مسؤول مصر مشغولون بوضع اللمسات الأخيرة للمؤتمر الاقتصادي لدعم مصر المقرر انعقاده بشرم الشيخ ما بين 13 و15 من هذا الشهر، وعلق «وحوش المال» عليه أملا لعله يعيدهم لصدارة المشهد السياسي! ولو حدث هذا لكان نكسة لا تقل عن نكسة 1967. وتشيع الآن حالة توجس من نتائجه خاصة أنه ينعقد بعد «مهرجان أحكام البراءة» لأركان حكم مبارك وعائلته، وطفلهم المدلل أحمد عز، محتكر صناعة الحديد، بجانب إطلاق سراح رجال الشرطة المتهمين بقتل الشهداء. وهذا يحدث بجانب استمرار تفشي العشوائية منذ ما قبل يناير/كانون الثاني 2011 وحتى الآن، وطالت قطاعات عديدة ومجالات كثيرة. وحولت مسؤولين من موظفين عموميين إلى ملاك في مناصب تمكنهم من التصرف فيما يقع تحت أيديهم، فيتصرفون فيه كيف شاءوا.
وامتدت العشوائية إلى دوائر قضائية بعينها، وتابعنا بعضها المؤسف، في قرارات اتخذتها اللجنة العامة للانتخابات فأصدرت قوانين معيبة دستوريا استوجبت الطعن عليها أمام المحكمة الدستورية العليا. وعليه تعطلت الانتخابات وكأن اللجنة فوق الدستور، فخولت لنفسها صلاحيات ليست لها، والعشوائية جاءت بقضاة يضعون الولاء السياسي للرئيس المخلوع مبارك قبل الالتزام الدستوري والوطني. وهناك تفاصيل كثيرة تضيق بها المساحة.
والعشوائية المتفشية مكنت الانعزالية لتكون نزعة غالبة في أوساط سياسية وقضائية وحقوقية، قادرة على التأثير في صانع القرار، ونبهنا إلى خطورة هذه النزعة على مدى سنوات على صفحات «القدس العربي» وغيرها، وهذا لم يمنع من عودتها بقوة بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011، وانحسرت نسبيا بعد ثورة يونيو/حزيران 2013. والانعزالية في مصر لا تختلف في جوهرها عن مثيلتها اللبنانية، تعادي العروبة، وتنحاز للمشروع الصهيوني. وأعتقد أنها موجودة في بعض أروقة القضاء، لتقف وراء صدور حكم باعتبار «حماس» منظمة إرهابية، وأنا على ثقة بمستوى الوعي الفلسطيني، الذي يسمح بمحاسبة أي متورط من «حماس» أو غيرها في حق مصر أو حق أي من البلاد العربية. والأفضل دوما هو التحقيق مع من يضبط متلبسا أو مشتبه به داخل مصر بشكل قانوني بعيدا عن حملات الإعلام. ومن المعروف أن المسؤولية عن وقوع الجرم أو المخالفة شخصية، وفي حالة ثبوت وجود محرض خارجي، يترك الأمر للقواعد القانونية والطرق الدبلوماسية.
والنزعة الانعزالية نمت وترعرعت في عهدي السادات ومبارك، وهي الآن الأكثر خطرا على الأمن الوطني المصري، والأمن القومي العربي والإقليمي، والانعزالية نزعة معادية للاندماج، الذي يصهر كل وافد يقيم ويستقر في مصر، ونافرة من التوجهات والأفكار الجامعة، التي تربى عليها المصريون وصاغت وجدانهم منذ فجر التاريخ، وقاربت بين شتاتهم الجغرافي، وأقامت ممالكهم الموحدة قبل أن تعرفها البشرية بقرون، وأنتجت التوحيد الديني في زمن تعدد الآلهة، ولهذا فإن الانعزالية طارئة على مصر وشعبها. فبلد النيل وموطن الوحدة والتوحيد، لا يمكن أن تكون الانعزالية شيئا أصيلا فيه، وتغَلّب عوامل الاندماج صنع لمصر عمقا يقاوم عاديات الزمن ومحنه، وينتصر على الغزوات الهمجية والاستعمارية، ويزيدها تماسكا ومنعة وقت الخطر. وحين يحل عليها زائر حاليا يفاجأ باستمرار الحياة على طبيعتها مع كل ما يحيطها من مخاطر!!
ورغم هذه الطبيعة فإن الوضع يستعصي على الفهم حين تتخذ السلطات إجراءات وتنفذ مشروعات، دون مشاركة شعبية، أو حوار مجتمعي حقيقي. وقد يعود السبب إلى الخطاب الرئاسي الموجه للناس، فحين يطلب الرئيس من المصريين أن يكونوا معه و»ما يقدرش يعمل حاجة من غيرهم»، تبدو موجة «الإرسال» الرئاسي ليست على مستوى «الاستقبال» الشعبي، فالشعب ينتظر من «الزعيم» أن يقف معه، في هذه الظروف وكل ظروف، يحفز ويعبئ، ويعمل معهم وبهم، ويفتح أمامهم أبواب الرجاء، فليس بالمال وحده تنصلح أحوال الشعوب، على أن تتلاقى الموجتان، كي لا يترك ذلك أثرا سلبيا على المواطنين، ويشعر البعض أنه يعامل كالقطيع، ينتظر من يهشه أو يحركه، وكانت هذه خطيئة الإخوان الكبرى، ودفعوا ثمنها غاليا. ليس من السلطات وحدها بل من عموم الناس، وهي محنة فاقت كل ما مر بهم من قبل.
ومع المؤتمر الاقتصادي يحضر المصرف الدولي، صاحب الموقف التاريخي المعادي لمصر، يحضر مشاركا، محملا بخطيئة عقاب مصر حين رفضت قبول إملاءاته بدخول الأحلاف، في وقت جلاء قوات الاحتلال البريطاني، وفي بدايات اتباع نهج «الحياد الإيجابي»، الذي تطور إلى «عدم انحياز»، سبيلا لصياغة علاقاتها الدولية. ومن الواضح أن رجال هذا «المصرف» حين يحطون رحالهم في «شرم الشيخ» ستكون لهم الكلمة الفاعلة، في مشهد ملتبس، توتر مع الإدارة الأمريكية، وقطيعة بين السيسي وأوباما، وضغط أوباما لإعادة الإخوان إلى صدارة المشهد السياسي، والاستجابة لذلك الضغط لا يقدر عليها الرئيس السيسي مهما كانت قوته وشعبيته، فالناس هم الذين يتصدون للإخوان ويلاحقونهم، حتى اختفى كثير منهم وتواروا عن الأنظار في مناطق سكنية بعيدة عن العواصم، وأغلبها في المجتمعات العمرانية الجديدة في الصحراء!
ووفد المصرف الدولي يتكون من نائب الرئيس التنفيذي له، ومن المدير التنفيذي لمؤسسة التمويل الدولية، ونائب رئيس «المصرف» للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ولفيف من مسؤولي «المصرف» ومؤسسة التمويل الدولية. وأفصح البيان الذي صدر في واشنطن عن دورهما المنتظر، ووصفه البيان بأنه: «دعم مؤتمر شرم الشيخ وتقديم المشورة السياسية والخبرات الدولية». وأشار إلى أن ذلك يتم بناء على طلب الحكومة المصرية! ووصف مناسبة انعقاد المؤتمر بـ»الرفيعة وخطوة مهمة لتعزيز النمو وجذب الاستثمارات لمصر في إطار منظومة الإصلاحات التي تتبناها»!!
ومن زاوية أخرى ليس هناك من ينكر المجهود الخارجي المكثف لعودة مصر لتلعب دورها العربي والإقليمي والدولي، وهي جهود مقدرة، لكن جهود الداخل تبدو غامضة وتتجنب جسارة الضغط من أجل «العدالة الاجتماعية»، وكأن هناك «حكومة خفية» تبتز الرئيس السيسي، وتؤثر على ما تتخذه الحكومة من قرارات وإجراءات في اتجاه معاكس تماما، وتتولى الإغداق على القوى التي نهبت البلاد وأفسدت الحكم، وتجلسها في الصفوف الأمامية في حضرة الرئيس السيسي، تماما كما فعل مرسي مع قادة العنف المسلح ووضعهم في صدارة المشهدالاحتفالي بذكرى اكتوبر/تشرين الأول 2012، بجانب ما لها من حضور إعلامي واضح، ووزن اقتصادي فاعل، وتوظيف ما لديها من مال وبشر وإمكانيات لكسب «ظهير استثماري» عربي وخارجي يضاف إلى قوتهم الفعلية!
وينعقد المؤتمر الاقتصادي وما زالت الطبقة الوسطى على حالها، وبقي الفلاحون والعمال وصغار الكسبة وموظفو الحكومة على الهامش رغم قوتهم العددية ووزنهم السكاني، وحولهم دستور عمرو موسى الجديد المقنن لـ»المحاصصة» إلى «أقلية» عكس الدساتير السابقة التي ضمنت لهم وزنا تمثيليا يعادل وجودهم الفعلي في الواقع. وهم بطبيعتهم منتجون ومبدعون، ونصيبهم من الثروة الوطنية والعامة فتات لا يقارن بنصيب «وحوش المال»، غير المنتجين، وكل ما لهم أن الدولة تمكنهم من وضع يدهم على الكم الأكبر من الموارد الطبيعية والأصول السائلة والثابتة، وينتظرون الآن «غزوة المستثمرين الأجانب» ليزدادوا نفوذا وقوة، ومهدوا لها باستئناف «الخصخصة»، والاستيلاء على ما تبقى من أصول وخدمات، وعرضها للبيع لشركات احتكارية بأبخس الأسعار، ثم تنقل ملكيتها لشركات أجنبية بالاتفاق مع «وحوش المال»، الذين يتربصون الآن بالمستشفيات الجامعية، وضمها لـ»منظومة العلاج الاستثماري»، وبيع الخدمة الصحية الرخيصة للمواطن «غير الاستثماري» بأسعار باهظة. وذكرنا على هذه الصفحة منذ سنوات ما نصه «كي يتمتع المصري بالمواطنة عليه أن يكون مستثمرا»، ويحصل على كل أنواع الدعم، وعلى أراضي الدولة مجانا، بجانب ثروات أخرى بلا حساب وبقرارات الحكومة!
وتفاجئنا مواطنة بسيطة اسمها أسماء محمد، وكانت قد ذهبت إلى «وقفة الكلب»، التي خرجت احتجاجا على ذبح كلب بطريقة وحشية وهمجية، تسألهم عن حق المواطن مقارنة بالحيوان! بعد أن دارت على المستشفيات بطفلها الرضيع طلبا لعلاجه، فلم تجد مستشفى يقبل به، وسمع عنها إبراهيم محلب رئيس الوزراء والتقاها في مكتبه، وأمر بإيداع الرضيع قسم الأطفال بمعهد ناصر، وخاطبته قائلة، حسب صحيفة «المصري اليوم» الأربعاء الماضي: «يعني اللي مش معاه فلوس يموت»!! وما زال العرض مستمرا.
٭ كاتب من مصر يقيم في لندن
محمد عبد الحكم دياب
لا رجاء ولا إحباط المؤتمر شكلة كد فى الآخر حيكون من عينة الفنكوش او بتعبير آخر جهاز كفتة جديد!!!!
يااااااه كفتة تاااااانى !!!
لم يحضر احد…
هذة هى النتيجة المتوقعة لمؤتمر الدكر الدولى للتسول فى شرم الشيخ!!
واضح ان معظم ان لم يكن كل الداعمين الاقليميين للدكر وعصابة العسكر بدأوا فى التخلى عنة، لما يمثلة من عبئ اقتصادى، سياسى، اجتماعى، واخيراً اخلاقى!!
كل المؤشرات القادمة من الخليج و تحديداً من السعودية تشير الى تغير واضح تجاة الانقلاب …
ولا ننسى ان الدكر بيحاول يصطاد فى المية العكرة مع الحوثيين ومع ايران لإرسال رسالة ضمنية للسعودية…
ولا ننسى
تحية طيبة للكاتب
لم أفهم العلاقة بين مؤتمر التسول وإخواننا الفلسطينيون الذين يجب أن يحاسبوا الحمساويين الإرهابيين
والإخوان الذيييين يختبؤون في الصحاري والشعب الذي يضغط على السيسي ولا يستطيع أن يضغط على اللجنة المنظمة للإنتخابات وأوباما وووووووووو