المطالبة بإخراج الدستور من المخبأ الذي وُضع فيه والشروع في تطبيقه

حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي» : واصلت الصحف المصرية الصادرة أمس الخميس الأول من أكتوبر/تشرين الأول اهتماماتها وتغطياتها للحملات الانتخابية للأحزاب والقوائم والمرشحين المستقلين لانتخابات المرحلة الأولى لمجلس النواب.
وقد قامت الصحف بمتابعة بدء الدراسة في المدارس، واعتداءات بعض الأهالي على مدرسين في بعض المدارس، وكذلك إعلان الدكتور جابر نصار رئيس جامعة القاهرة أنه لن يتم السماح لأي منقبة من أعضاء هيئة التدريس بإلقاء محاضرات، إلا إذا كشفت عن وجهها، حتى يراها الطلاب.. كما أبرزت الصحف عودة الرئيس السيسي من نيويورك واجتماع مجلس الوزراء، وحدوث تغير في موقف التنظيم الدولي للإخوان ودعوته لوقف كل أشكال العنف ضد الدولة، والغارات الروسية في سوريا. كما عادت الصحف إلى الاهتمام بذكرى وفاة خالد الذكر واقتراب موعد انتصارات حرب أكتوبر. أما اهتمامات الغالبية فإنها في اتجاه آخر هو العام الدراسي وارتفاع الأسعار.
وإلى بعض مما عندنا…

الصحافة المهنة المُتاجر بها!

ونبدأ بالرئيس السيسي وعلاقته بالإعلام والصحافة، وكذلك أجهزة النظام فيهما، وهي القضية التي تخلق حالة من البلبلة، بسبب تدخل النظام في حرية الإعلام، فقد اتهمه بشكل مباشر صديقنا إبراهيم عيسي رئيس تحرير جريدة «المقال» يوم الثلاثاء بتدخله لمنع أي انتقاد للسعودية وقال: «جرب أن تحصل على خبر واحد في الإعلام المصري ينقل تصريحا أو بيانات من الحوثيين في اليمن، يعلنون عن موقف أو رأي أو قرار أو وجهة نظر، أو حاول مجتهدا أن تعثر على خبر واحد نقلا عن مسؤول سوري أو الحكومة السورية للرد على مزاعم أو إفصاح عن معلومات وبيانات عن نوايا أو مواقف، للأسف لن تجد إلا ما تمليه التبعية للإعلام العربي والخليجي، بل الأنيل من هذا انك في الإعلام الغربي يمكن أن تسمع لرأي من الطرف الآخر مشوشا مشوها مختصرا مجتزأ، بينما في إعلامنا المصري، الذي تماهي مع الخليجي النفطي بشكل مذهل لا يمكن أن ترى وجها للأسد، أو لعبد الله الحوثي، أو حسن نصر الله، باعتبارهم أطرافا فاعلة في الأحداث. وعلى سبيل المهنة المأسوف على شبابها والمتاجر بها من اللي يسوي واللي ميسواش، بل تجد تجاهلا تاما على الطريقة السعودية في الإعلام الحربي الدعائي ضد سوريا واليمن. ولكي تكتمل المفارقة فإن الإعلام المصري ينقل بيانات وفيديوهات «داعش» كما الإعلام الخليجي تماما، لكنه لا يمكن أن ينقل مقاطع من خطاب بشار الأسد أو عبد الملك الحوثي أو حسن نصر الله، هذا محرم سعوديا وبالتبعية الإعلامية المصرية محرم مصريا، قس على هذا أيضا الموقف الإعلامي من إيران، فالإعلام المصري كله سلفي وهابي قح في التعامل مع الملف الإيراني، ولا يراها إلا من خلال عيون الفكر الوهابي والموقف السعودي، ليس مطلوبا إلا المهنية، الحد الطبيعي من المهنية التي تقتضي عرض كل وجهات النظر. لن تعود مصر لأي ريادة من أي نوع ولن تسترد مكانتها في المنطقة العربي والعالم إلا عندما تتحرر من التبعية الدينية والإعلامية للوهابية».

انعدام المعايير في الوسط الإعلامي والصحافي

وفي اليوم التالي الأربعاء أعطى زميلنا وصديقنا في «الأهرام» نقيب الصحافيين السابق ضياء رشوان شهادته عن علاقة الرئيس بالإعلام بأن قال في مقاله الأسبوعي في «المصري اليوم»: «تبدأ العلاقة بين الرئيس والصحافة والإعلام أثناء توليه منصب وزير الدفاع في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، حيث بدا واضحاً له ولكل مسؤولي وأجهزة الدولة المصرية المعترضين على حكم الإخوان، مدى أهمية ومحورية الدور الذي قام به الإعلام والصحافة في مواجهته وتعريته وتعبئة المصريين للخروج يوم 30 يونيو/حزيران 2013، واحتفظ الرئيس من حينها بتقديره العالي، الذي رأى البعض أنه مبالغ فيه، للصحافة والإعلام في مصر، وحرصه الذي رأى البعض أيضاً أنه مبالغ فيه، على عدم التدخل منه شخصياً أو من مؤسسة الرئاسة أو من الحكومة أو من الأجهزة الأمنية المختلفة في أي شأن من شؤون الصحافة والإعلام المصريين بأي صورة كانت، بل أكثر من هذا، على الرغم من عدم رضا الرئيس وكثير من مسؤولي الدولة الكبار عن بعض ما ينشر في بعض الصحف القومية المملوكة للدولة، أو السلوك السياسي لبعض المسؤولين عنها، فلم يحدث أبداً أن تدخل أو أشار بالتدخل من أي نوع لمحاسبة أو عزل هؤلاء، تاركاً الأمر كله لتقدير الجهة المسؤولة عنها، وهي المجلس الأعلى للصحافة، وهذه شهادة عيان يؤكدها ما ينشر من مقالات وآراء معارضة، ليس فقط للرئيس ونظامه بل لثورة 30 يونيو نفسها، في صحف معروفة بعضها خاص وبعضها قومي، وما يقال- هو أقل- في بعض وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، وإذا كانت شهادة العيان هذه غير محيطة بكل تفاصيل المشهد الصحافي والإعلامي، وهناك وقائع مخالفة لها، فالرجاء من أصحابها نشرها بكل السبل التي يملكون للتعرف على كل ملامح هذا المشهد ومع هذا فقد شابت مشهد حرية الصحافة والإعلام في مصر في ما بعد 30 يونيو 2013 شائبتان كبيرتان، الأولى هي التجاوزات المهنية والأخلاقية الفجة التي ارتكبها عدد من الإعلاميين والصحافيين في أدائهم وإيحاء بعضهم بقربه من الرئاسة والنظام، وهو ما لم ينفه أحد منهما في تقدير غير صحيح للموقف، الأمر الذي خلق حالة من الفوضى وانعدام المعايير في الوسط الإعلامي والصحافي. وكانت الشائبة الكبرى الثانية هي استمرار بعض المسؤولين المتوسطين والصغار في بعض الأجهزة الأمنية في التعامل الجزئي ومن دون رؤية أشمل للوضع السياسي الكامل للبلاد مع بعض الصحافيين وأقل مع بعض الإعلاميين، ما خلق حالات وأوضاعا بدا وكأنها تمس حقوقهم المهنية ووضع الرئيس والدولة كلها في مواقف حرجة، ولعل التعامل مع صحافيي الجزيرة في ما عرف بقضية «خلية الماريوت» كان هو المثال الأبرز لهذا».

السيسي والشباب

ونظل مع الرئيس أيضا في قضية أخرى هي علاقته بالشباب وخططه لهم، بدأ النقاش في هذه القضية يوم الاثنين زميلنا في «الأهرام» الشاعر فاروق جويدة بقوله في عموده اليومي «هوامش حرة»: «بدأت رئاسة الجمهورية تجربة جديدة لتأهيل وتدريب الشباب، ليكونوا نواة لقيادات جديدة في أجهزة الدولة المختلفة. إن تجربة الرئاسة لابد أن تعتمد على توفير مناخ فكري وثقافي لتكوين قيادات تصلح للعمل العام، وهذا يتطلب نوعية من الدراسات والتدريبات تتوافر لها خبرات متقدمة وكفاءات متوازنة في الفكر والسلوك، كانت لنا تجارب سابقة مع الشباب، كانت أبرزها منظمة الشباب والتنظيم الطليعي في العهد الناصري، ورغم أن التجربة نجحت من حيث الشكل فإنها أجهضت تماما مع نكسة 67، حين خرج الشباب في مظاهرات الجامعات عام 68 وهو لا يصدق ما حدث، كانت النكسة تمثل تحولا خطيرا في حياة ومستقبل الشباب المصري، ويومها خرج الآلاف من طلاب الجامعات يطالبون بمحاكمات عاجلة ومسؤولة عن أسباب النكسة. إن الخطأ الأساسي في تجربة التنظيم الطليعي ومنظمة الشباب إنها كانت تجارب أمنية أكثر منها تجارب فكرية أو سياسية، فقد اختلطت أهداف السياسة مع أهداف الأمن، حتى أن البعض من رموز هذه الفصائل كان يكتب تقارير أمنية عن الآباء والأقارب، والمطلوب الآن من التجارب الجديدة مع الشباب ألا تكون استنساخا أو طبعة جديدة من التنظيم الطليعي أو منظمة الشباب. إن اخطر ما في هذه التجربة الجديدة أنها تحت رعاية مؤسسة الرئاسة، وإن الرئيس عبد الفتاح السيسي مهتم جدا بقضية الشباب ليس لأنهم فقط فصيل من هذا الشعب ولكن لأنهم مستقبل مصر».

