المنظومة العربية تردّ على «الإمبراطورية» الإيرانية

حجم الخط
47

بدأت السعودية أمس عملية عسكرية كبيرة ضد حركة «أنصار الله» الحوثيين وقوات الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح حظيت بمشاركة أو موافقة دول عربية (أعضاء مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والمغرب والسودان) وإسلامية (باكستان وتركيا) كما قدّمت الولايات المتحدة الأمريكية غطاء استخباراتياً ولوجستياً لها، فيما «أكّد» الأمين العام للأمم المتحدة شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي (مع الديباجة الاعتيادية المطلوبة حول «وحدة وسيادة اليمن»).
في المقلب الآخر للحدث رأينا «قلقاً» أوروبياً من التداعيات الإقليمية للهجوم السعودي (فيما تفهّمت إيطاليا، لغرض ليبيّ في نفسها ربما، أسبابها)، كما أن خارجية النظام السوري أبدت بدورها «قلقها» (بينما هاجم إعلامها «عدوان السعودية السافر»)، وصولاً إلى وصف إيران العملية بـ«الخطوة الخطيرة» واعتبار وزير خارجيتها أن التدخل العسكري من الخارج «ضد وحدة أراضي اليمن وشعبها لن تكون له أي نتيجة سوى مزيد من القتلى وإراقة الدماء»، وهو أمر يتراوح بين التنبؤ والتهديد.
الحوثيون الذين تلقّوا الضربة الكبيرة غير المتوقعة عادوا فجأة من موقع الطاغية الصغير المتنمّر الذي يطلق الرصاص على المظاهرات السلمية إلى استخدام تظاهرات لأنصارهم في صنعاء وخُطب لقادتهم تؤكد «الانتصار على المعتدين»، فيما تراجعت قوّاتهم على الأرض كالجزر البحريّ بعد مدّ كبير.
تبدو الضربات الجوية السعودية فاتحة لخروج المنطقة من إشكاليات استراتيجية بدأت مع الثورات العربية، لكنّ على رأسها إشكاليات سياسية للسعودية نفسها.
فالرياض التي قامت باحتضان الرئيس السابق علي عبد الله صالح وأعادته إلى كواليس ممارسة القوّة في اليمن، غفلت عن التخلخلات الجيولوجية العميقة للبنية السياسية في اليمن والمنطقة، فالعمل على تحجيم الحراك الشبابي أدّى لاحقاً لاستهداف اتجاه الإسلام السياسي (السنّي)، ما خلق فراغاً كبيراً ملأته الحركة الحوثية المدعومة إيرانيا وما لبث صالح، الحليف المفترض للرياض، أن انضمّ للقافلة حالماً بالعودة إلى رأس السلطة ملتحفاً بالحوثيين وإيران.
وهذا المأزق الاستراتيجي تبدّى أيضاً في العراق، حيث وجدت الرياض نفسها في موقف لا تحسد عليه تقوم خلاله طائراتها بتقديم غطاء جوّي لقوات «الحشد الشعبي» الشيعيّة الموالية لإيران التي تهاجم مناطق سنّية وتقوم بانتهاكات بشعة ضد السكان والمدن التي تعتبر السعودية حليفها الطبيعي، وهو فعل يصبّ في المحصلة النهائية في صالح إيران، كما حصل في اليمن.
ردود الفعل الشعبية والدولية على العملية تؤكّد أنها ترسم خطّاً جديداً للصراع في المنطقة، شادة العصب لمنظومة عربية متهالكة وهشة، دافعت عن أجندات غيرها، وامتنعت عن المبادرة فخسرت مصداقيتها لدى شعوب المنطقة، وتراجع تأثيرها إلى درجات غير مسبوقة.
العملية المفاجئة تفصح عن إحساس سعودي وخليجي بأن الحلفاء قبل الأعداء صاروا ينظرون إلى الأنظمة العربية باعتبارها نموراً من ورق تشاهد اقتراب النار من بلدانها ولا تصنع حيالها شيئاً.
كما أنها تبين إن واشنطن لا يمكن أن ترفض مبادرة عربية تشارك فيها كل هذه الدول، رغم أنها جاءت في وقت حاسم من مفاوضاتها حول النووي الإيراني، وهذا تغيير عن الموقف الانتظاريّ لتحرّك أمريكي لن يأتي أبداً، كما حصل في سوريا.
وتحمل مشاركة (أو دعم) كل من قطر وتركيا ومصر في العملية دلالة رمزيّة كبيرة، فهي تصحّح، نظرياً على الأقل، خطأ استراتيجيا مصرياً تمثّل في جعل الصراع الداخليّ (مع الإخوان المسلمين) أولوية كبرى تفوق أهمية الصراع الجاري على المنطقة.
وبذلك تكون العملية ردّاً من المنظومة العربية وحلفائها على تمدّد «الإمبراطورية» الإسلامية الإيرانية أكثر بكثير مما تحتمله المنطقة.
لكل ذلك وغيره، فإن العملية تقدّم سابقة ستكون لها، على الأغلب، مفاعيل كبيرة.

رأي القدس

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الطالب رشيد المغرب:

    سبق و قلنا في هذه الجريدة الغراء أن وصول الملك سلمان للسلطة يبشر بالخير و هذه هي أولى قطرات الغيث ….مهما تكن النتائج فنحن كعرب وراء السعودية لوقف هذا المد الإيراني الغير المسبوق و الذي عاث في المنطقة فتنا و فوضى ….كما يفرحنا ذا التعون بين الكبار السعودية قطر تركيا و باكستان هذا معناه أننا لا زلنا أحياء

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    الفارق الوحيد بين الأمس واليوم هو قيادة الملك سلمان
    فهو يريد امساك العصاة من المنتصف لتكون السعودية قطبا يجذب اليه المختلفين حتى يكون هذا القطب ندا لايران وميليشياتها وسدا لتوسعها بالمنطقة العربية

    أعتقد أن الدور السعودي سوف لن يتغافل عن ما يجري بالعراق وسوريا

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  3. يقول Mhyub:

    الشعب اليمني كله يحي السعودية وبقية دول الخليج ومصر والسودان والاردن وباكستان على انقاذه من جرائم الحوثيون وعلي صالح وجيشه المرتزق المجرم والله انكم اثلجتم قلوبنا وانزلت الفرحة في قلوبنا مليون تحية من كل يمني .

  4. يقول عبدالله ناصر:

    من يقيس اﻻمور بمقياس الحق والشرع فان تدخل ايران وحزبها وميليشاتها في سوريا والعراق يعد عدوانا وظلما والتدخل السعودي الحاصل اﻻن في اليمن عدوانا وظلما.
    اما المنطق الجاهلي: وهل انا اﻻ من غزيت ان غوت
    غويت وان ترشد غزيت ارشد
    للاسف هذا المنطق هو السائد اﻻن بين المؤيدين ﻻيران والمؤيدين للسعودية.
    اﻻمر اﻻخر كيف يكون التدخل السعودي في اليمن لدعم الشرعية المنتخبة فيها ضد اﻻنقلابيين بينما في مصر يدعم اﻻنقلاب ضد الحاكم الشرعي المنتخب ويقتل اﻻلاف من الشعب المصري ويسجنون بسبب هذا الدعم. اليس هذا منطقا جاهليا؟!!
    نبئوني بعلم ان كنتم صادقين

  5. يقول علي محمد علي:

    بعد اليمن لا بد من معالجه الوضع بسوريا .واجب اخلاقي وديني

  6. يقول واحد عايف حاله:

    بكل أحترام لرأي القدس وبكل مسانده للموقف السعودي وللمنظومه العربيه اللتي لطالما نتوق لها جنيعاً نتمنى ان نرى هذا الموقف والذي اصبح ملحاً وضرورياً لسوريا الجريحه وتونس وليبيا نتمنى ان نرى موقفأ عربياً واحداً لوقف شلال الدم الذي يجتاح سوريا منذ اكثر من اربع سنوات لوقف القتل والدمار والتهجير والتنكيل بالمعتقلين وشكراً للقدس العربي والسلام عليكم ورحمة الله

  7. يقول واحد عايف حاله:

    ونتمنى ايضاً موقفاً عربياً واسلامياً لما يحدث بالعراق من التدخل الايراني ومن التنظيم الارهابي الذي يسمى بالدوله الاسلاميه والذي اضر بالاسلام والمسلمين

  8. يقول المنال البعيد:

    إجراء سليم وعملية نوعية وموقف جرىء ولكن للأسف فقط من أجل حماية السعودية من تهديدات الحوثيون للجنوب السعودي ليس إلا ؟

  9. يقول الجراح .اﻻردن:

    من حق المكون الشيعي العربي أن يتمتع بكامل حقوق المواطنة كلها .أما أن يقوم بعضهم في الوﻻء اﻻعمى إلى الفرس وعلى حساب دولهم فهذا مرفوض وغير أخﻻقي. هناك أخطاء حصلت من قبل اﻻنظمة تجاه هذه الفئة وهذا أيضا يجب علينا جميعا رفضه ومقاومته.فقط بوعي الشعوب يمكن أن نتغلب ونتخلص من هذا الإرث التاريخي .

  10. يقول سامح // الامارات:

    * من الآخر : حان الوقت ( لتلقين الدرس ) لكل ( الأشرار )
    الذين عبثوا ( بالسلم الأهلي ) واستقرار اليمن ورفضوا كل
    الحلول ( السلمية ) وهم معروفون ومنبوذون من الجميع :
    ( الحوثيون وعلي صالح وايران ) .
    * شكرا والشكر موصول لقدسنا العزيزة ( بارك الله فيها ) .

1 2 3 5

إشترك في قائمتنا البريدية