يعيش المغرب مرحلة حقوقية حرجة، وعاد ناشطو المجتمع المدني والسياسي إلى ترديد مقولة «عودة سنوات الرصاص»، في استعادة أليمة لسنوات العقود الماضية، المتميزة بخروقات حقوق الإنسان الفظيعة، ومن عناوينها سجن «تازمامرت الرهيب».
والتساؤل: هل يربح المغرب الرسمي من الردة الحقوقية الحالية؟
وهكذا، خلال السنتين الأخيرتين، بدأ المغرب يشهد تراجعا مثيرا للغاية في مجال الحريات العامة، رغم الخطاب الليبرالي للدولة المغربية والناطقين باسمها في الحقل الثقافي والمدني والسياسي. والمفارقة الكبيرة، أنه في الوقت الذي يتقدم فيه الخطاب حول قضايا الحريات الشخصية، ويدافع البعض عن المثلية مثلا، تسجل حرية التعبير حول التنديد بفساد الواقع السياسي والاجتماعي تراجعا مريعا.
لقد كان المشهد الإعلامي والسياسي المغربي غنيا بالجدل البناء، خلال العقد الماضي وحتى السنوات الأخيرة، ويترجم هذا في النقاشات السياسية والثقافية حول دور المؤسسات، بما فيها الملكية والجيش والاستخبارات، وآليات التقدم وبناء مغرب القرن الواحد والعشرين. لكن أعضاء الدولة العميقة وبدل التعامل بحكمة وذكاء وتبصر مع هذه النقاشات، التي تطور الحياة العامة وتساهم في تعزيز الأمن القومي الشامل للوطن، فضلوا خلال الثلاث سنوات الأخيرة، وبعد هدوء موجة الربيع العربي الممثلة في حركة 20 فبراير في المغرب، تدشين مرحلة جديدة، من عناوينها البارزة التحكم في المشهد السياسي، والقضاء على الصحافة الحرة، وإعدام الإعلاميين معنويا، عبر منابر أخرى هي أقرب إلى المقصلة منها إلى منابر إعلامية، وضرب أي منافسة شريفة في مجال الاقتصاد. ومن ضمن إيجابيات النقاش الحر هو غلبة الوضوح الرصين والصراحة البناءة في إبداء الآراء، بما فيها مضامين الخطابات الملكية.
وكانت الصحافة الحرة تنبه إلى المنزلقات والنقص الحاصل، لكن استراتيجية الدولة في القضاء التدريجي على الصحافة الحرة، ترك السلطة المركزية بدون منبه وموجه من الأخطاء. ومن ضمن الأمثلة، نجد أنه بعد سنوات من الترويج لخطاب التنمية الرسمي، يعترف الملك محمد السادس يوم الاثنين من الأسبوع الماضي بفشل النموذج المغربي، ويطالب الجميع بتقديم مقترحات. ونتساءل، في ظل محاكم التفتيش السياسي والفكري التي أقامتها الدولة العميقة، من سيشارك حاليا في تقديم مقترحات عملية وصريحة، ومنها انتقاد الملك لاعتماده رفقة محيطه على خبراء من المغرب والأجانب ليست لديهم رؤية واقعية في صياغة البرامج التي أوصلت البلاد اجتماعيا إلى الهاوية؟
لقد ساد الاعتقاد في المغرب أنه كلما ابتعدنا زمنيا من مرحلة الاستقلال، سيتقدم المغرب ديمقراطيا. وخلال الثلاثة عقود التي تلت الاستقلال، كانت الإدارة المغربية مليئة بالأطر التي تركها المستعمر، وهي أطر كانت تحمل حقدا على الأحزاب السياسية الوطنية والصحافة الوطنية، لهذا حوّل ضباط فرنسا وعلى رأسهم أوفقير، وبموافقة الملك الراحل الحسن الثاني، المغرب إلى «سنوات الرصاص».
ووقع انفراج حقوقي نسبي في التسعينيات وحتى نهاية العقد الماضي، بقدوم أطر جديدة للإدارة المغربية، لكن المغرب يعود الآن إلى مرحلة خطيرة من التوتر لسيادة لون فكري واحد، وهو لون الدولة المركزية. ويبدو أن عقارب الزمن عادت إلى الوراء وكأننا نعيش مرحلة جديدة ما بعد الاستقلال، من هيمنة بعض المسؤولين في الدولة العميقة.
تحاول الدولة المغربية الإيحاء بأنها تنهج نوعا من الليونة والمناورة في مواجهة المنادين بالتغيير، إذ لم تعد تعتقل بسبب تهم سياسة جاهزة، بل تبحث عن نقط الضعف أو تختلقها. وإذا كانت الدولة في الماضي تستعمل ما يسمى مجازا بالرصاص، ومن هنا التسمية الشهيرة «سنوات الرصاص»، ففي الوقت الحالي تعتقد أنها تستعمل «الرصاص المطاطي»، لكن في الواقع هذا الرصاص المطاطي بدوره يقتل ويغتال، وانظروا لضحايا الدولة خلال السنوات الأخيرة. من أبرز معالم عودة سنوات الرصاص المطاطي القاتل في المغرب ما يلي:
– تفنن الدولة المغربية في الاغتيال المعنوي لناشطي المجتمع المدني والسياسي والإعلامي عبر منابر إعلامية معينة تقوم بتشويه وضعهم الاعتباري، وكأن دولة مركزية تعود لأربعة قرون في حاجة لصحافة صفراء لتدافع عن مشروعيتها في الوجود.
– ارتفاع الاعتقالات العشوائية للناشطين وعلى رأسهم ناشطو الحراك الشعبي في الريف، حيث لم يسبق في تاريخ المغرب منذ الاستقلال سنة 1956 اعتقال المئات من مدينة واحدة، مثلما حدث مع الحسيمة خلال الشهور الأخيرة.
– فرض حظر تقني على بعض الجمعيات الحقوقية، عبر رفض تسليم تراخيص تجديد المكاتب المسؤولة، ولم يكن يحدث هذا حتى في سنوات الرصاص، وبهذا تضرب الدولة الدستور بالرصاص، لكنه الحي وليس المطاطي.
– التضييق على الصحافة المستقلة عبر المحاكمات والخنق المالي عبر التحكم في الإشهار وفرض غرامات باهظة في المحاكمات.
– محاولة خلق شريحة من المثقفين والاعلاميين والفنانين ليكونوا البديل لمن يرفض الانخراط في سيمفونية الدولة المغربية.
– التحكم المطلق في الخريطة السياسية للأحزاب حتى أصبحت أحزاب وطنية عريقة ظلا شاحبا لما كانت عليه في الماضي من أنفة وكبرياء.
وبعد تطبيق هذه الاستراتيجية خلال السنوات الأخيرة، وصل المغرب إلى مرحلة الفشل الكلي في معظم المجالات، ويمكن تلخيصها في الوضع الاجتماعي والسياسي الكارثي الذي تعترف به أعلى سلطة في البلاد، الملك محمد السادس (خطابات متعددة آخرها خطابه الاثنين ما قبل الماضي) عندما قال أن النموذج المغربي للتنمية فشل، بعدما اعترف في الماضي بهروب المواطنين من الأحزاب.
سياسة الرصاص المطاطي تقتل بدورها، وإن لم تقتل تحول الإنسان إلى معطوب أبدي، وهو ما يحدث للمغرب الآن المعطوب سياسيا واجتماعيا وثقافيا واقتصاديا.
كاتب مغربي من أسرة «القدس العربي»
د. حسين مجدوبي
شخصيا اعجب لهذه الردة اللا مبرر لها,فهي بدأت بالجناح المساند للملكية و بقاءها هم يعارضون بطانة الملك و ليس الملكية فحين التيارات التي تدعو لاسقاط الملكية تتحرك بحرية و تزداد قوة,النظام برمته تاهت بوصلته و لم يعد يحصي خطواته يخبط في الاصدقاء و يحابي اعداءه, هو ذاهب للاصطدام مع الكثلة الاكثر تضررا من الغلاء و فشل النموذج التنموي و لن يجد من يقف الى جانبه كما حدث مع ربيع 2011,هذه المرة سيجد هذا النظام المهترئ نفسه وجها لوجه مع الشعب المغربي و ان كان رهانه على القوة و العنف فتلك الطامة الكبرى فعندما يجد الجد سينصرف من حوله الجيش و غيره من المؤسسات الامنية التي هي اصلا تغلي بسبب اوضاعهم الداخلية و التغييرات التي طالت المناصب عليا حيث تم تغيير الكثير من الضباط المشهود لهم بالحكمة و الاتيان باخرين مقربين من القصر ليس لهم اي تاثير كاريزماتي على غيرهم من الضباط…ان لم يعد النظام حساباته فايامه اذا اصبحت معدودة و لعل طول مقام رأس النظام و كثير رفاقه هذه الايام خارج الديار يشي بانهم يتحسسون رقابهم و لم تعد لهم تلك الثقة التي كانت من قبل..
بدل الحذو وراء جيرانه الشماليين الأوروبيين في التقدم بحقوق الانسان ارتأى حكام المغرب تقليد السعودية والإمارات العربية في التضييق على الشعب وخنقه ولربما تطبيق تعليمات هذه الدولتين حرفيا فقاصبحت المملكة تدار بدل ان تستشار عكس ما كان حاصلا في العهد السابق
لا يوجد في المغرب السيسي، لكن ملف حقوق الإنسان وحرية التعبير يتخذ منحنى خطير بالإجهاز على المكتسبات التي حققها الشعب المغربي بنضالاته