هيئة قومية للشباب

وبعد يومين فقط لا أكثر، أي الأربعاء، تناول الموضوع نفسه في «الأهرام» زميلنا عمرو عبد السميع في عموده اليومي «حالة حوار» بقوله: «عندي من الشجاعة الأدبية ما يجعلني أجزم بأن عملية « التثقيف السياسي» و«التنشئة السياسية» لم تزدهر إلا في عهد منظمة الشباب الاشتراكي، التي تلقى عدد كبير من كوادرها دورات في ألمانيا الشرقية والاتحاد السوفييتي، وبالمناسبة فإن الحملة على الزعيم جمال عبد الناصر من بعض تجمعات الرجعيين ورجال الأعمال أنبتت- في جانب كبير منها- على دمغ منظمة الشباب بأنها كانت تشوه أدمغة الشباب، وتقوم بتخريج مجموعات سابقة التجهيز موحدة المقاس لا تنطق إلا برطان واحد، وذلك الهجوم الرجعي اليميني الشرس على منظمة الشباب جعلني أعتقد أنها سارت في الطريق الصحيح، بدليل ذلك الاستهداف من مجموعات لم تر خيراً في أي جانب لواحدة من أعظم فترات حكم مصر، وهو الاستهداف الذي تكثف على أيدي القوى التي قادت حركة 15 مايو/أيار 1971. اليوم هناك محاولة لإنشاء هيئة قومية لتأهيل الشباب للقيادة، وكل ما أتمناه هو أن يكون ذلك التنظيم» قومياً « يشمل اتجاهات متعددة وألا يستغله طرف حزبي أو زمرة سياسية أو جهاز أمني، وأن يكون هدفه هو تحصين الشباب ثقافيا».

مصر لن تتقدم إلا بالشباب

ومن عمرو عبد السميع في «أهرام» الأربعاء إلى مجلة «المصور» القومية الصادرة في اليوم نفسه ونشرها مقالا للدكتور محمد سعيد محفوظ مسؤول مركز الأهرام الإقليمي للصحافة، واتجاهه اتجاها مخالفا لجويدة وعمرو بأن قال: «العفو عن المئة شاب مؤشر إيجابي ننتظر من بعده عفوا عن بقية الشباب، الذين لم يثبت قيامهم بأعمال إرهابية، بل كانت كل جريمتهم هي إساءة التعبير عن آرائهم أو التظاهر ضد قانون مثير للجدل. ننتظر أيضا قرارات بتطهير المشهد الجديد من رموز الفساد السياسي والإفساد الإعلامي وتقنين السياسات والإجراءات الأمنية والتحقيق بشفافية ونية صادقة في قضايا الحريات وحقوق الإنسان واحترام الشباب وحسن استغلال طاقاتهم والكف عن محاولة احتوائهم بالشعارات والخطط الزائفة والبرامج المعادة، مصر لن تتقدم إلا بالشباب ولن تهدأ أو تستقر إلا بفتح صفحة جديدة معهم تبدأ من الاعتراف بكل ما ارتكب في حقهم من أخطاء وتنتهي باشتراكهم في السلطة، من دون تردد أو فزع إذا لم نفعل ذلك اليوم فمن سيقود مصر غدا».

السيسي: «أنا عايز الشباب معايا وأمامي دائما»!

طبعا طبعا فهذا مما لا شك فيه ولا ريب، ولذلك قالت «الأهرام» في اليوم التالي الخميس في رأيها اليومي: «قبيل عودته من نيويورك عقب مشاركته الناجحة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، قال في تصريحات للوفد الإعلامي المصري، إن دور الشباب رئيسي في بناء مصر، وقال حرفيا «أنا عايز الشباب معايا وأمامي دائما»، لأننا نحتاج إلى جهدهم الحقيقي وأن يتسلحوا بسلاح الكفاءة والمهارة والقدرة على الإنجاز، ليس فقط لمواجهة الإرهاب وحرمان المتطرفين من فرصة الاستحواذ على عقول الشباب، ولكن لأن دورهم رئيسي ومهم للغاية في بناء قواعد تحضر وتقدم مصر، وإذا كانت الكفاءة والمهارة لدى الشباب مهمة حتى يسهم في بناء بلاده، فإن الوعي والإدراك الحقيقي لا الزائف ـ كما وصفه الرئيس ـ هو السلاح القوي والفعال الذي يساعد الشباب على إدراك أهدافه وتحقيق غاياته وطموحاته، وفي الوقت نفسه آمال وطموحات بلده الذي يحتاج إلى كل فكرة، وكل حلم وكل إسهام حتى يرتقي سلم المجد والحضارة، ويستعيد دوره الرائد ليس في المنطقة فحسب، وإنما على مستوى العالم أيضا».

نريد من ينقذنا من الفراغ الذي تحتله «داعش»

وإلي المعارك والردود المتنوعة التي سنبدأها من «اليوم السابع» يوم الأربعاء أول من أمس مع ابن الدولة وهو الاسم الذي تكتب به الجريدة مقالا يوميا في صفحتها الخامسة دفاعا عن الدولة قال الابن البار بأمه الدولة: «الأمر بسيط، انظر وقارن بين موقف الصحافة الدولية والمؤسسات الاقتصادية والسياسية الدولية من مصر، التي شاركت في فعاليات الجمعية العامة للأمم المتحدة العام الماضي، ومصر التي شاركت في الفعاليات الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة. في العام الماضي كانت مصر تبحث عن موضع لقدمها، وعن ثقة في ثورتها، وكانت عيون الدولة تنظر وتراقب وتترقب، وتريد أن تفهم ماذا حدث في القاهرة، هذا العام مصر تقف، حيث ينبغي أن تكون دولة محورية، مستقرة، تملك خططا ورؤية للمستقبل، وتملك حلولا لأزمات المنطقة، وينظر لها العالم من دون قلق أو ترقب، ينظر لها العالم كدولة تعود إلى أحلامها الواعدة، ظهر ذلك في كل اللقاءات التي جمعت الرئيس عبد الفتاح السيسي مع رؤساء العالم. المبادرة التي أعلنها الرئيس في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، تحت عنوان «الأمل والعمل من أجل غاية جديدة»، وطريقة استقبال وسائل الإعلام الدولية لها، تؤكد مشهد الثقة الذي تحدثنا عنه سابقا لمبادرة تأتي في وقت يحتاج فيه هذا المحيط إلى ما ينقذنا من جحيم الفراغ الذي تحتله «داعش» وأفكارها المتطرفة».

لماذا استمرار حظر النشر في قضية وزير الزراعة؟

أما الجميلة زميلتنا في «الأخبار» عبلة الرويني وهي لا تلقب نفسها بابنة الدولة أو المعارضة، فقالت في اليوم نفسه وهي غاضبة: «مضى أكثر من شهر على قضية الفساد الكبرى في وزارة الزراعة، وتم إلقاء القبض على وزير الزراعة نهارا جهارا في ميدان التحرير، القبض على الراشي والمرتشي والوسيط، وأعلنت النيابة العامة في بيان إلى الرأي العام قائمة التهم وقائمة الرشاوى ونوعيتها، وتمت إقالة مجلس الوزراء بأكمله من رئيس الوزراء إلى الوزراء، وفرض النائب العام حظر النشر على القضية ضمانا لسير التحقيقات، ثم لا حس ولا خبر، لا أحد يطلعنا على نتائج التحقيقات أو تفاصيلها، لا أخبار الأرض موضوع الرشوة هل قامت الدولة باستردادها؟ أو تم دفع ثمنها الفعلي؟ لا حس ولا خبر ولا أحد يخبرنا لماذا حظر النشر إلى اليوم؟».

حمدي رزق: الرئيس هو من فتح علينا أبواب جهنم الحمراء

أما زميلنا وصديقنا حمدي رزق في مجلة «المصور» حكومية ورئيس تحريرها الأسبق فقد وجه في يوم الأربعاء نفسه، انتقادات للرئيس السيسي، بسبب ما قيل عن الدستور وما أشاعه من قلق وطالبه بطمأنة الرأي العام بأنه لا مساس بالدستور، وقال مذكرا الرئيس بعبارة الفنان الراحل عباس فارس لابن أخيه الفنان الراحل محمد عبد الوهاب في فيلم «قيس وليلى»: أجئت تطلب نارا أم جئت تشعل البيت نارا»: «ألقى الرئيس عبد الفتاح السيسي عود ثقاب مشتعل في كومة الحطب الجاف، فهبت سعيرا يلفح الوجوه نار الله الموقدة، لا أتخيل أن الرئيس سعى لإشعال النيران، وهو من يحمل لقب رجل الإطفاء، إشارة الرئيس العابرة، حديث النوايا الحسنة تحولت إلى تظاهرة سياسية مشتعلة، الرئيس هو من أشعل النار هو من فتح علينا أبواب جهنم الحمراء، هو من أشار ولا خاب من استشار، لا يهمني من قال أصاب الرئيس أو أخطأ الرئيس، كل ابن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون، أو ملك ناصية الفتوى الدستورية، تأويلا للنص الرئاسي على غير ما تشتهي الأنفس، أو اتخذ في حلبة فارغة من الجماهير المنصرفة تماما لمكافحة حريق الأسعار، هل جئت تطلب نارا أم أن تشعل البيت نارا. النار من مستصغر الشرر، وما أنبعث من حديثكم من شرر بنوايا حسنة، ونحسن الظن ابتداء، بنذر بنار لتطفئ النار باكرا، توابع حديث النوايا جدير بالتوقف أمامه، وتبين جدواه وحسابات المكسب والخسارة واجبة. ليست لدينا رفاهية الخسارة وما خسرناه قبلا يمكن تعويضه بمبادرات خلاقة، كالإفراج عن شبابنا في السجون، ولكن ما سنخسره من معركة الدستور يصعب تعويضه، سنخسر احترام إرادة الشعب، والشعب وإن تسامح في كثير يصعب أن يتسامح في إهدار إرادته. سيادة الرئيس إكسب الشعب وإن خسرت عرضا زائلا بتعديل الدستور. هذه معركة خاسرة لن تكسب منها بقدر الخسارة، ولا أحد يتاجر في الخسارة، كسبت شعبا بالاحترام واحترام الدستور عين الاحترام، لن يوقف هذا الهرج والمرج سوى كلمة منك قلها ولا تخش في الحق ملامة، ولا تتأخر أكثر من ذلك، وبعد سفرتك المظفرة إلى نيويورك أنتظر حديثك الشهري لترد الأمور إلى نصابها، وتعلن على الملأ أنك تحترم الدستور لأنك تحترم إرادة هذا الشعب الذي مرر هذا الدستور، وإذا كان هناك نقص في الصلاحيات في مواجهة البرلمان فإن الصلاحيات لا تصنع المعجزات يصنعها الحب الذي يربط بينكم والشعب».

لا حاجة لنا بتعديل الدستور

يبدو وربكم الأعلم أن زميلنا وصديقنا في «الأهرام» الدكتور وحيد عبد المجيد أراد طمأنة حمدي إذ قال في اليوم التالي أي أمس الخميس في عموده اليومي «اجتهادات»:
«ليت من يتحدثون عن تعديل الدستور لزيادة صلاحيات رئيس الجمهورية وتوسيع نطاق سلطته، يراجعون القرارين اللذين أصدرهما قبل أيام لتفويض بعض هذه السلطات، وتلك الصلاحيات إلى رئيس الوزراء ووزير التجارة والصناعة (العدد 38 مكرر ب من الجريدة الرسمية الصادر في 23 سبتمبر/أيلول) فقد تضمن هذا القرار تفويض رئيس الوزراء نزرا يسيرا من صلاحيات رئيس الجمهورية في عدة مجالات، وهي التصرف في أملاك الدولة، وحماية الآثار، ومنح المعاشات والمكافآت الاستثنائية والإعانات، وشؤون العاملين بالدولة والتنظيم القانوني لها، وتنظيم العمل لدى الهيئات الأجنبية، وتشكيل مجالس الإدارات والهيئات العامة، وإعارة أعضاء الهيئات القضائية، وإعادة تنظيم الأزهر والهيئات التابعة له، وكل ما يتعلق بالمرافق والخدمات العامة، والإعفاءات الجمركية، كما يشمل التفويض اختيار من ينوب عن رئيس مجلس الوزراء حال غيابه فليس من صلاحيات رئيس مجلس الوزراء أن يختار حتى من يقوم بأعماله إذا سافر أو حدث له أي أمر طارئ، ومع ذلك نجد حملة شعواء ضد الدستور يشارك فيها بعض من رقصوا في الشوارع وعلى الشاشات ابتهاجاً به، بدعوى أنهم اكتشفوا أن هذا الدستور يقلَّص صلاحيات رئيس الجمهورية ويعوقه عن أداء عمله… لا حاجة بنا إلى أي تعديل للدستور في الفترة المقبلة، وفي إمكان الرئيس أن يعهد ببعض صلاحياته إلى رئيس الوزراء وعدد من الوزراء الذين تدخل هذه الصلاحيات في مجال عملهم. وأكثر ما تشتد حاجتنا إليه اليوم هو إخراج الدستور من المخبأ الذي وُضع فيه، والشروع في تطبيقه بعد أن طال تجاهله، إذا أردنا أن نبني دولة حديثة بالفعل وليس بالكلام».

