استمعت الى خطاب السيد مايك بنس في الكنيست الإسرائيلي، يوم الاثنين 22 كانون الثاني ـ يناير 2018، وأحسست كيف أثار هذا الأصولي عاصفة من الكراهية التي ترشح من غطرسته ومعتقداته الغيبية المحشوة غباء.
وقف نائب الرئيس الأمريكي على منصة الكنيست بوصفه مبشرا إنجيليا لم يحفظ من الكتاب سوى أساطيره اليهودية بتأويل المسيحيين الإنجيليين الصهاينة، فجاء يبشّر اليهود بدينه القيامي، متلاعبًا بالحكايات التوراتية، وكأنه قسيس يعظ في كنيسة. وإحدى لحظات انتشاء الرجل بنفسه كانت حين رأى كيف تم طرد النواب الفلسطينيين العرب من القاعة حين رفعوا شعار «القدس عاصمة فلسطين»، في تلك اللحظة وجّه السيد بنس التحية الى «الديمقراطية الإسرائيلية النابضة»، اذ يبدو أن الدييمقراطية الإسرائيلية لا تنبض إلا بالكراهية والقمع.
جاء بنس ليقول لنا وللعالم أجمع إن الأصولية والرؤية القيامية وجدت تجسيدها الحقيقي أخيرا في هذا التيار الديني القيامي، الذي تفوّق على أصولية البغدادي وأسامة بن لادن، لأنه يمزج أصوليته الدينية بهوس تبشيري يمتلك القوة والمال والتنظيم الحديث، ويقود جيوشا جرارة، تتعامل مع العالم بأسره بصفته ساحة مستباحة.
ما أثار ذعري وأنا أستمع إلى بنس ليس مسيحيته الصهيونية، ولا ولعه بالأساطير اليهودية أو تماهيه المطلق مع الكولونيالية الاستيطانية الإسرائيلية، فهذه أمور نعرفها. لكن الجديد هو الاصرار على إقحام مسيحيي المشرق العربي في اللعبة، وإعلانه دعم الأصولية المسيحانية الأمريكية لهم، كأن الرجل لم ير كيف رفض البطريرك القبطي لقاءه في مصر، وكيف أقفل مسيحيو بيت لحم الأبواب في وجهه.
الرجل لا يأبه بالمسيحيين العرب، فهو يحبهم حتى الإبادة، ويصلّي لِعِجْل بني إسرائيل كي تصل الأمور الى محوهم من عن الوجود على أيدي نظرائه من الأصوليين.
لقد سبق للمسيحيين المشرقيين أن اختبروا هذا الحب القاتل خلال الحروب الافرنجية التي أُطلق عليها اسم الحروب الصليبية، يومها قامت جحافل الافرنج الصليبيين باضطهاد المسيحيين والاعتداء على كنائسهم وتهجيرهم لأنهم، في عرف الكنيسة الكاثوليكية في ذلك الزمان، لم يكونوا مسيحيين حقيقيين.
وهذا ما بدأت تجلياته الأولى خلال الغزو الأمريكي للعراق، حين فتحت صليبية جورج بوش الابن الباب أمام الاضطهاد الوحشي الذي تعرّض له المسيحيون تحت أنظار الجيش الأمريكي المحتل، وهو اضطهاد وصل إلى ذروته مع دولة البغدادي التي جعلت من حرف النون علامة العار على أبواب بيوت مسيحيي الموصل وهجّرتهم، قبل أن تنتقل إلى الإبادة الوحشية للأيزيديين.
مايك بنس صليبي صهيوني جديد، يتفوق على رئيسه ترامب في عقائديته ومسيحانيته، فترامب ليس سوى تاجر عقارات ومهرّج، أما هذا الرجل فهو عقائدي ممتلئ بالإيمان بأنه يمهد للمجيئ الثاني للمسيح الذي سيبيد اليهود أيضا. لكن شرط ظهور المسيح الدجّال هذا هو أن يجتمع اليهود كلهم في فلسطين من أجل نصرة نصفهم وإبادة نصفهم الآخر.
هذا اللقاء بين الأصولية الإنجيلية الأمريكية والأصولية اليهودية الصهيونية، ليس جديدا، فأمريكا كانت منذ تأسيس دولة الاحتلال في فلسطين، الداعم الأكبر لهذه الدولة. لقد حاولت إسرائيل أن تتلوّن بلون زمنها التأسيسي مدعية أنها دولة ملجأ، وحاملة خطابا اشتراكيا مزيفا، لكن الحرباء الإسرائيلية استقرت أخيرا على لونها الأصلي، بصفتها مشروعا استعماريا قياميا قائما على التطهير العرقي والأبارتهايد. وعندما رأت كيف أعاد زمن ما بعد الحداثة العالم الغربي إلى الوحشية الفاشية، وجدت في الفلسطينيين يهودها الجدد لتصبّ عليهم حقدها ونزعتها الاستعلائية التي تتمثل في غطرسة الرجل الأبيض.
بنس وأترابه من الفاشيين في الغرب وحلفائه الفاشيين القدماء المتجددين في إسرائيل لا يشكلون خطرا وجوديا على العرب والمسلمين وحدهم، بل يشكلون خطرا على العالم. إنهم الشكل الجديد الذي تتخذه البربرية، لذلك فإن شرط مقاومتهم هو رفض منطقهم بشكل كامل، وعدم السقوط في فخ ردات الفعل العنصرية. الحرب التي يشنها الثنائي الأمريكي ـ الإسرائيلي على فلسطين اليوم هي حرب البربرية التي تلبس ثياب الدين ضد الفكرة الإنسانية التي ناضلت كل شعوب الأرض من أجل الوصول إليها. إنهم أعداء المساواة والعدالة والحرية، والنضال ضدهم ليس نضالا وطنيا فقط، بل هو نضال أممي أيضا.
المثير وغير المفاجئ هو هذا الانبطاح الرسمي العربي تحت أحذية هؤلاء العنصريين، نتنياهو في دافوس نطق بحقيقة الأنظمة العربية حين تحدث عن تعاون إسرائيلي عربي لم يكن يحلم به. فأنظمة الخوف العربية التي يتسلّط عليها مستبدون لا يخافون إلا من شعوبهم، ولا يجدون كرامتهم المهدورة إلا من خلال إهدار كرامات الرعايا في دولهم، لا يجدون أي حرج في الانحناء أمام أسيادهم الأمريكيين والإسرائيليين، ولا يزعجهم أن يروا الفلسطينيين تحت المقصلة، فالفلسطينيون ليسوا أفضل من شعوبهم، فلتتوحد الجريمة كلها، ولتكن فلسطين قربانا على مذبح الإله الوثني الذي يعبده بنس ونتنياهو.
إنها لحظة الانحطاط العربي الكبرى، فلقد نجح المستبدون والأصوليون في تفتيت سورية والعراق وليبيا واليمن، وسقطت مصر تحت حكم انقلابي عسكري مستسلم، ولم يبق سوى أن يتحالف ملوك الكاز بشكل استتباعي مع إسرائيل، كي تكتمل دورة الاختناق.
إنه زمن الحضيض، لكنه زمن الأحمق أيضا، فغطرسته تجعله متعاميا عن الرؤية، وتدفعه إلى تزوير كل شيء، حتى أنهم في إسرائيل عقدوا اجتماعات رسمية للجنة الخارجية والأمن في البرلمان الإسرائيلي كي يبرهنوا أن عائلة التميمي لا وجود لها!
يعتقدون بغباء الممتلئ بقوته أنهم يستطيعون تمرير كذبة «أرض بلا شعب»، مرة أخرى. وهم واهمون، ومن ثغرات وهمهم وبلادتهم العقلية سوف تتسرب الحقيقة.
شعب فلسطين اليوم ومعه شعوب المنطقة العربية صاروا أرض التضحيات التي وقع عليها اختيار الوحش كي تقدم أفقا للحرية التي ستبقى هي الأفق.
الياس خوري
هناك مسيحيين عرب لهم مواقف مشرفة منذ فتح الشام بعهد الفاروق عمر مروراً بصلاح الدين ولغاية اليوم
ولم يبدلوا جلودهم كما يفعل المنافقين والخوارج الذين ينسبون أنفسهم للمسلمين
دماء عروبتهم الأصيلة تأبى عليهم الغدر والخيانة
ولا حول ولا قوة الا بالله
إزاء هذا الواقع وللوقوف صفا واحدا في وجه الوحش العنصري الكاسر الصهيوـ أمريكي لا بد من الاعتماد على الشعوب العربية ونضالها بعد ان باعت انظمتهم نفسها للوحش وفسحت له المجال واسعا ولولا ذلك لما تجرأ بنس الداعشي ان يتفوه بهذا الكلام ولاسيده ترامب دادا من قرار القدس عاصمة لإسرائيل. وللوقوف في وجه الوحش العنصري هناك طريقة واحدة: المقاطعة
ورفض التطبيع، قاطعوا البضائع الامريكية الاسرائيلية فبالأمس وصلت اطنان من التمور الاسرائيلية الى المغرب بدل تمور الجزائر او تونس، دعوها تفسد في واجهة المحلات لتكون درسا لكل مطبع مع دولة الاحتلال والعنصرية
صدق الكاتب الاريب عندما حمل امريكا مسؤولية ما اصاب المسيحيين و الازديين في العراق و ذلك لسبب بسيط ان هؤلاء عاشوا في امان مئات السنين قبل ان تأتي امريكا و تجعل للقاعدة وجود في العراق و حتى قبل ذلك في افغانستان. و ازيد ان امريكا تتحمل بشكل مباشر كل الكوارث التي حلت بالعراق منذ تدخلها على اسس كاذبة. و ازيد ايضا ان داعش لم يكن لها وجود قبل انقلاب السيسي و يأس الناس من الانعتاق بالاعتدال.
اما عن حديث نتنياهو عن التحالف مع بعض الدول العربية (قال في احد التصريحات نصف الدول العربية) فقد بدأه بنفس الوضوح في نفس المنتدى عام 2015 و قاله قبله اولمرت عام 2006 بعيد الحرب على لبنان. و في الحقيقة ان الرجلين يريدان مصالح شخصية وظيفية الا ان التعاون قديم و حتى ما قبل انشاء دولة اسرائيل. اي ان الموضوع قديم و متواصل و اعتقد انه وصل الى مراحل متقدمة لا تراجع فيها خاصة بعد ان استتب لهم الامر
كل الاحترام لصاحب المقال. كشيوعي محترف بكشف العملاء الاستفزازيين عرفنا منذ اللحظة الأولى أن داعس وأخواتها من قبل تتنفس من نفس النفس الغيبي الذي يريد أن يعيدنا إلى الحروب الطائفية على أساس ديني لتفريغ القضية الفلسطينية من جوهرها الوطني وامتدادها القومي العربي، حيث هذه هي الأرض التي تقف عليها الشرعية الدولية وليست الحكايات الدينية التاريخية وغير التاريخية إلا معتقدات نحترمها لكنها يجب أن تكون تحت سيطرة واحتواء الوطني والقومي لها. وما الحكاية الدينية الصهيونية العنصرية حول الدين القومي والتلاعب وكأن اليهودية قومية إلا ادعاء باطل علميا وأخلاقيات وإنسانية.
أخي الياس مع شكري الجزيل. أنت سردت جيداً لماذا نحن نعيش لحظة الانحطاط العربي الكبرى-
نعم لكن هل يكفي هذا الحديث. السؤال الذي يلاحقني باستمرار, كيف ومتى سنبدأ رحلة المليارات من الأميال. أمامنا جبال من الصعوبات وحقول واسعة من الأشواك وبحار كلها عواصف وهيجان.طبعا لست متشائماَ ولا متشائلاً بل متفائلاَ. برأيي أصبح علينا أن لاننصب على الواقع طويلاً, فقد أنهكنا هول هذا الواقع المريع. علينا أن نعطي المسقبل الإنتباه اللازم, لأن الواقع سيتحول إلى لحظة عابرة والمستقبل بأيدينا, إذا أعددنا الإرادة!. هناك أفرد كثيرون يعملون مابوسعهم, وأخي سوري (التعليق أعلاه) مثال رائع في هذا المجال, لكن ينقصنا التفكير والعمل الجمعي, مجموعة من النحوم والكواكب المتناثرة فهل هناك مجرة تجمعنا, هل هناك من بادرة في الأفق.