المواجهة الدينية الشاملة لما بعد «داعش»

حجم الخط
3

الآن والخلافة الإسلامية الداعشية المزعومة تلفظ أنفاسها في العراق وسوريا، وتصبح سلطة بلا أرض، يطرح الكثيرون السؤال التالي: وماذا بعد تنظيم «داعش»، وقريبا ماذا بعد أخواته؟ السؤال مركب يشمل السياسة والأمن والإرهاب المجنون، والتناغم مع الاستخبارات الدولية والثقافة الدينية، ولذلك فالإجابات متعددة.
من أبرز الإجابات على هذا السؤال هو بعض الإجابات الرسمية من أن الوقت قد حان لتعديل مناهج تعليم الدين الإسلامي في المدارس والجامعات، ولضبط أساليب ووسائل عرض الدين الإسلامي على معتنقيه وعلى غيرهم من الناس الآخرين، سواء في المساجد والحسينيات، أو وسائل الإعلام المختلفة. المنادون بتلك الخطوة الإصلاحية ينادون بعدم التطرق للآيات القرآنية والأحاديث النبوية والشروح الفقهية التي قد يشتم منها، على سبيل المثال، المناداة بالجهاد الحربي لمحاربة الكفار ونشر الدين الإسلامي، أو توجيه النقد لأصحاب الديانات الأخرى.
كما ينادي هؤلاء بإشراف الدولة على خطب المساجد، وتحديد الخطوط الحمر التي يجب أن لا يتخطاها خطباء المساجد، والمتحدثون على وسائل الإعلام المختلفة.
ويضيف البعض أهمية تدريس مختلف المذاهب الإسلامية من أجل تقليل الانطواء المتعصب على المذاهب، وبالتالي تقليل حدوث الصراعات المذهبية. لكن، هل أن مثل تلك الخطوات الخجولة ستكون كافية لحماية الشباب المسلم، عربا وغير عرب، من تأثيرات مجانين الإسلام السياسي المتطرفين المتزمتين المنادين بضرورة محاربة العالم كله باسم الشعارات الإسلامية التي يرفعونها؟ ذلك أن موضوع الجهاد الإسلامي العنفي المشوه لروح الإسلام وقيمه، لا يتلخص في تفسيرات بليدة لبعض الآيات القرآنية ولبعض الأحاديث المنسوبة للنبي الكريم، ولأقوال متناثرة لهذا الفقيه أو ذاك. فالموضوع هو أكبر وأعقد وأخطر من ذلك بكثير، ويحتاج إلى مواجهة شاملة.
لنضع جانبا المواجهات السياسية والأمنية والاقتصادية، ولنأخذ، على سبيل المثال، المواجهة الدينية. في هذا الحقل توجد إشكاليات كبرى في مصدرين أساسيين من مصادر الدين الإسلامي: الأحاديث المنسوبة الى النبي (صلى الله عليه وسلم) والتراث الفقهي. وهي إشكاليات تتعلق بمنهجية التدوين، وبالتأثر الواضح بتقلبات السياسة وصراعات الحكم، وبالكذب المتعمد سواء بالنسبة للرسول الكريم أو لهذا الإمام أو ذاك الفقيه المشهور، وبعلاقة المصدرين بما جاء في القرآن الكريم.
