المغرب: غياب الوساطات بين الدولة والمواطنين 

حجم الخط
3

أقدمت الدولة المغربية على اعتقال  مجموعة من الصحافيين المغاربة، إبان الحراك الشعبي في الريف، على رأسهم حميد المهداوي مدير الجريدة الرقمية «بديل»، أبرز الجرائد في المغرب جرأة ومعالجة للمواضيع التي توصف بالحساسة، ولاسيما ملفات الفساد الشائكة. ومن ضمن التهم الموجهة الى هذا الصحافي واحدة تتجاوز خيال أكبر مبدعي السريالية وهي «التستر على شخص هدد بإدخال دبابات روسية إلى المغرب لاستعمالها في الحراك في الريف».
هذه التهمة ليست نكتة، بل وردت خلال التحقيق ونقلتها هيئة الدفاع، والأمر يتجاوز هذه النكتة المأساوية، إلى مخطط حقيقي يرمي إلى السيطرة التامة أو إلغاء الصحافة المصنفة بالمزعجة في المغرب. وهذا المخطط هو خطأ آخر من الأخطاء الاستراتيجية التي ترتكبها الدولة المغربية منذ سنوات، وستكون لها انعكاسات سلبية للغاية، كما حدث مع محاولة السيطرة على المشهد السياسي من طرف الدولة نفسها، لأنها ببساطة تفرغ المجتمع المغربي من أسسه وتريد تحويله الى ما يشبه مجتمع «1984» التي تحدث عنها الروائي جورج أورويل.
وكان خطاب الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش يوم 29 يوليو الماضي قاسيا مع الطبقة السياسية التي اعتبرها فاشلة، ووافقت نسبة قليلة من السياسيين الملك في أطروحته، بينما نسبة أخرى التزمت الصمت في إشارة الى رفض الاتهامات الواردة في الخطاب، وأخرى لم تتردد في توجيه اللوم والنقد الشديد الى الدولة برمتها، ومنها المؤسسة الملكية، وتحميلها مسؤولية تدهور الحياة الحزبية في البلاد، من خلال التدخل في الشؤون الداخلية وفرض قيادات لها ولاءات التملق للدولة نفسها. ونتيجة هذه التدخلات كارثية وهي نفور المواطنين من الأحزاب واعتبارها هيئات بدون شخصية سياسية مستقلة، بل ملحقات لوزارة الداخلية. ويعيش المغرب الآن وضعا خطيرا وهو أن تراجع الأحزاب يعني غياب الوساطات بين الدولة والمواطنين، ولعل العنوان البارز هو عدم وجود وسطاء للحوار بين الحراك الشعبي في الريف والدولة، وترتب عنه توظيف العامل الأمني للسيطرة على الحراك بكل ما يحمله هذا من مخاطر على الاستقرار، لأن العنف الأمني المؤسساتي لا يحل المشاكل، بل فقط يحتويها لفترة زمنية معينة. وما يجري في المشهد السياسي يتكرر في المشهد الإعلامي، فقد أفرغت الدولة الحقل الاعلامي من المنابر ذات التوجه النقدي، فهناك حالات الملاحقة التي تحصل بين الحين والآخر وحالات الحصار المتمثل في التحكم في الإشهار. وترتب عن هذا الوضع المقلق ما يلي:
ـ في المقام الأول، فشل الدولة المغربية، في جعل وسائل الإعلام الرسمية أو العمومية، أو حتى تلك المقربة منها وترتدي ثوب الاستقلالية، بديلا لوسائل الإعلام القائمة على مبادرات محدودة، ولكنها مستقلة في خطابها، أو بالأحرى مزعجة للغاية. خطاب الصحافة الرسمية أو المقرب منها لن يعمل على تقديم المغرب في ترتيب التنمية البشرية. كما أنه لم يساعد على رؤية واقعية للأوضاع المغربية.
ـ في المقام الثاني، دفعت بالمواطن المغربي بعد التضييق على المنابر المستقلة الى البحث عن بديل يتجلى في القنوات الأجنبية مثل، «فرانس 24» التي تقدم مواضيع متنوعة سياسيا حول المغرب، وكذلك التنوع في الضيوف، ويمكن هنا مقارنة القناة الثانية المغربية، أو «ميدي آن تي في» مع «فرانس 24» التي تحظى بالمشاهدة أكثر من قنوات النظام المغربي.
ـ في المقام الثالث، محاولة الدولة التحكم في الخط التحريري للمنابر المستقلة، يجعل المواطن المغربي يلجأ الى شبكات التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار، لاسيما في ظل الظهور القوي لناشطين سياسيين وإعلاميين، أغلبهم يقيمون في الخارج، يعلقون على أحداث المغرب بدون خطوط حمر نهائيا. ويحقق هؤلاء الناشطون نجاحا كبيرا تماشيا مع أرقام المشاهدة في يوتيوب والفيسبوك. وهذه الظاهرة مرشحة لتأخذ حجما مهما في المشهد الإعلامي المغربي، وهي منفلتة من المراقبة الرسمية المغربية، وبدأت تتحول إلى بديل حقيقي.
ـ في المقام الرابع، بضغطها على الصحافة المستقلة أو الصحافة التي تتناول الوضع بالنقد، تفتقد الدولة لتوازن مهم، كما فقدت التوازن السياسي عندما حاولت تدجين جميع الأحزاب السياسية. وتعتبر الصحافة ذات الجرأة هي التي ترصد وتندد وتقدم أحيانا حلولا. ومن ضمن الأمثلة، عندما قال الملك محمد السادس في خطاب رسمي منذ ثلاث سنوات، بدء انتقال المغرب الى دولة صاعدة، صفقت الصحافة الرسمية والمقربة من السلطة، واعتبرت كل منتقد «خارج الإجماع والأمة»، بينما الصحافة التي لا تدور في هذا الفلك طرحت شكوكا وتساؤلات بناء على معطيات الواقع الاقتصادي والسياسي للبلاد. وبعد مرور ثلاث سنوات، يتبنى الملك نفسه في خطابه الأخير تلك الانتقادات التي كانت الصحافة ذات النفس الانتقادي سباقة لها، بل استعمل مصطلحات دالة في الانتقاد عندما وصف الوضع الاجتماعي في المغرب بالمخجل أحيانا، واقتراب الإدارة المغربية من العالم الرابع والخامس.
وهنا نطرح تساؤلا مركزيا: ماذا لو كانت الدولة قد تخلت عن رؤيتها الأحادية وتأملت في الخطابات النقدية التي كانت تنبه منذ سنوات إلى كارثية الأوضاع؟ بدون شك، كانت قد تجنبت الكثير من الأخطاء التي تكلف الأمن القومي للبلاد، ونعني التعليم والصحة والشغل.
قضت الدولة على مصداقية الأحزاب السياسية، وقامت بالتضييق على الصحافة القائمة على النقد البناء التي تنبه وتقدم البديل، وبهذا فهي تقصي كل وساطة سياسية وإعلامية، وهذا سيقود الى وضع كارثي وهو الغياب التام للوسائط الاجتماعية سياسيا وإعلاميا. ولن ينتج عن هذا الوضع سوى مزيد من التوتر والاحتقان، الذي سيؤدي إلى المزيد من الاصطدام، وفي الحراك الشعبي في الريف مثال صارخ. بعد القضاء على الأحزاب السياسية واستهداف الصحافة، نتساءل: هل انتقل المغرب الى مجتمع «1984» لجورج أورويل؟
كاتب مغربي من أسرة «القدس العربي»

المغرب: غياب الوساطات بين الدولة والمواطنين 

د.حسين مجدوبي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود:

    لقد تجاوز الملك الربيع المغربي بحكمة رشيدة أو بخوف من جر عرشه أو بلاده للهاوية
    لكنه اليوم لا يبالي ! ما السبب يا تُرى ؟ من الذي نكص وتراجع ؟ هل هو الملك أم الشعب ؟
    والسؤال :
    هل سنسمع قريباً شعار :الشعب يريد إسقاط الفساد والإعتقالات وو ؟ أم الشعب يريد إسقاط النظام ؟
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول S.S.Abdullah:

    أظن هذا عنوان (المغرب: غياب الوساطات بين الدولة والمواطنين) لخص إشكالية النظام البيروقراطي لدولة الحداثة، وليس فقط الدولة المغربية، ألا وهو الواسطة والمحسوبية والرشوة بكل أنواعها بداية من لغة الجسد بسبب الاختلاط ما بين الرجل والمرأة في الوظيفة، بدون استقلال اقتصادي، لا يمكن لأي إنسان أن يكون محايد في نظرته كي يستطيع رؤية نصفي القدح، فالموظف في النظام البيروقراطي عقد الوظيفة يفرض عليه الغش وشهادة الزور حتى يستلم راتبه آخر الشهر، عقلية الآلة في الجباية كونه عالة على الدولة، هي من تتحكم في تصرفاته، والدليل ما حصل مع تاجر السمك في مدينة الحسيمة، على الموظف أن يلغي مفهوم الأولويات الإنسانية، لو أراد راتبه آخر الشهر سليما، وبالتالي ليس أمام مسؤوله إلا أن يدافع عن الخطأ، والذي أودى بحياة الإنسان، ولم تنفع أنه ابن مسؤول الحزب الحاكم في المدينة لإنقاذ حياته.

    العولمة واقتصادها الإليكتروني، قامت بكشف وتعرية ما يحصل على أرض الواقع، ستجد فلسفة الغاية تُبرّر الوسيلة، ونظرية المؤامرة كشماعة للأخطاء، هي الأسلوب المتبع في إدارة دولة الحداثة، ولذلك تجد مفهوم (آل البيت، شعب الرب المُختار) كغطاء للخلط بين الهيبة والحشمة، من قبل صاحب السلطة كي يفرض التعامل مع صاحب السلطة على أنّه معصوم من الخطأ، ولذلك يكون فوق القانون، في أثناء تأدية واجبه الوظيفي، ومن هذه الزاوية تفهم ما قاله كوفي عنان لمن طالب بمحاكمة جورج بوش وطوني بلير وأزنار، بسبب الغش وشهادة الزور لاستصدار قرارات من الأمم المتحدة، تشرعن احتلال العراق وأفغانستان، للتغطية على تقصير موظف النظام البيروقراطي الأمريكي في أداء واجبه لتوفير الأمن والأمان، وتوفير الأجواء لخلق وظائف دخلها يكفي لإعالة الأسرة بكرامة، والفضيحة أنه لم يصل بطريقة كانت فوق الشبهات فوصول جورج بوش في عملية المنافسة مع آل غور عام 2000، كانت لا تختلف كثيرا عن شبهات وصول دونالد ترامب مع هيلاري كلينتون عام 2016، ومع ذلك قال كوفي عنان لا يجوز محاكمته لأن كل منهم منتخب ديمقراطيا في دولته، أي أن النخب الحاكمة تكون فوق القانون في نظام الأمم المتحدة، كما هو حال أصحاب حق النقض/الفيتو، ولذلك نحن الآن في حاجة إلى مراجعة ونقد بيان حقوق الإنسان، الذي يجعل أن النظام/القانون/أداء الوظيفة أهم من الإنسان، فالبيان يجعل الأوراق الرسمية هي وسيلة لتعريف حقوقك، وليس إنسانيتك أساس حقوقك؟

  3. يقول بلحرمة محمد:

    ولمادا لا يتم الحوار مباشرة بين الدولة والمواطنين ان كانت هناك فعلا نيات صادقة لدى المسؤولين؟ لمادا لا تسارع الدولة لايجاد مخرج لهده الازمة بدل العمل على تعميقها من خلال مواجهتها بالطرق الامنية التي لا جدوى منها؟ اليس من حق المواطن المغربي عبر كل التراب الوطني ان يطالب بحقوقه المشروعة والتي اقرها الدستور المغربي نفسه؟ الى متى سيبقى المسؤولون المغاربة يتعاملون مع مطالب المحتجين بمنطق اللامبالاة؟ الى متى سيبقى المواطن المغربي مهمشا لا قيمة له ولا حقوق له ولا يتمتع بالمواطنة الحقة اطلاقا؟ متى يعي المسؤولون ان الوطن ملك للجميع الكل له الحق في العيش الكريم ولا يجب ان يقتصر دلك على فئة قليلة دون الاغلبية الساحقة؟ متى يتم تفعيل قانون الحساب والعقاب للضرب بيد من حديد على كل اولئك الدين يعرقلون سياسات الاصلاح والتغيير؟ الم يحن الوقت لبناء مغرب جديد شعاره القانون فوق الجميع ومن اين لك هدا؟ وارفع راسك يا اخي انك مغربي وعربي ومسلم او مهما كانت توجهاتك والمساواة والعدالة وكل ما يساهم في امن البلاد ومستقبلها واستقرارها؟ هل سيتحقق حلمنا لانقاد وطننا الحبيب؟ هدا ما نتمناه من صميم قلوبنا للمغرب وكل بلاد العرب والمسلمين.

إشترك في قائمتنا البريدية