تونس ـ «القدس العربي»: تقتحم المرأة بكل عنفوانها وقدراتها ميدان العمل، مواجهة كل التحديات، تدفعها إلى ذلك هواجس تحقيق طموحاتها في مجتمعات عربية تحكمها تقاليد وعادات متباينة، ويبقى هاجس المرأة العاملة الأول هو كيفية التوفيق بين عملها من جهة، ومهامها كأم لديها متطلبات أسرية عديدة منها رعاية الأطفال، من جهة أخرى.
لقد فرض نسق الحياة اليومية ضغوطا وشروطا جديدة قاسية على المرأة العاملة فحولها إلى إنسان متعدد المهام والوظائف، فكيف تعوض المرأة العاملة غيابها عن أسرتها من خلال اضطرارها لقضاء وقت طويل خارج البيت، وكيف يمكن ان تتعامل مع أطفالها خاصة في سنوات عمرهم الأولى حين يكونون بحاجة إلى اهتمامها ورعايتها؟
لكل طموح ثمن
تقول إيمان نمري وهي أستاذة في اللغة الانكليزية لـ «القدس العربي» إن «دخول المرأة مجالات العمل اعطاها استقلالية اقتصادية ومالية كبيرة، لكن لكل طموح ثمن. لذلك يجب ان تكون المرأة على يقين بمدى أهمية المسؤوليات الكبيرة الملقاة على عاتقها في البيت وخارجه، وأن تحرص قدر المستطاع على ألا تسقط أسرتها، وخاصة أطفالها، من أولوياتها». وأضافت، رغم كل النجاحات التي حققتها المرأة في العمل ومختلف النواحي إلا انها لا تزال تواجه مصاعب داخل اسرتها. وتقول «في مجتمعاتنا لا تزال الواجبات المنزلية تلقى على عاتق المرأة بصفة أساسية لدى معظم الأسر. ولذلك فإننا نحتاج اليوم إلى عقليات جديدة تذهب باتجاه الحرص على المشاركة بين المرأة والرجل في كل المهام بما في ذلك الواجبات المنزلية، لأن توفيق المرأة بين عملها وأسرتها غالبا ما يكون على حساب صحتها، فهي التي تضحي من أجل تدبير الأمور المنزلية والرعاية بالأبناء».
وشددت الباحثة والناشطة الحقوقية التونسية آمنة الشابي في حديثها لـ «القدس العربي» على ضرورة الحذر من أي إخلالات قد تحدث بسبب عدم التوفيق بين عمل المرأة ومتطلبات عائلتها وخصوصا متطلبات الأبناء. وقالت ان ازدياد حالات الطلاق والعنف الأسري له علاقة بتراكم الضغوط خاصة على عاتق المرأة، وشعورها بأنها باتت رهن تحديات جديدة وان مهامها اليوم تفوق المهام الملقاة على عاتق الرجل الشريك. وتضيف: «تواجه المرأة العربية صعوبات عدة خاصة في ميدان العمل، فهي مطالبة بفرض نفسها في عملها والنجاح مع رعاية أطفالها والاطلاع على مشاكلهم النفسية والصحية وتأطيرهم لمواجهة صعوبات الحياة، وكل ذلك يزيد من أعباء المرأة التي هي، شاءت المجتمعات الذكورية أم أبت، نصف المجتمع».
أعباء جديدة
سهام الواعر الباحثة الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعية في تونس والمسؤولة في المرصد الوطني للهجرة، تقول لـ «القدس العربي» عن الصعوبات التي واجهتها أثناء عملها «لدي ثلاثة أطفال وأحاول جاهدة ان أكون أما ناجحة ومن ناحية أخرى ليس أمامي خيار في مساري المهني، فبحكم مسؤوليتي المهنية لابد ان أكون ناجحة لأثبت نفسي. وأنا اتحمل مسؤولية إنجاز الواجبات المنزلية مع الاهتمام بتعليم ومتابعة دروس أبنائي يوميا». وتضيف: «الذي يمكن ان نلاحظه هو ان المرأة التونسية ومن أجل حفاظها على مركزها في العمل، تضحي كثيرا. وكأن الرجل يحملها مسؤولية خروجها من المنزل واقتحام سوق العمل الذي كان حكرا على الرجل. فإلى الآن، ينظر المجتمع إلى المرأة وكأنها المسؤولة الاولى عن تربية الأطفال ورعاية شؤون البيت رغم انها باتت شريكا للرجل في تحمل جميع الأعباء الحياتية. في المقابل فان الحقوق التي نالتها المرأة التونسية فرضت عليها أيضا أعباء جديدة لم تكن في الحسبان». ولفتت إلى انه يجب ان تكون المرأة قوية لكي تواصل مسيرتها لأن حماية الأسرة ورعايتها لا تقل أهمية عن نجاحها المهني. فالأسرة هي نواة المجتمع، ودون أجواء صحية لا يمكن لهذا المجتمع ان يتقدم ويتطور». وتلفت محدثتنا إلى ان المجتمعات العربية لا تزال متأخرة عن ركب الدول الغربية التي أعطت حقوقا كبيرة للأم العاملة ومنها عطلة الأمومة التي تصل أحيانا إلى عامين في بعض الدول المتقدمة. وقالت ان هذا كان أحد أهم أسباب نجاح وتقدم هذه الدول لأنها استثمرت في الأجيال الجديدة وفي الطفولة. معتبرين ان اعطاء الأم العاملة حقوقها فيما يتعلق بإعطاء وقت أكثر لرعاية أبنائها، يعتبر امرا مقدسا وحقا لا لبس فيه.
عمل المرأة ضرورة
وتعتبر فاطمة العماري المختصة في التنمية البشرية في حديثها لـ «القدس العربي» أن خروج المرأة للعمل ضروري لتتقدم مجتمعاتنا وتنهض، ولا تحتمه فقط الضرورة المعيشية. إذ لا يمكن، أن ينهض مجتمع ما ونصفه قابع في البيت لا يتطور ولا ينمي قدراته الاجتماعية والمعرفية ولا يشارك في عملية البناء، فتنمية معارف وقدرات المرأة الذي يتيحه العمل ينعكس إيجابيا على تربية الطفل بخلاف ما يعتقد البعض.
وتضيف: «هناك حلول للعناية بالأطفال للمرأة العاملة مثلا محاضن للأطفال قريبة من مقر العمل تمكن المرأة من الاطمئنان على الطفل في أوقات متفرقة. وهناك محاضن أطفال مجهزة بكاميرات تمكن المرأة العاملة من مراقبة طفلها في كامل أوقات النهار ناهيك عن القوانين التي قد تمكنها من عطلة أمومة طويلة للعناية بالأبناء دون التأثير على النجاح المهني الذي يبدو ضروريا.
وبالنسبة للواجبات المنزلية، فتقول «إن هناك معينات منزليات يمكنهن مساعدة المرأة العاملة دون أن تكون مضطرة للجلوس في المنزل والاكتفاء بمشاهدة الأفلام والمسلسلات وآخر الكليبات الغنائية أو الذهاب إلى المزينات ومراكز التجميل. المرأة مثل الرجل تماما لديها أدوار متعددة وجب عليها القيام بها، وتربية الأطفال والعناية بالبيت هي جزء منها وليست كلها».
وتختم بالقول: «ليدرك الجميع أن نجاح المرأة في الحياة المهنية ليس بالأمر الهين، وبروزها أصعب بكثير من الرجل، فإلى جانب أنها مطالبة بالعناية ببيتها وأبنائها فإن مجتمعاتنا الذكورية كثيرا ما تقوم بعرقلة مسيرتها. فبعض رجالنا ما زالوا لا يستسيغون أن تكون رئيستهم في العمل امرأة رغم أنها متفوقة عليهم علميا ومهنيا وكثيرا ما يضعون أمامها العراقيل كي تفشل في المهام المنوطة بعهدتها، لذلك علينا أن نقف إجلالا واحتراما لكل امرأة ناجحة في عملها لأن الأمر أصعب بكثير مما يتصور البعض».
روعة قاسم