لنذكر أنفسنا بالفترة الزمانية الطويلة ما بين موت الرسول عليه الصلاة والسلام، وتدوين الأحاديث المنسوبة إليه، بموضوع الذاكرة الإنسانية الشائك، وتغير الألفاظ والمعاني في تلك الذاكرة بمرور الزمن، بالنقاشات الحادة حول الإسناد والتنقيح، في موضوع مدى الالتزام بالأحاديث الأحادية، الذي لا يزال معنا، بادعاءات البعض إمكانية نسخ آيات قرآنية من قبل أحاديث نبوية، بمقدار الإضافات على كتب الفقه الشهيرة من قبل تلاميذ مؤلفيها، بموضوع الصراعات الدموية حول مكانة الرأي والعقل في فهم القرآن وتفسيره وبالنسبة لقدمه أو خلقه، بالكتابات الناقدة الكثيرة الحديثة حول ما جاء في مصادر فقهية، مثل صحيح البخاري أو صحيح مسلم أو كتاب الكافي أو غيرها.
لنذكر أنفسنا بكل ذلك لنعرف أننا أمام تراث هائل يحتاج إلى أن يحلل بموضوعية تامة، وأن ينقد بهدوء وعدم تشنج، وأن ينقح من كثير من الشوائب التي ألصقت به، وأن يستفاد في تجديد فهمه من مختلف علوم العصر الإنسانية والاجتماعية والطبيعية. ولأنه بهذا الحجم وبتلك التعقيدات، فإنه سيحتاج إلى جهد مؤسساتي قائم على إمكانيات الرسمي وإمكانيات المجتمعي، وإلى استقلالية تبعده عن انتهازيات السياسة واستغلالها للدين، وإلى شجاعة تتخطى المذاهب والحساسيات الطائفية. إنه جهد للقيام بخطوات تفصل التاريخ عن الدين، وتنهي سوء فهم تاريخي لدين فطرة لا يحتاج إلى كل التعقيدات والإضافات التي فرضتهما صراعات البشر عليه.
عند ذاك، وعند ذاك فقط، سنرى انعكاسا لذلك الجهد ونتائجه على المناهج الدراسية والخطابات الدينية في المساجد والحسينيات، وعلى منابر الإعلام المختلفة. عند ذاك سنسد الطريق أمام مجانين الجهاد الإسلامي المتخلفين في الفكر والضمير الديني.
لنذكر أنفسنا أخيرا بأن ذلك الموضوع لا يقف عند حدود ساحة الدين، ذلك أن تأثيراته البالغة على السلوكيات الاجتماعية، والأوضاع النفسية للفرد المسلم، والمنطلقات الثقافية للمجتمعات، والممارسات السياسية في الدول العربية والإسلامية، مساوية في أهميتها للجوانب الدينية البحتة. لقد جرت محاولات فردية كثيرة في الماضي والحاضر لمواجهة نقاط الضعف في هذا التراث، وذلك من أجل إرجاع مكانة القرآن الكريم الواضح السمح في حياة المسلم، التي أضعفها ذلك التراث عبر القرون، لكن ذلك لم يكن يكفي. لقد أضاع الجنون الجهادي العنفي المتخلف كل تلك الجهود وأزاحها من الطريق.
الآن، وقد بدأت تلك الظاهرة بالانحسار، سواء لعنفوانها أو لمموليها من استخبارات وحكومات، فإن الفرصة سانحة لاجتثاث المصادر المبهمة التي سمحت لتلك الظاهرة بالبروز وبنشر الخراب والدمار. الترقيعات لن تفيد، المواجهة الجذرية هي الحل.
كاتب بحريني

المواجهة الدينية الشاملة لما بعد «داعش»

د. علي محمد فخرو

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سوري:

    استاذنا الكبير علي فخرو
    هذا هو الرأي الصائب ولكن أخشى عليك من الدواعش والحوالش وأخواتهم وما أكثرهم في الإسراع إلى التكفير دون تفكير

  2. يقول علي النويلاتي:

    مناهج تعليم الدين الإسلامي في المدارس والجامعات ليست من أنتج داعش والقاعدة وغيرها، إن من أنتج هذه الحركات التي تستعمل الإسلام لخدمة أعداء الإسلام هي أنظمة فاسدة تأتمر بأوامر أسيادها في واشنطن ولندن وتل أبيب. هذه المناهج تدرس منذ عشرات السنين وكلنا درسناها ولم نحمل أفكار داعش الطائفية. إن إحدى الأهداف التي خلقوا داعش لها هي بالإضافة إلى تشويه الدين الإسلامي في العالم وتفرقة صفوف المسلمين هو محاربة الدين الإسلامي نفسه، وهو ما يحصل الآن. إن أكبر أهداف المنظمة الصهيونية وإسرائيل هو تعريف الجهاد في الإسلام، الذي يهدد وجودها الإستعماري العنصري الإحتلالي ومخططات هيمنتها على العالم العربي والإسلامي، بالإرهاب والكراهية، وهذا ما يريدون تحقيقه الآن من خلال شطب ذلك من مناهج التعليم من خلال الإدعاء بأن ذلك يخلق التطرف والإرهاب وداعش.
    هذا في الوقت الذي يوجد فيه أمريكا وبريطانيا وفرنسا وأستراليا وإسرائيل مئآت المدارس الدينية من يهودية وبروتستانتية كاثوليكية وأنغليكانية وغيرها مما لا نجده في العالم العربي، والتي يدرسون فيها الإنجيل والتورات والحقد والتطرف وهو ما نشاهده في هذه الدول من عنصرية مقيته ضد المسلمين والإعتداء عليهم وحرق مساجدهم ومدارسهم والتحريض ضدهم ودعم أعمى لإسرائيل بالمال والسلاح لإحتلال الأراضي العربية وقتل العرب والمسلمين.
    إن أي محاولة للمس بالمناهج التعليمية للدين الإسلامي ليست سوى خدمة لإسرائيل وأعداء العرب والمسلمين، وهي مرفوضة ويجب أن تكون خط أحمر لجميع أفراد الأمة العربية، ولكل من لديه ذرة دين ومبدأ وإنتماء لأمته العربية والإسلامية وتحررها من العدو العنصري الإجرامي في فلسطين المحتلة. هذه هي المؤامرة الجديدة لتركيعنا وتفريغ أجيالنا من مبادئها وإنتمائها وعزتها وعروبتها وإسلامها.

  3. يقول omar..jordan:

    موضوع الخطيب والامام..
    ***
    هل كان سيدنا محمد عليه السلام يخطب بالناس كرجل دوله؟؟ ام كرجل كهنوت؟؟..
    كرجل في ادارة الشأن العام؟؟ ام كرجل في ادارة الوضوء والصوم والحج والعمره؟؟
    *****
    هل من العقل ترك هذا الموضوع للجلابيب والعمائم والمخابرات والدراويش والحكواتيه
    ******
    لكثرة المساجد ودور العباده في عصرنا … ارى منطقيا وجوب فصل الخطيب عن الامام (اقصد امام الصلاه الشعائريه الجماعيه) خاصتا في المساجد الفرعيه .. فالخطيب يجب ان يكون مندوب عن الحكومه اي مندوب عن السلطه السياسيه التنفيذيه (المنتخبه) او ممثل لها .. يلقي الخطبه الاسبوعيه ثم يعود لمزاولة عمله السياسي الميداني او الاداري للشان العام .. اما من سيكون امام الصلاه الشعائريه (اقصد صلاة الركوع والسجود الجماعي .. الفجر العصر العشاء ..الخ) فهذه شعائريه خاصه و وقتيه .. فارى وجوب تركها لتكون من شان الجماعه الحاضره لاداء صلاة ذالك الوقت مع مراعاة عدم شخصنتها بفرد دون الاخرين .. اما موضوع النظافه والامن لقاعات المساجد والخطب فهذا من شان البلديات المحليه .. لا يعقل اليوم مع كل هذا التطور العلمي والتكنولوجي والانشائي والمعماري ان يبقى الجمهور او الحاضرين او المستمعين للكلمات والخطب مفترشي الارض بجلسة (قرفصاء او جلسة ركبه ونص) !!!.. اما شأن التربيه (الدينيه) فهذا يترك لمدارس الدوله والبيت …

إشترك في قائمتنا البريدية