولى، التي تبز كل ما سواها تتمثل في قيادة المعركة الإعلامية والخطابية على شاشات الأقنية العربية، لتحقيق نصر مؤزر هناك يمهد لسقوط النظام السوري وكشف حقيقته أمام كل المشاهدين العرب.
والعنصر الثاني يتمثل في الغياب شبه المطلق لأي عمل منظم للعلاقات العامة ونشاط ومجموعات الضغط (اللوبي) منبثق من الهياكل التنظيمية للكيانات السياسية السورية الثورية السالفة الذكر، التي وجدت في التواصل مع الإدارات السياسية في الدول الغربية مدخلاً لتحقيق القناعة والسكينة بأنها لم تدخر جهداً في شرح قضيتها، بكل براعة لفظية وعاطفية، لا تعني رجال السياسية في الغرب، الذين يعنيهم فقط هو عدم تحرك الرأي العام والمؤسسات الإعلامية والصحافية والمنظمات غير الحكومية في دولهم، في اتجاه غير الذي يرغبون أن تجري الأمور بها، مما يقتضي منهم حتماً تغييراً في استراتيجيات أدائهم السياسي، حسب قواعد اللعبة السياسية في العالم الغربي، وبتحركات استباقية تسعى دائماً للتناغم مع أهواء تلك القوى المجتمعية، التي يحسب الساسة الغربيون لها كل الحساب، وليس لسواها الذي ليس له أي قيمة، خاصة إن كان يقع خارج حدود دولهم، ومن ضمنه أي انتهاكات مريعة لحقوق الإنسان في سوريا أو غيرها، مادامت لم تصل إلى أعتاب عقول وقلوب شعوبهم في العالم الغربي، الذي لا بد لعمل السوريين القادرين جميعهم أن يتجه إليهم بشكل فاعل ومنظم بدل الانشغال المستديم بالمنازلات السجالية الاستعراضية وخطيئة استلهام الحسرة والقعود بأنه ليس بالإمكان أفضل مما كان.
٭ كاتب سوري مقيم في لندن
د. مصعب قاسم عزاوي