في الأيام الماضية، وقبل أن تودع 2015 العالم عشت أكثر من فقدان، ولعل فقدان أخي قاسم شمه برحيله بعد معاناته مع المرض كان ألما كبيرا منحته لي الأيام الأخيرة من سنة تموت، وبعده بأيام رحل الكاتب العراقي المعروف خضير ميري، وقبلهما بأيام عانيت وعايشت أكثر من فقدان.
كنت أفكر كم يعج هذا العالم بالحياة والموت معا، كيف يجتمعان ويمشيان بخط متواز، كيف لا يقتل أحدهما الآخر وينتهي الأمر، وماذا لو انتصر الموت على الحياة؟ ترى ألسنا نواجه موتا جماعيا الآن؟ الحروب في كل مكان، والقتل أصبح شيئا سهلا، كأنما عدنا إلى زمن قابيل وهابيل، زمن الرصاصة التي تفتح فمها لتقتل من دون حتى أدنى تفكير.
في ما مضى من سنوات قدمت مقطوعة موسيقية سميتها «جدارية الحياة» وكانت هذه المقطوعة تحمل إحساسي بإيقاع الحياة وترف ضحكتها، نعم ترف ضحكتها لأننا وصلنا إلى زمن لا يعرف الضحك وربما حتى فقد معنى الابتسام.
إنه الموت الذي يفتح يديه وصدره ليستقبل مهاجرين بالآلاف، موتى فتحوا نوافذهم للحياة فتسلل منها الموت. «أمنا الأرض» تشهد محنة كبيرة، فالأخير يموت تحت وابل الأسود المتفحم في سواده، وإن كانت أمنا الأرض عانت من فلسطين محتلة فنحن اليوم معها نعاني من «فلسطينات» تحت الاحتلال والموت اليومي.
و«أمنا الأرض» كانت مشروعي الذي بدأته منذ أكثر من عشر سنوات، جمعت فيه ما سميته «أجمل أصوات العالم» وتحت مظلة الأرض الأم اجتمع موسيقيون من مختلف بقاع الأرض، كل منهم كان متميزا على آلته، وكل منهم كان يبني بالموسيقى سلالم للتعارف على الحياة. كان التفاهم وسيلة أولى للوصول إلى الرسالة، هكذا أسسنا أولى الخطوات لنعبر بالموسيقى إلى أمنا الأرض.
على الخشبة المسرحية لمهرجان أبوظبي كان اجتماعنا الأول، انسجام واضح ليس في الموسيقى فحسب، بل حتى في العميق من الأرواح التي تشاركت الخشبة، كان ثمة ما يتحرك في كل منا تجاه الآخر، وكان الجميع يعرف أن هدفنا إيصال رسالة لأمنا الأرض تقول إننا، نحن ابناءها، الذين سنخطف كل فرصة لنعبر لها عن حبنا، ولنقول أن الأسود الذي خالطها سنبدده بالأخضر، «أمنا الأرض» تئن وتصرخ بِنَا لنسمعها، لكن الضجيج الصادر عن الحروب والموت والقتل أكبر من صوتها.
في ليلة واحدة أذكرها كثيرا وأستعيدها دائما كأنها البوم من الصور الجميلة، وقف الكولومبي أدمار كاستانيدا بقيثارته مبتسما وفرحا يعانق الأوتار وإلى جانبه من باكستان افترش أشرف شريف خان الأرض بصوفية عذبة وهو يداعب «السيتار»، فيما كانت ابتسامة كارلوس بينانا عازف الفلمنغو الإسباني تظهر ما بداخله، كان أيضا تومي سميث بجديته وبلباسه الإسكتلندي من تنورة وغيرها ممسكا بالساكسفون متجاوبا مع كل صوت موسيقي يصدر من أنحاء الخشبة معه محمد حمدي على الفلوت من مصر، كان أيضا على البيانو جيزري من إيطاليا يبحث مثلي عن صوت جديد، بينما وقفت ياسمين عزايز من تونس تحاور سعيد كمال من مصر على كمانين كأنما يتباريان بالموسيقى لا يعزفانها فقط، وما أن علا الحوار حتى نسمع الضربة قوية وحاضرة ومتنوعة من يحيى خليل، كان أيضا من تركيا أيتش على القانون يتحرك بكل حواسه بين الأوتار ويخرج منها أصواتا جديدة ومبهرة، وروس دالي من إيرلندا على آلة الليرا التي عمل على تطويرها كثيراً، ورافقنا عازف ماهر جداً على البزوكي من اليونان اسمه يوركوس، أما من أمريكا فشاركنا مايلز جاي على الكونترباص، وكنت أنا وعودي مع كل هذا الجمال، كيفما استدرت أعانق أصوات الموسيقى العذبة. في هذا الخليط المتجانس، كان هناك من يعزف الجاز، ومنهم من هو عازف كلاسيك، وأيضا ما يمكن تسميته بتصوف موسيقي، كان هناك براعة كبيرة، وكانت الخشبة كأنما تقفز من مكانها، كأنما تعبر معنا نحن الذين نقف عليها عن رسالتها إلى الأم الأرض.
«أمنا الأرض» لم تكن مجرد فكرة عرضية لاجتماع موسيقيين عالميين على خشبة واحدة، ولا حلم ليلة واحدة وتنتهي، كانت مشروعا كبيرا يحمل رسالة إنسانية: أوقفوا الموت، أوقفوا القتل، أوقفوا الحروب والدم، لكن العالم كان يمشي صعودا في غايته البشعة، ومع أن صوتنا كان أجمل، إلا أن العالم كان مصرا على الاستماع إلى صوت الموت وحده. «أمنا الأرض» اليوم لا تعاني فحسب، بل تحتضر وبحاجة إلى نهضة من كل مثقفينا الذين للأسف يبدو أن اليأس دفع بهم للاستتار بالحائط، أغلبهم أصيب بالإحباط فنام نوما طويلا، وقلة منهم من ظل على يقينه بأن صوته مهما كان وحيدا سيستطيع أن يجد أصواتا تشابهه، نحتاج إلى تضافر عاقل يستطيع لا أن يصغي فقط إلى صوت العقل بل أن يتحدث به أيضا، وفي مرحلة تخبط كبير يعاني منها العالم كله، خصوصا الأجيال الجديدة، لا بد أن يكون مشروع «أمنا الأرض» مشروعا يحمله كل مثقف ويمشي به، نحتاج إلى رسالة سلام عالمية نطلقها، خصوصا أن بابا الفاتيكان أعلن عام 2016 عاما عالميا للسلام، هذه الدعوة يجب أن يتردد صداها في العالم كله، ومن الأولى أن يحمل مصباح السلام مثقفون يحملون بين أضلاعهم قلوبا ترغب بمنح الحياة المزيد من الحياة.
أختم هذه السنة بدعوة إلى جميع المثقفين في العالم ليتضافروا من أجل السلام، ولتكون رسالتهم رسالة محبة لأمنا الأرض، وأتمنى أن تطل علينا سنة جديدة تحمل إلينا المحبة والخير والفرح.
كل عام وأنتم جميعا أصدقائي بخير وفرح وأوطانكم ترفل بالسلام والطمأنينة.
موسيقي عراقي
نصير شمه
وأنت أخي نصير بألف خير وعافية وسعادة وكذلك كل محبي السلام.
السلام مرهون الى أن يفهم القوم أن ” الله نور السماوات والارض مثل نوره كمشكات فيها مصباح المصباح فى زجاجة الزجاجة كأنها كوكب درى يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية و لا غربية يكاد زيتها يضىء و لو لم تمسسه نار نور على نور يهدى اله لنوره من يشاء و يضرب الله الامثال للناس و الله بكل شىء عليم ” سورة النور.صدق الله العلى العظيم.
كل سنة و أنت و أمثالك و ” أمنا الارض” بخير .
الموسيقى أصبحت ” حراما ” عند الكثيرين في عصرعربي يتعارض مع عجلة التاريخ وسيرورة الزمن, حين غنت سيدة الطرب العربي أم كلثوم في فيلم ” سلامة ” قبل العشرات والعشرات من السنين بعدما تساءل القوم عما إن كانت ” القبلة ” حلال ولا حرام ؟ جاء ردها : ” القبلة إن كانت من ملهوف اللي على ورد الخد يطوف ..إلخ ” ثم أضافت : ” ولا يسمع للناس ملام ولا يخشى للناس ملام”.. هكذا كتب القدماء ولحنوا وغنوا , أهل إعترض أحد آنذاك على هذا ؟ لاأظن, لإنه الفن, والفن كلمة و صوت ولوحة, وإلهام , مشاعر وإحساس أشياء مقدسة لاتختلف في قدسيتها عن المقدسات المعلومة الأخرى, بالطبع لم يمنع الفيلم ولاكفر بدليل أنه عرض على التلفزيونات الوطنية العربية , إذن فالعرب في “تقدم ” على الأقل في نظرة الكثيرين منهم للفن.؟؟