المتغطي بالأمريكان عريان

ليس هناك أدنى شك بأن كل القوى الاستعمارية والامبريالية الكبرى عبر التاريخ كانت بلا أخلاق، فلا يمكن للمستعمر أن يكون صاحب مبادئ أصلاً، لكن أعتقد أن أمريكا تفوقت على أغلب المستعمرين عبر التاريخ، فسياساتها ليست بلا أخلاق فقط، بل هي أيضاً نموذج للانتهازية والتقلب الخطير، بحيث أصبحت السياسة الخارجية الأمريكية، وخاصة تجاه القضية السورية، أشبه بالأفعى التي تعتقد أنك أمسكت برأسها، فإذ بذيلها هو الذي بيدك وليس رأسها. لاحظنا منذ بداية الثورة السورية تلك الزئبقية غير المسبوقة في الموقف الأمريكي، مما جعل السوريين وخاصة المؤيدين للثورة يهيمون على وجوههم بسبب ضبابية المواقف الأمريكية.
لو كان الذين راهنوا على الدعم الأمريكي متمرسين في السياسة والتاريخ، لما انخدعوا بالتصريحات الأمريكية ماضياً وحاضراً، فقد قالها ثعلب السياسة الأمريكية الشهير هنري كسنجر إن «الغموض البناء في السياسة الخارجية الأمريكية هي سياسة بحد ذاتها» هدفها إرباك كل الأطراف وتمرير المخططات الأمريكية من تحت أرجل الجميع دون أن يشعروا بها. وقد انطلى الموقف الأمريكي الذي تظاهر بدعم للثورة السورية على الكثير من السوريين، مع العلم أن كيسنجر نفسه قال أيضاً إن: «أمريكا ليست معنية بحل الأزمات الدولية بقدر ما هي معنية بإدارة تلك الأزمات والتحكم بمسارها لخدمة المصالح الأمريكية».
ليس هناك مبدأ في السياسة الأمريكية أبداً، وإذا كانت اليوم في أقصى اليمين فلا عجب أن تراها غداً في أقصى اليسار فيما يخص هذه القضية أو تلك حسب المصلحة، حتى لو كان ثمن ذلك ملايين الضحايا من البشر كما هو الحال في سوريا. فقط قارنوا مواقف وتصريحات الرئيس السابق أوباما وتصريحات الإدارة الجديدة بقيادة ترامب. كم مرة دعا أوباما الرئيس السوري للرحيل؟ كما أسمع المعارضين السوريين تصريحات وردية ضد النظام السوري؟ أليست أمريكا نفسها كانت زعيمة مجموعة ما يسمى بأصدقاء الشعب السوري الذين يشبهون أصدقاء الفيسبوك، فلا ترى منهم سوى اللايكات فقط، وإذا انزعجوا منك يقومون بحظرك، فلا تعود ترى حتى لايكاتهم السخيفة.
من يعرف السياسة الأمريكية جيداً لن يتفاجأ بالمواقف الأمريكية المتقلبة والضبابية، حتى أنه لا يرى فيها أي تقلب، بل يعتبر الإدارات الأمريكية المتعاقبة وجوهاً عدة لعملة واحدة، إدارة تتخذ مواقف نارية من هذا النظام أو ذاك، ثم تأتي أخرى لتتحالف معه بطريقة مفضوحة كما بدأ يحصل الآن في إدارة الرئيس ترامب مع نظام الأسد.
سبحان مغير الأحوال: بالأمس القريب كانت المخابرات الأمريكية تشرف على إدخال السلاح إلى سوريا وتسليح الجماعات التي تريد أن تقاتل النظام. بالأمس كانت تترأس مجلس إدارة الجماعات التي تعارض النظام، وترشدها استخباراتياً وعسكرياً على الأرض السورية. بالأمس كانت تدير عمليات القتال في سوريا عبر غرفة الموك في الأردن والموم في مكان آخر. بالأمس كانت ترسل صواريخ «تو» المضادة للدروع لسحق الدبابات والمدرعات السورية. بالأمس كانت ترأس مجموعة «أصدقاء سوريا» لمواجهة النظام وحلفائه. بالأمس كانت واشنطن محجاً للمعارضين السوريين وكل الجهات الدولية التي تدعمهم. واليوم بقدرة قادر صارت تدافع عن النظام، وتعتبر بقاء الاسد شأناً سورياً، ولم يعد من أولوياتها. لا بل إن صحيفة لبنانية كشفت عن محاولات أمريكية لعقد اتصالات بين الرئيس ترمب والرئيس السوري.
من السخف طبعاً القول إن أمريكا فشلت في إسقاط النظام، كما يتشدق حلف المماتعة والمقاولة، والأرجح أنها تتلاعب بالجميع لتحقيق أهدافها وأهداف إسرائيل في المنطقة عموماً. هل كان النظام السوري يستطيع الصمود حتى الآن لولا منع أمريكا وصول مضادات الطيران للمعارضة؟ وهل كانت المعارضة تستطيع الصمود حتى الآن لولا صواريخ التو الأمريكية المضادة للدروع؟ لعبة حقيرة لإدامة الدمار فقط. والمضحك في الأمر أن نظام السمسرة في دمشق ونسي كل ما سبق وكل ما فعلته أمريكا، وراح الآن يرقص فرحاً لمجرد أن مسؤولاً أمريكياً قال إن إزاحة الأسد لم تعد من أولوياتنا.
كل من يبني سياساته على التصريحات الأمريكية المتناقضة حول سوريا والنظام بحاجة لزيارة أقرب مشفى للأمراض العقلية. جماعة النظام فرحوا كثيراً بالامس بالتصريح الأمريكي الذي قال إن أمريكا لم تعد مهتمة برحيل الاسد، وهم يعرفون إن التصريح لعبة أمريكية لغاية في نفس يعقوب، ولا يمكن الوثوق به، فعندما طالب الأمريكيون برحيل بشار الأسد علناً في الماضي مثلاً كانوا يدعمون بقاءه سراً. والآن يدعمون بقاءه علناً، ألا يمكن إذاً أن يكونوا الآن يعملون على شيء آخر سراً؟
لاحظوا أنه في الوقت الذي بدأت تتساهل فيه أمريكا مع نظام الأسد، بدأت تعمل على فصل المنطقة الجنوبية من سوريا كما عزلت المنطقة الشمالية والشرقية. والأدهى من ذلك أن أمريكا باتت تسيطر الآن على شمال سوريا وشرقها الغني بالنفط والغاز، وهذا يعني أن موضوع رحيل الرئيس السوري لم يعد ذات أهمية بالنسبة لمصالحها في سوريا.
دلوني على أي بلد منكوب في العالم أنقذته أمريكا.
هل صدق معكم أوباما أيها السوريون كي يصدق معك ترامب؟

٭ كاتب واعلامي سوري
[email protected]

المتغطي بالأمريكان عريان

د. فيصل القاسم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عبدالمنعم الدوسري:

    ‏غياب وتغيب وغباء بعض عقول العرب⤵
    مسلم يقتل مسلم نفرح⤵
    عربي يقتل عربي نفرح⤵
    نستنجد باعداء العرب والمسلمين

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    ” دلوني على أي بلد منكوب في العالم أنقذته أمريكا. ” إهـ
    قديماً كان الأمريكان ينقذون البلدان المنكوبة كألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية وكانت ضد الدكتاتوريات
    في خلال الحرب الباردة تغير الحال وأصبحت السبب الأول في نكبة الكثير من البلدان بمساندتها للدكتاتوريين كجمهوريات الموز بأمريكا اللاتينية
    والسؤال هو : هل للصهاينة أثر في هذا التغيير الأمريكي ؟
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  3. يقول تونسي ابن الجمهورية:

    ﻻ تلوموا الذكى على ذكائه بل لوموا الغبي على غبائه …و من الغباء تدمير بلده ووطنه و الالتجاء للاخرين لإنقاذ ما بقى منه اذا بقي شئ …..تحيا تونس تحيا الجمهورية

    1. يقول غادة الشاويش -المنفى:

      من غباء الدكتاتوريات وزعامات الحاكم الاله ان تظن انها استثناء في حركة التاريخ وعنفوان الشعوب الثاءرة من غباء الدكتاتوريات انها مستعدة لتدويل دولها مع سبق الاصرار والترصد وقتل الشعب ليحكم الحاكم في ارض من رماد وقبور وخراب ان الاصوات الاثمة التي لا تميز بين وطن وبين دكتاتور يستعبده لهي ابواق الطغاة الفانية ! ان الذين يمزجون بين الوطنية والحكم الدكتاتوري العفن فيجعلوهما متلازمان ..هما وجه اخر من اوجه الرجعية والتخلغ ودول القطيع وجمهوريات الاقطاع السياسي الملكية واحزاب الشعارات الجوفاء ..ان الذين لا يتصورون شعبهم حرا منتفضا في وجه عربدة الاجهزة الامنية ويعتبرون ذلك كفرا بالالهة السياسية او مراهقة عابرة هم واهمون يجلسون في قمقم التصورات فعمالقة الوطن هم شهداء حريته وكرامة شعبه ولهم كل الحق ان يحاربو قذارة الدكتاتور المحتكر للسلطة والذي حول سوريا الى وطن محتل بكل وسيلة يرونها مناسبة ..لكن *
      مخطيء من ظن ان للثعلب دين امريكا لم تضرب من اجل ارواح اطفال سوريا الزاهقة بل لتبعث فقط رسالة بانها جادة ويمكن ان لا يقتصر الامر على التهديدات وانها ستقوم بدورها في معادلة القوى
      امريكا لن تسقط الدكتاتور لانها تريد استمرار الحرب ولن تسقطه وقد اتفقت معه على امن الجبهة الجنوبية امريكا تريد الابقاء على القوى السنية والشيعية التي تشكل خطرا على اسراءبل في حالة اشتباك واستنزاف وهذا الوضع تحدث عنه عاموس يدلين يجب ان يبقى كما هو وتبقى المعادلة ان اسراءيل تقصف بتنسيق روسي ما تشاء من شحنات السلاح الجبهة الجنوبية يجب ان تنظف من الراديكالية السنية والشيعية وتعطى المنطقة لقوة ردع( عربية ) ولكن التصعيد محتمل بشكل تدريجي روسيا تريد حكومة انتقالية نصفها من النظام ونصفها من المعارضة والضربة ستحدث توازنات تفرض على الاطراف التي تخرب الجلوس على الطاولة طهران في مرمى النار بالطبع والامر قد يصل الى حد توجيه ضربات جراحية الى الحرس الثوري اايراني والاسد وطهران ستبعثان داعش الى امريكا واوروبا الغربية لتريهما ان التحرش بنظام الاسد عواقبه انفلات داعش .. الاردن ستبعث طهران له بداعش لانه يعتبر قوة حدودية دربت الجيش الحر ولديها قدرات استخبارية عالية جدا ومحترفة وتقوم بضربات جراحية حذرة ضد النصرة في الجنوب وهي ليست مسرورة بالحرس الثوري ولا طهران لهذا الرسالة واضحة اما ان تتركو ملف الجبهة الجنوبية والا فسنعبث بامنكم

  4. يقول Frank america:

    لقد تغير الزمان ومثلما يقول المثل لكل زمان دولة ورجال ان سورية دولة محتلة من النظام ومهما حاولت ان تكتب وتعبر لن يغير من الامر شيئا وحسب المثل وكلاهما امران احلاهما مر مسكين الشعب السوري والشعب السوري لقد اصبحت سوريا أرضا وشعبا خاروف لجميع ذئاب العالم تنهش من لحمه الطري نسال الله ان يفرج عنهم

  5. يقول م ح:

    أكبر المتغطين بأمريكا هم المرحبون بفعلتها مع انهم يعلمون جيداً أنها أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم

  6. يقول صديق حسين:

    المتغطي بالامريكان عريان تلك هي مقوله الرئيس البشير استعملها فيصل القاسم و اكيد نسبها لنفسه

  7. يقول امير لابنسكي بولندا:

    انقذت الدول الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية بمشروع مارشال كما اكتسبت الولايات المتحدة شركاء تجاريين من ذلك. الدول الغنية العربية لا تساعد جيرانهم بعد الحرب أو الثورة لبناء دول مستقرة للتداول معها ولكن تبحث عن المصالح دون النظر في كيفية بناء مستقبل معا.
    الدول العربية لا تملك القيادةleadership وبالتالي الزعيم الوحيد هو الرئيس الأمريكي لأن هناك فراغ يسعد القادة الغربيون بملءه.
    الشباب في العالم العربي يريدون المشاركة في السياسة, يريدون تغيير status quo و عندما يتم رفضهم وتجاهلهم ، بعضهم يصبح متطرف.

  8. يقول Dinars:

    لا أوباما ولا ترامب إنما اللوبي الصهيوني الأمريكي يريد أن تبقى النيران مشتعلة لأنه في إخمادها سوف يلتفت الكل إلى فلسطين وربما تحدث البعض أنفسهم بأن يقوموا بزحزحة إسرائيل الشيء الذي لا يُعجب الصهيونية العالمية. وعليه فإن المال والجهد والأرواح هي في خدمة من لا يريد الإستقرار لسكان المنطقة فيبيدهم ببشار الكيمياوي وغيره.

  9. يقول سامح //الأردن:

    *الأخ (فيصل) يسأل دلوني على أي بلد
    منكوب انقذته أمريكا؟؟؟
    *مع أني لا أثق بالسياسة الأمريكية الانتهازية
    لكن للحق وجواب للاخ فيصل؛-
    لولا أمريكا لما استقلت (البوسنة )..
    أمريكا لها حسنات ولكنها قليلة جدا
    * هي من أجبرت (بريطانيا وفرنسا وإسرائيل)
    على وقف العدوان الثلاثي على مصر عام 56
    * ساعدت (اكراد) العراق على الحصول على
    حكم ذاتي مقدمة لاستقلال دولة (كردستان).
    *عموما؛ أمريكا تجري وراء (مصالحها) ف النهاية مع رش قليلا من البهارات هنا وهناك
    لزوم الدعاية والتضليل ..
    سلام

    1. يقول عاصم نورالدين من الجزائر:

      و الله لولا لجملة الاخيرة للمت حظرتك على تصديقك لهذا الكلام

  10. يقول Belkacem algerie:

    ماذا يجري للعرب عامة و للمسلمين خاصة ؟
    الامريكان والروس لا يجرؤون على ضرب دولة لها سلطة شرعية منتخبة من شعوبها لانهم يعرفون أنهم ينهزمون مهما فعلوا. لهذا تجدهم يباركون الانتخابات المزورة الا في الدول الغنية بالثروات حتى تكون لقمة سائغة لهم . فقد اذلهم اردوغان بتصريحاته النارية فمن منهم اقدم على المغامرة و حتى ايران الصفوية المجوس أصبحت لها كلمة ووالله ان بقت الدول العربية تزور الانتخابات سيأتي دورها مهما طال الزمان الواحدة تلوى الاخرى. اعلموا.ان تركيا و ايران ليس لهما قوة عسكرية تضاهي قوة اوروبا او امريكا او الروس لكن قوتها في الوحدة بين الشعب والسلطة .

1 2 3 4

إشترك في قائمتنا البريدية