المغنية الأسترالية تينا أرينا… عندما يبدأ كل شيء من جديد

حجم الخط
0

القاهرة – «القدس العربي»: على الرغم من أصولها الإيطالية تقوم المغنية الأسترالية تينا أرينا بالغناء باللغة الفرنسية إلى جانب اللغة الإنكليزية، وتعد من أشهر النجوم الذين يحظون بالشعبية الكبيرة وتحقق المبيعات المرتفعة في عالم الغناء الفرنسي، كما أضافت إليه بعض الأغنيات المهمة كأغنية «الحب حتى المستحيل» وأغنية «اسمي بغداد» تلك المرثية الحزينة التي تبكي أطلال الجمال والبهاء والمجد الغابر، فقد وقعت «تينا» في غرام اللغة الفرنسية منذ طفولتها من خلال سماعها لأقدم المغنين الفرنسيين وأغنياتهم الكلاسيكية ثم تعلمت اللغة وأجادت الغناء بها، ومنذ عام 2005 وهي تصدر ألبوماتها وأغنياتها الخاصة بالفرنسية، وإن كان بشكل أقل من إنتاجها الفني بالإنكليزية، لكنها تحرص على جودة هذا الإنتاج القليل وتفوقه كيفاً بشكل يحفظ لها مكانتها وقدرتها على المنافسة وإن غابت لفترات طويلة، وهو ما فعلته في ألبومها الجديد الصادر مؤخراً بعنوان: والذي يتسم بالجمال الفني على مستوى الموسيقى والكلمات، والإحساس العميق على مستوى الأداء الغنائي الذي يتنوع ما بين البوب والآر آند بي والكلاسيكي الخفيف.
هاجرت تينا في طفولتها مع عائلتها من صقلية إلى أستراليا هرباً من ظروف صعبة وبحثاً عن حياة أفضل، فكانت الشهرة في انتظارها حيث صارت نجمة التليفزيون الوطني الأسترالي المعروفة باسم Tiny Tina ومنذ سن السادسة حتى سن السادسة عشرة أخذت طوال هذه السنوات تغني يومياً على الهواء مباشرة في برنامج للأطفال، بالإضافة إلى قيامها بالرقص والتمثيل وأداء الأغنيات الخاصة بالأطفال إلى جانب إعادة غناء أشهر الأغنيات الرائجة في ذلك الوقت في فترة السبعينيات كأغنيات فريق «الآبا» على سبيل المثال. وعندما بلغت «تينا» سن السادسة عشرة كان عليها أن تتوقف عن المشاركة في هذا البرنامج كما كان عليها أن تبدأ من الصفر وكأن شيئاً لم يكن وكأنها لم تغن من قبل، وأن تقدم نفسها من جديد وتحاول إثبات موهبتها وقدرتها على المنافسة في عالم الكبار لكنها لاقت الرفض المستمر واصطدمت بخوف المنتجين الذين لا يريدون خوض مغامرة الإنتاج لهذه الفنانة التي انطبعت صورتها الذهنية في مخيلة الجمهور كطفلة موهوبة.
لذا كان عليها أن تنتظر لأكثر من عشر سنوات كي تتمكن من إصدار ألبومها الأول الذي حقق النجاح في أستراليا وساعدها على الانطلاق خارج إطار الطفلة الموهوبة الذي ظلت حبيسته لفترة طويلة، ثم كانت شهرتها العالمية في عام 1998 من خلال أغنية الفيلم الشهير (ماسك أوف زورو) التي قامت بأدائها مع المغني الأمريكي «مارك أنطوني» والتي حققت نجاحاً ساحقاً في العالم بأسره وتعد من أشهر أغنيات التسعينيات وأكثرها رومانسية.
تكتب «تينا» أغلب أغنياتها الإنكليزية بنفسها لكنها تتعاون مع آخرين عند كتابة أغنياتها الفرنسية، وفي ألبومها الجديد تشاركت مع عدد من الفنانين الفرنسيين والبلجيكيين في كتابة وتلحين الأغنيات التي تدور في مجملها حول صور ومشاعر تغشاها مسحة من الحزن ومعاني مختلفة من الحياة، وأفكار عن الزمن وآثاره التي يتركها علينا، وعن الحب الذي يذهب أيضاً بفعل الزمن، عن النفوس الجريحة المتعبة واحتياجها للنسيان والهروب الأبدي كما في أغنية الألبوم الرئيسية «عندما يبدأ كل شيء من جديد» التي هي أغنية عن الأشياء التي تطاردنا في الحياة، الذكريات السيئة أو الأشخاص أو كافة الأمور التي لا نريدها ولا تريد هي أن تنتهي من حياتنا وتظل تطاردنا، تصور الأغنية الهروب إلى النسيان كحل وحيد ووسيلة للبقاء والحفاظ على الحياة، وأنه عندما يبدأ كل شيء من جديد علينا أن نهرب إلى النسيان من جديد أيضاً فيما يشبه المطاردة الأبدية في حلقة مفرغة.
أما أغنية L’ombre de ma voix فهي أغنية شخصية عن «تينا أرينا» وصوتها ورحلتها في عالم الغناء، عن معاناتها في تحقيق النجاح الذي لم تكتسبه «لسواد عينيها» كما تقول في الأغنية، وقد اختارت هذه الأغنية لتصويرها بطريقة توثيقية تعرض العديد من اللقطات والمشاهد لها وهي تغني في طفولتها ومراحل حياتها المختلفة.
ومن الأغنيات الفرنسية لغة وموضوعاً في هذا الألبوم فهي أغنية «الريفييرا» الشديدة الرومانسية بإيقاعاتها المتهادية والمليئة بالصور الشاعرية التي تصف جمال الطبيعة والبحر وشمس الشتاء، وتلك الفتاة التي تدير ظهرها للمدينة بكل ما فيها من صعوبات مريرة وتقف في مواجهة البحر تبثه همومها وأحزانها وتصف شعورها بالبرد الشديد على الرغم من وجود الشمس وتدثرها بمعطفها لأنها ليست بين ذراعي حبيبها.
ومن أجمل أغنيات الألبوم أغنية Regarde بلحنها المميز الذي ينساب مع نغمات الجيتار الإسباني الرقيقة المتصاعدة في رفق، وهي أغنية عن مرور الوقت والحياة التي تغيرنا وعن ضعفنا أمام هذه العملية التي لا ترحم، تغني «تينا» وتكرر بشجن قائلة «انظر كم تغيرنا» في تعبير عن سطوة الوقت الذي يتلاعب بنا ويشكلنا وفق ما يشاء لنسأل أنفسنا في النهاية كم حققنا من الأحلام وكيف فشلنا في أن نصبح كما كنا نتمنى، وكيف وجدنا أنفسنا بعد مرور الوقت وقد صرنا أناساً آخرين، وعلى الرغم من تلك العملية القاسية والظروف التي لا نملك حيالها شيئاً نجد أن كل شيء يتهمنا وكأننا مدينون بالاعتذار الأبدي على أخطاء لم نرتكبها.
تشتهر «تينا أرينا» منذ طفولتها بأنها المغنية التي لا تخطئ وتستطيع أن تصيب النوتات الموسيقية بشكل صحيح دائماً، فهي تمتلك صوت سوبرانو (3.5 أوكتاف) وهو صوت طبيعي إلى أقصى درجة يتميز بالقوة من غير أن يفقد دفء الأنوثة ونعومتها، أما إحساسها فهو درامي بليغ ما يمكنها من أداء أهم العروض المسرحية الموسيقية، فقد قامت بتجسيد شخصية «إزميرالدا» في النسخة الإنكليزية من العرض العالمي (نوتردام دو باري)، كما جسدت شخصية «سالي باولز» في العمل المسرحي الموسيقي الشهير (كباريه) وتقدم هذا العام في أوبرا سيدني المسرحية الموسيقية «إيفيتا»، حيث تقوم بتجسيد شخصية «إيفيتا بيرون»، وتستطيع «تينا» تجسيد هذه الشخصيات المعقدة بنجاح نظراً لقدرة صوتها على التعبير الدرامي وتمكنها من تقنيات الغناء، لكنها على الرغم من ذلك تغني وكأنها متحررة من كافة القواعد، فلا تزال تغني ببراءة تلك الطفلة وعفويتها التي تطال بصوتها الطبقات العالية جداً بغير عناء ولا تدرك حجم موهبتها وذلك الأثر الذي يتركه صوتها وتظل بكل بساطة تغني.

7akh

المغنية الأسترالية تينا أرينا… عندما يبدأ كل شيء من جديد
الاحتفاء بالحياة بعد أغنية «اسمي بغداد»
مروة متولي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية