المخلوق الإرهابي تمرّد على الخالق الاستخباري… ما العمل؟

حجم الخط
1

رمضان كان شهراً داعشياً بامتياز. التنظيم الإرهابي الأفعل في عصرنا «أنجز»، خلال أيام وساعات معدودات في دول خمس، مجازر مدوّية ذهب ضحيتها مئات المدنيين الأبرياء، ومازال يَعِد ويتوعد بالمزيد.
لعل أخطر من المجازر المدوّية انكشافُ حقيقة ساطعة: المخلوق الإرهابي تمرّد على الخالق الاستخباري. ليس سراً أن التنظيم الأم، «القاعدة»، خلقته أو أسهمت في خلقه، وكالةُ الاستخبارات المركزية الأمريكية C.I.A. واستخدمته بفعالية في حرب أفغانستان، منه استولدت لاحقاً اولاداً واحفاداً في شتى الاقطار والامصار، لعل أفعلها وأخطرها: «الدولة الإسلامية- داعش». الخالقُ الاستخباري اقرّ واعترف بأن مخلوقه الداعشي خرج عن سيطرته. جيمس كلابر، منسق أجهزة الاستخبارات الامريكية، أكدّ خلال شهر فبراير الماضي امام احدى لجان الكونغرس الامريكي ان «داعش» استخدم مواد كيماوية سامة في سوريا والعراق «بما في ذلك العمل المسبب للقروح بكبريت الخردل». قبله أكد الواقعة نفسها مدير وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية جون برينان بقوله: «داعش استخدم اسلحة كيماوية وهو قادر على انتاج كميات من الكلورين وغاز الخردل. لدينا عدد من الإشارات التي تدّل على انه استخدم ذخائر كيماوية في ميدان القتال، وأن بإمكانه تصدير الاسلحة الكيماوية الى الغرب لتحقيق مكاسب مالية». هل يتأخر كلابر وبرينان في الاعتراف يوماً بأن «داعش» اجتذب علماء ذرة مقتدرين وان لديه الدراية والمقدرة على تصنيع سلاح نووي؟
المخلوق تمرّد على خالقه. أخذ ينافسه لا في الابتكار فحسب، بل في الانتشار أيضاً. إنه موجود، حاضر، بشكل مجموعات ضاربة، أو خلايا نائمة، أو ذئاب منفردة كاسرة على امتداد عالم الإسلام: من إندونيسيا شرقاً الى المغرب وموريتانيا غرباً، ومن جمهوريات آسيا الوسطى شمالاً الى الصومال الأفريقي جنوباً. هو موجود وفاعل ايضاً في اوروبا وفي امريكا، اهدافه متنوعة: مدنية وعسكرية، دينية و»علمانية»، بشراً وحجراً، أكثر أهدافه تضرراً هم البشر: الناس الابرياء، رجالاً ونساء واطفالاً.
باختصار، إنه الخطر الاكبر الذي يتهدد المجتمعات لأنه بات سلاحاً في ايدي الدول. أجل، الدول تتحمل المسؤولية الكبرى. فهي إما خالقة للإرهاب، أو مستخدمة له، أو متغاضية عنه، أو متهاونة في مواجهته.
ما العمل؟
لعل الجواب الأول، البديهي، انه لا يجوز ان تبقى الدول، ولاسيما الدول الكبرى، هي الخصم والحكم في مسألة مكافحة الإرهاب. لا يجوز ان تبقى المعاهدات والمواثيق الاممية والدولية في عهدة الدول، تتولى مباشرةً او مداورةً مسائل حمايتها ومراقبة تنفيذها وملاحقة مخالفيها. الدول، كبيرها وصغيرها، ضالعة في خرق وامتهان المعاهدات والمواثيق المتعلقة بحقوق الانسان وبمفاهيم ومواضيع واحكام القانون الدولي الإنساني.
يتساءل البعض: أليست مسألة حماية حقوق الإنسان من صلاحية ومسؤولية الامم المتحدة؟ الواقع ان الأمم المتحدة ليست هيئة امم وشعوب، بل منظمة دول وحكومات. هي، إن لم تكن متغاضية عن افاعيل الدول وخروقاتها للقانون الدولي الإنساني، فإنها متهاونة أو عاجزة. آن الاوان لتنتزع الامم والشعوب والمجتمعات والافراد مواثيق القانون الدولي الإنساني وأدوات تنفيذ أحكامه وموجباته من أيدي الدول والحكومات وتضعها في ايدي الممثلين الحقيقيين للأمم والشعوب والمجتمعات والأفراد. آن الأوان لوضع وسائل الرصد والرقابة والملاحقة والمحاكمة في أيدي الناس، أفراداً وهيئات وجماعات ومجتمعات ممن هم خارج الدول، اي خارج السلطة، ومستقلة عنها. الافراد الاحرار، الهيئات الاهلية، منظمات المجتمع المدني المتحررة من قيود السلطة وتأثيرها، المثقفون الانسانيون الاحرار، وذوو الضمائر الحيّة والارادات الطيبة في شتى انحاء العالم، مدعوون الى التواصل والتلاقي والتباصر والتباحث والتوافق على إقامة منظمة الامم والشعوب، وما يمكن ان يتفرع عنها من مؤسسات واجهزة تُعنى بمسائل الرقابة والمتابعة والملاحقة، ومحاكم للتقاضي وإحقاق الحق، ومراكز للتفكير والتدبير، ومؤسسات للرعاية الاجتماعية.
لعل أهم المبادرات الأهلية على مستوى العالم واكثرها ضرورة وإلحاحاً هي إقامة محكمة الضمير العالمية، باستلهام تجربة محكمة برتراند راسل الاهلية والعالمية التي قاضت المسؤولين عن حرب فيتنام، وذلك لمحاكمة دول وحكومات وحاكمين ومسؤولين عن خرق القانون الدولي الإنساني ومواثيق حقوق الانسان ومعاهدات حماية حقوق النساء والاطفال والمعوّقين. آن الأوان ليمسك الافراد والشعوب والمستضعفون بقضاياهم بأيديهم من خلال منظمات ومؤسسات وآليات مستقلة عن السلطات وأهلها واجهزتها وتأثيرها وبمعزل عنها.
آن الأوان لبزوغ نظام عالمي جديد يوازن بين المجتمعات والحكومات ويحمي الإنسان في جميع الساحات والمستويات، الإنسان بما هو جوهر الوجود والحياة.

٭ كاتب لبناني

المخلوق الإرهابي تمرّد على الخالق الاستخباري… ما العمل؟

د. عصام نعمان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عبود:

    كوين داعش فكرة شيطانية خبيثة .كان في سوريا قبل مجئ الدواعش عددة فرق دينية متطرف تحارب الأسد, لكن الدواعش رفضت أن تتعامل مع هذه الفرق الدينينة المتطرفة وكونت داعشهل , بتكوين داعش وإعلان دولة الخلافة والمبالغة في الذبح والوحشية جعل مؤسسي داعش الحرب أو الصراع عالميا وتركوا القاعدة وراءهم. ربما أراد مؤسسي داعش أن يجعلوا من سورية ساحة قتال دولية عالمية يجرون اليها ما يسمونهم أعدائهم لقد نجحوا في ذلك فسوريا أصبحت ساحة قتال يلتقي فيها كل العالم

إشترك في قائمتنا البريدية