مصر الأولى عالميا في معظم الأمراض

أما آخر المعارك في تقرير اليوم فستكون من نصيب زميلنا المحرر الاقتصادي عاطف زيدان في «الأخبار» أمس الخميس، حيث ترك الرئيس السيسي ونظر بغضب إلى صورة للرئيس الأسبق حسني مبارك وقال عنه: «أتوق بشدة لليوم الذي ينعم فيه كل مصري برعاية صحية راقية، تماثل ما يحظي به مواطنو الدول المتقدمة، بل والعديد من الدول العربية، خاصة دول الخليج. فما يتعرض له المرضى المصريون حاليا من ذل وعذاب للحصول على العلاج، مأساة مؤلمة، فالمستشفيات الحكومية التي أنشئ معظمها في عهد عبد الناصر، تعرضت لإهمال فج، طوال عهد مبارك، وهو يمثل في رأيي جريمة متكاملة تتمثل أركانها في الأرقام المفزعة للمرضى، فمصر الأولى عالميا في معظم الأمراض خاصة الفيروسات الكبدية والفشل الكلوي والسرطان، لكن أما وقد أفلت مبارك ورجاله من العقاب على جرائمهم الكبرى في حق الشعب، فقد آن الأوان لإنقاذ المصريين من الأمراض التي تنهش أجسادهم وتحاصرهم من كل جانب، ولن يتحقق ذلك إلا بزيادة التمويل المالي للمرافق الصحية، وقد أحسنت لجنة الخمسين صنعا عندما حددت في الدستور ميزانية الصحة بنسبة 3٪ من الناتج المحلي الإجمالي، لكن ضعف الإيرادات العامة حال دون ترجمة المطلب الدستوري، رغم ارتفاع اعتمادات الصحة في موازنة الصحة في الموازنة الجديدة».

علي سالم لم يعتذر عن ذهابه لإسرائيل

وإلى معركة أخرى متميزة عن التطبيع مع إسرائيل، اشتعلت في بعض الصحف بعد وفاة الكاتب المسرحي علي سالم، فقد انتقد البعض عدم اهتمام الإعلام والصحافة به، ودافع عنه البعض من باب أن هذا حقه، وإن إسقاط اتحاد الكتاب عضويته كان عملا غير قانوني وحتى لو أخطأ فإن ذلك لا يعني نكران أعماله المسرحية. ولكن هذا الدفاع عنه أثار غضب زميلنا في «الوفد» محمود الشربيني فقال عنه يوم الثلاثاء: «سقطت «الكلاب وصلت المطار» سقوطاً مذلاً وذريعاً مع الأسف، ولم تكن وحدها التي لم يحالفها النجاح، فـ«خشب الورد» التي ألفها علي سالم ولعب بطولتها محمود عبد العزيز سقطت أيضا، وأظن أن هذين العملين كتبا نهاية علي سالم كمبدع مسرحي، فلم يبق له إلا الكتابة الصحافية! علي سالم كان من «حرافيش نجيب محفوظ»، وفي عصر فرج فودة، الذي شهد هجومه الحاد على دعاة تطبيق الشريعة الإسلامية، ومطلقي دعاوى الحسبة ونصيري التطرف، كان علي سالم هو ثاني أعلى صوت في هذه المواجهة، لكن علي سالم لم يملأ فراغ فرج فودة! مؤلفات علي سالم المسرحية بقيت، وذهب كتابه عن السلام وذهبت مقالاته المؤيدة للتطبيع، وذهب أصدقاؤه الصهاينة. علي سالم ظل وفياً حتى الرمق الأخير لرحلة الموت المبكر التي ارتحل فيها إلى تل أبيب، ولم يجرؤ أبداً على التنصل منها، أو يفكر في الاعتذار عنها. ومع أن الشهداء العرب يسقطون كل يوم في الأراضي العربية المحتلة، إلا أن علي سالم لم يفكر يوماً في رثاء شهيد منهم، أو في نقد أصدقائه الصهاينة الذين يسفكون دماء العرب من المحيط إلى الخليج، ولم يهتف فينا بأعلى صوته: أنا مع السلام لكنهم دعاة حرب! لم يدفع تمزيق الإسرائيليين لـ«سلام سالم» كل يوم على مراجعة موقفه من الكيان الصهيوني، بل إنه دفعه لقبول جائزتين، إحداهما دكتوراه فخرية من جامعة «بن غوريون»، والثانية خمسون ألف دولار قيمة جائزة الشجاعة من جمعية تراين الأمريكية!».

