الناقد المصري سمير غريب: إصرار وزير الثقافة على افتتاح المسرح القومي قبل الإنتهاء من ترميمه أمر يثير الكثير من علامات الإستفهام

القاهرة ــ «القدس العربي» ــ : الناقد التشكيلي والكاتب سمير غريب من القِلة المثقفة التي تعي جيداً كيفية تفعيل الدور الثقافي في المجتمع، فمن خلال دوره كناقد للفن التشكيلي قدّم غريب مؤلفات مهمة في الفن التشكيلي والقضايا الثقافية عموماً، نذكر منها على سبيل المثال… «السوريالية في مصر، نقوش على زمن، الهجرة المستحيلة، راية الخيال، وفي تاريخ الفنون الجميلة»، إضافة إلى توليه العديد من المناصب المهمة الفاعلة، كالأكاديمية المصرية بروما، صندوق التنمية الثقافية، حتى آخر هذه المناصب كرئيس سابق للجهاز القومي للتنسيق الحضاري، وهو بذلك يمتلك رؤية ناتجة عن تجربة فعلية من دون الاكتفاء بالتنظير للواقع الثقافي المصري، وكيفية البحث عن حلول لمشكلات هذا الواقع المزمن. فكان لنا معه هذا الحوار، لتوضيح رؤيته كمحاولة للنهوض بالشأن الثقافي، خاصة أن وزارة الثقافة المعنية بالأمر أصبحت لا تقدّم شيئاً موضوعياً، واقتصر نشاطها على شكليات مفرّغة من المعنى ليس أكثر.
○ كنت رئيساً لجهاز التنسيق الحضاري، فهل ترى أنه قام بدوره المرجو؟
• أعتقد أن الجهاز قام بدوره إلى حدٍ ما، لأن مشاكل العمران المصري من الضخامة والجسامة بحيث أنها أكبر من قدرة أي جهاز أو هيئة، ويرجع ذلك إلى عدة أمور.. أولها يكمن في أن التنسيق الحضاري كمفهوم يعتمد نجاحه في جزء كبير منه على ثقافة المواطن ووعيه، ونحن في مصر للأسف لدينا مشكلة كبيرة في ثقافة ووعي المواطن من الناحية العمرانية والجمالية. الأمر الآخر هو عدم تطبيق وتنفيذ القوانين، بما فيها قانون التنسيق الحضاري نفسه، إضافة إلى وجود جهات حكومية في الدولة لم تكن متحمسة لموضوع التنسيق الحضاري، أو غير مُدركة لأهميته. ومع ذلك نجح الجهاز في عدة أمور أساسية .. كنشر فكرة ومفهوم التنسيق الحضاري في المجتمع، وإصدار قانون التنسيق الحضاري، بعد 4 سنوات من بداية عمل الجهاز، الذي واجه خلال ذلك العديد من المعارك والبيروقراطية. كما نجح الجهاز في إصدار 6 أدلة إرشادية لأول مرّة في تاريخ مصر، توضح أسس ومعايير التنسيق الحضاري، منها .. دليل الإعلانات واللافتات، ووضع خرائط بحدود المناطق التراثية في مصر، وإصدار معايير للتعامل مع كل منطقة. من ناحية أخرى نجح الجهاز في إيقاف بعض المشروعات التي تضر بالعمران المصري والمناطق التراثية، كمشروع جراج ميدان رمسيس على سبيل المثال.
○ وهو ما يحيلنا إلى السؤال عن «مركز ارتقاء» الذي تتولى رئاسته من حيث الأهداف وكيفية تحقيقها على أرض الواقع؟
• ارتقاء الوطن يبدأ من المواطن بالأساس، خاصة أفكاره التي تنعكس على سلوكه، والثقافة عموماً هي التعبير عن الفكر والسلوك، هذا هو هدف المركز، استعادة الرقي الذي كانت عليه مصر لفترات طويلة من تاريخها، ولن يبدأ هذا إلا من إرشاد المواطن بأبسط الطرق إلى السلوك والفعل المتحضر، فالقبح والجمال فعل إنساني في النهاية، وعلينا أن نغيّر هذا القبح كمسؤولية تجاه الوطن. ونقوم بذلك عبر عدة قنوات.. كتقديم خدمات ثقافية وفنية وعلمية وحماية التراث، تنمية المجتمع وإحياء الحرف التراثية ودعم الثقافة، وتشجيع الإبداع في كافة المجالات، خاصة بين الشباب.
○ وما هي مصادر الدعم لتفعيل هذه الأهداف والمشروعات؟
• يعتمد المركز على اشتراكات وتبرعات الأعضاء، فليس لدينا دعم حكومي حتى الآن، أو من أي جهة خاصة. الأمر إذن يعتمد على اتساع مجال العضوية، بحيث تصل إلى مئات الأعضاء، وبالتالي سيتجمّع مبلغ لا بأس به لبداية نشاط المركز، أما بعد ذلك فهناك تمويل ذاتي آخر من خلال مشروعات ينفذها المركز تدر عائدا، إضافة إلى إقامة دورات تدريبية ومطبوعات، فنحن فقط تجاوزنا الشهر الثالث من إنشاء المركز. كما أن النجاح ليس مرتبطاً فقط بالدعم المالي، بل مواقف المركز من القضايا الثقافية والتراثية العامة، فنجحنا في إيقاف مشروعين كانا سيضران أبلغ الضرر بالعمران المصري .. كوقف هدم المبنى الرئيس للحزب الوطني المنقضي، وإيقاف مشروع قانون التصالح في المخالفات العمرانية، وهذا نتيجة بيانات وحملات المركز، بالتنسيق بين الأعضاء ووسائل الإعلام.
○ بماذا تفسر تدهور الدور والواقع الثقافي المصري الذي وصل إليه الآن؟
• الدور الثقافي المصري بدأ في التدهور بعد إبرام معاهدة كامب ديفيد 1979، لأنها شقت الصف وعزلت مصر لفترة عن العالم العربي، كما بدأ الواقع المصري في التدهور من هذا التاريخ أيضاً، لسيطرة سياسة الانفتاح والنمط الاستهلاكي على المجتمع، فضلاً عن النفاق السياسي الشديد وانتشار الفساد إلى حدود لم تشهدها مصر في تاريخها الحديث، كل ذلك أدى إلى تراجع الثقافة وإهمالها من قِبل الدولة، والدليل هو تراجع مستوى الإبداع بمصر في معظم المجالات، والتراجع الحاد في الإنتاج الثقافي بشكل عام، وهذا ما جعلني أفكر وأنشئ (تكتل إنقاذ الثقافة المصرية) مؤخراً.
○ هذا يستدعي السؤال حول رؤيتك إلى سياسات وزارة الثقافة حالياً
• أولاً وزارة الثقافة لا تمتلك سياسة حتى نتكلم عنها! كانت وزارة الثقافة خلال حُكم مبارك قائمة على الاهتمام بالكم وليس الكيف، ذلك لإرضاء القيادة السياسية وضمان بقاء الوزير في منصبة، فكم من المباني من قصور وبيوت الثقافة والمكتبات تم تشييدها وافتتاحها، من دون الاهتمام بالعنصر البشري أو ما تقدمه هذه المنشآت أو ما يحدث داخلها؟! لذلك شاهدنا ظاهرة سرقة الأعمال الفنية من المتاحف، كما كانت الآثار وقتها ضمن مسؤوليات وزارة الثقافة، فشهدت تلك الفترة القدر الأكبر من سرقة الآثار وتهريبها خارج مصر، إضافة إلى تخلي الدولة عن الإنتاج السينمائي وصناعة السينما بشكل عام، وشهدنا سرقة الأفلام وبيع الأصول. وبعد مبارك وحتى الآن توالى 6 وزراء خلال 4 سنوات، وهو أمر لم يحدث منذ إنشاء وزارة الثقافة! فكيف يمكن السؤال عن سياسة تتبعها هذه الوزارة! الأمر مرهون بالاستقرار، وأرى أنه سيأتي بعد انتخابات مجلس النواب، طبقاً لخريطة الطريق بعد انتهاء حُكم الإخوان لمصر. والأهم أن الاستقرار مرهوناً بالقضاء تماماً على الإرهاب في مصر.
○ قــلـــت من قبل إن القضاء على الإرهاب يبدأ بالقضاء على الفـــســاد، إلى أي مــدى ترى ذلك على أرض الواقع، خاصة أن الحل الأمني يبدو أنه الحل الأوحد في يد الدولة الآن؟
• لا اعتراض مُطلقاً على ضرورة الحل الأمني لمواجهة الجماعات الإرهابية، إنما في الوقت نفسه يعكس الإرهاب مشكلة ثقافية واجتماعية واقتصادية بالأساس في حالات كثيرة منه، لذلك من المهم عمل دراسة علمية جادة لكشف ودرء أسباب انخراط الشباب في أعمال إرهابية، والاهتمام بالتنمية البشرية، فالبشر هم أساس الخير والشر، ومن أهم عوامل هذه التنمية هو القضاء على الفساد. وكل هذا لا يتم مبدئياً إلا من خلال تغيير ثقافي يؤدي لممارسة قيم إيجابية في الحياة كالخير والجمال والعدالة، ولا يأتي ذلك من خلال المحاضرات والدروس فقط، إنما بالقدوة وتطبيق القانون.
