أقدمت الدولة المغربية على تطبيق قانون جديد ينظم الصحافة الرقمية في المغرب، وهو قانون يصب في التقنين الأمني والاحتراز، ولا يصب في تطوير هذا القطاع الفتي المرتبط بشبكة الإنترنت، التي تعد قنطرة وجسرا نحو إعادة هيكلة المجتمعات في العالم على شاكلة ما فعلته المطبعة عند ظهورها في القرن الخامس عشر.
وينص القانون الجديد على هيكلة الجرائد الرقمية على شاكلة شركات، يديرها شخص حاصل على الإجازة في تخصص ما. وبعد دخول القانون حيز التطبيق حُكِم على مئات الجرائد الرقمية تحت تهديد الغرامات والسجن أحيانا، بإسدال الستار وإنهاء المغامرات الإعلامية. وعمليا، توصلت مئات المنابر الإعلامية الرقمية برسائل تنبيه، إن لم نقل تحذيرات، تطالب المنابر بتطبيق القانون أو الإغلاق الفوري. والمشهد الإعلامي الرقمي الذي كان غنيا في المغرب حتى بداية الصيف الجاري، الآن يبدو قاحلا في نهاية الصيف. القانون يخلف الكثير من التأويلات والاختلافات لطبيعته الأمنية، ونظرا لعدم مسايرته تطور المجتمع المغربي، كما يلقى التصفيق من طرف الطبقة السياسية وجزء من الجسم الإعلامي، بحجة منع تحويل قطاع الإعلام إلى قطاع للتسيب، ولكل من هب ودب ومهنة من لا مهنة له.
الصحافة الرقمية، التي يسميها البعض بالإلكترونية، رغم أنها تسمية غير مناسبة، هي جزء من الثورة التي تحدثها شبكة الإنترنت للبشرية، لأنها سهلت عملية إنتاج الخبر بشكل غير مسبوق في تاريخ الإنسانية. وكل جديد يحمل معه الإيجابي والسلبي. وعلاقة بالشق الإيجابي فقط قامت الصحافة الرقمية بتوسيع حرية التعبير، سواء بالانفتاح على مختلف الفاعلين والرأي العام، أو سهولة إنتاج الخبر الذي أصبح يتطلب فقط حاسوبا وموقعا في الإنترنت. أما الجانب السلبي، فهو ترويج الأخبار الكاذبة للتأثير على الرأي العام ونهج السب والقذف لضرب مصداقية المنادين بالإصلاح. وهذه الظواهر لا تقتصر فقط على الصحافة الرقمية المغربية، بل ربما تبقى نسبية للغاية في شقها السلبي أمام الصحافة الصفراء لبعض الدول ومنها عربية مشرقية. والمفارقة في المغرب هو أن الصحافة الرقمية التي تنهج السب والقذف هي المقربة من السلطة. وكان يفترض قيام الصحافة الرقمية في المغرب بتشكيل منصة الانطلاق للربط بين تنمية المجتمع والإعلام، التي ينتظرها المغرب لتحقيق قفزة نوعية للخروج من وضع التخلف الكارثي الذي يعيشه ويعاني منه، حسب ما تشهد به التقارير الوطنية والدولية مثل الأمم المتحدة. ويواجه المغرب تحديات للتطور، ومنها إعادة هيكلة البلاد سياسيا مثل، اعتماد الجهوية أو الحكم الذاتي لحل نزاع الصحراء، وتوظيف الإعلام في خدمة المعرفة من خلال جعل وسائل الإعلام منصة للمعرفة.
والمتأمل في تجارب الكثير من الشعوب، ومنها حالة إسبانيا الحديثة العهد بالديمقراطية، بعد رحيل الجنرال فرانسيسكو فرانكو سنة 1975، سيقف على التجربة الرائدة في توظيف الإعلام لخدمة التطور والديمقراطية. فقد جرى دعم الصحافة الجهوية أو الإقليمية لتعزيز تطبيق نظام الحكم الذاتي، بمعنى تقريب الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي المحلي من المواطن، عملا بمقولة لا تنمية ديمقراطية بدون سياسة القرب. ومن جهة أخرى جعل الإعلام على المستوى الوطني نافذة للمعرفة وأداة للنخبة لتطوير البلاد على كافة المستويات. وتحولت بعض الصحف الإسبانية بملحقاتها الأدبية والاقتصادية والجيوسياسية الى جامعة مفتوحة للقراء يوميا على شاكلة الصحف الدولية التي سبقتها الى هذا المضمار مثل، «ذي إيكونوميست» و»نيويورك تايمز» و»لوموند».
ومقارنة بالمغرب، ترغب الدولة المغربية في تطبيق نظام الجهوية، ولكنها لا تفكر جيدا في تطوير الإعلام الجهوي الذي يعتبر أداة التواصل مع الرأي العام لتحقيق هذا الهدف. الدولة المغربية ترفع شعارات التنمية، وهي الدولة ذات الجامعات والتعليم المحدود، ولكنها لا تفكر في تعويض الخصاص بتمويل برامج المعرفة في الصحافة، من خلال الرقي بمضمونها لتكون مكملة للجامعات. الدولة المغربية مثل الكثير من الدول التي تفتقد لحس ديمقراطي حقيقي، تسعى الى تحويل أدوات التواصل لخدمة أهداف معينة، للتضييق على حرية تعبير حقيقية، كما تفعل الآن مع الصحافة الرقمية. لكن الدولة المغربية تناست التطور السريع الذي تقدمه شبكة الإنترنت من أدوات تقنية جديدة. إذ لم تعد الصحافة الرقمية تلعب دورا رئيسيا في الإعلام، بل تنافسها مواقع شخصية في شبكة الفيسبوك. ويوجد مثقفون وصحافيون ومناضلون حقوقيون في المغرب، لهم من القراء ما يتجاوز بعشرات المرات جرائد رقمية تمولها الدولة لسبب في نفس يعقوب. وهذا يعني أن التضييق على الصحافة الرقمية بمثابة محاولة حجب الشمس بالغربال، في ظل انفجار ظاهرة شبكات التواصل الاجتماعي التي تعد مصدرا للأخبار ينافس الصحافة.
إبان الماضي، وبتفسيرات دينية بليدة، فقد المغرب قطار التطور في القرون السابقة عندما منعت السلطات وقتها إدخال استعمال المطبعة، في وقت كانت فيه هذه الآلة محركا للنهضة الأوروبية، لأنها ساهمت في انتشار المعرفة. وموقف السلطة المغربية قديما يعد من الحالات الشاذة في تاريخ التقدم والحضارة، فالمغرب يقع على بضعة كيلومترات من القارة الأوروبية، لكن التفكير الأمني وقتها منعه من الاستفادة من التجربة الأوروبية. والآن يتكرر السيناريو، في القرن الواحد والعشرين، فبينما أغلب دول العالم تسعى جاهدة الى توظيف كل ما يتعلق بالإنترنت، ومنها الصحافة الرقمية لأقلمة مجتمعاتها مع التطورات التي يحملها، تتبنى السلطة المغربية النهج السلبي خلال القرون الماضية. السلطة المغربية وفية للمثل المغربي: «إذا كنت في المغرب فلا تستغرب».
كاتب مغربي من أسرة «القدس العربي»
د. حسين مجدوبي
للمغرب وضع خاص ! أقصد تقبيل يد الملك والركوع له !!
ولا حول ولا قوة الا بالله
الدولة على حق. كل من هب ودب أصبح صحافيا. ونشر الإشاعة المغرضة أصبح ديدن كل المتطفلين على المهنة. لدا وجب وضع حد لهذا العبث الصحافي. لا بد من إحترام أخلاقيات وضوابط المهنة الشريفة
تحية للكاتب الذي بقدر ما أستشف ألمه لحال بلاده أندهش لسعة ثقافته ولكتابته المرتبة والذكية التي تنتقد في غير ابتذال وتصف الداء والدواء من غير عويل كعويل الندابات..
لكن للأسف سيخذله الكثير من القراء المعنيين بقضيته بشكل مباشر وكذلك غيرهم.. ليس لأن مستوى التحليل الهادئ الذي يطرحه السيد مجدوبي لا يتماشى مع طبيعتهم الحماسية التي تبحث بين طيات الجرائد على ما يثير المشاعر ويشد الأبصار فقط ولكن أيضا لأن سياسات تكميم الأفواه في عالمنا العربي استسلمت له شعوبنا كتحصيل حاصل غير واعين لخطورته فما بالك بالمغرب الذي عاش لجيل بأكمله مع سنوات الرصاص..
أجدد إعجابي وتقديري بالكاتب وأجزي له جزيل الشكر على مجهوداته في مخاطبة الوعي لأجل بعث مغرب أكثر تحضرا ورقيا.
بحكم معرفتي الدقيقة بالمجتمع الاسباني بكل مكوناته ولغاته ، ومواكبتي عن كثب للتحول الديموقراطي في هذا البلد منذ منتصف السبعينات بأشخاصه وتفأصيلة، فانني أعتقد أن اتخاذه كمرتكز للقياس في مسألة تطوير الإعلام بصفة عامة والرقمي بصفة خاصة لايصح لاعتبارات كثيرة تعرفها يا استاذ حسين ومنها الانتماء المبكر لاسبانيا للسوق الأوروبية المشتركة في بداية الثمانينات وهو ما فرض عليها الكثير من قوانين المواكبة في هذا المجال ..والنزوع المجتمعي للتخلص من الضوابط الدينية والأخلاقية بسرعة كبيرة في تلك الفترة ؛ وتولي الحكم من طرف شباب حاولوا لأسباب اديلوجية وثقافية القضاء على أي نفوذ للكنيسة التي كانت السند الرئيسي لنظام فرانكو…وأتذكر جيدا ما قاله لي أحد الأصدقاء الإسبان في بداية التسعينات وهو اكاديمي محترم عندما واجهته بانتقادات شديدة حول التغطية الإعلامية لإحدى القنوات التلفزية للحرب على العراق وخاصة مايتعلق بأداء الصحفي الشهير خوسي ماريا كاراسكال الذي إبان عن تحيز رهيب للطرح الأمريكي. ….فكان جوابه : مشكلتنا نحن الاسبان هو إحساسنا باننا نجري ضد الزمن للحاق بشركائنا الأوروببين. وهو ما دفعنا إلى اختصار واختزال كل شيء في هذا السبيل ونسينا أن أي تطور يجب أن يؤسس له والا فإن الكارثة قادمة لا محالة….وعندما أرى مايتهدد اسبانيا في وحدتها في الوقت الراهن يتأكد عندي أكثر فأكثر صدق كلام ذلك الصديق أطال الله في عمره….
ياسيد عبد الوهاب إذا كان تحليل السيد مجدوبي عن الواقع الإعلامي في المغرب قد وجد هوى في نفسك ونحن نعرف أنك تبحث عن كل مايسيء للمغرب فلماذا حين تتحدث عن الجزائر لا تقتدي بالسيد مجدوبي في ماتعتبره موضوعية بدل محاولة إخفاء الشمس بالغربال والانخراط في مدح نظام الجنرالات. نمدح الفضيلة ونتركها تموت جوعا