المؤمن غير المدخن خير من المؤمن المدخّن…

حجم الخط
8

جاء في الحديث الشريف أن»المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف». هذا الحديث يجعلنا نتساءل هل اختار أحد منا قوّته أو ضعفه، وما ذنب الضعيف حتى يكون القوي أقرب إلى الله وخيراً منه!
في الواقع نعم إلى حد كبير، هناك أمور كثيرة نحن أصحاب القرار فيها، ونحن السبب في قوتنا أو ضعفنا.
من المعروف أن أمراضاً معيّنة منتشرة أكثر بين ولادات الأزواج الأقارب. يوجد عدد كبير من التشوّهات الخلقية بالذات في القرى الصغيرة النائية المنغلقة على نفسها خصوصاً في القرى البدوية المنعزلة في النقب وفي بعض قرى الشمال مثل عين ماهل التي فيها أعلى نسبة طرشان في العالم، كذلك تعاني قريتا المشهد وعرب النعيم من ولادات كثيرة ذات تشوهات خلقية للأسباب ذاتها.
صحيح أن هذه الظاهرة خفّت كثيراً في العقود الأخيرة ولكنها ما زالت موجودة في بعض القرى، وأظن أنها منتشرة في المناطق الريفية في البلدان العربية.
المهم أن مخاطر زواج الأقارب واضحة ولكن البعض ما زال يعيش في زمن الاتكال على الغيبيات والقسمة والنصيب والمكتوب على الجبين، وكأن العلم لم يكشف الكثير من الأسرار الجينية وأسباب كثير من الأمراض التي ممكن تجنبها ،غرّبوا النكاح حديث ضعيف ولكنه صحيح جداً.
يعني إذا كانت ابنة عمك أو ابنة خالك جميلة جداً فهذا لا يعني أن تستميت للزواج بها، بينما إذا كانت دميمة تفر منها وتدّعي أنها مثل أختك، ورغم ذلك إذا أصر قريبان بالدم على الزواج فمن الضروري إجراء فحوصات تُظهر لهما ما الذي ممكن أن يحمله الأبناء من أمراض أو تشوهات وراثية أو العكس، فقد يطمئنون بأن الزواج آمن وعلى بركة الله، ولكن يجب عدم ترك الأمر للصدفة والقدر.
تقول إحصاءات رسمية إن عدد الذين يصابون بمرض السرطان بين العرب في فلسطين داخل الخط الأخضر ضعف عدد اليهود الذين يصابون به، بواقع إصابة 111 يهودياً من أصل 100000 إنسان، بينما يصاب العرب بحوالي 223 من أصل100000، هذا التزايد في انتشار المرض بين العرب ليس صدفة، هذا المرض يحب رئات المدخنين، ومعروف أن التدخين أحد أهم العوامل المساعدة لهذا المرض، والكارثة الصحية الحقيقية ستظهر في العقدين القادمين، لدينا من يعتبر الأرجيلة صديقته وشريكته وينقلها معه في سيارته حيثما ذهب، بينما تؤكد الدراسات أن كل رأس معسّل هو بمثابة إرسال دخان عشرين سيجارة إلى رئتيك خلال نصف ساعة، ونسبة الرجال العرب المدخنين تصل إلى حوالي 46٪ بينما نسبة الرجال اليهود المدخنين 23٪، هذا يوضح السبب الجوهري لعشق هذا المرض لرئات الرجال العرب، ولكنه يفضل رئات النساء اليهوديات على رئات العربيات وذلك أن نسبة المدخنات اليهوديات تصل إلى 21٪ بينما نسبة المدخنات العربيات هي 7٪ فقط.
سيتنطح أحدهم ليقول: جدّتي دخنت الأرجيلة سبعين سنة وعاشت أكثر من قرن، وسيقول آخر: إن فلاناً لم يدخن في حياته سيجارة واحدة ولكنه مرض بسرطان الرئة. نعم يا سيدي توجد حالات نادرة وشاذة مثل جدتك ومثل هذا الرجل ولكن القاعدة الأساسية واضحة، وهي أن التدخين أحد أهم أسباب سرطان الرئة القاتل، وكل الدراسات تؤكد أن صحة المؤمن غير المدخن أفضل من صحة المؤمن المدخن.
كذلك فإن السرطان أقل غراماً بأثداء العربيات ولكنه أخطر عليهن لأنهن يكتشفنه بتأخير كبير عن اليهوديات، ولهذا فإن فرص نجاتهن أقل، وهنا يتدخل الوضع الاجتماعي والاستعداد لفحوصات الثدي بشكل دوري ومنتظم واكتشافه المبكر الذي يساعد على النجاة، وهذا يعود لأسباب اجتماعية وكذلك لبعد العيادة عن مكان الإقامة في كثير من الحالات وخصوصاً القرى البدوية في النقب.
مما لا شك فيه أن الإنسان الذي يعيش ويعمل في بيئة موبوءة بالمكاره الصحية والتلوّث المرتفع للهواء يكون أكثر عرضة للأمراض المزمنة ممن يعيش في بيئة نظيفة وصحية، وهنا يتحمل الاحتلال وسياسته البيئية العنصرية القسط الأكبر من المسؤولية، وعندما نقاوم الاحتلال فنحن نقاوم معه موبقاته ومنها تلويث البيئة وتخريبها وتحويل التجمعات العربية إلى مخيمات مكتظة.
كذلك أثبتت التقارير الميدانية أن هناك علاقة بين السرطان وهوائيات شركات الهاتف الضخمة فالمقيمون بقربها يتعرضون أكثر من غيرهم للإصابة بالسرطان، في وسط مدينة طمرة الجليلية مثلاً كان هناك هوائي عملاق، في ذلك الحي وبقطر حوالي مئة وخمسين متراً لم تخل أسرة من إصابة لواحد أو أكثر من أبنائها بالسرطان إلى أن انتفض سكان الحي وأحرقوا الهوائي أكثر من مرة واضطرت الشركة لنقله، كذلك في قريتيّ عسفيا ودالية الكرمل كانوا سباقين بإحراق هذه الهوائيات بعد ملاحظة الانتشار السريع للسرطان في البلدتين، صحيح أن الاتصال اللاسلكي من وإلى هاتين القريتين رديء جداً ولكن بلا شك أن أرواحاً كثيرة أنقذت، وتقع مسؤولية كبيرة بهذا على من يؤجرون أراضيهم أو سطوح منازلهم لهذه الهوائيات وعلى الأهالي الذين يصمتون رغم إدراكهم للضرر.
وماذا مع الرياضة! نلاحظ أن فئات واسعة من الأجانب تمارس الرياضة كفرض يومي، أما نحن فعند الرياضة يصبح وقتنا من ذهب ولا نريد إزهاقه، هذا صحيح لدى قلة قليلة من المشغولين بإدارة العالم ولكن الأكثرية ستجد الوقت للرياضة لو أرادت، وقد ثبت أن فوائد الرياضة لا تحصى. أما نسبة النساء العربيات فوق سن الأربعين اللاتي يمارسن الرياضة فتكاد لا تذكر، ولهذا يجد السكري طريقه بسهولة في أجسادهن.
المسؤولية الشخصية والوطنية والإنسانية تتطلب منا أن نكون أكثر اهتماماً بصحتنا وصحة من حولنا، فالإنسان المعافى يستمتع بحياته أكثر هذا أولاً، وهو أكثر فعالية وعطاء لأسرته ومحيطه ومجتمعــــــه، كذلك بإمكانه الانخراط أكثر في نضال أبناء شعبه في مواجهة السياسات العنصرية المتفاقمة على أشكالها وألوانها الكثيرة وسيكون أكثر قدرة على أداء واجباته تجاه العباد وإله العباد ولهذا يكون أفضل عند ربه.

المؤمن غير المدخن خير من المؤمن المدخّن…

سهيل كيوان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Moussalim Ali:

    .
    – العرب ( القدامى ) من اخترعوا التدخين .

  2. يقول سامح //الأردن:

    *أخي (كيوان) حياك الله.
    لا تتعب نفسك ..
    شباب هذه الأيام طائشين
    ولا يسمعون نصيحة أحد ..؟!
    * كل يوم وفي طريقي للعمل
    أمر من السوق وبعض الشوارع
    الرئيسية وأشاهد نفس المنظر
    ونفس المشهد (شباب يدخنون)
    وكل واحد حامل بيده الشمال
    كوب القهوة وبيده اليمين السيجارة
    وكل هذا على (معدة فارغة) قبل تناولهم
    وجبة الفطور ..؟!
    *الانكى من هذا بعضهم يصعد ف الباص
    ويتحول الباص للأسف لمحششة من
    كثر الدخان ولو أحد حاول يمنعهم
    (طوشة) على طول..؟!
    *الله يهديهم ويصلح أحوالهم.
    سلام

  3. يقول عبد الكريم البيضاوي . السويد:

    ها أنت ياأخ سهيل تضع الأصبع على الجرح كالعادة, أنا من القائلين : ” ياعرب إلتفتوا لجنباتكم , مشاكلكم الإجتماعية لاتعد ولاتحصى, في بعض الجهات تجد الزمن قد توقف وتجمد لقرون والناس ” بخير ” لكن وبنظرية المؤامرة الحقيقية هذه المرة ,هناك من القوى الإجتماعية والسياسية من لايعشق فتح هذه المواضيع أوالحديث فيها , تحويل البوصلة للمتربصين والحاسدين على نعمنا الجمة يجدونه خطابا أفضل وذا رواج مقبول !! لاحل في الأفق للأسف ولو بالعولمة والغزو الإلكتروني , المجتمعات ملقحة.

  4. يقول عصام جبريل:

    مقال جميل و رائع و نسال الله السلامة و العافية لأهلنا.

  5. يقول رؤوف بدران- فلسطين:

    اخي سهيل !!لك اجمل تحية من جبل الكرمل وبعد :
    قبل شهرين احضروا لنا محاضر لنادي المسنين في احدى قرى الكرمل التي اسكنها , وكان الموضوع عن نسبة الامراض عند العرب مقارنةً بنسبتها عند اليهود ؟! كان المحاضر( دكتور ابن عرب) وبدأ باسماع نفس الاسطوانة المشروخة , اننا نحن العرب بسبب سوء تغذيتنا نصاب بالامراض وبعدم ممارستا للرياضة نصاب بالترهل ونصبح مقعدين و..و..و..ولم يترك عاهة الا والصقها بنا ؟!!
    وعندما جاء دور الاسئلة , رفعت اصبعي مستأذناً ومتسائلاً , لماذا هذا التقسيم البغيض عرب ويهود ؟ لماذا لا تقسم بين الاشكناز والصفرديم” الشرقيين” الا تختلف النسب عند اليهود بين المهاجرين الروس والمهاجرين الاثيوبيين؟! بين اليهود من شمال افريقيا وبلاد ما بين النهرين او ايران؟ ولماذا تجمع بين العرب جميعاً في سلة واحدة (ليس من ناحية انتماء وانما من ناحية صحية) وقلت له حينها ,الا يوجد تفاوت بين الشرائح والطوائف وعلى سبيل المثال لا الحصر بين الدروز والشركس او بين البدو والبروتستانت والارثوذكس ,
    عند هذا الحد من الاستفهام ولقلة خبرته بالارقام والاحصائيات , اتهمني بأن سؤالي ينخرط ضمن دائرة القومية وعنصريتي اتجاه اخوتي العرب الفلسطينيين؟!!!
    اخي سهيل : ما زلت عند تشبثي بأن هذا التقسيم غير منصف وهذه الاحصائيات غير نزيهة ولغايةٍ في نفس يعقوب والسلام

  6. يقول عادل:

    : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    ((المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيءٌ فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا وكذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن (لو) تفتح عمل الشيطان ))
    ( رواه مسلم )
    الحديث لايفهم معناه الا اذا اوردته كاملا وبالتالي سيجيب عن تساؤلك في مقدمة المقال. وشكرا

  7. يقول ناديه:

    استاذ سهيل يعطيك العافيه مقال ثري ومشوق لمست من خلاله مواضيع ذات أهمية بالغة في حياتنا الا وهي صحتنا الجسمانية ، ربما كوني من مجال التربية الخاصة فأنا على علم ودراية بمدى الإعاقات التي يتسببها زواج الأقارب ولكن ماذا عن الصحة النفسية وماذا عن الحب الذي هو ضربة قدر فهو اقوى من كل الحسابات العقلانية ، خبرتي في الحياة علمتني ان الانسان يولد وقدره مكتوب سيحب من وسيرتبط بمن ذريته كم حتى رزقه مكتوب واذا احب الله عبدا ابتلاه .

  8. يقول Samaher:

    لا فض فوك لله درك ودر دررك كاتبنا العزيز ..
    فعلا لطالما سمعناها ورددناها مقولة ان درهم وقاية خير من قنطار علاج كثيرا في واقعنا وربما نؤمن بها كثيرا ونطبقها في مجال الصحه فقط لأننا نفهمها وندرك معناها عند هذا الحد فقط ..لكننا نحتاجها في استيعابات اخرى باتجاهات عدة غير المقتصره فقط على الوقاية الصحية ايضا الوقاية السياسيه والاجتماعيه امران ضروريان ومهمان لتفادي الاضرار الاخرى ومنها الصحية التي لم تسلم هي ايضاً من عنصر التفرقه ..وهنا سأدلي بردي على الاخ الكريم المعقب رؤوف بدران في ذالك اليوم الذي لن انساه وانا في انتظار زوجي في السيارة من الجهة الاخرى وقفت شاحنه محملة بالبضائع امام متجر غذائي استرق سمعي العامل الذي وبخ مساعده لانزاله رزمة غذائيه بالخطأ تحوي منتوجات غذائيه لماركة مشهورة بصوت يزمهر يقول الا تدرك بعد بأن هذه الرزم للوسط العربي ارجعها وأتي بالرزم الصح ..(نفس الشكل ونفس الكتابات والتعليمات والرسومات من الخارج لكن الجودة تختلف من الداخل ) ..ما دام هناك اختلاف بالأجناس حتماً ستكون تفرفة بالامور الأخرى …ونحن للأسف نمتلك كل شيء ولدينا الافضل في كل شيء لكن ينقصنا كل شيء ونفتقر لكل الاشياء ما دمنا فقراء في الادراك والوعي ..

إشترك في قائمتنا البريدية