استمتعت أجيال متلاحقة بأفلام الرسوم المتحركة لبطليها توم وجيري، القط والفأر، فكل واحد منهما يحاول توريط الآخر في مقلب، وتنتهي كل حلقة بالتعادل، فلا القط يأكل الفأر، ولا الأخير ينتصر نهائيا في شغبه، وبهذا تمتد الحلقات الممتعة الى الأبد.
ويوجد ثنائي مماثل في الحياة السياسية العربية، إنه المغرب والجزائر، يتبادلان حسب الظروف أدوار القط والفأر، ولكن بشكل مأساوي بكل ما تحمله كلمة «مأساة» من عمق سياسي للكلمة. لا يترددان في تدمير بعضهما بعضا والإمعان في تعزيز سياسة الأسوار الفاصلة، وتبقى المفارقة تغنيهما باسطوانة «الشعبين الشقيقين والمصير المشترك». ويشترك المغرب والجزائر بقرابة 1600 كلم من الحدود البرية، الشرقية للمغرب والغربية للجزائر. وهي أطول حدود مغلقة في العالم، وثاني حدود مغلقة زمنيا منذ أكثر من عشرين سنة، ولا يتفوق عليها في هذا سوى الحدود المغلقة بين كوريا الشمالية والجنوبية. ولم يكتف البلدان بإغلاق الحدود البرية ونصب مئات من نقاط المراقبة، بل يقيمان الخنادق والأسوار السلكية خلال الشهور الأخيرة تحت ذريعة «حماية الأمن القومي»، كل واحد من الآخر. وهذه الأسوار ما هي في الواقع سوى ذروة المظهر الحقيقي للتوتر اللامتناهي بين البلدين.
ويواجه البلدان تحديات آنية كبرى تهدد وتؤثر على أمنهما القومي، وهي الهجرة غير النظامية والمخدرات والإرهاب، وأخرى بنيوية وهي التخلف المزمن. ولا يوجد تعاون بين الطرفين في مواجهة هذه الآفات الخطيرة بل يحل الاتهام بديلا في هذا الشأن. فالمغرب يتهم الجزائر في بعض الأحيان بتشجيع المخدرات «القرقوبي» نحو أراضيه، ونقل المهاجرين الأفارقة غير النظاميين حتى الحدود المغربية وتصدير إرهابيين لضرب استقرار البلاد، حتى يفقد المغرب ما يفترض صفة «البلد الأكثر استقرارا في العالم العربي». وهي الاتهامات نفسها التي توجهها الجزائر الى المغرب. فقد أبانت التجربة أنه عند صدور أي موقف رسمي، ويكون دائما بيان التنديد، في بلد من البلدين يأتي الرد سريعا من البلد الآخر بأقوى التعابير التي توجد في القواميس السياسية. ونقاش من يتحمل من البلدين مسؤولية التدهور التاريخي هو نقاش أصبح من الناحية السياسية عقيما، مثله مثل الجدل بين من يؤمنون بخلق الله لإنسان ومن يؤمنون بنظرية داروين، أو على شاكلة المثال المستعمل شعبيا في الجدل «من ولد الأول الدجاجة أم البيضة».
ولكن لا يمكن لأي بحث ومعالجة موضوع العداء بين البلدين إغفال حدثين تاريخيين ساهما في ترسيخ جذور هذا العداء المعلن والخفي، الحدث الأول وهو حرب الرمال سنة 1963 بين البلدين، حول مناطق حدودية في الجنوب الشرقي، حيث تركت جرحا لدى الجزائريين. والثاني هو الدور الرئيسي والمبالغ فيه للجزائر في نزاع الصحراء بدعمها اللامتناهي لجبهة البوليساريو التي تنازع المغرب السيادة على هذه المنطقة التي كانت مستعمرة إسبانية في الماضي، وهو ما لا يتسامح معه المغاربة. الحدثان شيدا وما زال يشيدان، بسبب ما ارتبط بهما من أحداث مؤسفة لاحقا، سورا نفسيا بين قيادة البلدين. ولم يتم تجاوز هذه العقدة حتى الآن.
وترتب عن خليط العقد هذه إرث من «المشاكل الصلبة» يجعل كل مبادرات الصلح المتكررة لا تتجاوز ما هو بروتوكولي. وحاولت دول عديدة في الماضي إصلاح البين بين البلدين، بعضها عربية وإسلامية مثل العربية السعودية والإمارات، موظفة الدين والعروبة، وأخرى غربية مثل فرنسا واسبانيا والولايات المتحدة باسم المصالح. وتكون النتيجة استمرار الاتهامات والصراع من أجل الحلم الواهي بريادة المغرب العربي. ويترتب عن هذا الوضع ما يلي:
أولا: الانتقال التدريجي للعداء بين البلدين الى الشعبين، المغربي والجزائري. فأصبح الجزائري يشكل سياسيا للمغربي مفهوم «الآخر» والعكس صحيح. ونعني بالآخر هنا هو مصدر الخطر الأبدي، على الرغم من أن الآخر ارتبط تاريخيا بذلك الذي يختلف دينيا وثقافيا، ويمكن اختزاله في الرؤية المتبادلة بين ضفتي البحر المتوسط بين المسلمين في جنوبه والنصارى في شماله، وما وقع بينهما من حروب طاحنة عبر قرون من الزمن. ولم تعد للروابط الكلاسيكية مثل الدين واللغة والتاريخ المشترك بين الجزائر والمغرب أي تأثير. وعندما يترسخ مفهوم العداء بين شعبي البلدين، وبدأ يترسخ بشكل مقلق، وقتها من الصعب الحديث عن تطبيع في المستقبل القريب، بل تصبح العقدة تاريخية صعبة التجاوز. ويزداد الأمر سوءا في ظل تراجع دور المثقفين والسياسيين المتنورين. فقد دخلت معظم صحافة البلدين في حرب إعلامية منذ أكثر من سنتين، تنهل من الأحداث السلبية بشكل سوريالي ومرعب في التفنن في مهاجمة الآخر. وفي الوقت ذاته، تنعت كل مثقف أو سياسي ينادي بالتفاهم بين البلدين بالخائن، لهذا تراجع دور المثقفين والسياسيين خوفا من تعرضهم لقصف الترسانة الجاهزة من الاتهامات بالخيانة.
ثانيا، وفي ارتباط بالأول، تطورت مخاطر اعتبار «الآخر» العدو الأبدي الى سباق تسلح خطير. وأصبح المغرب والجزائر يتصدران صفقات الأسلحة، وأصبحا ضمن أكبر الزبائن في العالم في حالة الأخذ بعين الاعتبار الناتج الإجمالي الخام للبلدين مقارنة مع قيمة الصفقات الموقعة. وأصبح الاستثمار في السلاح يتم على حساب التنمية البشرية، بل يتم بناء العقيدة العسكرية لكل دولة في مواجهة الأخرى، وهو أمر خطير.
ثالثا، يفتقد البلدان للمبادرة الاقليمية لمواجهة التحديات المتمثلة في الإرهاب والهجرة والتخلف، على الرغم من أنها تمس أمنهما القومي أكثر من الدول الأوروبية، بل تحولت الى مصدر اتهامات متبادلة. فلا توجد اتصالات بين البلدين، وكل القرارات التي تهم المحيط الإقليمي تقف وراءها أوروبا، سواء عبر اتفاقيات الاتحاد الأوروبي مع كل دولة من الدولتين، أو عبر ما يسمى مجموعة خمسة زائد خمسة، أي دول المغرب العربي وفرنسا واسبانيا والبرتغال وإيطاليا ومالطا. ويسخر بأسف المسؤولون الأوروبيون من التنافر بين البلدين في ظل التهديدات.