تناقض علاقة المثقفين المصريين بحرية التعبير

ومع ذلك جاءه الرد في اليوم التالي الأربعاء أول من أمس من زميلتنا الجميلة والأديبة إقبال بركة، التي قالت في عمودها «شكشكة» في جريدة «الأهالي» لسان حال حزب التجمع التي تصدر كل أربعاء: «تمثل علاقة المثقفين المصريين بحرية التعبير قمة التناقض الذي يعانون منه، ويقف حجر عثرة في طريق تطبيق الديمقراطية التي ينادون بها، فالكاتب منهم يطالب بحرية الفكر وحرية الرأي وحرية الاعتقاد الخ، ولكنه عندما يواجه أزمة في ما يخص تلك الحريات تجده يتراجع ويرتبك ويلوذ بالاستبداد لينقذه من ورطته. تلك حال المصريين من قديم الأزل، ولعل حكايتهم مع الإمام الشافعي تمثل حالة التناقض الذي يعانونه أفضل تمثيل، وقد تذكرتها يوم علمت بوفاة الكاتب المسرحي علي سالم الذي كان ضحية لحالة الشيزوفرنيا التي نعاني منها، عندما اتخذ موقفا مخالفا لما يتصورونه الحقيقة المطلقة والرأي الأمثل، ورغم أنني شخصيا لم أقتنع بموقف الراحل علي سالم من إسرائيل، وصدمت من دعوته إلى التطبيع معها، إلا أنني لم أتجاوب مع موقف اتحاد الكتاب منه، ولم أقتنع بأغلب الكتابات التي هاجمته بضراوة. إننا بحاجة ماسة لمواجهة أنفسنا وكشف عوراتنا ومراجعة مواقفنا، لا أقول هذا لأطالب باتباع موقف الراحل علي سالم، فما زلت أعتقد بأنه لا أمل في سلام مع إسرائيل طالما ظلت ترفض عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بلادهم والتفاوض مع السلطة الفلسطينية حول سلام شامل دائم، لقد كان الكاتب الراحل علي سالم يؤمن بالمثل القائل «عدو عاقل خير من صديق جاهل»، وهو ما تحقق بعد نشوء النبت الشيطاني المسمى الدولة الإسلامية «داعش» وأمثاله من منظمات إجرامية تسيء للمسلمين والإسلام لكن إذا كنا بالفعل نرغب في تطبيق الديمقراطية فعلينا أن نتحمل تبعاتها».

رفض التطبيع مع إسرائيل موقف شعبي

وفي حقيقة الأمر فهذه العصبية التي كتبت بها زميلتنا الجميلة إقبال لا مبرر لها بالمرة ذلك أن رفض موقف علي سالم من التطبيع كان موقفا شعبيا، رغم التأييد لاتفاق السلام وكل النقابات المهنية والعمالية والاتحادات اتخذت قرارات بإسقاط عضوية من يقوم بالتطبيع، كما أن البعض يتناسى أنه في عهد السادات صدرت قوانين بفرض العزل السياسي على كل من يعارض اتفاقيتي كامب ديفيد واتفاقية السلام، ومنعهم من العمل في الصحافة والتدريس، وطبق ذلك فعلا في عهد السادات وفي انتخابات مجلس الشعب، وفي بداية عهد مبارك عندما صدر حكم قضائي برفض طلب تأسيس حزب الجبهة الوطنية الذي تقدم به عام 1982 كل من المستشار ممتاز نصار وكمال الدين حسين ومحمود القاضي، وقالت المحكمة إنهم من الذين عارضوا اتفاق السلام مع إسرائيل إلى أن ألغت المحكمة الإدارية العليا القانون.
أما المسألة التي تجاهلها من دافعوا عن موقف علي سالم وفضلوا عدم الاقتراب منها، فهي أن الأمن كان وراء ذلك التحرك، لإثبات أن مصر تطبع مع إسرائيل وكان الأمن أيضا وراء تشكيل وفد من الدكتور محمود محفوظ وزير الصحة السابق، والدكتور محمد شعلان رئيس قسم الطب النفسي في جامعة الأزهر والمؤرخ الدكتور عبد العظيم رمضان للمشاركة مع إسرائيل في مؤتمر في منتجع كامب ديفيد، في أمريكا مع إسرائيليين وأمريكيين لبحث إسقاط الحاجز النفسي الذي يمنع المصريين من قبول فكرة التطبيع.

ما الذي يحدث بشأن سوريا؟

وأخيرا ننتقل إلى مقال رئيس تحرير «الشروق» عماد الدين حسين في عدد يوم أمس الخميس وحديثه عن سوريا يقول: «شيء غامض يحدث الآن على الساحة الدولية والعربية بشأن سوريا، وقد ينتج عنه حل أو نصف حل في الأسابيع القليلة المقبلة.
فجأة بدأت عواصم دولية كبرى تتحدث عن أنها لم تعد تمانع في بقاء بشار الأسد أو جزء من نظامه في أي عملية انتقالية مقبلة..
الولايات المتحدة لم تحسم موقفها حتى الآن من دور بشار الأسد، وبينما تحدث جون كيري قبل أيام بصورة يفهم منها عدم الممانعة في استمراره بشكل أو بآخر خلال الفترة الانتقالية، فإن الرئيس باراك أوباما عاد إلى اللغة المتشددة جدا ضد الأسد، خلال تصريحاته الأخيرة في الأمم المتحدة في الأيام الماضية، لكن سفيرا عربيا بارزا قال لي إن أوباما ــ رغم ذلك ــ ترك الباب مفتوحا بشأن كل الاحتمالات.
الذي دفع الدول الغربية الكبرى للقبول بدور للأسد في المستقبل، ليس فقط بسبب التدخل الروسي العسكري المباشر في سوريا أخيرا، بل بسبب الاقتناع الغربي بأن سقوط الأسد بالقوة العسكرية الآن يعنب أن الغرب سيسلم سوريا على طبق من فضة وذهب وماس إلى «داعش» و»القاعدة»، وهناك مخاوف من تكرار السيناريو الليبي بعد سقوط القذافي.
يقول سفير عربــــي كبير إن غالبـــية الحكومات العربية والغربية ــ وبعضها يرى بشار الأسد مجــــرم حرب ــ اقتنعت عبر المعلومات الموثقة بأن «داعش» المتطرف، وجبهة النصرة التي هي فرع لـ«القاعدة»، ومنظمات إسلاميــــة متطرفة أخـــرى هي التي تسيطر على أكثر من نصف سوريا، وبالتالي فإن هذه العـــواصـــم الكبرى كانت في حيرة شديدة خلال الأسابيع الماضية بشــــأن المســـتقبل، حيــــنما تهاوت قدرة النظام السوري على الحفاظ على تماسكه، بل وتلميح الأسد نفسه بأنه لن يمانع في الانسحاب من مناطق مع التمترس في مناطق حصينة فى دمشق وجزء من الســــاحل يشمل اللاذقــية ومناطق ذات غالبية علوية، وربما يقود هذا السيناريو إلى تقسيم فعلي لسوريا إلى ثلاث دويلات.
سفير آخر، قال إن هناك مشكلة صعبة حتى في حالة قبول القوى الأساسية الفاعلة في الإقليم ببقاء الأسد بصورة مؤقتة، وهي كيف ستتم هزيمة «داعش» والنصرة وسائر القوى المتطرفة التي سوف ترفض كل الحلول الوسط بطبيعة الحال، وهل هناك قدرة على جمع صفوف قوى المعارضة المدنية أو حتى الإسلامية المعتدلة في ظل أن السعودية وتركيا ترفضان أي حلول وسط مع الأسد، خصوصا بعد تصريح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قبل يومين بأن على الأسد الرحيل عن السلطة أو مواجهة الحل العسكري.
السفير نفسه قال لي إن أحد الأسباب التي عجلت بالتغيير الأخير هو خوف أوروبا من استمرار تدفق المهاجرين السوريين إليها، ثم إحساس غالبية الأطراف في سوريا بالإنهاك بعد أربع سنوات من الحرب الأهلية التي يتحمل وزرها الجميع في الداخل والخارج ويدفع ثمنها فقط المواطن السوري الذي أوقعه حظه التعس بين نظام مجرم وميليشيات أشد إجراما وقوى إقليمية ودولية لا تنظر إلا لمصالح ضيقة».

حسنين كروم

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية