هل يمكن الحديث عن تمكين المرأة في الحياة العربية العامة، من دون حل إشكالية النظرة الثقافية والدينية للمرأة؟ فالطفل العربي يشرب مع حليب أمه سلوكيات وأقوالا تحط من قيمة المرأة الإنسانية ومكانتها في المجتمع.
في قلب تلك الثقافة المنحازة ضد المرأة، التي يعيها الطفل في بيته، ويقرأها في كتب مدرسته، ويسمعها ليل نهار في الكثير من القنوات السمعية والبصرية الدينية، في طول وعرض بلاد العرب، في قلب تلك الثقافة يقبع تراث فقهي متزمت متخلف عن روح ومبادئ هذا العصر، تهيمن عليه أحاديث تعزى، زورا وبهتانا، إلى رسول رسالة الرحمة والعدل الإلهية.
نحن معنيون بالذات بأقوال تحقيرية، وبعضها مبتذل، مبثوثة بصور متفاوتة في مجاميع علوم الحديث، التي تعزى على سبيل المثال، إلى البخاري ومسلم والكافي وأمثالهم. فعندما تعزى مثل الأقوال التالية إلى رسول الإسلام، رسول الرحمة والرفق والعدالة إلى كل البشر وليس إلى رجالهم فقط، وتغلف بالتالي بنوع من القدسية النبوية، يدرك الإنسان مدى فداحة الموضوع الذي نحن بصدده. فلا روح الإسلام ولا مقاصده الكبرى ولا مساواته بين بني البشر، ولا آيات النفس الإنسانية الواحدة، ولا سيرة رسول الإسلام، يمكن أن تقبل أن ينسب إلى الرسول أنه قال: اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، وأطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء»، وأنه قال: «إنما الشؤم في ثلاثة، في الفرس والمرأة والدار»، وأنه قال «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»، وأنه قال: «المرأة كالضلع، إن أقمتها كسرتها، وأن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج»، وأنه قال: «النساء قاصرات عقل ودين» إلخ من أقوال أكثر فحشا وتجنيا على المرأة المسلمة.
كيف سنستطيع الحديث عن مساواة المرأة العربية مع الرجل العربي في الحقوق الإنسانية والواجبات الوطنية، عن المساواة في فرص الحياة واعتلاء المناصب المجتمعية، وعن المساواة في دخول جميع مجالات العمل والأجور والترقي، إذا كان المشرع والقائد السياسي ورجل الحكم قد تربوا على سماع تلك الجمل الجارحة لكرامة المرأة والمشككة في توازنها النفسي والعقلي؟ لا يحتاج الإنسان إلى ذكر عشرات الأسماء، من علماء الاسلام المستنيرين ومن المفكرين والمؤرخين الموضوعيين، الذين بينوا الإشكاليات الكثيرة التي رافقت جمع الأحاديث النبوية وإسناداتها وتدوينها، وأظهروا الاستعمالات الانتهازية السياسية لحقل الحديث برمته.
من هنا يحق لنا أن نطالب مؤسسات المرجعيات الإسلامية بأن تحسم موضوع التشويه والتحقير للمرأة في التراث الفقهي وفي ما سمي بعلوم الحديث، إذ من الواضح أن الكثير من السلوكيات والعادات والأفكار البدائية التي كانت موجودة في المجتمعات والحضارات العربية وغير العربية القديمة، قد أقحمت في حقلي الفقه والحديث، لتبرير ممارستها على الأخص في قصور السلاطين وأصحاب المال والجاه. ذلك أن تحليل ونقد وتجاوز ما جاء في الفقه الإسلامي، وهو اجتهاد بشري محض، وما جاء في كتب الأحاديث، وهو مليء بالإسرائيليات والأحاديات والاستعمال الانتهازي السياسي، هو أحد أهم المداخل لتحرير المرأة العربية من المظالم التاريخية التي كبلت حياتها العامة وأساءت إلى حياتها الخاصة.
إن المرأة العربية التي اقتحمت ميادين التعليم، من الروضة حتى التعليم الجامعي وما بعده، باقتدار وتفوق، والتي تكوّن نسبة عالية ومتنامية من القوى العاملة في كل ميادين العمل الجسدي والذهني، البسيط والمعقد، والتي أدت إلى استقلاليتها المالية، وإلى أن تصبح أحد أهم مصادر الإنفاق على المتطلبات العائلية، والتي أصبحت مكونا مهما من مكونات مؤسسات المجتمع المدني الحقوقية والحزبية والنقابية، والتي ناضلت وماتت في سبيل حماية أمتها، وفي سبيل دحر قوى التسلط المختلفة في داخل وطنها العربي، هذه المرأة ما عادت تنطبق عليها معايير وضعها هذا الفقيه أو ذاك منذ قرون طويلة، ولا ما دُسّ في حقل علوم الأحاديث النبوية بسبب الجهالة أو السياسة أو البلادات الاجتماعية.
ولما كان التراث الديني الإسلامي يقبع في قلب الثقافة العربية، فكرا وسلوكا وتشريعا قانونيا وممارسات حياتية يومية، فإن تجديد الثقافة العربية، لتكون مدخلا لتمكين المرأة العربية في كل مناحي الحياة، يمر من خلال المراجعة الجذرية لحقلي الفقه الإسلامي والأحاديث المنسوبة إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم )، ومن خلال قراءة جديدة لنصوص القرآن الكريم، وهو حق وواجب لكل الأجيال المتعاقبة.
بالطبع، هناك مداخل أخرى تشريعية وتنظيمية، لموضوع تمكين المرأة، ولكننا نعتقد جازمين أنه بدون حل إشكالية الثقافة الدينية المشوهة في عقل وروح الإنسان العربي سيبقى هذا الموضوع متعثرا وقابلا للانتكاس.
آن الأوان لأن تشعر المرأة العربية بإنسانيتها وكرامتها وحقها التام في التساوي والاحترام والتقدير الذي تستحقه كأم وابنة وأخت وزوجة وزميلة عمل ومواطنة.
كاتب بحريني
د. علي محمد فخرو
عدم تمكين المرأة او تهميشها او تحقيرها ان شئت له اسبابة العامة و اغلبها قديمة، و ان كان الدين يستعمل كغطاء..و الدليل على ما اقول ان هذه المشكلة موجودة في ثقافات مختلفة في امم مختلفة من اليابان الى الصين الى افريقيا الى امريكا. بل و تتشابه الحالة كثيرا مع اختلاف الاديان او اللا اديان.
المدخل الرئيس هو التعليم للذكور و الاناث و اعطاء الاولوية لتعليم المرأة بالذات لصالح المجتمع لانها مربية الرجال و النساء و مرضعتهم القيم المرغوبة و المذمومة.
التغيرات التي حدثت في مكانة المرأة في الامم الاخرى جاءت معظمها مع التقدم ومع الحاجة الى الايدي العاملة و مع تطور الانظمة و القوانين و اهمها الضمان الاجتماعي.
و لا ننس ان اهم تطور اجتماعي هو ما نشهده اليوم من الثورة المعرفية المتعاظمة مع تطور الاتصالات و تكنولوجيا المعلومات التي ادخلت العالم في اقتصاد المعرفة بعد الثورة الزراعية و الثورة الصناعة و ثورة الخدمات.. و هذا يعني انتفاء الفرق العضلي للرجل و اعلاء المقدرات الذهنية.
باختصار، معالجة قضية المرأة من ناحية دينية او من ناحية نوعية كقصية ضد الرجل هو مقارعة ثانوية و جهد في غير محله.
مع احترامي لاستاذنا الكبير