رابعا، حكم الصراع بين البلدين بجمود اتحاد المغرب العربي، وهو التجمع الأكثر جمودا في العالم، رغم أن تأسيسه يعود الى سنة 1989، بل يساهم الجمود في غياب فرص التنمية المشتركة. واعتادت الدول المجاورة تسجيل معدل عال من التبادل التجاري، إلا أن هذه القاعدة التجارية تغيب في حالة المغرب والجزائر على شاكلة، أو ربما أكثر، من كوريا الشمالية والجنوبية وكوبا والولايات المتحدة قبل المصالحة الأخيرة.
وفي وقت يعتقد فيه البلدان بالتنافس على زعامة المغرب العربي، وهو التجمع الجامد، والتحول الى مخاطب رئيسي للاتحاد الأوروبي والغرب في القضايا الاقليمية، وأحيانا بشكل مهين مثل لعب دور الدركي. إذ تؤكد كل المعطيات الصادرة في التقارير الدولية سياسيا واجتماعيا وعلميا على التخلف الذي يعاني منه البلدان. فمؤشرات البطالة مرتفعة في المغرب والجزائر، والأمية تستمر راسخة في صفوف الشعبين، والارتباط باستيراد كل شيء من الخارج، خاصة ما هو حيوي بارز في ميزان التبادل التجاري. وكل هذا يجعل الزعامة والريادة وهما من الأوهام.
وبهذا تحولت العلاقات بين المغرب والجزائر إلى ما يشبه العلاقة بين توم وجيري ولكن…ولكن…ولكن في قالب مأساوي.
كاتب مغربي
د. حسين مجدوبي
تحليل موضوعي لواقع العلاقات المغربية الجزائرية المتأزمة. وأخطر ما في الأمر تنامي مشاعر العداء و الشك بين الشعبين.
لم ولن تكون المغرب عدوا لنا…نحن اخوة…لكن الصراحة فى القول والفعل مطلوبة..مثلا حرب الرمال 1963هى اعتداء مغربى واضح…الصحراء الغربية قضية تصفية استعمار(القضية مسجلة فى اللحنة الرابعة للامم المتحدة-لجنة تصفية الاستعمار-)…غلق الحدود-1994- جاء بعد اتهامات باطلة (تبين دلك بعد التحقيق)واحراءات تعسفية نحو الجزائرين فى وقت كنا نحتاج الى تضامن ..المغرب اكبر منتج ومصدرعالمى للقنب الهندى(تقرير الامم المتحدة ..نشر قبل ايام) ونكران دلك يعمق المشاكل
مقال صادق، مأساة بلدينا أشبه بالرسوم المتحركة بشكل درامي مثل الأفلام الهندية
هدا تحليل واقعي لما يحدث بين المغرب والجزائر …………..وهدا التوتر العقيم ان كان يدل على شيء فانما يدل على غباء وتخلف النخب في البلدين
المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
أظن مقالة د. خالد سليمان والتي كانت بعنوان (هل اقتربت نهاية السيسي حقا؟) تتكامل مع مقالة د. حسين مجدوبي والتي كانت بعنوان (المغرب والجزائر: توم وجيري ولكن… ولكن… ولكن في قالب مأساوي) فكل منهما تنم عن احساس قوي بالانتماء ولكن مع الاسف كل منهما لم يقبل التشخيص بطريقة صحيحة عن عمد وقصد من خلال اتخاذ النموذج الخطأ في التشبيه، فلا هيكل النظام المصري مبني على علاقات عائلية وربط مصالح مع أقليات عرقية وعقائدية، ولا الموضوع كيدي بين المغرب والجزائر بل هو صراع بين أضداد وفلسفتين مختلفتين تماما وكلا منهما يدعي أنّه الأصل، كما حصل من ظهور لإشكاليات بين دول الخليج والعراق بعد ايقاف الحرب العراقية الإيرانية في 8/8/1988.
حيث من وجهة نظري أنّ صدام حسين ضغط من أجل إعلان الوحدة في مؤتمر القمة عام 1989 في بغداد، ولكن تم الاختلاف على هيكل وصيغة وقيادة الوحدة، فأضطر إلى إعلانه بعيدا عن دول الخليج بعد أن عمل على توحيد اليمنين مع المملكة الأردنية الهاشمية ومصر بالإضافة إلى اليمن بعد توحيدها، والتي اعتبرته دول الخليج، فتحركت وقتها ولكن ليس بنفس طريقة “عاصفة الحزم” لعام 2015 حيث في وقتها كان صدام حسين المبادر فيما حصل في 2/8/1990 بسيطرته على الكويت في ساعات.
وإشكالية اسامة بن لادن وصحبه ووضعهم في القائمة السوداء كان سببها الأساسي من وجهة نظري، هو أنّه قدم عرضا لطرد صدام حسين من الكويت عام 1990 لم تستطع منافسته أمريكا من الناحية التجارية، حيث لا يمكن مقارنة تكاليف حرب بواسطة جيوش دول، مع تكاليف حرب بواسطة متطوعين، فالموضوع تجاري واقتصادي صرف على الأقل من وجهة نظري.
ومما أنكشف حتى الآن فيما نشره صابر مشهور على يوتيوب تحت عنوان (أسرار اختيار مرسي للسيسي وزيرا للدفاع ودور سليم العوا ولماذا اعترض رئيس الديوان؟) أو (عصام سلطان كشف عن اشتراك ألمانيا في انقلاب العسكر قبل حدوثة ب 5 شهور) بالإضافة إلى اعترافات البرادعي بخصوص توقيعه مع برناردينو ليون مخطط الانقلاب، توضح اشكالية عبدالفتاح السيسي أنّه ليس له أهمية حسني مبارك لدى الغرب هذا أولا، وليس له سيطرة حسني مبارك وحبيب العادلي وصفوت الشريف على الأجهزة الأمنية والعسكرية والإعلامية، والدليل ما حصل من تسريبات في عهده لم تحصل في عهد حسني مبارك ولا عهد محمد مرسي.
أنا لاحظت أنَّ الكثير لم ينتبه إلى أنّ وادي الرافدين يشمل العراق وسوريا وتركيا حاليا، كذلك وادي النيل لا يعني مصر الحالية حسب ما يطرحه مثقفي سايكس وبيكو بل هي تشمل كل الدول في الشمال الغربي من أفريقيا، ولذلك أنا لاحظت من التجارب العملية أنّ الفكر أي فكر كان، ما لم يحترم هيكل لغة محددة ويلتزم بمعنى المعاني في قواميسها سينحرف.
أرض العرب مثل الصين على مر التاريخ أرضهم كانت أرض الحكمة، عكس الفرس والهند والإغريق والرومان أرضهم على مر التاريخ أرض الفلسفة، ومن لا يستطيع التمييز ما بين الحكمة وما بين الفلسفة ليس له علاقة بالفكر أو اللغة أو الترجمة ما بينهما فهو مثال عملي للضبابيّة هذا إن لم يكن الموضوع مقصود من أجل نشر الفوضى الخلاقة تحت عنوان كاذب اسمه الفن أو الإبداع وهو إلى الابتداع أقرب من خلال خلط الحابل بالنابل من أجل جر الانتباه حسب ما لخصته حكمة العرب بقول (خالِف تُعرف).
لأنَّ من وجهة نظري هناك فرق كبير ما بين النقد (والذي يمثل ثقافة الـ نحن أو اللغة أو الحكمة) وما بين جلد الذات (والذي يمثل ثقافة الـ أنا أو الفكر أو الفلسفة)، ثم مهمة أي نبي هي تعريفنا بالخالق وكيف يُريد الخالق منّا أن نعبده في دينه، أي أنّ الاسلام لم يكن في يوم من الأيام فكرا، يحق لك أن تعبد الله على مزاجك وانتقائيتك، كما أوضحته عناوين د. خالد سليمان ود حسين مجدوبي ذلك بكل وضوح، ففي دولة “الحداثة” التي اساسها الفلسفة أو فكر ثقافة الـ أنا، العرف أو القانون المتداول هو كل شيء ممنوع ما لم يكن هناك نص يسمح به، كما سيقول لك أي موظف في النظام البيروقراطي ذلك، في حين في الإسلام لأنّ اساسه لغوي (لغة القرآن والسنة النبوية) وليس فكري فالعرف المتداول أو القانون الذي يتم التعامل به اساسه كل شيء حلال ما لم يكن هناك نص يحرّمه.
كذلك أنا لاحظت من لا يستطيع التمييز ما بين النقد الذي دعمه الإسلام، في حين الاسلام حارب جلد الذات، لن يختلف كثيرا عن حالة من لا يستطيع التفريق والتمييز ما بين الفضفضة وما بين الرأي فهذه تُسبّب اشكاليات كبيرة، فالفضفضة يمكنك أن تعملها في الحمام كما يحصل في طريقة الغناء بلا لحن ولا حتى كلمات مفهومة لا بأس في ذلك طالما هو مع الـ أنا، ولكن عند إبداء الرأي أمام الـ آخر يجب أن يكون وفق هيكل لغة ومعاني تتطابق مع ما موجود في القاموس، وإلا ستؤدي إلى ضبابية لغوية، أو هي المعنى الحقيقي للفوضى الخلاقة في تلك الحالة والتي لا يتم الالتزام لا بهيكل لغة محددة أو الإلتزام بمعنى المعاني الواردة في قواميس اللغة التي يتم نشر الأفكار بها.
أنا لاحظت واحدة من أهم اشكاليات التعليم حاليا هو الهوة الواسعة ما بين الطالب والاستاذ في فهم ما هي العولمة والتقنية وأدواتها، فتجد الطالب مستوى استيعاب وطريقة استخدام الآلة بكل تقنياتها أطور بمراحل شاسعة ما بينه وبين الاستاذ، وهذا الشيء ينطبق كذلك على ممثلي الشعب والنخب الحاكمة إن كان مدنية أم عسكرية وأمنية، كما أوضحها الخبر أعلاه، ولا يمكن معالجة أي اشكالية بدون تشخيصها بشكل صحيح.
والنجاح في إدارة أي شيء، مع شح الإمكانيات المالية، يكون من خلال ترشيد الصرف في أي مجال، وقبل ذلك يجب الانتباه إلى أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية تعاني من أزمة مالية خانقة ولمعرفة مستوى اختناقها أنصح بالاطلاع على كتب بوب ودوورد الأخيرة ويمكنكم بالبحث على يوتيوب على تقديمه لها في معرض الكتب الوطنية عام 2012، فالإدارة الأمريكية الآن كل همّها في إدارة أي أزمة هو كيفية زيادة دخل الحكومة الأمريكية لتقليص العجز المالي الذي تعاني منه.
هناك أزمة مالية خانقة الآن يعاني منها النظام البيروقراطي في دولة “الحداثة” ولا يمكن تبرير تخصيص أموال لسامري الدولة العميقة (الجيش والأجهزة الأمنية والقضائية) إلاّ من خلال استعباد الشعب والعمل على استفحال عقدة الخوف والجبن حتى لا يُطالب بحقوقه، مقابل ما يتم فرضه عليه من ضرائب، والتي من المفروض لتقديم الخدمة له وليس من أجل استعباده بنقوده.
وأقول لمن يبحث عن فكفكة الصورة لتشخيص اساس مشاكل المواطن بسبب مزاجيّة وانتقائيّة من يحمل مقص الرقيب في دولة “الحداثة” والتي تمثل ثقافة الـ أنا، فالعولمة وأدواتها التقنية فرضت تحديات حقيقية على دول “الحداثة” لجميع أعضاء نظام الأمم المتحدة البيروقراطي، منها الشفافية واللامركزية للوصول إلى الحوكمة الرشيدة من خلال الاستعانة بالآلة لتقليل تكاليف تكوين فروع من أجل تقديم خدمات الدولة في أبعد نقطة في الدولة إن كانت قرية أو ناحية أو مدينة أو محافظة أو إمارة.
وأي دولة رفضت التعامل بشفافية ولا مركزية تعاني الآن أزمة وجود، والدليل على ذلك “اليونان” مهد الفلسفة التي تم بناء دولة “الحداثة” عليها في رمزية عجيبة غريبة، وتتبعها البرتغال واسبانية وإيطاليا بل وحتى فرنسا وكذلك بريطانيا، بالرغم من عضويتهم في الاتحاد الأوربي.
ما حدث ويحدث على أرض الواقع بعد 11/9/2001، والتي على أثرها أعلن جورج بوش الابن بشكل رسمي “من ليس معنا فهو ضدنا”، ومن ثم إصدار قانون الوطنية (باتريوت أكت) في أمريكا، تم ضرب كل الحقوق عرض الحائط إن كان للدول الأعضاء في الأمم المتحدة أو بيان حقوق الإنسان الصادر عنها من أجل استعباد الإنسان بواسطة الورق حيث في البيان ليس هناك حقوق إلاّ لمن لديه أوراق صادرة من جهة تعترف بها الأمم المتحدة، ومن هذه الزاوية نفهم معاناة المهجرين إن كان من فلسطين أو العراق أو سوريا أو الروهينجا أو جزر الواق واق.
والتي على ضوئها تم فبركة مستمسكات بالتزوير من أجل استصدار قرارات من الأمم المتحدة لشرعنة احتلال العراق وأفغانستان، وتم تمرير ذلك في مجلس الأمن والفضيحة تبين أنَّ الجميع يعلم بذلك من أجل استرجاع هيبة النظام البيروقراطي التي تم تمريغها في التراب في 11/9/2001، والأنكى أن سكرتير الأمم المتحدة كوفي عنان قال لا يجوز محاكمة جورج بوش رئيس أمريكا ولا توني بلير رئيس وزراء بريطانيا ولا أزنار رئيس وزراء اسبانيا ولا بريلسكوني رئيس وزراء إيطاليا على هذه الفبركات والتزوير لأنَّ كل منهم تم انتخابه ديمقراطيا في دولته؟!.
لقد تبين بالدليل العملي بالرغم من أنّ الحكومة الأمريكية تستقطع من الضرائب التي يدفعها الشعب الأمريكي لتقديم الخدمات له، على الأقل 2 تريليون دولار في العام حتى عام 2001 يتم تخصيصها للجيش والأجهزة الأمنية والقضائية، ومع ذلك لم تطلق رصاصة واحدة وقت الحاجة لها داخل الولايات المتحدة الأمريكية، فلم يجب تخصيص كل هذه الميزانية لمؤسسات لا تستطيع أداء واجبها والسؤال هل يختلف الحال في تونس أو مصر أو العراق في فضيحة الإخفاقات الأمنية والتجاوزات غير الأخلاقية تجاه الشعب في المقابل؟!
القلق أو الشك لدى أهل فرنسا من العرب والإسلام سببها الفلسفة، حيث الفلسفة تقول الفكر أولا، بينما الحكمة تقول أنَّ اللغة أولا، ومن يرغب أن يتطور، يجب أن يتجاوز الفلسفة ويعتمد الحكمة أو احترام اللغة والترجمة ما بين اللغات في وقت وزمن محدد، ومشروع “صالح” سيكون باللغة الأم لكل من سيحضر دوراته بالإضافة إلى اللغات الأخرى تماما مثلما أرادت المدرستان في المدرسة في جزيرة كورسيكا الفرنسية، وهذا ما يختلف به عن مشروع “الفاتح” الخاص باللغة التركية والذي اعتمده الرئيس رجب طيب أردوغان لتطوير التعليم وتحديث إدارة الصف والمدرسة لربطها بشبكة معلومات الدولة، لأننا نعتمد كل لغات العالم.
على الجميع أن يدرك من أنَّ العولمة والتقنية وأدواتها فرضت تحديات حقيقية على دولة “الحداثة” إلى درجة وكأنّها تعاني أزمة وجود، والدليل على ذلك “اليونان” مهد الفلسفة لأرسطو وأفلاطون والتي عليها تم بناء فلسفة دولة “الحداثة” أو النظام البيروقراطي، خصوصا بعد انهيار الديون ما بين المصارف والبنوك عام 2008، وفي نفس العام رمى منتظر الزيدي حذاءه على ممثلي النظام الفاسد في بغداد هارون الرشيد، بلاد وادي الرافدين (والتي تشمل العراق وسوريا وتركيا حاليا)، مهد الحضارات الإنسانية، في رمزية عجيبة غريبة، وكأنَّ العولمة والتقنية وأدواتها تقول لنا أنَّ الشعب يُريد اسقاط النظام الذي يُنتج مثقف وسياسي وتاجر فاسد، لا يحترم لغته الأم إن كان في ما ورد في قواميس وهيكل لغتها فيما ينتجه تحت عنوان الإبداع وهو إلى الابتداع أقرب.
حيث أنا لاحظت أنَّ اشكالية دولة “الحداثة”، هو أنَّ اساسها الفلسفة، من خلال مفهوم كل شيء نسبي، أو رمادي اللون ما بين الأسود والأبيض، في حين أي دولة بغض النظر ما هو شكلها تمثل الواقع، والواقع يشمل جميع ألوان الطيف الشمسي بالإضافة إلى اللون الرمادي بكل درجاته ما بين الأبيض والأسود، إلاّ إذا كان الغرض ضرب القانون والدستور عرض الحائط كي يتسنى للنخب الحاكمة التعامل مع أي شيء رمادي بحجة أنَّ اساسه أبيض حسب مزاجيتها وانتقائيتها، وهو ما قامت بتعريته العولمة وأدواتها التقنيّة كما حصل مع قضية أحمد منصور في عملية إلقاء القبض عليه في ألمانيا في عام 2015.
فالدولة تحتاج إلى مال لكي تصرف على جميع احتياجاتها، ولذلك سبب أزمة الدولة كان وما زال وسيبقى هو المال السياسي، ومن يتحكم به سيستطيع بكل سهولة التَّحكم في الدولة، فكيف الحال عندما يكون أفضل وسيلة لتكوين أي رأسمال يكون من خلال إشعال حرب، أو صراع بين الأضداد، وفي الصراع أو الحرب في ثقافة الـ أنا لا يوجد شيء اسمه أخلاق، فلذلك من الطبيعي والمنطقي أن يتم الضرب تحت الحزام هذا إن لم يكن هذا هو الاسلوب المفضّل.
وخلاصة الكلام بالنسبة لي، هو الكلام إن كان حيّا أو ميتا إن لم يكن هناك امكانية في استخدامه لتوليد المال سيكون مضيعة للوقت على أرض الواقع، لأن عبدالفتاح السيسي سيمرّر جرائمه كما مرّر جورج بوش جرائمه، إلاّ إذا الشعب انتفض مثلما انتفض في 25/1/2011، ولكن هذه المرة عليه تفتيت كل أركان دولة السامري العميقة (الجيش والأجهزة الأمنية والقضائية والإعلام التابع لها) كي لا يتكرّر ما حصل مع الرئيس المنتخب محمد مرسي.
ما رأيكم دام فضلكم؟