المعارضة السورية تواصل لعبتها الـ «تراجي ـ كوميدية»… ولا بد من وقف حروب الوكالة الإقليمية

حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: يقاتل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام على جبهات متعددة في سوريا والعراق وأخرى غير حاضرة كثيرا في الإعلام في لبنان.
وجرى الحديث في الآونة الأخيرة عن تقدم مقاتلي التنظيم في منطقة الأنبار ونحو العاصمة العراقية بغداد، وهو ما دفع الكثير من المعلقين الإعلاميين للتوصل لنتيجة وهي أن التنظيم يقف الآن على أبواب بغداد.
ولهذا السبب جاء اجتماع الحرب الذي عقده الرئيس الامريكي باراك أوباما يوم الثلاثاء مع قادته العسكريين وقادة 21 دولة حليفة في قاعدة أندروز الجوية لتنسيق الإستراتيجية والجهود العسكرية لمواجهة تنظيم «داعش». وجرى الحديث عن إرسال قوات جديدة إلى العراق للتنسيق مع القوات العراقية.
ورغم هذه الإنجازات إلا ان مايكل نايتس الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى يقول في مقال نشرته مجلة «بوليتكو» إن الوضع العسكري في العراق لا يدعو للخوف «وعلى الجميع الإلتزام بالهدوء» لأن «داعش» و تنظيم الدولة الإسلامية في العراق الذي سبقه كانا موجودين في العاصمة العراقية أصلا، فقد ظلت العاصمة والحزام حولها مركزا للمعارك منذ عام 2003.
ويرى المحلل العسكري أن «داعش» يمثل تهديدا عسكريا على بغداد منذ بداية عام 2014 خاصة عندما سيطر على مدينة الفلوجة التي يعيش فيها أكثر من 300.000 نسمة والتي تبعد 25 ميلا عن العاصمة.
ومع ذلك فلن تسقط بغداد بالطريقة نفسها التي سقطت فيها الموصل في حزيران/يونيو 2014 ما أثار الخوف والذعر.
ويعتقد الكاتب أن العاصمة ليست على شفير السقوط مهما حقق «داعش» من إنجازات وسيطر على مدن وبلدات في وادي الفرات وشمال ـ غرب بغداد.
ويسوق عددا من الأسباب لها علاقة بالتركيبة السكانية لكل من المدينتين، فالموصل تسكنها غالبية سنية، وكان أهاليها يمقتون الجيش العراقي الذي يتسيده الشيعة.
وبالمقابل فالعاصمة في غالبيتها شيعية ويعيش فيها سبعة ملايين نسمة وتعتبر مركز التحشيد للميليشيات الشيعية وقوات الأمن النظامية.
ويشير المحلل العسكري إن مقولة ماوتسي تونغ، الزعيم الصيني «يجب أن يكون المقاتل وسط الناس مثل السمكة وسط الماء» لا يمكنه تطبيقها في بغداد، كما فعل في الموصل.
ويعتقد أن التهديد الذي سيمثله «داعش» على بغداد هذا الخريف ليس لأنه سيربح المعركة ولكن بسبب خسارته لها. ففي شمال ووسط العراق يواجه التنظيم قوات مكونة من أبناء العشائر والميليشيات الشيعية والقوات العراقية النظامية إضافة للمستشارين الإيرانيين المدعومين بالمقاتلات الأمريكية.
ولهذا يكافح التنظيم للسيطرة على ساحة المعركة والحفاظ على الجماعات المتحالفة معه. ولذا فتحركه نحو العاصمة هو علامة يأس ومحاولة لتحقيق انتصار كبير يحتاجه أكثر من أي وقت مضى.

تحالفات ضده

وفي الوقت الذي يحقق فيه التنظيم تقدما في مواقع مثل عين العرب السورية إلا أنه يترنح حسب تحليل نايتس في داخل العراق ويحتاج والحالة لحملة عسكرية تنعشه وتحيي آماله.
وكدليل على ترنحه هزيمته في بلدة ربيعة الحدودية التي تعاونت فيها قوات البيشمركة الكردية مع قبائل شمر السنية، وخاضوا معركة استمرت ثلاثة أيام أجبروا فيها «داعش» على الإنسحاب.
و الأمر نفسه يحدث في بلدة الضلوعية التي تبعد 45 ميلا شمال بغداد حيث تتعاون قبائل الجبوري والقوات العراقية وكتائب حزب الله المدعومة من إيران.
ويحدث نفس التعاون قرب مدينة كركوك حيث تتعاون قبائل العبيدي مع قبائل الشيعة التركمان وقوات الأمن الكردية ضد «داعش».
ويقول إن القوات العراقية استطاعت ولأول مرة قيادة الدبابات وبناء خطوط الإمدادات من بغداد حتى كركوك مما سمح لقواتها الأمنية فتح جبهات ضد «داعش» في المنطقة الشرقية. كل هذا لا يعني أنه يتراجع ويخسر المعركة. فقد حقق التنظيم في بداية الشهر الحالي إنجازات كبيرة، حيث استطاع السيطرة على عدد من القواعد العسكرية الصغيرة في محافظة الأنبار، وسيطر على أجزاء من بلدة هيت وأخرج معظم القوات العراقية من مدينة الرمادي عاصمة محافظة الأنبار.
ويرى نايتس أن رد فعل «داعش» على عمليات القبائل ومشاركتها ضده قد يكون خلال العمليات الإنتحارية والإغتيالات لن تؤدي إلا إلى تصليب مواقف القبائل وشحذ إرادتها. ومن هنا فقد فتح جبهة قرب العاصمة بغداد ما هي إلا محاولة لتخفيف الضغط عليه في الشمال. ويقول الكاتب إن الحملة ضد بغداد والتي ينتظرها مراقبو الشأن العراقي تأخرت حيث كانوا يتوقعون زحف مقاتلي التنظيم نحو العاصمة منذ فترة.
فتأخر الحملة لا علاقة له بغياب الفرص لأن التنظيم حاضر في المناطق حول العاصمة، وقام في حزيران/يونيو باستعراض للقوة في بلدة أبو غريب التي لا تبعد سوى 15 ميلا عن مقر السفارة الأمريكية. فلماذا كل هذا الإنتظار؟ والجواب أن «داعش» لا يمكنه السيطرة على بغداد التي يعيش فيها الشيعة، وبدلا من المغامرة وخسارة الكثير يركز الجهاديون جهودهم على تعزيز مناطقهم في شمال وغرب العراق.
وهناك من يرى أن «داعش» يستثمرالكثير في كوباني على حساب أولوياته في كل من العراق وسوريا. ويقترح نايتس عددا من الخيارت أمامه حتى يكون قادرا على احتلال بغداد، منها إشعال انتفاضة في المناطق حول بغداد قد لا تجد دعما من السكان السنة في داخل العاصمة. وقد يحاول القيام بهجمات منسقة مثل التي قام بها في 22 تموز/يوليو 2013 عندما هاجم سجن أبو غريب وحرر 800 من السجناء، وهناك إمكانية لاستهداف مطار بغداد الدولي القريب من المناطق الواقعة تحت تأثيره.
لكن الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة تعهد بمنع حدوث سيناريو كهذا. ففي حديث لمحطة «إي بي سي» كشف عن أمره تنظيم طلعات لمروحيات أباتشي قريبا من المطار .
ولا يستبعد الكاتب استغلال «داعش» مواسم إحياء عاشوراء في الشهر المقبل. وتحاول الميليشيات الشيعية والقوات العراقية وبدعم من الطائرات الأمريكية تأمين خطوط الزوار الشيعة للأماكن المقدسة في كربلاء والنجف وسامراء.
ويعتقد نايتس أن نجاح القوات العراقية في مهمة تأمين الإحتفالات الشيعية سيكون بمثابة الإمتحان لها ودليلا على تعافيها من الضربة التي تلقتها من «داعش».

«الناتو» يدرب

يبدو تحليل نايتس متفائلاً ويبالغ في وصف إنجازات القوات العراقية واالكردية، ويتناقض مع تقرير نشرته «فورين بوليسي» حول تقدم «داعش» نحو بغداد، وجهود إدارة الرئيس أوباما لبناء الجيش العراقي المتهالك.
وتعتقد الإدارة أن إعادة تأهيل الجيش العراقي تحتاج إلى أكثر من ألف مدرب أجنبي من الولايات المتحدة وقوات حلف الشمال الأطلنطي «النيتو».
ونقلت المجلة عن مصادر قولها إن إعادة تأهيل الجيش العراقي تحتاج لمدربين من فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا. ولدى الولايات المتحدة الآن 1.500 مستشار عسكري يعملون في بغداد، فيما عبرت دول غربية عن استعدادها لإرسال مدربين حسب مصدر مطلع.
وتقوم ألمانيا بتدريب المقاتلين الأكراد في معسكرات في جنوب ألمانيا وأرسلت بريطانيا مدربين إلى شمال العراق للقيام بالمهمة. وتريد الولايات المتحدة بناء «حرس وطني» بالإضافة لإعادة تأهيل القوات العراقية، وقوام هذه القوات 15.000 من أبناء العشائر التي وافقت على المشاركة في الحملة ضد «داعش».
وستكون مهمة قوات الحرس الوطني التابعة لكل محافظة صد هجمات تنظيم الدولة الإسلامية، وتشبه «الصحوات» التي شكلتها الولايات المتحدة عام 2006 لمواجهة تنظيم القاعدة. وبسبب ملاحقة وتهميش حكومة نوري المالكي، رئيس الوزراء السابق فقد قرر العديد من أبناء الصحوات حمل السلاح ضد المالكي وميليشياته الطائفية.
واقترحت الولايات المتحدة قيام وزارة الدفاع العراقية باختيار وتدريب الوحدات هذه. وتقول المجلة إن إدارة الرئيس أوباما لا تزال في المراحل الاولى من تشكيل تحالفها لإضعاف وتدمير «داعش» في النهاية حيث لا تزال عدد من الدول العربية والإسلامية مترددة في المشاركة لأنها تريد رحيل الأسد أولا، ولكن أوباما وإدارته يرون أن الهدف الأول يجب أن يكون «داعش» ومن ثم النظام السوري.
وتشير إلى أن الحالة الرثة التي وصل إليها الجيش العراقي كانت نتاجا لسياسة المالكي الذي طرد الضباط السنة الموهوبين واستبدلهم بضباط يقسمون الولاء له. وشعرت الولايات المتحدة بالدهشة من الطريقة التي انهار فيها الجيش العراقي بشكل سريع.
وقدر معهد الدراسات الدولية والإستراتيجية في لندن عدد جنود القوات العراقية عام 2013 بـ271.000 منهم 193.400 في الجيش والبقية في قوات البحرية الصغيرة، وكان لدى وزارة الداخلية 531.00 عنصر.
وفي الوقت الحالي لا توجد تقديرات بسبب انهيار فرق وهرب عدد كبير من الجنود. ومن هنا فتحضير القوات العراقية يحتاج لوقت وجهود وهو ما تخطط له الولايات المتحدة بشأن المعارضة السورية، ففي غياب الشريك الحقيقي على الأرض لن يكون للغارات الجوية أي أثر.
وأعلنت واشنطن عن خطط لتدريب أكثر من 5.000 من عناصر المعارضة السورية «المعتدلة». لكن لا تعرف الكيفية التي ستحقق فيها إدارة أوباما طموحاتها في ظل التشتت الذي تعيشه المعارضة السورية.
وفي مقال كتبه المعلق ديفيد إغناطيوس في صحيفة «واشنطن بوست» قال إن المعارضة السورية تعيش حالة من الفوضى عميقة.
وقال الكاتب إن البلبلة التي تعيشها المعارضة والخلافات الإقليمية التي تغذيها تعمقت في اسطنبول بسبب النقاش حول الحكومة المؤقتة والتنافس بين مرشح دولة قطر والمرشح الذي تدعمه الحكومة السعودية. ويقول إغناطيوس إن المعارضة في المنفى قضت وقتها وهي تتنابز وتتشاحن، وليس غريبا إنها لم تكن فاعلة في مواجهة نظام الأسد وتنظيم الدولة الإسلامية.
ويضيف إن الإرتباك الذي تعيشه المعارضة بالنسبة لأوباما والدول المتحالفة معه هي الرمال المتحركة التي تطبع الأزمة السورية.
ويقترح الكاتب قيام الولايات المتحدة والدول المتحالفة معها تشجيع معارضة داخل البلاد وليس في المنفى يكون هدفها تحقيق الإستقرار في البلاد بدلا من التناحر الذي يطبع المعارضة خارج سوريا. وحتى يتحقق هذا فهناك حاجة الآن تتدخل واشنطن وبقوة.

الخلافات مستمرة

ووصف إغناطيوس اجتماع المعارضة السورية الذي غطى ثلاثة أيام لمناقشة وضع الحكومة الإنتقالية التي ستقوم «نظريا» بإدارة المناطق «المحررة». وفي الإجتماع دعم الإخوان المسلون ودولة قطر إعادة انتخاب أحمد طعمة، وهددت بقطع الدعم عن المعارضة إن لم ينتخب طعمة.
وتعرض الأخير وهو طبيب أسنان من دير الزور لانتقادات من المعارضين له لسوء إدارته لجهود الإغاثة.
ومن أشد المعارضين لانتخابه كانت «الكتلة الديمقراطية» المدعومة من السعودية ويتزعمها احمد الجربا والمجلس الوطني الكردي وقام هؤلاء بمقاطعة التصويت النهائي بحسب أعضاء في المعارضة السورية.
وحاول الإسلاميون كما يقول الكاتب تعيين مجلس عسكري أعلى لتنسيق الدعم العسكري وإن بشكل نظري لكن هذا التحرك قوبل بالمعارضة من قبل حركة «حزم» المدعومة من أمريكا و»جبهة ثوار سوريا».
ونقل عن مصدر سوري مقرب من الجربا قوله «كان صدمة لنا وحصل في وقت سيء والفتنة خطيرة جدا» وانتقد سياسة قطر وقال إن موقفها يضع الكثير من الأسئلة حول نيتها لقتال «داعش».
ويرى الكاتب إن المشاكل والخلافات هي الداء الذي تعاني منه كل حركة معارضة في كل مكان ولهذا السبب تشك المخابرات الامريكية في فعالية تشكيل جيش للمعارضة السورية لأن تجاربها لدعم جماعات تمرد فاشلة في الأغلب وهذا راجع لعدم وجود مستشارين أمريكيين على الأرض لتنسيق الجهود.
ويقول الكاتب إن شكوك أوباما الكبيرة حول منظور نجاح المعارضة هي السبب الرئيس وراء تأخره في تقديم الدعم لهم. لكن «هذه المعارضة المعتدلة بفوضاها التراجيدية الكوميدية هي في مركز استراتيجية أوباما «لإضعاف وتدمير» الدولة الإسلامية، وحتى يكون لهذه السياسة أي فرصة للنجاح، فيجب على الولايات المتحدة وحلفائها إعلان أن تسامحها مع حروب الوكالة الإقليمية قد انتهى».

إبراهيم درويش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية