القاهرة ـ «القدس العربي» أخبار وأحداث عديدة ومهمة غطت صفحات صحف أمس الثلاثاء 29 سبتمبر/أيلول كان أكثرها اجتذابا لاهتمام الأغلبية، بدء العام الدراسي الجديد، وزحام المرور في الشوارع، وازدحام مترو الأنفاق، ونجاح الشرطة في السيطرة على الأوضاع، وهو ما سنكتشفه أكثر عند استمرار الدراسة في الجامعات، وأحوال المدن الجامعية. كما ركزت الصحف على الأحوال السيئة لعدد من المدارس، لدرجة أن زميلنا الرسام في «الأخبار» هاني شمس قال، إنه زار إحدى المدارس، فشاهد مقدمة برامج تلفزيونية ومسؤولا يقول لها عن ظاهرة جلوس عدد من التلاميذ على الأرض ووقوف البعض بسبب عدم الاستعداد لاستقبال العام الدراسي الجديد:
– بنحاول ننمي خيال التلاميذ.. يعني يتخيلوا أن في فصل وأن فيه سبورة زي ما كلنا متخيلين أن عندنا تعليم في مصر.
كما اهتمت الصحف بآخر أخبار مأساة الحجاج الذين قتلوا في منى، واستمرار الإعلان عن انقطاع مياه الشرب في بعض مناطق محافظة الجيزة. أيضا أفردت الصحف مساحات واسعة لمقابلات الرئيس السيسي في نيويورك، ثم لكلمته التي ألقاها وفي رأيي أنها لم تكن موجهة للمصريين ولا للعالم، وإنما للعالم العربي، وإعلانا غير مباشر بأن مصر تعود لممارسة دورها القيادي، سواء من خلال التأكيد على وقوفها بقوة بجوار السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، فيما يختص بالأوضاع في اليمن، وأظهر ما يمكن اعتباره تطابقا كاملا مع السعودية ودول الخليج، أي لا جديد في ما قاله، إنما الجديد كان بالنسبة لسوريا تحديدا، بمطالبته إبعاد كل من تركيا وإيران عن المشكلة، وحصرها بين العرب والقوى الدولية المساندة لاستمرار الدولة السورية والمنطقة، من دون إشارة لاسميهما، لكن العبارة واضحة ونصها: «تابعنا جميعا كيف استغل المتطرفون تطلعات الشعب السوري المشروعة للجنوح بهذا البلد الشقيق نحو مواجهات تستهدف تحقيق أغراضهم في إقصاء غيرهم، بل امتدت هذه المواجهات حتى في ما بين الجماعات المتطرفة ذاتها، طمعا في المغانم حتى تكاد سوريا اليوم تتمزق وتعاني خطر التقسيم، في ظل أزمة إنسانية غير مسبوقة، وأطماع أطراف إقليمية مكشوفة». وهكذا فإن الأطراف الإقليمية في الأزمة السورية هي إيران تركيا وإسرائيل، وطبعا هو لا يقصد إسرائيل إنما إيران وتركيا، لأنهما تلعبان علنا مع النظام، كما هو حال إيران، وضده ومع الجماعات الإرهابية كما هو حال تركيا، ولكن المشكلة أنه بينما نجحت روسيا في تغيير موقف تركيا الداعم للإرهابيين، وفي ضمان صمت إسرائيل عن قيام الطائرات الروسية والسورية بالغارات على الإرهابيين، مقابل التعهد بضمان عدم تسرب أي أسلحة روسية حديثة إلى «حزب الله» بواسطة النظام فإن مشكلة مصر ستكون بالنسبة للدور الإيراني، لأن النظام السوري مهما تعاطفت مصر معه لن يضحى به، كما أن القوى الدولية تريده في حدود معينة.
ويبقي السؤال: هل هذا التحول الأكثر وضوحا نحو سوريا باتفاق مع السعودية، أم أنه موقف مصري مستقل عنها؟
تقديري أنه باتفاق بين البلدين باستغلال تغير الظروف الدولية نحو سوريا، في محاولة إعادة المشكلة إلى الدائرة العربية بالتعاون مع روسيا وأمريكا والاتحاد الأوروبي، وإبعاد تركيا وإيران عنها قدر الإمكان، ونظرا لإحساس السعودية بالحرج بأن تغير موقفها من بشار الأسد، كما فعل أردوغان وأوباما والأوروبيون، فإنها ستكون آخر من يفعل ذلك، وكأنه استجابة لرغبات قومية، وعلى كل الأيام المقبلة ستكشف المزيد، لكن المؤكد أنه من خلال ما ينشر ومن اتجاهات الرأي العام فإن الموقف السعودي من بشار الأسد وسوريا لم يعد يلقى أي تفهم إنما معارضة شديدة.
وإلى بعض مما عندنا….
استعادة دولة رأسمالية المحاسيب
ونبدأ بأبرز ما نشر عن الأحزاب والكتل السياسية وانتخابات مجلس النواب المقبلة، وما يثار عن تدخلات علنية لرجال أعمال وتمويلهم أحزابا أو أفرادا بشكل علني، والنتيجة المتوقعة لتشكيلة أغلبية الأعضاء وتمثيلهم لمن مولهم وصرفوا عليهم، الولاء لهم لا للناخب أو الوطن، أي أننا سنكون أمام واحد من أسوأ المجالس في التاريخ، بحيث لو حدث ذلك، لكان ما فعله الحزب الوطني، يعد من أعمال الملائكة، على الأقل الجميع كان يعلم أنه لا يوجد ولاء لحزب، وإنما لنظام ورئيس قاما بتزوير النتيجة، أما الآن وبعد ثورتين فلو صدقت التنبؤات وتحققت المخاوف فإننا سنكون أمام مجلس تمت عملية شرائه علنا في السوق، على طريقة نائب للبيع خاصة بعد بروز أسماء عدد من رجال الأعمال على رأسهم نجيب ساويرس، الذي قال عنه يوم الاثنين في «الأهرام» زميلنا وصديقنا أستاذ الإعلام في جامعة عين شمس الدكتور محمد شومان: «ظهرت تقارير صحافية عديدة ترجح أن يهيمن خمسة من رجال الأعمال الكبار على عدد كبير من نواب البرلمان المقبل، من خلال تقديمهم دعما ماديا ومعنويا لمئات المرشحين، والخمسة الكبار بحسب هذه التقارير هم نجيب ساويرس، أحمد عز، أكمل قرطام، السيد البدوي وأحمد أبو هشيمة، بغض النظر عن صحة هذه التقارير الصحافية ومصادرها، إلا أنني أميل لتصديق بعض ما ورد فيها. ربما تختلف أسماء الخمسة الكبار ربما يزيد العدد إلى سبعة أو يقل، لكن من المؤكد أن اسم ساويرس سيظل واحدا من قائمة كبار ممولي الانتخابات البرلمانية المقبلة، لأن الرجل أعلن ذلك في حوار تلفزيوني أخير، مؤكدا أن أي دعم سيكون في إطار القانون، ما قد يعني أن هناك ثغرة في قانون الانتخاب والقواعد المنظمة للانتخابات، تسمح بتزاوج رأس المال والسياسة. ساويرس شخص واضح وصريح في بعض الأحيان، وهناك من وجهة نظره أمور مبدئية لذلك لم يجامل الناصريين في حواره، بل هاجم عبد الناصر ومشروعه التاريخي، ولم ينس لعبد الناصر انحيازه للفقراء وتأكيده أن توفير فرصة العمل ولقمة العيش يجب أن يسبق تذكرة الانتخابات، حتى لا يبيع الفقراء أصواتهم للأغنياء. لذلك فان نجيب لا يهتم بتوفير فرص عمل للمصريين وإنما يركز على شراء أصواتهم. من الواضح أن ساويرس وبعض رجال الأعمال يريدون استعادة دولة رأسمالية المحاسيب التي كانت أيام مبارك، ولا تصدق كلام ساويريس أو غيره عن اضطهاد مبارك وجمال لهم، وتكفى الإشارة هنا إلى شبكة المحمول الأولى التي حصل عليها ساويرس بتراب الفلوس من الحكومة، وعلى الرغم من أنها كانت تعمل وتحقق أرباحا سنوية أخذها ساويرس وبنى إمبراطوريته.. ثم باعها».
فرصة الشباب في البرلمان معدومة
والحديث الذي أشار فيه شومان إلى أن ساويرس هاجم فيه خالد الذكر كان على «قناة النهار»، منذ حوالي شهر مع زميلنا خالد صلاح مقدم برنامج «آخر النهار» ورئيس تحرير جريدة «اليوم السابع» وقال فيه ساويرس أن أحدا لا يجرؤ على ذكر اسم عبد الناصر في بيت أسرته، وهاجمه هجوما عنيفا ومما قاله إنه عندما كان يقابل بعض الأشخاص الذين سيرشحهم الحزب في الانتخابات فوجئ بأن أحدهم قال له: أنا باحب عبد الناصر فقال له مكانك مش معانا. وفي حقيقة الأمر فلا يمكن أن نساوي بين ساويرس والسيد البدوي، وكان على شومان أن يوضح أن البدوي رئيس لحزب عريق موجود ولا يشتري مرشحين في الانتخابات، بل مشكلته كثرة من يتقدمون للترشح رغم عدم قدرة بعضهم على النجاح، ولا يقلل من ذلك تراجع شعبية الحزب. وبالنسبة لرجل الأعمال أكمل قرطام فإن له حزبا أسسه أسمه «حزب المحافظين»، وأحمد عز لا حزب له الآن. وأحمد أبو هشيمة يمول ضمن عدد آخر من رجال الأعمال حزب «مستقبل وطن» الذي يترأسه الشاب محمد بدران، الذي نشرت له «الشروق» يوم الاثنين أول من أمس حديثا أجراه معه زميلنا علي كمال قال فيه متشائما: «فرصة الشباب في البرلمان معدومة، والعملية الانتخابية لم تتغير ومازال يحكمها رأس المال والقبليات والمصالح، والرشاوى الانتخابية، ومن الصعب أن يحظى شاب بالفوز أو الترشح وتحمل نفقته الدعائية، وهذا ليس مسؤولية السيسي ولا الحكومة، ولكنه بسبب الجهل والفقر والأمية المترسخة منذ 60 سنة ماضية، ومهما حاول النظام الحالي لن يستطيع تغيير الوضع، والمشكلة ثقافة الشعب، المنشغل، في الظروف الاقتصادية للمعيشة، بأسرته والبحث عن «لقمة العيش» وليس تغيير الوضع سياسيا، أو وجود برلمان قوي من عدمه، ولن يتغير الوضع إلا بانتهاء الفقر، وأن يتجه الناخب لإعطاء صوته في صناديق الانتخابات بحرية تامة وللأصلح، وليس لمن يعطيه رشاوى أو «زيت وسكر». الحزب ممول من مجموعة رجال أعمال منهم أحمد أبو هشيمة، ومنصور عامر، وكامل أبو علي، وهاني أبو ريدة، وبعض العائلات الكبيرة مثل الغنيمي في الإسكندرية، والمغربي في القليوبية، والقرشي في أسيوط، والأشراف في قنا، وأعلنت أكثر من مرة عن مصادر التمويل. هؤلاء ليسوا مكلفين من قبل الدولة، كما يردد البعض، فقد وضعنا معايير للممولين ألا يتدخلوا في سياسة الحزب، وهم يدعمون تجربة شبابية تريد أن تنجح فقط، وليسوا مكلفين من الدولة وفكرة حصولنا على نسبة داخل البرلمان ويستخدمها الممولون في حماية مصالحهم انتهت، الشارع سيحكم بيننا، و»الوفد» و»المصريين الأحرار» و»النور»، أقوى الأحزاب المنافسة على الساحة، ولكن لن تزيد مقاعد كل حزب منها داخل البرلمان عن نسبة 10٪، وحزب النور شعبيته تراجعت بعد حكم الإخوان، ونحن لدينا مبدأ بأن كل شخصية وطنية ذات كفاءة لديها خبرة وتدعم الوطن ولم تتورط في فساد مالي أو إداري نقبلها على الفور، حتى لو شخصية إخوانية لم تتورط في فساد أو دماء وتدعم الوطن، سنقبلها أيضا وندعمها. شعبية الرئيس لم تقل ولم تزد، ونسبته 70٪ من الشعب المصري، ونجح في أداء مهامه، ولكنه يعمل وحيدا، وهذا ما يظهر أن التقدم بالدولة ليس سريعا، في بعض المجالات سواء في الصحة أو التعليم وغيرهما لا أتوقع ثورة ثالثة على السيسي حتى الآن، ولكن من الممكن حدوث تغيرات تتسبب في قيام ثورة ثالثة. أنزعج من تلقيبي بالفتى المدلل للسيسي، ومبحبش وميهمنيش ولا أريد أكون ذلك، ولكن أريد أن أمثل الشباب فقط، وقيمة الإنسان في شخصه».
عبود الزمر: المعارضة يجب
أن تبقى في حدود الإصلاح والتغيير السلمي
وإلى الأحزاب المتهمة بأنها أحزاب دينية وأمام المحاكم دعاوى قضائية لحلها مثل حزب «البناء والتنمية» وهو الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، حيث نشرت جريدة «المصريون» الأسبوعية المستقلة يوم الأحد قبل الماضي مقالا لعضو مجلس شورى الجماعة عبود الزمر دعا فيه إلى مصالحة وطنية قال:
1- إصلاح ذات البين بين أبناء الوطن الواحد هو من أولويات العمل الوطني لكل قادر على تحقيقه على جميع المستويات.
2- معركة الدولة مع بعض الفصائل من أبنائها ليس فيها غالب ولا مغلوب، فالخاسر الأكبر هو الوطن .
3- من يتصور قيام ولاية داخل الدولة في وجود حكومة مركزية وجيش قوي هو واهم بالدرجة الأولى.
4- التفجيرات العشوائية التي تصيب المواطنين، سواء من الجيش أو الشرطة أو المدنيين ظلم وعدوان على الدماء المعصومة.
5- استخدام القوة المفرطة في التعامل مع المواطنين يعتبر عملاً خارج نطاق القانون ومنتقدًا على المستوى المحلي والدولي.
6- البديل الواقعي عند عدم القدرة على التغيير هو الصبر والنضال السياسي السلمي حتى تتحقق الأهداف.
7- الثبات والتضحية في موضع لا يحقق المصلحة هو من باب إهلاك النفس والإمكانات بغير مسوغ شرعي «لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها».
8- الحكومات أو الجماعات التي تترك المشورة حول القضايا الرئيسة في المجتمع، تفقد كل يوم أنصارها وربما شملتهم قائمة الخصوم .
9- أن ما يريده المواطن إلى جوار المشروعات الإستراتيجية، هو ذلك المشروع التنموي القريب العائد الذي يظهر أثره على دخله ومستواه المعيشي.
10- الخلاف مع سياسات الحكومة لا يسوغ العمل على إسقاط الدولة، لأن إسقاطها يساوي الفوضى، وبالتالي يجب أن تبقى المعارضة في حدود الإصلاح والتغيير السلمي لكون المحافظة على مؤسسات الدولة له من الواجبات القومية والوطنية».
«النور» مستعد «يحلف بالطلاق» أنه ليس حزبا دينيا!
ومن حزب «البناء والتنمية» إلى «النور» الذي قال عنه يوم الاثنين أول من أمس، زميلنا في «الأخبار» عبد القادر محمد علي: «حزب النور يؤكد أنه حزب سياسي، ومستعد يحلف بالطلاق انه ليس حزبا دينيا، وإنما هناك سوء فهم سببه اللحية والجلابية البيضاء. حزب سياسي بأمارة إيه؟.. بأمارة آلاف السلفيين الذين اعتصموا مع جماعة الإخوان الإرهابية في رابعة.. وطبعا الاعتصام سياسة مش دين! .. بأمارة توزيع الزيت والسكر ولحمة العيد على الناخبين لشراء أصواتهم في الانتخابات.. وطبعا البيع والشراء اقتصاد مش دين .. بأمارة الحب والمودة ودفء العلاقة واستمرار الاجتماعات داخل السفارة الأمريكية حفاظا على صلة الرحم بين السفير وأشقائه السلفيين.. وهذا نفاق مش دين».
مديحة عزب: أبوس أيدك
يا شعب مصر العظيم أوعى تنخدع بـ«النور»
وفي العدد ذاته قالت زميلته الجميلة مديحة عزب «محجبة»: «إعلم عزيزي المواطن أن لك أعداء ألداء يخططون منذ فترة للتحايل عليك والفوز بصوتك لدخول البرلمان، والحصول على أكبر عدد من المقاعد اللي كانوا عايزين يهدموا تمثال أبي الهول ويغطوا بقية التماثيل أحسن حرام تبقي عريانة.. أبوس أيدك يا شعب مصر العظيم أوعى تنخدع تاني في الأشكال دي، وبالذات الذين يقايضون من الآن على شراء أصوات الناخبين بالسوفالدي واللحمة والزيت والسكر، هؤلاء الذين لم يشاركوا في أي ثورة مصرية ويحرمون تهنئة الأخوة الأقباط في أعيادهم، ويرفضون الوقوف لتحية العلم.. لو نجحوا في دخول البرلمان تقدر تقول لي حيقعدوا كام مئة سنة على قلب البلد؟».
الرئيس والدستور
وإلى استمرار الجدل والخلاف حول الدعوة التي تبناها البعض وطالبوا بإجراء تعديلات في الدستور، خاصة بعد أن قال الرئيس إنه تم وضعه بنوايا حسنة، والنوايا الحسنة لا تبني الدول، بينما عارض آخرون المساس الآن بالدستور وأن ذلك سيفتح الباب للعودة إلى تعاظم قوة الرئيس أمام مجلس النواب، وفي يوم الاثنين ورغم تأييد زميلنا وصديقنا في «الأهرام» مكرم محمد أحمد للرئيس إلا أنه قال: «في هبة مفاجئة، خرجت أصوات عديدة مؤيدة للحكم تطالب بتغيير الدستور، الذي لم يجف حبره بعد، وربما لم يتم تطبيق معظم بنوده، بدعوى أن الدستور ينتقص من شرعية الرئيس السيسي في مواجهة برلمان جديد، يمكن أن تؤدي بعض الظروف الخاصة إلى سيطرة أغلبية معارضة على معظم مقاعده، تجعل الرئيس مثل بطة عرجاء لا يقدر على استخدام سلطاته لتصحيح الأمر، رغم أنه يحظى بأغلبية شعبية ساحقة في انتخابات رئاسية نزيهة، فضلا عن أنه يمثل صوت الأمة وضميرها، الذي وضع روحه على كفه فداء لوطنه، كي ينقذ المصريين من حكم المرشد والجماعة، ومع تسليمي ابتداء بأن الدستور الجديد الذي صدر بعد محاكمة رئيسين تتابعا على حكم مصر، قلص بعض الشيء سلطة الرئيس لصالح البرلمان المنتخب، إلا أن ذلك لا يبرر بالمرة هذه العجلة الشديدة في الدعوة إلى تغيير دستور لم يتم بعد تطبيق معظم بنوده، خاصة أن كل الدلائل تؤكد لنا أنه ما من خطر حال يدعونا إلى الانزعاج، أو الاعتقاد بأن المعارضة وتيارات الإسلام السياسي يمكن أن تحوز أغلبية مقاعد البرلمان المقبل».
هل نعيد صلاحيات الدساتير السابقة؟
وإذا تركنا «الأهرام» إلى «الوطن» في اليوم نفسه لنكون مع الكاتب العلماني القبطي ورجل الأعمال كمال زاخر، الذي يقول: «كان الرئيس السيسي قد أشار في جملة عابرة إلى أن النوايا الحسنة وحدها لا تصنع دستوراً، ليلتقطها البعض وينسجوا حولها حكايات، ويروجوا أنها إشارة إلى توجه لتعديل الدستور، يعيد للرئيس صلاحيات الدساتير السابقة، ويحد من صلاحيات البرلمان، ويفتح الباب لمد ولاية الرئيس في إعادة إنتاج لعهدي السادات ومبارك. لم يكن الأمر مجرد إعمال للخيال، بل هو جزء من معارك تكسير العظام التي تخوضها التيارات المناوئة للثورة وحراك الخروج من النفق، وأسقطوا أيضاً مصداقية الرئيس السيسي وجديته، التي اختبرت في أكثر من موقف ومنعطف، وتناسوا أن الدستور وازن بين السلطات الثلاث بشكل واضح، واستطاع أن يمنع تغول إحداها على غيرها، وأعطى للشعب، مصدر السلطات، القول الفصل في أي نزاع ينشب بينها، من خلال آلية الاستفتاء، بل أسند إدارة الاستفتاء إلى هيئة مستقلة لا تخضع للسلطة التنفيذية أو البرلمان، وحدد ضوابط تعديل الدستور وهو ما نراه في نصوص دستورية محددة وقاطعة، أوردها بغير تعليق، ففيها الكفاية».
على أعتاب صناعة طاغية جديد
وفي «وفد» الاثنين كذلك عبر زميلنا مصطفى عبيد عن رعبه مما يقرأه قائلا: «ما أخشاه وما أخافه وما أرتعب منه أن نكون على أعتاب صناعة طاغية جديد، تحت اسم المحبة والشعبية والزعامة! لقد قرأت أوصافاً لا تليق سوى بالأنبياء عددها مُثقفون ومُبدعون وكُتاب مصريون حول الرئيس الهدية، والزعيم الجائزة، والبطل النعمة الذي جادت به السماء على هذه البلاد. لم يقل أحدهم أن الرجل يُخطئ كثيرا ولا يجد راداً أو مُعقباً، وإنما تصفيق حاد يوشك أن يتحول إلى عادة صباحية لحملة الأقلام. لم أقرأ لأحدهم نصيحة أو توجيهاً أو إرشاداً يُقدمه للأجير عند الشعب المصري، وهذا أخسر الخسران.. والله أعلم».
تغطية رحلات الرئيس بالتهليل والتكبير!
أما آخر زبون عندنا في هذه القضية وفي ذلك اليوم الاثنين فسيكون زميلنا وصديقنا رئيس تحرير جريدة «المقال» إبراهيم عيسى وقوله عن زيارة الرئيس لنيويورك: «أولا وقبل أي خطوة يجب أن نتخلى عن هذه الزفة في تغطية رحلات الرئيس، ليست زفة بمعني الحشد المتابع، بل زفة التهليل والتكبير لأي حدث أو خطوة أو لقاء للرئيس في زياراته الخارجية. الحقيقة أن رحلات الرئيس تنجح في بناء علاقات مصالح. الذي يتصور متوهما أن بوتين يدعم مصر لأنه يحب السيسي، أو أن ميركل تأثرت بصدق الرئيس، أو أن هناك كيمياء تجمع بين أولاند والسيسي، فهذا كلام يصح أن يقال في موضع الإعجاب المتشح بالنفاق، لكنه لا يكون مستقيما ووازنا في الواقع الحقيقي، هذا يليق جدا بالعلاقات بين الزعامات العربية، التي يقوم فيها الاستلطاف أو استثقال الظل بدور كبير للأسف. أما مع الغرب فالمؤكد أنها المصالح يا عزيزي، وقد حقق السيسي المصالح المشتركة مع تلك، حين عقد صفقات سلاح ضخمة كبيرة، وحين أتاح للشركات المنتمية لهذه الدول فرصا ضخمة، سواء للتنقيب في مصر أو بناء محطات كهرباء أو سكك حديد أو منشآت ذات صلة بالبنية الأساسية والمشروعات العملاقة التي يتبناها السيسي، فضلا عن تحقيق مصالح مشتركة في التحالفات السياسية ضد قوى التطرف والإرهاب، لكن رحلات السيسي الخارجية لم تنجح في العلاقات العامة مع المؤسسات البرلمانية، ومنظمات المجتمع المدني، وفشلت حتى الآن في إدارة علاقة متوازنة مع منظمات حقوق الإنسان تماما، ولم تثمر عن أي تغيير حقيقي ملموس مع وسائل الإعلام الغربي التي تشن حربا عدائية تشويهية على مصر».
في انتظار نتائج التحقيقات في فجيعة «منى»
وننتقل الآن إلى فجيعة منى التي كتب لنا عنها طه خليفة في «المصريون» قائلا: «في التوصيف الرسمي فإن ما حصل في «منى» صباح أول أيام عيد الأضحى المبارك هو «حادثة»، وفي التوصيف غير الرسمي فهو «كارثة»، عدد الضحايا كبير، 769 وفاة، و934 إصابة حتى الآن، ندعو الله بالرحمة والمغفرة للمتوفين، والشفاء العاجل للمصابين. تلك الحادثة/الكارثة هي الأكثر دموية منذ ربع قرن خلال موسم الحج، كما تقول تقارير رصد حوادث الحج، وموسم هذا العام شهد حادثتين/كارثيتين، سقوط الرافعة على الطائفين حول الكعبة المشرفة، والتدافع في «منى» ليصل المجموع الكلي للضحايا في كليهما إلى نحو 880 وفاة وما يقرب من 1200 إصابة.
أداء السلطات السعودية في سقوط الرافعة كان حازما وسريعا، تحقيقات جادة وفورية، وعقوبات مشددة على الشركة المسؤولة عن الرافعة، وتعويضات سخية لأسر المتوفين والمصابين، ونتوقع أن يكون أداء لجنة التحقيق التي تقررت عقب وقوع حادثة/كارثة «منى» على غرار لجنة تحقيقات الرافعة. كان جيدا في تحقيقات الرافعة ألا يتم استباق نتائج التحقيق بإلقاء المسؤولية فقط على الأعاصير والأمطار التي شهدتها مكة المكرمة في هذا اليوم، فرغم أن التصريحات تحدثت عن الظروف الطبيعية غير المعتادة إلا أنها لم تتجاهل إمكانية وجود أخطاء بشرية، وتأكدت شفافية التحقيق ونزاهته عندما تم إثبات أن هناك أخطاء بالفعل في وضعية الرافعة، وعدم التزام شركة المقاولات بتعليمات التشغيل للشركة المصنعة للرافعة. سيكون جيدا أيضا ألا يتم الحديث فقط عن تزاحم وتدافع الحجاج في «منى»، أو إبراز مبررات تتعلق بطبيعة حركة الحجاج، أو حتى عن «القضاء والقدر»، إنما يجب الانتظار حتى تنتهي التحقيقات، ويتم إعلان نتائجها ونفهم كيف وقعت الحادثة/الكارثة، نتيجة تعارض الحركة بين الحجاج المتجهين إلى الشارع 204 عند تقاطعه مع الشارع 223، كما قالت وزارة الداخلية السعودية، على التحقيق المنتظر أن يفسر ذلك، وأن يرد بشكل شفاف وشجاع عما يتردد مما هو مثير للاهتمام والتعقب والفحص، من أن هناك جهات تآمرت لإحراج الحكم الحالي وخلق الأزمات أمامه وإثارة البلبلة بسبب مواقفه الوطنية والعربية الحازمة والقوية. السلطات في المملكة تبذل أقصى جهودها، وتوفر كل إمكانياتها حتى يمر موسم الحج بسلام، لأن ذلك يُحسب لها ولقدراتها التنظيمية والأمنية عربيا وإسلاميا وعالميا، فالحج هو أكبر تجمع بشري سنوي عالمي في مكان واحد، وبالتالي يكون نجاحه وخروجه بلا حوادث مؤثرة مؤشرا مهما للسعودية ولنجاح الإدارة فيها عندما تستضيف هذا التجمع المليوني الضخم وتنتقل به خلال مناسكه على طريق آمن وسالم. والسلطات تسعى هناك إلى إثبات جدارتها سنويا، بإدارة الحج وراحة ضيوف الرحمن، لأن هذه نقاط مهمة تُحسب لها في سجلها، والمؤكد أن خادم الحرمين الملك سلمان لم يكن يريد في أول موسم حج في عهده أن تقع أدنى مشكلة للحجيج، والمؤكد أيضا أنه لا يسكت على ما يحدث، ولذلك أمر بمراجعة خطط المملكة لموسم الحج، وطلب إجراء تحقيق في أسباب الحادث الذي وصفه بالمؤلم، مثلما فعل مع حادث الرافعة عندما تألم أيضا وطلب إجراء تحقيق….».
وزارة تعليم تتقمص دور وزارة الداخلية!
وبمناسبة بدء العام الدراسي الجديد انتقلنا من جريدة «المصريون» إلى جريدة «المصري اليوم» لنقرأ مقال الكاتب فيها عمرو الشوبكي الذي قال: «فتحت الجامعات والمدارس الحكومية أبوابها، وعاد تلاميذ مصر لمقاعد الدراسة مرة أخرى، بعد أن شهدوا عاماً عصيباً لم تتغير فيه أحوال المعلم ولا التلاميذ، وبقى التعليم على حاله بلا أي تطوير ولا حتى رؤية تقول إن التعليم هو أساس تقدم أي أمة ترغب في أن تتقدم. وعرفت مصر وزراء تعليم عال لم ترهم طوال تاريخها الطويل، فشهدنا في العام الماضي وزارة تعليم تقمصت دور الداخلية، ولم تفلح فيه، بعد أن فشلت فشلاً ذريعاً في لعب دورها الأصلي كوزارة تعليم، فهددت كل الطلاب قبل وأثناء العام الدراسي وتوعدت الجميع، ولم تفكر في وقوف الطلاب لساعات أمام بوابات جامعاتهم في انتظار تفتيش «فالكون»، فتفتح لهم بوابات جديدة، ولم تفهم سيكولوجية شباب في هذه الفئة العمرية (18 إلى 22 عاماً)، بأن أغلبهم وبحكم الطبيعة يمثلون صوت احتجاج أو معارضة أو رفض، مثلما كان كل شباب الحركة الطلابية في مصر والعالم، بدأوا رافضين ومحتجين وثواراً وانتهوا إصلاحيين ومسؤولين حكوميين.
والحقيقة أن فارق الوظيفة والدور بين الداخلية والتعليم أمر بدهي، فمهمة وزارة الداخلية محاسبة المخربين وحملة المولوتوف ومشاريع الإرهابيين، لا ممارسة عقاب جماعي على كل الطلاب، كما أن مهمة وزارة التعليم هي تحسين أوضاع الطلاب والجامعة والعملية التعليمية، أي الوضع الطبيعي، وليس بناء خطاب كامل للوزارة على- فقط – مواجهة الخارجين على القانون والمخربين، مثلما تسرب من تصريحات وزير التعليم العالي الجديد. لايزال التعامل مع التعليم على أنه مجموعة من الطلاب المخربين يجب مواجهتهم بالإجراءات الأمنية وشركات الأمن الخاصة والبوابات الإلكترونية، و«الطلاب الشرفاء» الذين مهمتهم الإبلاغ عن زملائهم «غير الشرفاء» المحرضين على التظاهر. مشكلة هذا الخطاب أنه نسى أن أغلب الطلاب لم يكن لهم علاقة بالعنف ولا الإخوان، وهم ليسوا ضد أي إجراءات أمنية تحول دون تكرار عنف العامين الماضيين مرة أخرى، وأن تخويف كل من يعترض على الإجراءات القمعية بالصراخ: هل تريدون الفوضى؟ هل ترغبون في أن تتحول الجامعة إلى ساحات عنف؟ والإجابة قطعاً: لا، فالمؤكد أن خطاب التهديد الذي استخدمه وزراء التعليم العالي طوال الفترة الماضية سيُعقّد مشكلة الجامعة لأنه اختزلها في الأقلية العنيفة المخربة، ونسي أن هناك أغلبية من الطلاب تستفزهم الإجراءات الأمنية الفجة، وهناك من لديه موقف سياسي من الحكم الحالي، ويراه مسؤولاً عن دماء كثيرة سقطت، وأن هناك آلة تعبئة سياسية لن تُواجَه فقط بالإجراءات الأمنية ولا بصراخ وزراء التعليم العالي… تجربة الطلاب في مصر، مثل كل بلاد الدنيا، مثَّلت نمطاً احتجاجياً لا تفضله عادة النظم السياسية، ولكن النظم الحية والديمقراطية هي التي تعمل على دمج هذا الصوت في مسار إصلاحي، كما جرى في فرنسا 68، فمن قرأ ماذا كان يقول الطلاب اليساريون من شعارات وهتافات ثورية ضد المجتمع الأبوي والنظام الرأسمالي الذي مثله بالنسبة لهم الجنرال ديغول (بطل فرنسا القومي، ومحررها من الاحتلال النازي)، وكيف أصبحوا وزراء ومسؤولين كباراً في أحزاب اشتراكية إصلاحية، سيكتشف مسؤولية النظام السياسي الديمقراطي عن إحداث هذا التحول. للأسف هذه الرؤية غائبة في التعامل مع ملف الطلاب في مصر، والعجز عن التمييز القاطع بين المخربين والمحرضين على العنف وبين الطلاب السلميين، معارضين أو مؤيدين، أمر يحتاج إلى مراجعة سريعة».
حسنين كروم