○ وماذا عن حالات الفساد بوزارة الثقافة، خاصة بعد تقديم بلاغ إلى النائب العام بخصوص ترميم المسرح القومي، وقد أشرت إلى ذلك في عدة مقالات سابقة؟
• لقد فوجئت بهول ما حدث في المسرح القومي! فمشروع الترميم كان بعد الحريق الذي شب في خشبة المسرح في 2008، المفاجأة من التعمد والتعدي، فالمكان المُضار من الحريق مكان محدود، لكن يبدو أنه كان طريقاً لإنفاق ملايين الجنيهات من دون داع، فالمشروع أولاً جاء كتطوير للمسرح وليس لترميمه، وأنا لم أفهم مصطلح (التطوير) لأن مبنى المسرح مُسجّل كأثر، والآثار لا تُطوّر، بل ترمم ويُحافظ عليها بشكلها الذي سُجّلت عليه، وهذا فتح الباب لعمل توسعات بالمبنى كان داعيها إنفاق الأموال، إضافة لهدم مبنى إداري حديث وإعادة بنائه مرّة أخرى، ووضع حائط زجاجي عاكس مستورد من بلجيكا، وغير ذلك من أعمال لا داعي لها، بما أوصل تكاليف المشروع لأكثر من 105 ملايين جنيه، ومع ذلك لم يتم استلام المسرح بشكله النهائي من الشركة المُنفذة، ولم يتم تقديم المستخلص الختامي للشركة، لنعرف كم وصلت تكلفة المشروع! كل ذلك دفع ببعض العاملين في وزارة الثقافة إلى تقديم بلاغ إلى النائب العام للتحقيق في هذه الوقائع، بعد أن رفض وزير الثقافة الحالي الطلب بأن يحوّل هو الأمر للنيابة العامة، وتحت ضغط منا ــ المتقدمين بالبلاغ ــ أحال الموضوع إلى النيابة الإدارية، رغم أن المخالفات جنائية! ومن الغريب أن يُسارع وزير الثقافة جابر عصفور إلى تنظيم افتتاح للمسرح بدون مسرح، فافتتاح المسارح يتم بتقديم عرض مسرحي، لا مجرّد مبنى، فالمسرح لم يتم تجهيزه حتى الآن بأجهزة الصوت وأدوات العرض اللازمة. فالافتتاح قبل استلام المسرح تماماً من الشركة المُنفذة يثير علامات استفهام كثيرة.
○ حالات فساد أخرى أشرت إليها كتعيين إسماعيل سراج الدين مستشاراً لرئيس الوزراء، مقارنة بالشاعر عمر حاذق المسجون حالياً بسبب قانون التظاهر، ألا ترى أن هذه المفارقة تلخص اللحظة الراهنة بالكامل؟
• لا أريد أن أصف المفارقة بأنها تلخيص للحظة راهنة، إنما تعبّر عن الواقع الذي نعيشه في مصر. وقد كتبت سلسلة من المقالات تربو على 14 مقالا في جريدة «الأخبار» عام 2011 أعرض فيها بالمستندات لوقائع فساد عديدة بمكتبة الغسكندرية، التي تم تحويل بعضها إلى المحاكم، والتي لم تزل تنظرها، من دون صدور أي حكم قضائي نهائي في أي منها فسراج الدين متهم أمام المحاكم في هذه القضايا، ولم تتم تبرئة ساحته، وفي الوقت نفسه يتم تعيينه مستشاراً ثقافياً لرئيس الوزراء! وقد كتبت مُعارضاً هذا القرار.
○ ما رأيك في اجتماع رئيس الدولة مؤخراً بالمثقفين وتبعاته؟
• رئيس الدولة حُر في اجتماعه بمن يشاء، أنا أخذت على المثقفين الذين اجتمعوا به أن أحدهم لم يطلب منه الإفراج عن الشاعر الشاب عمر حاذق، الذي قاد تصدي الـعـامـــلــين في مكــتـبة الإسكندرية لوقائع الفساد بها، وقد انتهى به المطاف إلى الحكم عليه بالسجن بسبب قانون التظاهر. وهو شاب من أنقى المبدعين الشباب الذين عرفتهم.
○ بصفتك متابعا حريصا للحركة التشكيلية المصرية، ما سماتها المميزة، خاصة في ظل المعارض الكثيرة التي تقام الآن؟
• هناك حالة من الرواج بالفعل، لكنها مقتصرة على القاهرة والإسكندرية، وليس في القاهرة كلها، بل في حي الزمالك فقط، الذي يجمع الأغلبية من قاعات العرض الخاصة في مصر، وعدد من متاحف الدولة وقاعاتها، وأنا أدعوه (رواج حي الزمالك التشكيلي). بخلاف ذلك وداخل هذه القاعات هناك شباب من الفنانين لافتي النظر بتجاربهم الفنية وإبداعاتهم الجديدة، خاصة بعد أن تم حفظ أعمال الأسماء الكبيرة في المتاحف، فأصبح لا جديد عندها.
○ كتبتم مؤلفات مهمة تضاف إلى رصيد الثقافة المصرية، ماذا عن الكتابات الجديدة وموضوعاتها؟
• أكتب وأنشر المقالات والدراسات عن الفن التشكيلي، التي تنشر في عدة صحف ودوريات، كجريدة «الحياة» مثلا الصادرة في لندن، وسأقوم بجمع هذه المقالات والدراسات في كتاب سيصدر قبل نهاية هذا العام. كما انتهيت من كتاب في سبيله للنشر بعنوان «خلود المحبة» يدور عن أشخاص وأحداث وكتب أحببتها. وكتاب آخر أعده للنشر عن تجربتي في الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، بعنوان «معارك العمران».

محمد عبد الرحيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية